مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 11:12
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
" الصينيون يدّخرون , والأميركيون يقترضون ..؟
من غرائب العصر , إن دولة جمهورية الصين الشعبية , ودول العالم الثالث الصغيرة " الفقيرة " الاّسيوية تنقذ الدول الصناعية الغنية !؟
لنمعن النظر جيداً بالمشهد العالمي , الإقتصادي والسياسي : جغرافية الدول الإقتصادية ككل , و جغرافية الدول الإمبريالية والرأسمالية وشركاتها عابرة القارات إمبراطوريات وتروستات ومافيات ( سلاح , مخدرات , نفط , تكنولوجيا الإتصالات وغيرها.... تحت شتى الأسماء والأقنعة ) .
كيف تتخبط هذه الدول الرأسمالية وإمبراطوريات رأس المال – أو النفظ - وعلى رأسهم أميركا , يسيرون في طريق الحروب ولا تعيش إلا بالإحتلال والهيمنة , لإنقاذ نظامها من أزماته الإقتصادية الخانقة , وبوادر انهياره ..!؟
واّخرون يسيرون في طريق البناء والتنمية والسلام بصمت ودون بهورة وغرور , ضمن العلاقات الدولية الندية والمصالح المتبادلة ...
كانت أحداث القرن العشرين , القرن الماضي , تمتاز بالحروب والثورات الطبقية , وثورات حركات التحرر الوطني , التي غيرت جغرافية ووجه العالم . وأحداث كبرى عميقة , شرخت المجتمعات والقضايا الإنسانية المصيرية , ولم تندمل جراحها حتى الساعة , ولم يعش كوكبنا بازدهار وسلم وأمان إلا إذا عولجت هذه الشروخ والتصدَعات بطرق ووسائل سليمة وسريعة .. وعادلة .
إذاً .. الأحداث المأساوية التي تعيشها منطقتنا ويعيشها العالم معنا أيضا بشكل أو باّخر , هي وليدة وحصيلة أحداث القرن العشرين المأساوية , وليست جديدة علينا , أي ورثناها , وورثنا تبعاتها ونتائجها وذيولها وسلبياتها وكوارثها , وكنا شهود , وشهداء لها باّن .
العناوين العريضة لهذه الأحداث الكبرى هي باختصار :
1) قيام الثورة البولشفية الكبرى في التاريخ - 1917 ثورة أكتوبر المجيدة - التي أعطت الدور الرئيسي للشعوب وأبرزت لأول مرة في التاريخ أهمية نضال الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في تغيير المجتمعات البشرية وتحرير الإنسان وتحقيق الحياة الفضلى .
2) إعلان وتنفيذ وعد ( بلفور ) المشؤوم - 29 تشرن ثاني 1917 بإنشاء دولة لليهود في فلسطين – وما أثر وانعكس سلبيا وكارثيا على جغرافية ووضع المنطقة , هي في وسط مركز العالم , بما تعنيه في الوطن العربي من معاني استراتيجية : جغرافية دينية حضارية ثقافية إقتصادية ( بترول , مياه , طاقات , بشر ... ) .
3) قيام الحربين الكونيتين الأولى 1916– 1918 , والثانية 1939- 1945 - وما جرّتا من ويلات وكوارث وتغيير في الجغرافيا والحدود .
4) ثورة الصين الشعبية , المسيرة الكبرى في التاريخ .
5) تفكك وانهيار الإتحاد السوفياتي .
أعتقد أن هذه الأحداث التاريخية الهامة هي التي تؤطر قضايانا الحالية المؤلمة الضاغطة الملتهبة التي يعيشها كوكبنا ككل , وشعوبه الفقيرة المضطهدة , خاصة شعبنا العربي وشعوب منطقة الشرق الأوسط , بحروبه وأزماته , وأنظمته الإستبدادية المستمرة والمدمرة للأرض والإنسان .
هذه الأحداث الكبرى .. هي التي ولدت مفاجاّت ومعطيات ومخاضات ومؤشرات القرن الواحد والعشرين الذي نعيش عقده الأول ..
وإذا أردنا أن نختصر هذه الأحداث الكبرى حقيقة في هذه الدراسة , نستطيع حصرها في إثنين : الحدث الأول والثاني .. أي ( ثورة أكتوبر – ووعد بلفور , سرقة فلسطين وقيام الكيان الصهيوني .
حدثين هامين , متنافرين , متضادين .. أليس كذلك .. وتأثيرهما الإيجابي أو السلبي خاصَة على وطننا العربي !؟
ونستطيع أن نقول أن مظاهر , وظواهر العنف والإرهاب والحروب والإحتلالات والمنازعات الداخلية والحدودية والتطرف بشتى ميادينه وأشكاله , وأزمات البطالة والجوع والفقر والتصحَر وفقدان الأمن العالمي هو وليد ونتاج أحداث الماضي المؤلمة , والاّلام لا تلد إلا الاّلام , فالشر لا يلد سوى الشرور .. خط واحد , وشريط واحد .. نحن اليوم في القاع .. نتيجة ما اقترفت يد الجميع من تاّمر وخيانات واستهتار وانتهازية وعدم الإعتراف بالخطأ وتصحيح المسار !؟
بعد قيام ثورة أكتوبر, أصيبت الحركة ( القومية الصهيونية ) وتجار المال , والطبقة العليا اليهودية ومعها الإمبريالية العالمية بأسرها , بضربة موجعة .. فبدأ التخطيط ضدها منذ اللحظة الأولى لقيامها !؟
.......
لنأخذ هذه الخطوط العريضة واحدة واحدة :
أولاً – قيام الثورة البولشفية الكبرى في روسيا الإمبراطورية الإقطاعية , و ولادة الإتحاد السوفييتي C CCP ) ) وبناء النظام الإشتراكي الأول في العالم .
لأول مرَة تستلم الطبقة العاملة السلطة وتحقق العدالة الإجتماعية لشعوبها بقيادة حزبها الطليعي وقائدها ومعلمها فلاديمير لينين , وستالين , وتقضي على النظام الطبقي الإقطاعي الظالم ... أي نقلوا النظرية العلمية وأفكار ( ماركس وأنجلز) إلى الممارسة الحية وتطبيقها على أرض الواقع ...
تجربة ناجحة بتوقيتها ونهجها .. غيَرت وجه العالم كله جذرياً , طبقيا , سياسيا , إقتصادياً , ثقافياُ ..... فعلاً : ( عشرة أيام هزَت العالم ) – جون ريد -
وصل تأثير هذه " الهزة " وارتداداتها المادية والمعنوية إلى بلادنا ومنطقتنا , وعشنا بفرح وثقة تغيراتها , وكنا شاهد أو شاهدة على المتغيرات الجديدة التي لمست حياتنا وتفكيرنا وعلاقاتنا , والتي أثمرت على شعبنا وشعوب العالم تحرَراً واستقلالاً وطنياً ووعياً جذرياً للتفكير والثقافة , والوجود , والإنسان والإنسانية .. ... وقد كان ماوتسي تونغ صادقاً عندما قال : " إن مدافع ثورة أكتوبر نقلت الإشتراكية إلى بلادنا " .
ثورة .. هزَت العالم في إنتصارها , وهزَت العالم في التاّمر عليها وتحريفها وتفكك ركائزها المبدئية والكيانية !؟
وما وجودنا هنا في بلاد الإغتراب , والمنفى وما عانيناه في ظل النظام القمعي في الوطن , وما نكتب ونحلل في هذه الدراسة والسطور وغيرها ... ما هي إلا من وهج الثورة وفكرها الأممي , لهي دليل دامغ وبليغ على تأثير فكر ثورة أكتوبر على حرية الشعوب ووعيها ونضالاتها ..!؟
شكرا لمبادئ هذه الثورة التي أرضعتنا النقطة الأولى من لبن حليبها الصحي المغذي للعقل والروح ..
خسارة البشرية , موت ( المعلم ) باكراً .... !؟ كلنا يعلم من قتله , وبيد من قتل , وسمَم !؟؟
لكن المهم .. بنيت دولة الإتحاد السوفياتي , وقام النظام الإشتراكي فعلاً .
كم تاّمروا على هذه الدولة الفتية .. والنظام الجديد.. ؟
التاَمر على الثورة منذ اليوم الأول لنجاحها , بدأ بوسائل وأسلحة وأساليب ودول متنوعة ومختلقة كثيرة ...
صمدت تجذرت قويت تصلبت بفضل قيادة الطبقة العاملة وحزبها الأممي وخطها الثوري والطبقي والوطني الصحيح , حتى قيام الحرب العالمية الثانية ..
إن البيان الشيوعي الذي وحد الشغيلة في العالم لأول مرة في التاريخ أول قنبلة أطلقت لحفر قبور الرأسمالية الجشعة .. التي لا تشبع من امتصاص دماء الفقراء والكادحين .
الحرب الكونية الثانية هبت نيرانها على أوربا .. صراع وحوش الإستعمار ودول الرأسمال العالمي والإمبراطوريات الإستعمارية – حينذاك ألمانيا , بريطانيا , فرنسا , إيطاليا , أسبانيا , واليابان ثم أمريكا و, الصراع على النفوذ والموارد والخامات الصناعية ( الحديد والفحم ) في تلك الأوقات كالنفط اليوم - واحتواء الدول الصغيرة وغيرها ,
قيام ونشوء الفكر القومي العنصري النازي بقيادة هتلر وفكره الفوقي الشوفيني المتعصب وحلمه باحتلال أوربا و العالم بقوة بطشه , وجنونه المريض , فاجتاح وبلع أوربا واحدة تلو الأخرى بسهولة وسرعة .... ثم تحركت جحافله باتجاه حدود الإتحاد السوفياتي .
لم يدرس ويتعظ هتلر وقيادته , من تاريخ هذا الشعب والأرض جيداً , فانهزم ورجع كما رجع نابليون 1812 مهزوما " بجنرال الثلج " وعبقرية الشعب الروسي , فكان الجيش الأحمر ثانية , وقائده ستالين " جنرال الثلج الأحمر" يسحقه ويرده خائبا إلى عقر داره , ليعلمه درساً في المقاومة .. أن الدول لها حدودها وجيش يحرسها , والشعوب لها حريتها وكرامتها ..
جند الإتحاد السوفياتي فور هجوم الجيش الألماني على الحدود , كل طاقاته العسكرية والبشرية .. والحزب والدولة والشعب صفاً واحداً بقيادة ستالين والجيش الأحمر البطل , فكسب الحرب , وانتزع النصر , وانتصر الشعب , ونصر معه العالم الرأسمالي أيضاً , ودوله التي تتنكر اليوم لهذا الإنتصار ....!؟ ودكَ اّخر معاقل النازية في برلين .. ... طبعاً بعد أن دفع ( 21 ) مليون شهيداً من أبناء الشعوب السوفياتية .. وخراباً للبلاد ( لم يبق حجراً على حجر ) في الإتحاد السوفياتي ومعظم الدول الأوربية – لا تزال اّثار معالم هذه الجريمة ماثلاً حتى اليوم ..!؟
نعم , انتصر الإتحاد السوفياتي , قام من " محرقة " ومجزرة الموت حياً .. جريحاً .. مدمَى , قام الجيش الأحمر ناهضاً من تحت الرماد والخرائب بدمه وعلمه ..... وانتصر على النازية والتسلط والقوة والعنصرية والفوقية والإحتلال , وأقام معه شعوب أوربا كلها ودولها , زائداً مقاوماتها البطلة من اليونان حتى أسبانيا وفرنسا ..
إذاً .. الدرس الأول لنا هو أن النظام الإشتراكي لم يسقط في أكبر تحدَي وهجمة عنصرية شرسة ألمانية نازية ..
لم يسقط النظام لأنه كان يمثل كل طبقات الشعب والطبقة العاملة خاصة , و " نشل " معه أيضاً النظام الرأسمالي والدول التابعة له .
ولولا هذا الإنتصار لبقي نظام هتلر حتى اليوم يحرث في أوربا قتلاً ودماراً..
إذاً , النظام الإشتراكي ليس هو من يقود ويهلل ويدعو للحروب , بل بالعكس تماماً , هو من يدعو إلى التحرير .. إلى البناء .. إلى السلام .. إلى الإنسانية والحق والعدالة .. ....يتبع .... لاهاي / 9 / 6 / 2008
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟