|
القيامة
باهوز مراد
الحوار المتمدن-العدد: 2297 - 2008 / 5 / 30 - 10:39
المحور:
الادب والفن
قصيدة "القيامة " ضمن مجموعة شعرية بعنوان "همس الذات !" ، قيد النشر ..
" .. كيف أترهـّلُ هكذا ، عضلة ً عضلةً ، و عظما ً عظما ً ؟ كيف أتجنب الموعد الميتَ الذي عقدتهُ للقاء الموتى ؟ .."
ــ سليم بركات ـ
.. الـقيامـة !
هادراً كالنهر شفيفاً كالمطر في طريقه .. يهرس الريح و ارتجافاتٍ هاربةٍ من ليل ٍ .. ومن عسكر! * * * .. أقبلَ يحملُ .. غبار مـُدن ٍ تعمّـدت .. بسيوف ٍ وخناجر ! .. و نعش كثافاتٍ كانت تمشي بلا ظلال ٍ .. و بلا حناجر! .. جاء يحملُ للشتاء بذوراً .. و للصّيف مناجل ! * * * أقبل القطارُ و ما زلت .. أحضنُ بعينيّ نزفاً مبعثر ! و اتسلـّق الربابة لحناً .. سقط عن الوتر ! للجبال تقلـّباتٌ كالبحر .. و كالقمر و لكن ، أرأيتم يوماً حجلاً ، يبدّل ريشه .. بالوبر ؟! * * * أقبل مجلجلا ً.. مدوّياً في نفيره كأنه .. يحمل القيامة ! يا ويلتي !! لقد تآكلت قدماي .. أأنسجُ لروحي كفناً أم أسقـُط في القطار .. كالقـُمامة ؟! * * * استيقظ الخوفُ .. في عيني ّ و ما استيقظت اضلاعي ! انتظرتـُك مُترعاً بحرائقَ .. بحكايا .. و بشجون أطفالي ! و ها قد جئتَ .. لتعانق أسمالي بعدما التـّيهُ بعثر أرصفتي و اخفى الرمل .. طـُرقاتي ! .. و رسمتُ في القلب أحلاماً .. ملوية الأعناق لأغدوَ ليلا ً بلا نجوم ٍ .. و بلا اقمار ِ
* * * انتظرتـُكَ طويلا ً .. طويلا ً آلاف الأعوام وطنا ً عاريا ً بلا سماءٍ .. و بلا اعلام ِ * * * .. متعبٌ أنا .. و شريد للتـّو عدّتُ من آخر ِ غزواتي أنا آخرُ معتصم ٍ .. نـُوديَ به فكان النصر لهم .. وكان " الخردلُ " .. من نصيبي ! * * * أريدُ .. أن أنزع أوراق تقاويمي .. كلها و اصلب أنفاسي و اماراتي اربعة حبال ٍ..ما عادت تكفيني كي أعدِمَ نفسي من جديد ! * * * ربيعاً كان ، و قدسيّا ً وطني .. و لم يزل ! لكن الصّـقيع .. اخمدَ فراستي و أيبس حنيني .. و سبا بقاياي ! كل ُّ السحابات كانت تغفو في وطني .. و كل الأنهار ! من أرضي ، كل الأدعية كانت .. ترفع للسماء! .. و في أرضي زرع الله الانسان .. فأينع من أنين ! * * * .. عندما الريح لامس كفي ّ سقطت آخر حروفي و بات جسدي فراغ ! .. بين كتفي ّ مرّ ثلاثون سربا ً للحمام .. وفي خاصرتي نبتت آلاف شجيرات الدِّفـل و الشّيح ِ .. و الزعفران !
* * * قيحٌ ، في شرنقـتي و في مقلتيّ ، حنين أحيا في ضَيَاعي .. من ألمي أهاجرُ بين أضلاعي أفتـِّش ، عن خارطة ٍ لفكري .. و لخرائبي ويحٌ لاطلالي .. فمملكتي كانت جليدٌ .. و قناديل البحر كانت .. جيشي !!
* * * أين أنت ِ ؟! .. أين أنت ِ أيتها المسكونة ُ في فكري .. و في مدادي .. أين أنت ِ؟! أين أنت ِ؟ .. يا مَن لأجلك ِ رهنت ُ للسّوط ِ جـِلدي .. و لبست ُ الليل ضَياعا ً يركض ُ من قفر ٍ إلى قفر ِ أين أنت ِ؟ .. يا لون العيد ، و يا مَن لا تغتسِلُ إلا ّ .. بلون الغـَسـَق !
* * * تيهي في وجعي رعشة ً .. و هد ِّمي كل اسواري و انفذي .. كجدول ِ ماء ٍ في قاع ِ فكري .. و اغرقي كل أصنامي مُر ِّي بي، عاصفة ً و بعثري اشلائي .. و انقعي جبهتي دهرا ً في ملح ِ أحزاني علـّيَ أصحو يوما ً فأخجل من كوني .. ما زلتُ عبيد !!
* * * بيَدي .. أهلكت ُ أهلي و اقتلعت ُ زرعي .. و سلـّمتُ الغادرين ، رسني ! بيدي .. قتلت ُ أحصنتي و نحرت ُ حُلمي .. و جعلت من الدين ِ، طوقي ! أنا الشاهد على سَبَاتي .. ثم ّ موتي !
أخجل من صمتي ! أخجل من كلامي ! .. أنا القاري ُّ ، في مِزاجي .. و وردة العصر ِ التي لا تنفتح إلا ّ عند المغيب !
كيف ارمي هذا الحزن عني ؟ كيف أدفن ُ هذا النحيب ؟ كيف امسح ُ الدمع الغضَّ .. في احداقي ؟ كيف أوقِفُ هذا النزيف ؟
ساعديني .. كيما أخمِدَ في صدري ، هذا الوجع َ و أطفئ فيه ، هذا اللهيب ! * * * أريد ُ .. أن أرحل َ عن جسدي .. فما عدّت أرغبُ بهذا البلاء أريد أن أنتقِمَ من عقلي كيما أزيحَ هذا الخِواء ساعديني .. حتى أهزِم َ نفسي .. كي أ ُطلِقَ روحي في العراء !
* * * مجوسي ٌّ ، أضاعتهُ العواصف .. و بعثرت صوتهُ ، السنين .. فكم سقط عن أكمات ٍ أو تهاوى كنـُصَب ٍ من رمل ٍ تحت نعال المهزومين ! .. كم ناجى الله ! .. و كم ناشدَ الواثبين ! هي الخديعة ُ .. في رحمها ، يتشكـّلُ البغيُ .. و من أثدائِها ترضَعُ الفِتـَنُ ..و جحافِلُ الغازين !
* * * إلهي ..! حمَلتـُك في قلبي صلاة ً.. و أدعيه .. و لأجلِكَ ، لمع َ سيفي ، في الجبال ِ .. و في الأوديه و لمّا الليلُ دنا ! جعلتَ أطفالي ، مِزَقا ً .. و دفعتـَهم صوب الهاويه ! إلهي .. .. ما زلتُ أسمعُ نحيبهم من تحت انقاض ِ " قلعه دزه" .. ما زالت دفاترهم تنتظر اقلاما ً سقطت معهم ، كالأحلام .. تحت جدران ِ " زيوه " .. ألم تـَرَهُم إلهي كيف قـُطفوا كالبنفسج ِ و الخُزامى في " خورمال " و " بارزان " .. و " حلبجه " ! إلهي .. .. ما زلتُ أشتمُّ رائحة َ اجساد ٍ غضّة محروقه صرخاتـُهم .. تأوّهاتهم تجتاز الحدود .. كل يوم ٍ من " ديرسم " إلى " الحسكه " فـ " عامودا " .. خُنتنا أيـُّها اللهُ كما خانتنا الأممُ .. في كل الأقضيه !!
* * *
تعالي إليَّ !! .. تعالي إلي ّ يا مـَن جعلتي ذاتي بحارا ً .. و براكين .. زلزليني أكثر َ .. فأكثر فالجليد في فكري سيتهالك ُ بين حين ٍ .. و حين تعالي إلي ّ ! أيتها القديسة المكتظـّة ُ بالنور .. بالحب ِّ .. و بالرياحين تعالي إلي ّ! .. يا مَن ، على جدائلك ِ تصفرُّ السنابل .. و تورق ُ الياسمين !!
* * * علـّميني .. كيف أصِفُ قامتي كرواني .. و زيتوني ! ..كيف أسطعُ كنجم ٍ أو أحلـِّق كالعصفور ِ علميني .. كيف أصعُدُ كلبلاب ٍ .. أو ارتفع كشجر ِ الحَور ِ حتى أعانِق .. أولى قطرات المطر !
* * * أنا الحجلُ .. اطلقيني في سفوح جبالي أنا الباز ُ.. ارفعي عني قفصي .. و اغلالي أنا الطـّورُ .. و معبدُ النار ِ ولدت ُ قبل الأرض ِ و ما زلتُ ابحث ُ عن هويـّتي .. و عن عنواني ! امنحيني .. اسما ً.. لونا ً .. و بعض َ النحيب علّ بكائي .. يستحيلُ سيلا ً .. أو بركانا ً لأطهـّر أرضي .. من روَثَ التاريخ !!
* * * اغزليني ..
من نار ٍ و من قبقبة الحجل ِ فريشه آخرُ إرثي ! .. و اعلنيني ، قبل المساء قمرا ً.. فراشة ً .. أو هدوء شطآن لم يعُد صمتي كسولا ً أو جبانا ً، كما كان .. فخلف هدوء الجبال تتحفّز الحمم للثوران !
.. اعلنيني
برقا ً .. هديرا ً أو صخب الأرض عند الزلزال !
اعلنيني ، كيفما ترغبين !
.. حُلما ً، تشكـّل كاللؤلؤ ِ في صَدَفةٍ .. أو محاره
.. واحة ً، أو جزيرة ًاكتشفها .. رُبان ٌ و بحّاره اعلنيني .. صيحة فرح ٍ، .. أو صراخا ً يشقُّ السكون .. عند الولاده ! * * * صوّريني .. أيقونة ً، من اللهب ِ .. أو شمسا ً، لا تنطفئ عند المغيب
امزجيني .. في لون الغسَق ِ و رائحة القرنفل .. و النعناع .. واصبغي بدمي حروف اسمي
فقريبا ً.. ستتصدّعُ سدود ٌ و ستنهارُ جدران
.. فمن نـُضج ِ حباتِها يتشققُ قشر الرمّان!
قريبا ً.. سأعُلِنُ ميلادي مع أوّل قطرةَ ماء ٍ .. تسبقُ الطوفان !
*** *** *** *** *** *** ***
#باهوز_مراد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استغاثة ، من تحت الانقاض !
-
لابراهيم اليوسف .. أطعن صمتي !!
المزيد.....
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|