|
النكسة 1- بكاء على النكسة بعد 41 عاما
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 2306 - 2008 / 6 / 8 - 00:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كل شعوب الأرض خاصة الدول العظمى تعرضت في القرن العشرين لهزائم غاية في الضخامة أكثر من النكسة بما لا يمكن قياسه. ومع ذلك فإن الشعب المصري في تفاعله مع النكسة يتفرد بمشاعر مختلفة عن كل شعوب الأرض، فليس هناك شعب واحد يتعامل مع هزائمه كما يتعامل الإعلام المصري والمصريون مع النكسة، ولعلهم بذلك يتمتعون بالشعور المأسوي الكئيب دون منطق أو مبرر. لذلك رأيت أن أفرد عدة مقالات عن النكسة وما تحمله من إيجابيات كان ينبغي أن نستفيد منها بدلا من لطم الخدود والتعديد على خسارة غير موجودة إلا في سلوكنا السلبي. وقبل أن أبدأ في موضوعنا رأيت أن أعرض القليل مما تعرضت له الدول الكبرى من هزائم ساحقة وكيف واجهوا الهزائم بمنتهى الإيجابية، لذلك هم نجحوا ونحن نهبط من حفرة إلى ضحضيرة. كل الدول العظمى تعرضت للهزيمة في القرن العشرين. أمريكا هزمت هزيمة ساحقة في بيرل هاربر أمام القوات اليابانية ولم تكن لتكسب الحرب أمام اليابان إلا بسلوك جبان هو استخدام القنبلة الذرية. الثلاث دول العظمى التي تحالفت ضد ألمانيا، فرنسا وإنجلترا وروسيا كل منهم على حدة تعرضت لهزيمة مهولة بما في ذلك ألمانيا وكل هزيمة كانت بحجم نكسة مصر في الأثر والخسائر آلاف المرات، ومع ذلك ولا شعب من هذه الشعوب ندب نكسته كما نفعل نحن بعد 41 سنة.
فرنسا ثاني دولة عظمى على الأرض في ذلك الوقت، التي كانت تنافس بريطانيا العظمى على عرش العالم في التحضر والعلوم والاستعمار وكل شيء... فرنسا العظمى اندحرت في أسبوع واحد أمام قوات هتلر الذي اقتحم خط ماجينو الذي لا يقهر حسب ما قيل عنه من أساطير. اقتحم رومل فرنسا بوحدات البنزر التي كانت تعتبر أعلى قوة ضاربة على الأرض بأسلحتها النمطية المتطورة وتنظيمها الموضع بمنتهى الدقة العلمية. فرنسا سقطت كلها كدولة وصارت بلا حكومة تحت الحكم النازي المذل بلا رحمة. على الأقل مصر أثناء النكسة احتفظت بقوامها كدولة حرة قادرة على صنع القرار. وكل ما خسرته جزء صحراوي لا يشكل أهمية كبيرة. ومع ذلك فإن الندب والتباكي على سيناء العزيزة حتى بعد استردادها بل وبعد 41 سنة لا أظن له شبيه. مع تأكدي من أن كل الندابين لا يعرفوا تماما ما هي الخسائر، بل لا يعرفوا ما هي المكاسب الضخمة التي حققناها كرد فعل للنكسة، بل وغمضت علي الكل وحتى هذه اللحظة الحقائق العلمية للنكسة والتي تحولت إلى سرا مطلسما دون مبرر.
إيطاليا التي كانت تعتبر واحدة من الدول العظمي وكانت تستعمر ليبيا وأثيوبيا منيت بهزيمة في معارك شمال أفريقيا أمام القوات البريطانية كانت تمثل فضيحة كبرى. كانت إيطاليا تملك حصن كابوتزو الذي كانت تعتبره قوة لا تقهر كما كانت تفاخر بتحصيناتها وأسلحتها الثقيلة مما أغراها بالهجوم على القوات البريطانية التي كانت تستعمر مصر. وفعلا احتلت السلوم وتقدمت لمرسى مطروح. القوات الإيطالية كان قوامها 150 ألف جندي و600 مدرعة قامت بالهجوم على القوات البريطانية التي كان قوامها 30 ألف جندي، 275 مدرعة فقط. معركة سيدي براني الشهيرة بقيادة "ويفيل Archibald Wavell" القائد البريطاني انتهت بنصر صارخ للقوات البريطانية تم فيه أسر 115 ألف جندي إيطالي من مجموع القوات البالغ عددها 150 ألف مع إبادة أعداد أخري وتدمير 400 دبابة، ولم يتبقى سوى 7000 جندي إيطالي. أما على الأرض فقد توغلت القوات البريطانية آلاف الكيلومترات داخل الحدود الليبية حطمت فيها كل الحصون الضخمة التي لا تقهر ووصلت إلى إجدابيا ثم توغلت بالواحات. طبعا كانت هزيمة إيطاليا في هذه المعركة تفوق أي نكسة بما لا يمكن قياسه. فهل الشعب الإيطالي ظل يندب حظه على هذه الهزيمة لمدة تزيد عن 40 عاما!!!
هذا النصر العظيم للقائد البريطاني "ويفيل" حقق له شهرة كبيرة إلا أنه لم يهنأ بذلك لأقل من شهرين حتى ظهر رومل في طرابلس فجأة وعند ذلك تغيرت الموازين تماما. وصل رومل ومعه الفرقة 15 بنزر وبعض الوحدات المسماة بالفيلق الأفريقي وكان عددها وعتادها يقل كثيرا عن القوات البريطانية مما جعل ويفل يستهتر بها. وكان وفيل قد دعم قواته بفرقة هندية وأخرى أسترالية مما كان يعطيه ثقة زائدة, فأرسل بعض من وحداته إلى اليونان لدعم الجبهة التي كانت تعاني هناك، وبدأ يعمل تحصينات دفاعية حول المواقع التي احتلها مما يظهر أن خطته انتقلت من الهجوم إلي الدفاع. وانتهز رومل هذه الفرصة حيث تكون القوات في حالة استرخاء فبدأ ضرباته حتى لا يعطي الفرصة لويفل لبناء استحكاماته الدفاعية. كان ذلك في 24 مارس عام 1941 عندما دفع رومل بالفرقة الخامسة الخفيفة مع وحدات صغيرة فبدأت المواجهة حيث لم يكن وفيل قد هنأ بنصره فمني بهزيمة مريعة تلو أخري أكثر ترويعا وحوصر في طبرق وظل محاصرا 250 يوما انتهت بعزله بعد ضياع قواته. وعين آخر غيره وغيره وعزلوا مع تقهقر القوات من معركة فاشلة لأخرى أكثر فشلا. ومع كل هزيمة كان يعاد تنظيم القوات مع وصول الدعم اللازم للقوات البريطانية من فرق جديدة بعد أن تكون الفرق شبه أبيدت، بينما قوات رومل لم يرسل لها أي دعم. خلال هذا التقهقر هناك أسماء لعدة معارك منها إجدابيا، بني غازي، حصار طبرق، معركة الغزالة، معركة الكروسيدر(اسم دبابة بريطانية جديدة كانت دخلت المعركة لأول مرة وانتهت بهزيمة مروعة للقوات البريطانية وبما يعرف بمقبرة الدبابات) معركة البردية، معركة قبر صالح، معركة السلوم (حيث دخل الحدود المصرية)، معركة مرسى مطروح، معركة العالمين الأولى، معركة علم حلفا، معركة العالمين الثانية. كل معركة من هذه المعارك كانت بها خسائر تقدر بآلاف المرات لخسائرنا فيما يسمي بالنكسة. ومع كل مرة كانت تقيم الأخطاء بأسلوب علمي ليس فيه انفعال حتى يمكن تلافيها. وفي النهاية انتصرت بريطانيا، فهل تذكر كل هذه الهزائم ويكبر بالأخطاء ويبالغ فيها أم يذكر النصر الأخير؟!!!!!!
أما الهزائم فتدرس على المستوى العلمي بمنتهى الدقة لا لآجل التشفي والشماتة والانفعال الأجوف بل لأجل الفائدة!!!
ماذا فعلنا نحن؟!!!
إخفاء المعلومات تماما عن المستوى العلمي فقد حاول أساتذة الجامعات وأجهزة البحوث في الحصول على معلومات دقيقة عن الأحداث بالتفصيل سواء النكسة أو المعارك التي استمرت ستة سنوات كاملة حتى عام 1973 لدراستها لكنهم منعوا تحت شعار السرية!!! أنا متأكد أن هذه المعلومات متوفرة جدا لدى كل الأكاديميات العسكرية في كل العالم وقد وتم دراستها وتحليلها بكل تفصيل بينما محظور فقط عن الإنسان المصري الاستفادة بشكل علمي من نتائج حروبنا!!!! لماذا هذا الغباء؟!!!!
الإنسان المصري فقط يستمد معلوماته عن تاريخه بشكل غاية في التشويه من الأعمال الأدبية والسينمائية والمسلسلات التلفزيونية حيث يبذل الأديب أقصى ما في وسعه ليتصور الحقيقة بينما الحقيقة العلمية مخفاة عن الجميع حتى تستخدم في التوجيه السياسي للشعب. كل ما يعرض علينا من تاريخ مليء بالثغرات والمفارقات الإنسان المصري الذي يملك أعظم تاريخ على وجه الأرض لا يدرس تاريخه الحقيقي سواء المعاصر أم القديم بل يدرس تاريخ المستعمِر وكل ما يدرسه هو تاريخ موجه سياسيا بلا قيمة ولا مذاق.
التاريخ هو الثقافة، التاريخ هو الحياة، ومن يجهل تاريخه هو أمي.
عرفتم لماذا نحن متخلفون!!!!
سأتابع الحديث عن النكسة في مرات قادمة
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاوة الجديدة مخدر لمريض بالسرطان
-
صرخة من أجل مصر
-
جيل أكتوبر لم يعرف التفاح والياميش
-
الحوار المتمدن اسم على مسمى
-
حول قضية ماكس مشيل والأوضاع القبطية المتردية
-
رأي حول لائحة انتخاب بطريرك الإسكندرية المقترحة
-
محنة الأقباط
-
لبنان وتقرير فينوغراد
-
مفاهيم خاطئة بالمجتمع القبطي
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل -6
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل -5
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل –4
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل –3
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل –2
-
مطالب الإصلاح ورد الفعل -1
-
القوانين الكنسية لانتخاب بابا الإسكندرية... والأنبا شنودة
-
ما بين التحضر والتحجر... (2) البابا بندكتوس... والبابا شنودة
-
ما بين التحضر والتحجر... (1) البابا بندكتوس... والتطرف الإسل
...
-
لجنة تثبيت أم إفساد العقيدة .. والأب متي المسكين
-
مقالات مرفوضة بالحوار المتمدن
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|