|
نحو تقليد إبداعي أدبي جديد: الفوتو- بيوغرافيا ، أوالسيرة الذاتية المصورة
محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة
(Mohamed Said Raihani)
الحوار المتمدن-العدد: 2296 - 2008 / 5 / 29 - 02:11
المحور:
الادب والفن
السيرة الذاتية: المفهوم والتجربة
السيرة الذاتية تبدأ بنية الإدلاء بشهادة لإثبات حقيقة حدثت وتنتهي بالسعادة التي ما بعدها سعادة: سعادة اكتشاف الذات. إن السيرة الذاتية بحث في الذات واستكشاف لعوالمها لفهم ذوات الآخرين. فمتى أحب المرء ذاته أحب غيره ومتى كره المرء ذاته كره غيره ومتى جهل المرء ذاته جهل غيره. إن فهم الذات والمصالحة معها هو السبيل لفهم الآخرين والمصالحة معهم. تنقسم السيرة الذاتية حسب الأهداف المتوخاة منها إلى أربعة أقسام طبقا ل"منطق الربح والخسارة":
-1-خاسر ومازال خاسرا: الهدف من كتابة السيرة الذاتية يبقى هو الاعتراف وجلد الذات... -2-كان خاسرا وصار رابحا: الهدف يبقى هو الفخر والاعتزاز بالذات... -3-رابح ولا زال رابحا: الهدف يبقى هو التنظير والتبشير بعوالم جديدة وسن قوانين وقواعد جديدة... -4-كان رابحا وصار خاسرا: الهدف يبقى هو الانتقام والفضح...
والسيرة الذاتية تتجلى في ثلاثة أشكال. فهي إما توثيقية في شكل يوميات Diaries إدا كتبت في عين المكان وفي تاريخ حدوث الوقائع أو مذكرات Memories إدا كتبت بعد دلك التاريخ إما من وحي الذاكرة أو بالاعتماد شبه الكلي على ما توفر من وثائق المرحلة المشتغل عليها. أو هي ، السيرة الذاتية، إبداعية مسرودة بضمير المتكلم كما في رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري أو بضمير الغائب كما في "الأيام" لطه حسين. أو هي ، السيرة الذاتية، مصورة. وهو الجنس الأدبي-الفني الوليد الجديد على الثقافة العربية أولا وعلى الثقافة الإنسانية عموما. ونتمنى أن تكون هده السيرة الذاتية المصورة "عندما تتحدث الصورة" الحجر الأساس لهدا الجنس الأدبي-الفني الذي نأمل أن يصبح تقليدا إبداعيا راسخا في الثقافة العربية والإنسانية عموما يصالح القراء مع الكتاب في زمن العزوف عن القراءة ويعرف القارئ عن قرب على المؤلف جاعلا من الكتاب ملاذا حميميا مادامت السيرة الذاتية تقرأ أصلا بشكل مختلف عن باقي الأشكال المكتوبة. وهدا ما يفسر الإكبار الذي لقيته المعلقات والدي لم يتكرر بعد عصر الجاهلية بسبب خروج الشعر عن الفخر بالذات والانحباس في مقايضة مال السلاطين بهبة الإبداع...
نحو "الفوتو- بيوغرافيا" ، أو "السيرة الذاتية المصورة":
تقول الأغنية المغربية: "صورة خيالي في عيونو كيفاش يمكن يمحيها؟"...
الصور قبس من نور يفتح الحياة فجأة على لحظات سعيدة منسية فتغمرنا سعادة كانت تحيط بنا ونحن لا نعلم أنها في المتناول وأنها لا تنتظر إلا حركة بسيطة منا بمجرد الضغط على زر صورة من الصور ليتبدد الظلام في دواخلنا ويضاء المكان حوالينا ويستنير العالم. فالصورة من جهة تبقى مخلصة من النسيان ومن جهة أخرى تبقى الصورة رديفا للحقيقة. والصورة في كلا الحالتين تبقى رديفا للكتاب وقد تحقق دلك التحالف وتحققت تلك المصالحة بين الكتاب والصورة مع الكتاب الالكتروني في مجالات العلوم والفنون والثقافة والآن يتعزز دلك التحالف بين الصورة والكتاب في مجال كتابة السيرة الذاتية بإعلان تأسيس "الفوتو- بيوغرافيا" أو "السيرة الذاتية المصورة" وكتاب "عندما تتحدث الصورة" مساهمة أولية في هدا المشوار.
"عندما تتحدث الصورة" هي أول "سيرة ذاتية مصورة" ولدلك وجدنا صعوبة بالغة في إيجاد مقابل لاتيني للكلمة وإن كنا نقترح مرحليا "فوتو- بيوغرافيا" Photo-biography كرديف مركب من كلمة Photo التي تعني الصورة وكلمة biography التي تعني السيرة. كما أن Photo-biography على المستوى الصوتي تتناغم مع كلمة Autobiography التي تعني السيرة الذاتية. "الفوتو- بيوغرافيا" ، أو "السيرة الذاتية المصورة"، هي صور تحكي صورا: صور حاضرة تحيل على صور غائبة، لقطة جامدة تعيد للحياة مشهدا قابعا تحت طبقات سميكة من النسيان. ولذلك، كانت "الفوتو- بيوغرافيا" محركا لحرارة الحياة الحبيسة تحت رماد النسيان وبرودة العادة. تطلبت منا هده "الفوتو- بيوغرافيا"، "السيرة الذاتية المصورة"، ستة أشهر من العمل المتواصل ساعدنا في ذلك الفيد- باك الذي أغنى التجربة من خلال تجاوب القراء الدين اطلعوا على النسخ الأولى للكتاب عند نشره الكترونيا. فقد صارت رؤاهم للتو مقودا للعمل قيد الإنجاز فغيرت أحيانا اتجاه العمل من اليمين إلى اليسار وأحيانا العكس من خلال التدخل في مناقشة فلسفة الكتاب وتقييم وتقويم تقنياته وانتقاد نوعية الصور المدرجة ومضامينها والمنظور الذي من خلاله تحرر التعليقات على الصور التي تبقى الموجه الرئيسي لتطور الانطباعات وتقدم الزمن ونضج الشخوص والتجربة معا. ولعل الشذرية هي أهم ما يميز "الفوتو- بيوغرافيا" عكس كل المفاهيم السائدة في كتابة السيرة الذاتية الأدبية التي تنهج سبيل الخط الوحيد لأحداث منتقاة حدثت للكاتب على فترات متباعدة لتظهر حياته بلون واحد وخطاب واحد وقدر واحد: شقاوة، سعادة، دلل، تشرد... إذا كانت الحبكة في السرد الواقعي موضوعية خارجية يتحكم فيها سارد واحد يمسك بخيوط الأحداث ويخضعها للترتيب الكرونولوجي للأحداث، فإن الحبكة في كتابة تيار الشعور ذاتية داخلية تسردها الشخوص دون الحاجة للكلام الملفوظ (تجربة ويليام فولكنر، مثلا)، فإن الحبكة في "الفوتو- بيوغرافيا"، أو "السيرة الذاتية المصورة"، تجمع بين الاثنين وتضيف لهما بعدا ثالثا: البعد البصري،الصورة. ولهدا، سيكتشف القارئ في هده "الفوتو- بيوغرافيا" المقدمة بالصورة والعقدة وتطورها بالصورة والخاتمة بالصورة...
الكتابة بضمير المتكلم:
في أكثر من حوار صحفي وفي أكثر من مناسبة، أشهرنا ميلنا للكتابة بضمير المتكلم لكن التزامنا بخصوصية النص وانشغالنا بمصالحة شكل النص بمضمونه قللا من هدا الميل الذي عادة ما يجد ضالته في كتابة اليوميات والمذكرات والسير الذاتية. في هده السيرة الذاتية المصورة، "عندما تتحدث الصورة"، ستتحرر الذات بالذاكرة من قيود الحكي وسطوة الزمن وإيقاعية الحياة وركام الأعباء والمسؤوليات وآلية الأجندات لتعود مع كل صورة إلى أصل الحياة. ولذلك، فقد حاولت السيرة الذاتية دائما أداء هذا الدور لكن السيرة الذاتية في أشكالها المكتوبة الموجهة بخطاب واحد محدد غالبا ما جعلت مادة الحكاية خارج سياق الحياة التي أنتجتها وبدلك صارت مادة تخييلية وليس سيرة ذاتية. إن الحياة تكون حياة والواقع واقعا قبل التحرير والتدوين والكتابة. أما بعد الكتابة فتصبح تلك الحياة وذلك الواقع مشروع حياة جديدة ومشروع واقع جديد. إن الكاتب لا يمكنه أن يكون ناقلا للواقع وناسخا له. الكاتب هو مبدع لواقع جديد ولحياة جديدة. ولن يكون في متناوله في وقت من الأوقات أن يحيد عن هدا الدور حتى ولو أراد هو ذلك. فالكاتب له زوايا نظر خاصة به ومبادئ ومواقف ومصالح ومطامح ورهانات واختيارات تتحكم في ما يكتبه فيصبح بالإمكان تحوير الواقع أو الحياة موضوع الكتابة ملايين المرات بحيث تصبح الحياة الفردية الواحدة حيوات متعددة لامتناهية: حياة تشرد في مجتمع لا مبال كما في "الخبز الحافي" سيرة محمد شكري الذاتية الروائية، أو حياة براءة ودلل كما في "في الطفولة" سيرة عبد المجيد بن جلون الذاتية، أو حياة مكرسة للعلم والمعرفة كما في "الأيام" سيرة طه حسين الذاتية... ولكن هل يعقل أن تكون حياة فردية بأكملها مجرد تشرد، أو مجرد براءة، أو مجرد علوم ومعارف؟!... هده هي خاصية الأدب: خصوصية الأسلوب والخطاب. وهذه هي وظيفة الأدب: التأثير في القارئ بخلق انطباع واحد أو متقارب لدى عموم القراء ، وهده هي قوته التي بدونها لن يبقى أدبا فينسحب فاسحا لعلوم إنسانية أخرى كالتاريخ والسوسيولوجيا وغيرها. وتأسيسا على ذلك، تبقى هذه السيرة الذاتية المصورة، "عندما تتحدث الصورة"، مساهمة في التأسيس لشكل جديد من أشكال السيرة الذاتية قوامه التعليق على الصورة المرتبة كرونولوجيا، والاحتماء بالكتابة الشذرية، والعودة لضمير المتكلم، وأخيرا تسمية الأمور بمسمياتها.
(لتحميل كتاب "عندما تتحدث الصورة"، يرجى الضغط على الرابط التالي: http://raihani.free.fr/ebooks/private_album.pdf)
محمد سعيد الريحاني بتاريخ 25 مايو 2008
#محمد_سعيد_الريحاني (هاشتاغ)
Mohamed_Said_Raihani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع المبدعة والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام أجرى ال
...
-
حوار مع الباحث والقاص والمترجم المغربي محمد سعيد الريحاني: -
...
-
بيان حقيقة
-
في حوار مع محمد سعيد الريحاني: الثقافة العربية مدعوة للتفكير
...
-
في حوار مع محمد سعيد الريحاني: إِنََ الحَقِيقَةَ التِي يَبْح
...
-
تقديم لمجموعة محمد البوزيدي القصصية الجديدة -مَوَاوِيلُ الأَ
...
-
ملف التعليم وملفات هيأة الإنصاف والمصالحة
-
في حوار مع الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني: -الصعود إلى مح
...
-
في حوار مع الروائي والناقد المغربي الدكتور محمد أنقار: معيار
...
-
في حوار مع القاص والشاعر الدانماركي نيلس هاو: -أن نشعر بالوح
...
-
الانتخابات المغربية كما عايشتها: ما بين بطاقتي الانتخابية ال
...
-
محراب الكتابة: غايات الكتابة وأدواتها
-
دفاعا عن الشعراء
-
إن أزمة الأدب العربي ليست أزمة اختيارات جمالية أو مذهبية، ول
...
-
من الأُغنِيَةِ المُلتزِمَةِ إلى الأُغنِيَةِ المُتّزِنَةِ
-
آفاق التنظير القصصي في المغرب في ظل الطابوهات
-
على هامش اليوم العالمي لحقوق الإنسان:تاريخ التلاعب بالمباريا
...
-
لا ديموقراطية بدون ديكتاتورية الواجب وقدسية الحق وشرعية الفع
...
-
الأغنية العربية المصورة:الكائن والممكن
-
أزمة الأغنية العربية من أزمة الشعر العربي
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|