|
هكذا تكلم عروة الزمان الباهي..
نورالدين علاك الاسفي
الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 10:59
المحور:
الصحافة والاعلام
إهداء: إلى حلقة أصدقاء محمد باهي. حلت الذكرى الثانية عشر لرحيل محمد حرمة الباهي لتستنهض ذكريات ومشاعر تستوطن ذاكرتنا الجماعية. فمحمد باهي..شاء قدره المحتوم أن يكف قلبه على النبض و هو في وطنه المغرب الذي أخلص له الانتماء و حمله معه في ديار الغربة. و رغم بعده عنه كان اقرب الناس إليه. مشاكله تؤرقه وتقض مضجعه. فيكتب عنها بحس و طني لافت و بغيرة أكسبت اسمه التقدير و المصداقية. محمد باهي.. اسم وشم الذاكرة. بفضل ما اتسم به صاحبه من جدية في تناول الموضوعات الساخنة بأسلوب يمتزج فيه التحليل الصحفي الجاد بالتشويق القصصي. جعلنا نوثق العرى بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" في مواعيد محددة كل أسبوع. وكان شوقنا يطفح كل يوم الأربعاء؛ و هو اليوم الذي كانت تصلنا فيه" رسالة باريس"على أجنحة الجريدة. فاكتسبت يومها نكهة خاصة. أشعرتنا انه يكتب لكل واحد منا. فيطلعه على جديد همومه ومتابعاته موصولة بالوطن وقضاياه؛ فبرع في منح كلماته و عباراته بعدا حميما.. مما مكن لرسائله أن تؤسس لمدرسة في الكتابة و تؤرخ لصحافة نادرة برصانتها و بتحاليلها المتميزة و بحمولتها من الآراء التي كانت تنم عن تجربة خصبة في وزن الأمور و الحكم على الناس و الأشياء. و كانت الأيام و الأحداث جديرة بان تؤكد صحة ما جاءت به رسائله من تكهنات و توقعات جعلت منها مرجعا لمن يريد أن يفهم كواليس الأحداث ..كقضية الصحراء المغربية..وإشكالية السلطة في الجزائر..و ظاهرة التطرف الديني.. هكذا كان يأخذنا بأسلوبه الشيق في دهاليز السياسة المعتمة.. فينيرها لنا بفكر ثاقب و يشركنا في الأحاديث الخاصة جدا لمجالس صنع القرار. فأشعرنا بأنه يعلمنا فن الكتابة الصحفية الرصينة وطرق تحليل المواقف مما شكل فرادة فيما ألفناه من الكتابة الصحفية الهاربة إلى التحاليل المقتضبة و المتسرعة في استخلاص النتائج بإبداء تكهنات لا تستند إلى أساس. ما لبثت أن فندتها الأيام. وهكذا تسنى له أن يتربع على عقولنا وأحاسيسنا مستلهما أسلوبا جادا في الكتابة مع أخلاق رفيعة ووفاء قل نظيره لشرف مهنة المتاعب. و تجري مياه تحت الجسر..بعد وفاته.فيصرح احد قادة الحزب.. الذي عمل فيه الباهي كواحد من مثقفيه الطلائعيين نضالا و قلما جسورا. عازيا تراجع الحزب الاشتراكي للقوات الشعبية إلى " أن هناك حملة شرسة شنها الإعلام المغربي المستقل ضد حزبنا.."و لم يكلف صاحبنا نفسه عناء وضع اليد على الجرح حتى لا ينكأ..فواقع الحال يغني اللبيب عن السؤال. فاليسار السياسي تفرق شذر مذر ..و دخل في حساباته منطق الربح و الخسارة .وبدا التراجع تلو الآخر و صارت نتائج الاقتراعات تخبر اليقين.. ،فمنذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 من شتنبر2007، التي أظهرت عزوف الجماهير عن المشاركة في عملية الانتخابات.انتهت القوى الشعبية إلى أن اللعبة السياسية صارت ملعونة بالهواية بعدما كانت ملعوبة بالاحتراف. و هذا ما كان قد انتبه إليه الباهي الطيب الذكر.. فطيلة حياته النضالية اعتبر رائدا في هذا المجال من خلال عديد إسهاماته.. من اجل أن يظل الحوار مفتوحا بين التيارات اليسارية بمختلف مشاربها و توجهاتها.و لعل اللقاءات المتعددة والطويلة التي كانت تجمعه مع العديد من قادة هذه الفصائل تبقى خير شاهد ؛على الخصوص بمدينة باريس، و عند عودته إلى المغرب.. فأسهم بذلك في تطوير النقاش حول الاختلافات الإيديولوجية والسياسية بين مختلف فصائل اليسار. وعندما يشتد النقاش و يحتدم.. يحاول جاهدا التقريب بين الآراء والمواقف كاشفا على أن التباين والاختلاف الموجود هو ضرورة حياة داخل أي حزب أو تنظيم، ولكن..لا يمكن استعماله مطية للتقسيم،الذي كان يشبهه بانقسامات"اللاميديا"إذ بمجرد أن تتكون نواتان تنقسم الخلية على نفسها مرة أخرى.وكثيرا ما كان ينهي موقفه مخاطبا محاوريه من رفاقه اليساريين.. إنهم مثل الروافد التي تنسلخ عن المجرى الرئيسي لنهر، لا تلبث أن تعود مرة أخرى لتصب من جديد في المجرى الذي انطلقت منه، بعد أن تسقي حقولا وتروي أشجارا..لينتهي إلى أن المعارك من أجل الديمقراطية هي قاطرة حقيقية لوحدة اليسار في مساره. عاش محمد باهي الحياة بما تحفل به من حب و علاقات.. و تبقى لنا الذكرى ..وفي النفس رجع صدى لكلماته..قد يسعفنا العمر لنضع ما حمل على كاهله في كفتي ميزان.. . ولعل الكلام الذي سمعناه منه و قرأناه له أدل عليه من كل كلام يقال فيه.. أما اللحظة فلا نمللك إلا غصن التحية لذكراه..فالذكر للمرء بعد الموت عمر ثان.. هكذا تكلم الباهي.. و هكذا قال كلمته ومشى.. ليعطي إشارة صادقة لنبوءة نيتشه بأن الواهب و المبدع و المعلم ثلاثة ينذرون قدوم من سيسود.
نورالدين علاك – المغرب ************* - جريدة الاتحاد الاشتراكي.أعداد: يونيو 1996. - عروة الزمان الباهي. عبد الرحمان منيف. -حلقة أصدقاء باهي. وحـدة اليسار.. أمل المستقبل. باريس. -باهي..الصحافي و المناضل. سلسلة شراع .1996. - العرب الأسبوعي: السبت 17-23/5/2008السنة الرابعة- العدد: 155
#نورالدين_علاك_الاسفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية .. على الطريقة الإسرائيلية
-
ستون سنة..و المواطن فلسطيني
-
يَجبُ أَنْ نعْرفَ بشكل أفضل،; وعلى بلادَنا .. أَنْ تَتصرّفَ
...
-
صرير الصحافة اليوم .. نفير الإصلاح غدا..
-
شذرات
-
يا حروف العالم اتحدي
-
الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب.
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|