|
أحداث لبنان ومحنة العقل العربي مرة أخري ..
عمرو اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 2285 - 2008 / 5 / 18 - 07:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعد ماحدث في غزة علي يد حماس وبيروت علي يد حزب الله وما حدث في مجلس الشعب المصري وهيجان بعض النواب علي قانون الطفل الذي يحمي من ليس لهم ذنب من أخطاء أباءهم وأمهاتهم نتيجة صراخ نواب جماعة متطرفة تريد احتكار الاسلام والله والوطن .. استطاعت تخويف حتي نواب الوطني وتم لها ما أرادت وتم إفراغ هذا القانون التقدمي الذي يحمي حقوق أطفال أبرياء حتي لا يتحملوا جريرة المذنبين الحقيقيين ... هؤلاء الرجال الذين يمثلهم نواب يدعون أنهم يدافعون عن الاسلام ... وبعد متابعتي لرد فعل الشارع ورد فعل الكثيرين ممن يحسبون علي المثقفين في عالمنا العربي علي هذه الاحداث وخاصة علي مافعله حزب الله في بيروت وفرض إرادته علي الدولة وحتي علي جامعة الدول العربية وأمينها العام .. ونتيجة متابعتي لتعليقات القراء علي الصحف والمنتديات وحتي المواقع المعتدلة والتي تبحث عن التجديد .... يؤسفني أن أقول الحقيقة المؤلمة مرة أخري .. وهي أن التعصب والتطرف والارهاب قد انتصر في عالمنا .. انتصر علي الفكر الحر الذي يؤمن بالأنسانية والحرية .. حرية الاختيار واحترام حقوق الأنسان .. لقد استطاع هذا الفكر أن يقنع العامة والكثير من المثقفين أن القتل جهادا والانتحار استشهادا .. وان استغلال الدين في السياسة مباح .. معتمدا علي نصوص لا نستطيع أن نتصدي لتفسيرها .. لأننا في الحقيقة لا نملك لها تفسيرا مقنعا . كل النصوص الدينية في الاديان الأخري فيها مايحمل هجوما وأقصاءا لأتباع الديانات الأخري .. ولكن هناك استطاعوا حل المعضلة بفصل هذه النصوص عن الحياة المدنية .. ولكننا لا نستطيع أن نطالب بالمثل ونلف وندور في محاولة لأيجاد تفسير لهذه النصوص .. وهي محاولة مآلها الفشل .. لأن النصوص أوضح من أن نجد لها تفسيرا معتدلا ومتسامحا .. كيف نستطيع أن ننكر أن أغلبيتنا مؤمنون أنهم خير أمة أخرجت للناس .. وأن من رضي بغير الاسلام دينا فليس له عندنا ألا السيف أو الجزية .. وأن سكتنا عنه فهو سكوت الي حين حتي نعد لهم ما استطعنا من قوة و رباط الخيل نرهبهم به .. منتهي الانتهازية ... والغريب أنها باسم الله والاسلام .... إن هذه الأفكار متغلغلة في أعماقنا وتعيش تحت جلودنا ولن يمكن مواجهتها بأي تفسير معتدل ومتسامح الحل الوحيد هو الحل الذي وصل أليه العالم أجمع : وهو أن الدين هو قضية فردية ... من حق أي انسان أن يؤمن أنه ينتمي لخير أمة أخرجت للناس أو ينتمي لشعب الله المختار أو أنه علي حق والعالم كله علي خطأ وأنه الوحيد الذي سيرضي عنه الله ويدخله فسيح جناته وسيصلي أتباع الأديان الأخري سعير جهنم وبئس المصير .. من حقه أن يؤمن بذلك ويقوله لأتباعه ذلك داخل دور العبادة .. .. أما إن حاول أن يفرض رأيه علي الآخرين الذين لا يشاركونه الرأي أو يدعو الي استعمال العنف لفرض هذا الراي يكون مكانه الوحيد الذي يستطيع أن يبث فيه سموم العنف والكراهية والأقصاء هو وراء القضبان.. أن لم نفرض القانون الذي يعطي الحق لأي أنسان أن يدعو إلي أي دين أو يدعو لرفض اي دين .. ولكن بطريقة سلمية ليس فيها تحريضا علي العنف أو ممارسته باسم الدين أو باي حجة أخري فلا أمل سيظل الارهاب خطرا يهددنا جميعا حتي لو اختفي الي حين .. ليعود بأي حجة كانت مثل الحجة التي يستعملها كل أنصار الأرهاب في عالمنا وكل المتطرفين في أي مكان في العالم وهي اننا نتعرض لهجمة ضد الاسلام أو ضد الدين أيا كان هذا الدين.. رغم أن الجميع يعرف أنه إن كانت هناك حروبا واحتلالا فهي لأسباب دنيوية بحته .. أسباب وأطماع سياسية واقتصادية .. لن نستطيع ابدا أن ننتصر علي الفكر المتطرف في عالمنا لأنه فكر يعتمد علي قواعد قوية ومتغلغلة دينيا .... بينما الفكر المعتدل والمتسامح لا يعتمد ألا علي تفسير القلة .. وهو تفسير ليس له جذور في عقول ووجدان شعوبنا .. أن مقاومة الإرهاب والانتصار عليه لن يحدث بالفكر أو بالمواجهة الأمنية .. ولكن يمكن الانتصار عليه بالقانون ..عندما يصبح الإعلان العالمي لحقوق الأنسان هو قانون دولي يجب أن تحترمه اي دولة عضوا في الأمم المتحدة أو توضع هذه الدولة تحت الوصاية الدولية لفرض هذا القانون عليها .. .. هذه هي الحقيقة ويؤسفني قولها وان استمر انتصار التطرف سنجد كل انصار الحرية في عالمنا يتراجع عن كل مايكتبه فلن يحميه أحد .... وسنتراجع جميعا واحدا وراء الآخر .. وسينتصر في النهايه الفكر المتطرف والإرهابي في عالمنا .. حتي يضطر العالم الي التحالف ضدنا واحتلالنا وتغييرنا بالقوة كما فعلوا مع المانيا النازية واليابان .. إنها محنة العقل العربي الجمعي .. وهي محنة يجب أن تدفعنا جميعا الي التساؤل.. لماذا لا نري الامور كما يراها باقي العالم؟ لماذا نشعر دائما ان هناك من يتآمر علينا وهو السبب في مشاكلنا و تخلفنا الحضاري والاقتصادي؟ لما لا نستطيع ان نفهم ان التقدم هو ان نبدأ من حيث انتهي الآخرون و ليس من خلال استعادة الماضي؟ لماذا لا نستطيع نقد الذات ونعتبر ان كل من يحاول ذلك هو عدو الامة و ثوابتها الي غير هذا الكلام المورث للجمود والتخلف؟ لماذا لا نستطيع ان نفهم انه لا توجد ثوابت فطبيعة الحياة هي التغيير و التبديل ومحاولة اكتشاف الافضل والا الجمود و الانقراض هو مصيرنا ؟ لماذا نتحاور فيما بيننا بالرصاص والقنابل والسيارات المفخخة ؟ هل سمعنا في اي دولة محترمة ان الأحزاب و الاتجاهات السياسية المختلفة فيها تتحاور بالرصاص؟ هل تحل اسرائيل مشاكلها الداخلية بالرصاص ام تدخره ليوجه الي صدور الفلسطنيين .. فلماذا نهدر نحن الرصاص في قتل بعضنا البعض؟ لماذا نحن الشعوب الوحيدة الباقيه في العالم والتي تستخدم الدين والاسلام واسم الله في كل شيء .. في السياسة والاقتصاد والعلم والفن و الادب .. نقتل باسم الله ونفجر السيارات باسم الله وننحر الرقاب باسم الله والاسلام ونتاجر سياسيا بل واقتصاديا باسم الاسلام .. ثم نحتج عندما يصف الآخرون المسلمين بالارهاب .. أبدا نفجر السفارات و القطارات والفنادق فيموت الاطفال و النساء والمدنيين الذين ليسوا لهم اي علاقة بقضايانا ثم نحتج عندما يصف العالم هؤلاء المتطرفين الذي ينتحلون الاسلام بالأرهابيين و لا نسأل انفسنا لماذا لا تفعل هذه الفظاعات اي جماعات دينية أخري في القرن الحالي .. لا نسأل انفسنا أبدا عن جذور هذا الفكر المتطرف ونحاول علاجه.. وعندما تطالبنا الدول الاخري بعلاج هذه الجذور و دراستها نصرخ انهم يتدخلون في شئوننا الداخلية و أنهم أعداء الاسلام ..
لماذا لا نسأل انفسنا السؤال المنطقي ؟ هل تدخل أحد في شئوننا و طالبنا بالنظر في مناهج تعليمنا قبل ان نفجر برجي التجارة ونقتل الآلاف وقبل ان نفجر قطارات مدريد ونقتل المئات و قبل ان نخطف الرهائن و ننحرهم علي شاشات التليفزيون ليري العالم أجمع وجهنا القبيح ... لماذا لا تستطيع عقولنا ان تفهم ان الديمقراطية أثبتت انها افضل نظم الحكم وانها عادت علي الشعوب التي تبنتها كنظام للحكم بالتقدم والرخاء؟
ولماذا لاتستطيع عقولنا ان تفهم ان الديمقراطية ليست فقط صناديق الانتخابات ولكنها منظومة كاملة أهم ما فيها حرية الاختيار.. حرية الاختيار في الدين والعقيدة والملبس ..وحرية التعبير عن الاراء السياسية دون اضطهاد لأي فكر حتي لو كان فكر لا ديني .. .
لماذا لا نفهم ان الديمقراطية هي المساواة الكاملة بين البشر بصرف النظر عن الجنس او اللون او الدين؟ .. لماذا لا تستطيع عقولنا ان تفهم ان الديمقراطية ليست فيها ثوابت ولا قدسية لا للأفكار و لا للأشخاص سواء السلف الصالح او الحاضر الطالح؟ لماذا لا تستطيع عقولنا ان تفهم ان الخط الاحمر الوحيد في الديمقراطية هو استخدام العنف او التحريض عليه ؟
أذا اردنا الحفاظ علي مفهوم ثوابت الامة والسلف الصالح واستخدام الدين في السياسة و الادعاء ان الاسلام دين شامل ينظم كل جوانب الحياة و انه دين و دولة , فلنتوقف عن استعمال كلمة الديمقراطية و لنطالب بنظم حكم شبيهة بأيران او طالبان او نظام الترابي السابق في السودان ولنؤيد حزب الله ونستسلم له خاضعين .. لنعترف بالحقيقة اننا نرفض من يؤمن بغير الاسلام دينا واننا نعترف انه ليس له عندنا الا شيئا من ثلاثة الاسلام او الجزية او السيف .. لقد وصلنا الي مفترق الطرق ايها السادة .. اذا اردنا الاسلام كمنظم لكل شئون الحياة وليس كدين للتعبد ومكارم الاخلاق فقط , فيجب ان نكون أقوياء ونعترف بالحقيقة وهي ان الاسلام يتعارض تماما مع الديمقراطية بمفهومها الحقيقي وان كل من يحاول ان يفرض علينا نظاما آخر ليس عنده عندنا الا السيف وان نساؤه و اطفاله هم مال المسلمين وان دمه و دمهم ليس فيه دية ولتتوقف كل جماعات الاسلام السياسي و اولها الاخوان المسلمين عن اتباع سياسة التقية التي تمارسها وتظهر وجهها الحقيقي وانها تسعي الي نظام حكم اسلامي لن يكون مختلفا في افضل احواله عن ايران وفي أسوأها عن طالبان ان الاعتراف بهذه الحقيقة افضل من سياسة الرقص علي السلم التي نتبعها وقد نصبح فعلا اقوياء ونحتمل عداء العالم لنا ونعد له ما استطعنا من قوة لنرهبه به أما إن اردنا الديمقراطية فلابد ان نستخدم آلياتها ونوافق جميعا انه لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين ونمنع فعلا وليس قولا جميع الاحزاب و الجماعات التي تتشكل علي اساس ديني من العمل السياسي وان نمنع مرشحيها من اختراق النظام الديمقراطي عبر التسلل من خلال الاحزاب الاخري او الترشح علي قوائم المستقلين او استخدام الدين في الدعاية الانتخابية .. ان نؤكد علي علمانية الدولة والنظام السياسي وأن الدين سواء الاسلام او غيره له كل الاحترام والتقدير كدين للتعبد و المثل العليا وليس كمنظم لشئون المجتمع والدولة والي الوقت الذي نستطيع ان نفهم فيه الديمقراطية الحقيقية ونقبلها او نرفضها فسيظل العقل العربي في محنة وسينتصر التطرف والتعصب .. سينتصر حزب الله وحماس و إخوان الشيطان .. فهم يبتزون الجميع باسم الله والاسلام .. والله والاسلام وأي دين سماوي أو حتي أرضي منهم ومن أطماعهم السياسية الدنيوية براء .. .. فهل هناك أمل ؟ يبدو أن الأمل بعيد المنال
#عمرو_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل القدس حقا مدينة السلام ..أم لعنة علي البشرية؟
-
دعوة لتفعيل سهم المؤلفة قلوبهم ..
-
إختطاف وطن أم اختطاف نقابة
-
ليس دفاعا عن وفاء سلطان والرسوم الدنماركية..
-
نحو السمو بالدين فوق الصراعات السياسية ..
-
من شاء فليفطر ومن شاء فليصوم ..
-
الحقيقة المؤلمة .. أننا نظلم الله ورسله معنا ..
-
الرئيس غير مسؤول أمام مجلس الشعب!!!
-
ماذا لو عاد جبريل عليه السلام من تقاعده ؟..
-
..هل هناك فرق بين الزرقاوي والظواهري والإخوان ؟
-
القضية ليست البهائية .. ولكنها قضية حرية الاعتقاد وحقوق المو
...
-
وهم اسمه الحرب علي الاسلام ..
-
ما هي الشريعة ؟ وما هي مبادئها ؟
-
ما هي الديمقراطية ؟
-
انتصار هند الحناوي هو انتصار لمصر المستقبل
-
المضحك المبكي ..
-
هل يوجد في مصر أهل ذمة ؟ أو في أي مكان آخر !!
-
الدين والسياسة والعقد الأجتماعي - 2
-
لماذا لا يتحالف الإخوان مع إيران وطز في مصر ؟!!!
-
هل يحق لجماعة الإخوان معارضة الرئيس ؟
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|