|
ألم يحن أوان نقد الدين بالمغرب ؟
اسافو امازيغ
الحوار المتمدن-العدد: 2253 - 2008 / 4 / 16 - 10:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لقد أبدت النخب المغربية دوما ، تخاذلا كبيرا في مقاربة المسألة اليدينية . فالدين هو الطابو الأكبر للنخب المغربية الحداثية والعلمانية . فالواقع أن كل شيء بالمغرب ، يتمحور حول الدين من الثقافة إلى السياسة إلى القضايا المجتمعية المختلفة . وقد حرصت الدولة المغربية ، دوما على تكريس شرعيتها استنادا إلى النصوص الدينية والى المرجعية النبوية . ومن هنا فإن دقرطة النظام السياسي المغربي ، لا يمكن أن تتم بمعزل عن دقرطة الدين أي علمنة الحياة العامة . ولا يمكن إنجاح أي عقلانية سياسية بالمغرب ، في غياب الحد من صلاحية المؤسسات الدينية المتغلغلة في مفاصل المجتمع والمتحكمة في صياغة عقول الناس ووجدانهم . وقد أظهرت تشنجات المغاربة أيام مناقشة خطة إدماج المرأة في التنمية وأحداث القصر الكبير ، عمق تسرب الرؤية الدينية الأكثر ارثوذكشية في ثنايا المجتمع المغربي . لقد أفنى المثقفون أعمارهم في الانشغال بالمسألة التراثية وبالمنهجيات الملائمة لتحليل النصوص التراثية واعتقدوا أن مواجهة الأصولية الصاعدة لا تتم إلا على الأرضية التراثية . إلا أن الأصولية المخزنية والأصولية السلفية والأصولية الطرقية ، تقوت وانفردت بالوعي المجتمعي ، تصيغه كيفما شاءت وتوجهه وجهة الولاء لأمارة المؤمنين ( الأصولية المخزنية ) أو لإمارة السلف المتجسد في إمام العصر ( القرضاوي وقرينه ابن لا دن ) أو لإمارة الشيخ ( كما في الزاوية البوتشيشية ) . تختلف مواضيع الولاء والعبادة ، إلا أن القوم مجمعون على ، تقديس القرآن ومحمد والصحابة أجمعين ، وعلى إلغاء العقل والتاريخ بإطلاق . وإزاء استشراء الأوليات وتحكمها في مجتمع فاقد للفعالية الثقافية والحضارية منذ قرون بفعل تفرد المؤسسة الدينية بمفاصل الثقافية ، انبرى المثقف المغربي ، للبحث في الرشديات( الجابري والمصباحي ) أو الخلدونيات ( الجابري وأومليل والعروي وحميش والشدادي ) أو الغزاليات ( طه عبد الرحمان )أو الحزميات ( سالم يفوت ) .فغني عن البيان ، أن المثقف المغربي الحداثي ، اخطأ التصويب . فالنقاش المجتمعي ، والزامات الخصوم الأصوليين ، لا تمس التأويل بل التنزيل . ومن هنا ، فقد كان منتظرا من مثقفين يلمسون يوميا ، وفي كل مظاهر الحياة الثقافية و والسياسية والاجتماعية ، هيمنة لا مثيل لها للامعقول وللغيب ، أن ينبروا لمناقشة قدس أقداس المسألة الدينية أي الاعتقاد . فلا احد طرح الأسئلة التالية : * هل يتفق الدولة الديمقراطية الحداثية ، مع قسرية الاعتقاد وتديين الدولة والمجتمع والثقافة بطريقة كليانية ؟ * هل يمكن إعفاء الدين من المساءلة ومن النقد في مجتمع يسعى إلى الديمقراطية والى احترام المواطنة ؟ * أليست الهندسة الاجتماعية ذات السند العقدي ، إخلالا بحق الفرد في صياغة ذاتيته بعيدا عن املاءات المعتقدات الدينية غير المسلمة ؟ * هل يمكن فرض المعتقد الأشعري على مواطنين يفترض فيهم أن يمتلكوا كفاءة تدبير فكرهم ومتخيلهم ؟ * لماذا تمنع الدولة المغربية ، انبثاق العقلانية التاريخية في المواضيع المرتبطة بالتاريخ المغربي وبالإطار العقدي المنشر بالمغرب الإسلامي ؟ * هل يمكن الاستمرار في تقديس الفكر الأشعري والفقه المالكي والتصوف الجنيدي في زمان تفكك الرؤية الدينية وتراجع دور المقدسات ؟ هذه الأسئلة ، غائبة عن تحليلات المفكرين الحداثيين المغاربة . وهي تنص على حتمية ، تنسيب التاريخ العقدي للمغرب ، وعلى تفكيك الإطار العقدي المتحكم في أعماق المجتمع و الدولة على السواء . فالمطالبة بالديمقراطية وبتفعيل مبادئ الليبرالية وحقوق الإنسان ، بمعزل عن نقد الدين وحصر فعاليته السياسية والاجتماعية والثقافية ، في مجتمع تشكلت مفاصله الرئيسية بتوجيه وإدارة قسرية من المؤسسة العقدية الأكثر تمسكا بالأفكار الغيبية ( المهدي محمد بن تومرت )، لا تكون سوى صراخ في برية . فمن المحقق ، أن المثقف المغربي الحداثي ، أراد تغيير مجرى النقاش ، وذلك بتوجيه الأنظار إلى الوجهة التراثية العالمة . والحال أن التراث الكلامي أو الفلسفي العالم ، هو إنتاج هامشي قديما وحديثا . فقد راهن الجابري مثلا ، على الرشدية وعلى الخلدونية ، في عقلنة الموروث التراثي اللاعقلاني وفي مناجزة السلفية المتحكمة في العقول والمخيالات . ومن المعروف تاريخيا ، أن التراث الكلامي أو الفلسفي ، لا يشكل عمدة التراث الكلاسيكي ، ولا يؤثر كبير تأثير في عقول الكتل الكبرى من مستهلكي الخطاب الديني . وعليه ، فالمواجهة الحقيقية ، لا تتم باصطناع أقنعة تراثية ، أو استعارة إشكاليات مغلوطة أو تأويل ما لا يقبل التأويل ، أو تحديث ما لا يقبل التحديث . فبعد زوال التضخم السياسي ، وانتهاء التغيير الإيديولوجي / السياسي إلى الفشل ، صار من اللازم ، الآن ، الانكباب على تناول المقدس وعمدته أي الإسلام . السؤال راهنا ، هو الم يحن الأوان ، لفك الارتباط بالمسألة التراثية ، والانكباب على المسألة العقدية ؟ ألم يحن الوقت لفك الارتباط بين الدين والأخلاق ، بين الدين والسياسية ، بين الدين والعلم ، بين الدين والاقتصاد ؟ لقد رأينا استشراء بين الأصوليات الثلاث : 1- أصولية المخزن : وهي تستند إلى مرجعية عقدية والى تاريخ محلي موصوف بحب الشرفاء . وامتلاك زمام الأمور السياسية باسم إمارة المؤمنين والنسب الشريف والتفويض الإلهي ، يعني انتفاء السياسية بالمعنى الحديث ، أي استحالة الديمقراطية والمواطنة والعقلانية السياسية بإطلاق رغم التأكيد الرسمي على احترام حقوق الإنسان الكونية في تصدير الدستور . (وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.)( تصدير الدستور المغربي ) 2- أصولية الطرقية : تقوم هذه الصوفية بتحكم مخملي في مهج المريدين وعلى تحكم ناعم في النفوس كثيرا ما يغادر فيه المريد ذاتيته وعالمه ، ليلتحق باقيانوس من العلامات والرموز ، ويقرأ العالم عبر خريطة سرية اسمها الكرامة الصوفية أي إلغاء أي عقلنة طبيعية واجتماعية وسياسية . ويتم تسويق التصوف الطرقي البوتشيشي الآن ، حسب معايير التسويق العصري ، كبديل للسلفية العنيفة وكعضد للأصولية المخزنية في صراعها مع السلفية المتشككة في إمارة المؤمنين ( العدل والإحسان ) ومع السلفية الجهادية التكفيرية القائلة بالحاكمية الإلهية المطلقة بإطلاق . ويقدم مهرجان الموسيقى الروحية بفاس ،الدليل على امكان تمرير الأصولية الطرقية تحت وقع أنغام الشوق والوجد الإلهيين .ويبقى العقل الغائب الأكبر ، في الحفلة الصوفية . 3- أصولية السلفية : تقوم الأصولية السلفية المعتدلة ( حزب العدالة والتنمية وحزب البديل الحضاري المنحل مثلا ) والمتشددة ( العدل والإحسان والسلفية الجهادية مثلا ) ، على إلغاء التكييف المحلي للإسلام ( تحطيم السلفيين لشواهد القبور ورفضهم لإحياء عيد المولد النبوي مثلا ) وعلى الانخراط في استراتيجية دولية عابرة للسياق الثقافي / التاريخي / العقدي المغربي ، أي في استراتيجية الإخوان المسلمين والتنظيمات السلفية ذات التوجه العابر للدول والمناطق الإقليمية . وكل هذه الأصوليات تتفق على ما يلي : 1- تحكيم الأوامر والنواهي الدينية في تدبير المجتمع والدولة والثقافة ، 2- إسقاط حرية الاعتقاد وحرية التعبير ( الفصل الثامن عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) ، 3- رفض أية علمنة للمجتمع والدولة ، 4- رفض العقلانية والتاريخ والعلم والفردية . وغني عن البيان ، أن هذه الأصوليات تعيش، في الحقيقة ، في زمان غير زمان التحديث ، ولا تعدو علاقتها بالحداثة أن تكون مسايرة اضطرارية( التنصيص على احترام حقوق الإنسان الكونية في الدستور ) أو استعمالا آليا( استعمال التكنولوجيا مثلا ) أو مناورة ثقافية عصابية بالأساس( الموقف من الثقافة الغربية ومن الاختلاف والتعدد والغيرية ) . ولم تلتفت النخب الحداثية ، إلى حتمية تفكيك الإطار النظري للأصوليات الثلاث ، بل استمرت في البحث عن المصالحات ، وفي تبرير ما لا يبرر وتسويغ ما لا يقبل التسويغ ، في المعايير الحداثية ، باسم مراعاة الشعور الديني والخصوصيات المحلية . وقد لا حظنا ، انحياز الكثير من المثقفين الديمقراطيين ، في سياق بروز الاجتماعي والسياسي الكبير للأصولية السلفية ، إلى أصولية المخزن باعتبارها ضامنة التماسك الاجتماعي ونقطة ارتكاز النسق الاجتماعي برمته .والعمق المجتمعي المغربي ، يعرف حاليا مخاضا غيبيا ، لا يتوقف ، تتبادل فيها المتخيلات الصوفية والسلفية ، المواقع ، بهدوء تارة وبصخب أحيانا ، فيما تكتفي أصولية المخزن بمراقبة الفاعلين الغيبيين وتحرص على تسييج النسق السياسي وإدارته وفق المعادلة اللاهوتية السياسية المتوافق عليها منذ الاستقلال . إن المغربي محكوم بالغيب المخزني والغيب الطرقي والغيب السلفي ، وكل عالمه الدلالي محكوم بإعادة إنتاج التجربة المحمدية بأقصى دقة ممكنة . فالمغرب يتوفر على 41 ألف و 292 مسجدا ومكانا لإقامة الصلاة حسب إحصائيات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،وعلى إعداد كبيرة من الزوايا والمدارس العتيقة . وهي مؤسسات لتقوية المؤسسة الدينية ، وإفراغ الكائن من جوهره الإنساني . فقد تحول الكثيرون إلى مجرد الآلات طقوسية ،لا تحرص إلا على تكبيررسم الدينار على الجباه ، والتسليم المطلق للشيخ ا لمخزني أو الطرقي أو السلفي . أما المؤسسات الحداثية ظاهرا مثل الجامعات والكليات والمعاهد العليا ، ففاقدة للفعالية التحديثية ، وتبقى علاقاتها بالحداثة و بالعقلانية أداتية ذرائعية في أحسن الأحوال . فالمجتمع المغربي ، تقليدي وما قبل حداثي ، وتحديثه ، لا يتم بالخوض في التراثيات أو في الابستمولوجيات ، بل بفتح الورش الكبير المتمثل في نقد الإسلام . لقد حدد محمد بن تومرت خصومه بدقة سلفية ، وآن الأوان ، لتحديد الخصوم بدقة حداثية . فمشكلتنا ليس هي التشبيه ولا التجسيم ولا التطويل في البنيان ، بل هي إلغاء العقل وتسليم النفوس إلى مروضيها من مستثمري السمادير الدينية . يقول المهدي بن تومرت في بيان طوائف المبطلين الملثمين والمجسمين وعلاماتهم : ( جميع علاماتهم ظاهرة منها قبل مجيئهم من كاكدم ومنها ما ظهر بعد أخذهم البلاد ، ومنها ما ظهر من أحوالهم و أفعالهم ، فالذي ظهر منها قبل مجيئهم خمس : إحداهن أنهم الحفاة ، والثانية أنهم العراة ، والثالثة أنهم العالة ، والرابعة أنهم رعاء الشاء والبهم ، والخامسة أنهم جاهلون بأمر الله ، والذي ظهر منها بعد أخذهم البلاد سبع ، إحداهن أنهم يأتون في آخر الزمان ، والثانية أنهم ملوك ، والثالثة أنهم يتطاولون في البنيان ، والرابعة أنهم يلدون مع الإماء ، ويستكثرون من الجواري ، والخامسة أنهم صم ، والسادسة أنهم بكم ، يعني أنهم صم عن الحق لا يستمعون إليه ، بكم عن الحق لا يقولون به ولا يأمرون به ، وكل ذلك راجع إلى الجهل والعدول عن الحق ، والسابعة أنهم ما هم أهلا للأمانة والقيام بأمر الله ...) [محمد بن تومرت – أعز ما يطلب – تحقيق : الدكتور عبد الغني أبو العزم – مؤسسة الغني للنشر – 1997- الصفحة : 385] فأعز ما يطلب اليوم ، هو الانفكاك من عقلية ابن تومرت ، وتدشين لا عصر تدوين جديد كما يعتقد الجابري ، بل تدشين عصر تدوين نقد الإسلام .
#اسافو_امازيغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|