|
التربية والتعليم والعقل
سميرة الوردي
الحوار المتمدن-العدد: 2306 - 2008 / 6 / 8 - 05:54
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مِِكَرٍ مِفَرٍ مٌقْبَلٍ مُدبِرٍ مَعاَ كَجُلمودِ صَخرٍحَطهُ السَيلُ مِن عَلِ كل من دَرََس في مدارسنا ذات المناهج العريقة يكون قد تعلم هذا البيت وبدقة في حركاته وسكناته كما تعلم الكثير منها وأشباهها ، ومن لم يُتقنها من خريجينا أو يُحسنها فقد أضاع الكثير على نفسه ،ولكنه ما زال لا يدرك وعبر هذا الزمن الطويل لِمَ تعلم العربية والكيمياء والفيزياء والرياضيات وحتى اللغات الأجنبية ، فإنه يقف عاجزا عن الإجابة حتى بعد تأهله في وظيفته وتفوقه في عمله يبقى عاجزا عن تفهم ماهية الدراسة والمدرسة ومافائدتها الكبرى والجوهرية في الحياة ، ولذا تبقى النظرة قاصرة الى أهمية التعليم في الحياة وتطورها ، وتبقى تلك النظرة التقليدية الى دور المدارس في إتاحة فرص العمل لخريجها بدوائر الدولة. سألت إحدى خريجات الثانوية العامة في إحدى الدول العربية ، عن أهمية دراستها للعلوم ، لإنهائها الفرع العلمي بتفوق ، وبدأت معها بأهمية دراستها للفيزيا وهي تعد من الطالبات الذكيات والمتابعات لكثير من العلوم والمواضيع ، فأجابتني جوابا لم يطرأ على ذهني ! : أسباب تدريسنا للفيزياء والكيمياء وجيهة ، تقليل فرص نيل درجات عالية تؤهلنا للتخرج ودخول الكليات التي نطمح اليها. وعندما سألتها عن الرياضيات ؟ أجابتني ، لقد أفادنا في حسابات التسوق ولكن لم استوعب ما تعلمته من النظريات التي قيلت منذ مئات السنين ، مثلا ؟ : نظرية فيثاغورس و الأواني المستطرقة لأرخميدس وغيرها ، ونظرية نيوتن والجاذبية ؟ وانشتاين ونظريته النسبية ؟ وما علاقتها في حياتنا الحالية ؟ ! أجبتها إنها الأساس التي بنيت عليها التكنولوجيا والعلوم الحديثة . : ولكننا لم نستطع مواكبة هذه العلوم وتطورها لنصل بها الى زمننا الحالي ، ونربطها بعصرنا . منذ أن مرت علي سنوات قليلة في سلك التدريس شعرت بقصور العملية التربوية وعدم لحاقها بعجلة التطور السريع في عالم التكنولوجيا والعلوم التطبيقية وبقيت جهود التطور هذا في عالمنا على عاتق أفراد وفئات قليلة جدا لا تشكل ظاهرةً في مجتمع يعج بملايين الناس وبقدرات ذهنية قادرة ولكنها معطلة لأسباب عدة تحتاج الى من يقم على دراستها ووضع حلول جذرية لها وأولها وليس آخرها المناهج الدراسية ومن يقومون بأعبائها ، مرة سألت مدرسة فيزياء تعمل معي ، عن أسباب اختيارها وتدريسها لمنهج الفيزياء ، حملقت في ولم تجبني ، وسألت مدرسة لغة عربية عن أهمية تعليم وحشر الطلاب في قواعد لغوية غير مستعملة في حياتنا اليومية ؟ أجابتني : كي يقرؤا القرآن . : الهذا السبب وحده نتعلم هذه القواعد التي قد ينقضها النحويون بقواعد أخر ، ويذيلوا أطراف صفحاتهم ( والله أعلم ) .إذا كان مدرسها يغوص فيها وهو لا يعرف العوم ، فكيف بطالب غضٍ لا يُمنح مبررات و أسباب لوجودها وتقبلها ! . منذ أمد طويل إنتبه كثير من التربوين الرائدين في مجال العلم والمعرفة وأهمية مواكبتها لروح العصر وللتطور السريع الذي يلحقها كي نواكب الآمم المتحضرة ، ولكن يواجهون بالإهمال وبالمعوقات التي تصيب مشاريعهم الإصلاحية بالضمور والموت . إن انفتاح الذهن العربي للتطور الإنفجاري في العلوم والتقنية يحتاج الى مؤسسات تربوية ذات خبرة متطورة وعالية لوضع اللبنات الأساسية لمثل هذه المشاريع وأولهما مشروع إحداث تغيير وطفرة نوعية في المناهج وطرق تدريسها بحيث تختصر على الطالب الكثير من السهر والعذابات كي يستوعب ما يحفظه من قواعد وبرامج عبر سني دراسته، سرعان ما تتلاشى وتضمحل ولا تترك لديه أي تأثير وفائدة . أسباب كثيرة أدت الى عدم مواكبة المناهج للتطور العلمي الحاصل في البلدان المتقدمة . بالرغم من اعتزاز تلك الدول والامم بأديانها إلا انها وضعت حدا فاصلا بين الدين والدولة ، فسلوكها العلماني أتاح للعلم الإنطلاق من قيود الممنوعات التي كان رجال الدين وكهنته يضعونها على رقاب المجتمع بكل فئاته وبالذات علمائه وأدبائه وفلاسفته ،وليس أدل على هذا من سيطرة رجال الكنيسة ومحاكمتهم لبرونو وإعدامه على إثر تأييده وبحثه في نظرية كروية الأرض ودورانها حول الشمس لكوبرنيكوس فقدم حياته قربانا لذلك العصر التسلطي .بالإضافة الى منعهم كتابات كوبرنيكوس ومعاقبة كل من يقرأها ويعتقد بها مما أوجد العالم الإيطالي غاليلو غاليلي المؤيد لنظرية كوبرنيكوس والباحث والمطور لها ، في موقف لا يحسد عليه أما السجن والتعذيب أو التخلي عن معتقداته فآثر السلامة وتخلى عنها .ولم يشف غليلهم ما حصل له بل حوكم غاليلو لأصداره كتابا حول الموضوع نفسه والمؤيد لكروية الأرض ودورانها حول الشمس وهومغاير لرأي الكنيسة التي كانت تؤمن أن الأرض مسطحة والشمس تدور حولها ، وقضى في دراسته وتمحيصه ست سنات عنونه ( حوارحول النظامين العالمين الرئيسن ) والمقصود بهما كوبرنيكوس وأرسطوطاليس وبطيلموس . فأصدروا حكم إعدامهم عليه ، وتنازل عن نظريته القائلة إن الأرض تدور حول الشمس أمام الملأ ، ولكنه قال قولته الشهيرة ، وهو يخرج من المحكمة الى منفاه الأخير داره في مدينة أركتيري ، ( ومع ذلك فهي تدور تدور ) . وبعد انقضاء عدة قرون تعود الكنيسة لتقدم اعتذارها لغاليلو غاليلي ، وكان ذاك في عام 1983. كم عظيمة الحياة التي ينشغل أبنائها باكتشافها وتحسينها بفنونها وآدابها وعلومها ، لا يعوقهم فيها جهل أو عوز يقف أمام طموحهم وبحثهم . إن أغلب دراساتنا التربوية والنفسية والعلمية وحتى الدينية تعتمد أو متأثرة بمناهج غربية قديمة وحديثة وليس أدل على هذا من حركة الترجمة النشطة في العصر العباسي وتأثير تلك الكتب المنقولة عن اليونانية وإبعادهم فقط الأفكار التي تمس وحدانية الآله ، فلذا تأثرت الثقافة العربية تأثرا كبيرا بالنهج الأرسطوطاليسي وهذا بدا واضحا وجليا في كتب اللغة والنقد والبلاغة . وما زلنا ورغم مكابراتنا بابعاد تأثير الغرب علينا نعتمد في دراساتنا الأكاديمية و في مواضيع شتى على ما أنتجه الفكر الغربي عبر مئات السنين ، وليس أولها ولا آخرها دراستنا لنظريات ديوي ودارون وفرويد وغيرهم ، ندرسها باستحياء وعلى عجل وخوفا من أعين رقباء قد يكونوا هم من واضعي هذه المناهج ، ندرسها من باب الإلمام بالشئ وليس للإستفادة منه في مستقبل أيامنا ندرسها ونحن موضوعون ومحاصرون بقيم وحرية مخالفة تماما للقيم والحرية التي تدرس بها العلوم في جامعات العالم ، ندرسها والرعب يشل أطرافنا خوف تعليق يخدش أذن منافق أو متسلط . فنحن نحيا في عصر بعد زمنا طويلا عن عصر برونو وغاليلو ولكنه لم يبتعد اجتماعيا وسلطويا كثيرا عنهما ، في عالم مازال رجال دينه ورجال سلطته يتدخلون في الكثير من شؤون العلم ، فما زالت المذاهب الفقهية تتردد بين مؤيد لأطفال الأنابيب وبين محرم لها بين تحريم تطبيب الرجل للمرأة ومشروعيته ، وكثيرة هي الأمثلة . هذا من جانب ومن جانب آخر هناك السلطات التي تقف عائقا بين حرية البحث وبين ما يخدم تواجدها ، فالأنظمة التسلطية هي التي تضع المناهج والبرامج التربوية التي تخدم مصالحها وهنا يقع التجاذب بين ماهو مباح وغير مباح . نحن في مجتمع تُكره فيه كرة القدم والمرأة والحرية وحقوق الإنسان ، في عالم مُلئ زيفا بشعارات تمت لقرون سحيقة لزمان أبعد من نرى بَعَرَ الآرام في عَرصانها وقيعانها كأنه حبُّ فلفل البحث العلمي يحتاج الى حرية وأمان والى مجتمع لايُحجر ولا يُغتال فيه العلماء والمفكرين والفنانين والصحفيين ، الحياة متكاملة مترابطة في كل جوانبها ولا يمكن نمو جانب وبقاء آخر على ماهو عليه ، فلكي نبدع في شتى العلوم لابد من برامج تربوية واضحة الأهداف تحترم الإنسان وتساعده على النهوض من كبوته التي مازلنا نعاني منها في عالمنا العربي .
#سميرة_الوردي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنموت بصمت !
-
العراقيون يتوسلون
-
الألغام والحياة
-
أي مخترَع أو مكتشَف أفاد البشرية وغَيَّرَها ؟ !
-
المرأة والإنتخاب
-
المرأة والحرية
-
رعاياكم في الداخل ، رعاياكم في الخارج
-
ألف آه لنوروز
-
نساء تحت الضوء
-
مواضيع لا رابط بينهما
-
آراء مُتعِبة
-
الإعلام والعراقية
-
عندما يسقط الشاقول عموديا (2)
-
عندما يسقط الشاقول عموديا
-
أفكار مبعثرة
-
أسطورة
-
الحوار المتمدن
-
همساتٌ لكَ
-
كلمات لا تحدها جدر
-
المرأة والسياسة
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|