|
التيار الليبرالي .. بين منصة الإحتياط وتثوير العملية السياسية
شلال الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 2302 - 2008 / 6 / 4 - 10:36
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
التيار الليبرالي طيلة الفترة التي أعقبت سقوط الطاغية اثر لعب الأدوار الثانوية والتعكز على التيارات الكبيرة من خلال الدخول معها بتحالفات لحين اشتداد شوكته ولحين ما يثبت الآخرين فشلهم لكي يكون البديل المنقذ على المسرح السياسي فيما إذا لم تلجأ أمريكا إلى انتكاسة باتجاه انقلاب عسكري. وقد إتشحت التيارات الدينية والقومية بالتيار اللبرالي معتبرة إياه إكسسوارات ملطفة للعقائدية والراديكالية التي تمتاز بها ، ولتثبت هذه التيارات إنها مع العملية السياسية ومنسجمة مع المشروع الديمقراطي الليبرالي في بداية الأمر وقبل أن يكون اللعب على المكشوف . إن نجاح العملية السياسية مرهون بنجاح التيار الليبرالي في العراق ، ذلك لأن اغلب الحركات السياسية التي تعمل على المسرح السياسي أُجبرت على القبول بالديمقراطية والليبرالية لأن عملية التغيير حصلت ضمن التحديدات الأمريكية وقد إضطرهم الفلتر الامريكي الموضوع على قناة المشاركة السياسية إلى تقبل هذه التحديدات والجراحة التجميلية وهي تنازلات سياسية وايديولوجية قد تنفلت من عقالها (وهذا ما حصل) إذا ما تهيأت لها الظروف وترتد إلى طبيعتها ضاربة الدستور وما تم إنجازه بأقرب كونكريت أمريكي ، فالذي كان انفصالياً اضطر أن يقول بوحدة الوطن والانقلابي أصبح يؤمن بالانتقال السلمي للسلطة والمتناقضين في اتجاهاتهم ائتلفوا بجهة واحدة واستبدلت ولاية الفقيه بولاية صندوق الانتخابات والكل يدعي إنه فطم على الديمقراطية والليبرالية وبشهادة (الممية) الامريكية . لهذا يجدر بالتيار الليبرالي أن يظهر شاخصا ويغادر منصة الاحتياط ولا يتعكز على تحالفات قد تكون نافعة في بدية الشوط إلا أنها بالتأكيد تضره إذا ما استمرت على نفس السياسة وان لا يدع الآخرين يجعلوا منه وشاحاً يستر عوراتهم ، بل إن ظهوره بشكل مستقل مدعاة لإحراجهم وإظهارهم على حقيقتهم كونهم ديمقراطيين صادقين أو راديكاليين مدعين للديمقراطية واستقلاليته كفيلة بتوسيع قاعدته الجماهيرية . لقد واجه التيار اللبرالي جملة إشكاليات نوجزها بـ: أولاً : تقاطع مشروعه الوطني مع مشاريع التيارات الأخرى ففي الوقت الذي يتحتم على الليبرالي أن يعمل تحت مظلة الهوية الوطنية العراقية ساد المجتمع العراقي بعد سقوط النظام موضوعة تحديد الهوية على أسس عرقية وطائفية وقومية وما سيترتب عليها من استحقاقات ومكاسب مادية وسياسية وبالتأكيد فان التيار الليبرالي لا يستطيع أن يلعب أى دور إزاء هذا الطوفان الذي خاضت غماره التيارات الدينية والقومية والتحالفات القومية الدينية وبالتالي تحتم على التيار الليبرالي أن يعمل ضمن هذه التيارات وفي المقاعد الخلفية ليسجل حضورا على اقل تقدير واضعف الإيمان ولينأى بثوبه عن التلوث برزايا الآخرين. ثانيا: جهل الوسط الشعبي بالمفهوم اللبرالي الذي اضمحل ولم يبقى منه شيئاً في الذاكرة العراقية ولم يكن مألوفا أو متداولا في القاموس السياسي البعثي طيلة عقود تسلطه والأسماء الليبرالية التي برزت بعد سقوط الطاغية على الساحة السياسية تذكرنا بالعهد الملكي أكثر بكثير مما تعطينا مفهوم واضح عن التيار الليبرالي ، والليبرالية كمصطلح هي أقل المفاهيم وأعدمها إستعمالاً وغرابةً على صعيد عوالمنا الثلاثة الصدامي والعمر موسوي والبنلادني ، بمعنى آخر عدم وجود قاعدة إجتماعية ديمقراطية ليبرالية حقيقية منظمة ، بل ساد بعد السقوط فهماً خاطئ وسلوك منحرف يدعي الديمقراطية إزداد تطرفاً ومغالات بغياب سلطة القانون وضعف الدولة وإنعدام هيبتها ، ولم يستطع الليبراليين الحقيقيين من إيقاد شمعتهم أمام إعصار الآخرين ، مما أدى به إلى الإنكماش والتعكز على التيارات الأخرى . ثالثاً : وجود فرقاء على الساحة السياسية ترقص على كافة الحبال والإتجاهات تتأرجح في إنتماءآتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تحاول أن تغطي على الليبراليين الحقيقيين وتلعب دورهم وتعمد على خلط الأوراق هدفها السلطة والكراسي وخدمة المشروع الأمريكي في خلق أكبر زوبعة ممكنة تجاه العملية السياسية وإفتعال الفوضى الخلاقة كونها جزء من هذه الآلية فترى فيها من هو حاسر الرأس والمعمم والمعقل والسافرة والمحجبة والشوفيني والشعوبي والأممي لإيهام الشارع بأنها تظم وتمثل كافة ألوان الطيف العراقي وإنها أقرب إلى نبض الشارع . رابعاً : إعتماد التيار الليبرالي على قيادات وأسماء شاخت وبلغت من الكبر عتيا ، وذات مظهر أرستقراطي ، في حين إن الشارع العراقي المسحوق والذي تشكل البالات قاعدة إرتكازه الإقتصادية ، يتعطش إلى قيادات شابة وقوية وشعبية وقريبة من نبضه . خامساً : التيار الليبرالي نتاج طبقة لا وجود لها في المجتمع العراقي على أقل تقدير في الوقت الحاضر وإن وجدت فهي خارج أسوار الوطن وهي الطبقة البرجوازية الوسطى ، وحتى إن سلمنا بتشكلها حديثاً فهي بطور الخلق ولازالت متمسكة بجذورها الطبقية التي جائت منها ، وينقصها الوعي لدورها الجديد وهي إلى فكر الآخرين أميل منها إلى الليبراليين ، وجل ما تفكر به هو السطو على المال العام بأكبر قدر وبأسرع وقت والحجز على أقرب طائرة ، وهي هجين مسخ غير متجانس تميل إلى (الكاولية) أكثر من ميلها لبناء الوطن . سادساً : ومن المشاكل التي تواجه التيار الليبرالي مشكلة البناء بالمقلوب ، فبدلاً من أن يقوم المجتمع من خلال مؤسساته ببناء نظاماً ليبرالياً ديمقراطياً ، الواقع يفرض على الليبرالي أن يبني مجتمعاً ليبرالياً ديمقراطياً ، وفي نفس الوقت بناء نظام ليبرالي ديمقراطي . على صعيد المجتمع يواجه الليبراليين في مشروعهم السياسي جملة من الولاءآت والتجاذبات والعواطف والتحابي والميول الدينية والقومية والطائفية والعشائرية والمناطقية ، لكنها في نفس الوقت مبنية على أسس مادية منهارة وفساد ونفاق إجتماعيين تنتظر من يصلي عليها . وعلى صعيد النظام فالثروات الفلكية التي يمتلكها العراق كافية للتحليق بالدولة العراقية إلى مصاف أكثر الدول تقدماً وبناءاً وحداثةً إذا ما صدقت نوايا الأمريكان والغرب في كونهم يهدفون من وراء غزوهم العراق إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة ؟! ومن العوامل التي أدت إلى ضعف التيار الليبرالي هي مساندة الغرب للتيار القومي والحركات الدينية والأنظمة الدكتاتورية والعسكرية لأنها أشد شراسة في مقاومة المد الشيوعي طيلة القرن المنصرم مما إنسحب ذلك على ضعف التيار الليبرالي وإنحساره عن المنطقة كما وأن ضعف الإعلام الليبرالي ومحدوديته أمام الفكر الشمولي احد المؤشرات التي تؤخذ عليه . مزايا التيار الليبرالي إن للتيار الليبرالي مزايا ينفرد بها منها أن الإنسان بفطرته ميالاً إلى الحرية ما بالك بالشعب العراق المتعطش لها , ثانياً هي كون النظام البائد إستهلك كافة النغمات القومية والدينية والعشائرية واليسارية واليمينية ولم يعزف على وتر الليبرالية ، فبقت أرضاً خصبة ، وثالثهما يبدو إن الأمريكان إدخروا هذا التيار ولم يزجون به في معمعة الصراع على السلطة ليبقى بعيداً عن دماء الشعب والمال العام وليكون احد أنظف الخيارات البديلة أمام الشعب العراقي . إن الليبرالية بما تمثله من تيار منفتح يدافع عن حرية الفرد والمعتقد ويحترم كافة الطروحات يرتبط وجودها بثبات مؤسسات الدولة وسيادة القانون وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وبناء الطبقة الوسطى و إذا ما سارت الأمور بهذا الإتجاه فإنها كفيلة بتفكيك العلاقات الإجتماعية البائدة والمهلهلة بحكم ظهور وسيادة قوى فاعلة جديدة في المجتمع تقطع الطريق أمام المفاهيم والقيم البدوية والعشائرية والطائفية في أن تلعب دوراً في العملية السياسية .
#شلال_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|