عبد الكريم كامل ابو هات
الحوار المتمدن-العدد: 2247 - 2008 / 4 / 10 - 02:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثانيا إصلاح هيكل أسعار المنتجات النفطية بين مطالب ال IMF والضرورات الموضوعية
وفقا لبنود اتفاقيه الترتيبات الساندة S.B.A التي وقعها العراق مع صندوق النقد الدولي في عام 2005 يلتزم العراق بتنفيذ برنامج مالي واقتصادي لمدة ثلاث سنوات , إن يستجيب لثلاثة شروط قبل ان تصبح ألاتفاقيه نافذة المفعول هي ..
1. تعديل أسعار المشتقات النفطية
2. تمكين القطاع الخاص من دخول الصناعة النفطية من خلال اصدار وتشريع قانون تعديل المصالح النفطية لغرض احتكار استيراد المشتقات النفطية
3. تعهد البنك المركزي بان يستمر في تدقيق حساباته السنوية وفق مقاييس التدقيق المعروفة .
إن أسعار المنتجات النفطية تحتل موقعا مركزيا في سياسيات وتفكير مؤسسات العولمة ألاقتصاديه بكل ما يعنيه ذلك من إخضاع السياسات ألوطنيه لرغبات السياسات ألدوليه بغض النظر عما تسببه من اثار وسلبيات على النمو الاقتصادي , وهذا شان التوجه العام للحكومات لدى العديد من الدول ألمنتجه او غير ألمنتجه نحو رفع أسعار هذه المنتجات تطبيقا لشروط مؤسسات العولمة المالية . نحن نفهم إن الإصلاحات ألسعريه في اقتصاد حكومي ( انتقالي ) أمر مطلوب من اجل تحقيق مزايا يؤمنها اقتصاد السوق, وبالنسبة للعراق وهو يخطو باتجاه بناء مقدمات التحول الاقتصادي إن يتم الإصلاح في إطار سياسات اقتصاديه كلية Macroecanomic تاخذ بنظر الاعتبار مبدأ ألتغذيه المرتد feed back effect بين المتغيرات ألاقتصاديه فضلا عن الخصائص الاجتماعية للمجتمع والتبدلات التي طرأت على الذهنية ألعراقيه تجاه التفاعل مع آليات اقتصاد غير مركزي non central economy بعد فترة طويلة من الزمن اعتاد فيها العراقيون على التكيف والتعايش مع أنماط من الإدارة ألاقتصاديه المركزية وتزايد مستويات اعتمادهم على ألدوله في تحقيق مطالبهم ورغباتهم … لذلك ينبغي ان يتوفر لدى متخذي القرار السياسي والاقتصادي فهما اقتصاديا ونظريا واضحا لتلافي احتمالات الوقوع في فخ trap التناقض بين المصالح الحيوية للسكان وبين مصالح ألدوله المتمثلة في تغطيه عجز الموازنة ألعامه او تسديد القروض مع فوائدها وعليه فان بناء افترضات واقعيه لما يجب إن يتخذ من سياسات وتدابير هوة ألمقدمه الضرورية لنجاحها . إن التاريخ الاقتصادي الحديث ومنذ أن بدء باستخراج النفط في العراق لم يؤكد لنا آن أسعار المنتجات النفطية كانت متطابقة في اقل تقدير مع ألكلفه الحقيقية للإنتاج فعلى طول الخط كانت الأسعار لاتعبر عن ألكلفه بل وادنى منها بمعدلات كبيرة في بعض الحالات فيما لا تظهر البيانات ألتاريخيه لأسعار المنتجات النفطية في دول مجاورة تصنف من الدول ألمستهلكه وليست ألمنتجه مثل هذه ألحاله .
لقد باتت سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية اتجاها عاما لكل الحكومات التي تعاقبت في العراق ولان العائدات النفطية كانت تتجه نحو التزايد فان هذا باعتقادنا كان كافيا لتمارس تلك الحكومات سياسة الإرضاء دون حساب للأيام القادمة , أن لم يكن تصرفها قد حكمته وفرضته فترات الهدوء النسبي في الحياة السياسية وعدم اهتمام المواطن العراقي بما ستؤول أليه السياسات الخاطئة في مجال إنتاج واستخراج النفط لهذا لم تكن بحاجه لإثارة مجابهات واعتراضات قد تتطور باتجاهات لا تلائمها فارتضت ان تبلغ أسعار المشتقات النفطية معدلات صرف تعادل0.2 0.1 سنت للتر الواحد فيما يفوق سعرها في دول كالا ردن أو تركيا آو سوريا لأكثر من مئات عديدة بالمائة و بدعم حكومي يصل إلى ما بين 800 - 600 دينار للتر الواحد من النفط المستورد والنتيجة هو اضطرار الحكومة الحالية) لمعالجه أخطاء سياسات سابقه) إلى اتخاذ إجراءات غير ملائمة وهي تدرك إن النفط والغاز من الموارد ألقابله للنفاذ وان انخفاض أسعارهما لن يؤدي إلى عقلنه الاستهلاك بل الى هدر للعائدات ألحكوميه وتدنية لمعدل الأصول المندثرة ناهيك مما يؤدي إليه السعر المنخفض من تهريب وتلوث بيئي وفساد مالي واداري في تحصيل الضرائب لتمويل عمليات الإنماء الاقتصادي او تغطيه احتياجات الموازنة ألماليه .
ما تقدم ينبغي ان يفهم في أطار سياسات تدخل في اعتبارها الإنتاج لاممي والتدفق الهائل للمعلومات والحركه الناشطة للاتصالات في ظل بيئة عالميه تندمج فيها الاقتصادات وتتقارب مناهج التفكير في المشكلات التي تواجهها الدول . ولما كانت الأوضاع ألاقتصاديه الموروثة عن النظام السابق قد أورثت العراق العديد من المشكلات والإشكالات بحيث لم يعد من الممكن للأساليب التقليدية للسياسات ألاقتصاديه والمالية ان تكون مقبولة للنظر في القضايا ألاقتصاديه فيصبح من الضروري وتساوقا مع منطق التغيرات الشاملة في البنى ألتقليديه للمجتمعات والدول أن تأخذ الحكومات بمنطق الإصلاح الاقتصادي سواء أكان ذلك بالتكييف أم بالتعديل الهيكلي وهو اصلاح بلا شك يطول جملة من المتغيرات الفاعلة في الاقتصاد وفي ألمقدمه منها أنظمه الأسعار ألوطنيه . لقد أولت بعض الحكومات اهتماما متزايدا بإصلاح أسعار الطاقة تحت تأثير الحسابات ألتقنيه ألاقتصاديه ولا نقول أنها أهملت تأثيرات المجال العالمي على اتجاهات الإصلاح الاقتصادي بشكل عام أو لم تحسن الربط بين منهجيه الإصلاح وبين ما يجري من متغيرات عميقه في الاقتصاد العالمي خاصه المتعلقة منها بالاتجاه التصاعدي للأسعار ألعالميه (سلعا وخدمات)فما من شيء يبيح للحكومات التوقف عن إصلاح الانحرافات الحاصلة في المتغيرات ألاقتصاديه الكلية وتشوهات الانظمه ألسعريه حتى وان اتهمت الحكومات هذه باستلهام النظرة ألتقنية ألاقتصادية الخاصة كمخل لعمليه الإصلاح , فمن الوجه الخالصة لاقتصاد المورد الناظب ودرءا لمخاطر تدني الأسعار من المستحسن أن تكون ألتكلفه ألماليه محددة بالا ستناد إلى سعر صرف السوق إذ قد تؤدي الزيادة في الأسعار في مرحله معينه من مراحل الإمداد إلى انحرافات ماليه في المدى الطويل, لذالك ينصح أهل الاقتصاد بان يتم التغير في الأسعار بطريقه مرنه خاصه إذا كانت ألصناعه النفطية تحتاج إلى توظيفات ماليه كبيرة .
وفي الزمن القصير والمتوسط تؤدي الزيادات ألسعريه في المشتقات النفطية إلى سلسله من ردود الأفعال الاقتصادية المناظرة في الاتجاه و يتطور الوضع إلى تكوين حركه تراكمية في الأنماط ألسعريه لمنتجات ذات استهلاك واسع, هذه ليست فرضيه لا تجد النظرية ألاقتصاديه لها برهانا بل واقع مادي وملموس اظهرته وأكدته الدراسات التجريبية الوطنية والعالمية ولم تعد بحاجة لإثبات …. لذلك فانه لتجنب الإشكالات الناجمة عن مثل هذه الوقائع يكفي إن تتم عمليه الإصلاح ألسعري وفق التدرجية في مستويات الإصلاح ووفق التوقيت المطلوب , وهنا نشير إلى إن ظروف الاسترخاء الناجم عن توفر قدر كاف من العوائد ألماليه عن تصدير النفط أم عن الفعاليات الأخرى قد يشكل دافعا قويا نحو التعجيل بالإصلاح ألسعري الشيء الذي يضعف الأثر الايجابي للإصلاح, كما إن فهم الإصلاح على أن زيادة الأسعار تمثل محطته الرئيسية دون المتغيرات الأخرى لن يؤدي إلى نتائج مرجوة , وهذا يبدو بوضوح فائق في حاله أسعار المشتقات النفطية حيث تنخفض مرونة الطلب الدخليه يقابلها انخفاض في مرونة الطلب على السلع الاساسيه إذ أن ارتفاع أسعار المحروقات يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار السلع هذه , الشئ الذي يتطلب سياسات حكوميه صارمة لمواجهة الإضرار ألناشئه عن ذلك وهذا قد يعني لدى البعض من مصممي السياسات ألحكوميه الحفاظ على معدل معين من الدعم على مدى القصير ….. ولكن كم هوة حجم الدعم …. والى أي وقت يستمر العمل فيه? نعتقد أن الاجابه على مثل هذين التساءولين تتوقف على معرفة طبيعة التداخل بين المتغيرات ألاقتصاديه لاسيما التمكن من تغطيه التكاليف التشغيلية النقدية لمرحلتي الإنتاج والتوزيع
…. مما تقدم نخلص إلى إن لمشكله الإصلاح ألسعري منظورين يتباينان في نتائجهما فما بين الإصلاح والجمود ثمة خط فاصل وضمن هذا نعتقد إن أي تدبير اقتصادي في المدى القصير من وجهة نظر اقتصاد ينتقل نحو اقتصاد السوق يتمتع بحساسية عاليه تجاه التغيرات ألسعريه ذات الاتجاه الواحد في حاله أسعار المشتقات النفطية في العراق فان تعديلها ارتبط منذ عام 2005 بمطالب مؤسسات التمويل ألعالميه وبرغبة الجهات ألمانحه للقروض , استنادا إلى تعهدات دول مؤتمر مدريد , وأيضا بالجهات الاجنبيه غير ألحكوميه التي تضغط با تجاه تسويه مشكله الديون الخارجية للعراق , هذا من جهة ومن جهة ثانيه أن إصلاح نظام الأسعار من خلال التوجه نحو رفع أسعار المشتقات النفطية هو تطبيق عملي لبرامج المساعدة الطارئة للبلدان ألخارجه من الصراع EPCA الذي يشرف عليه صندوق النقد الدولي واتفاقية الترتيبات الساندة S.B.A . فمن واجب الدول الراغبه بالحصول على ترتيبات ائتمانية طارئة وفوريه إن تنفذ البرامج المتفق عليها مع الصندوق .
ومن اجل تبرير سياسة رفع أسعار المنتوجات النفطية تلجا الحكومة إلى التذرع بحجة الارتباط القوي ما بين كون أسعار النفط دون كلفة إنتاجه الحقيقية وكون اسعاره في الدول المجاورة اقل مماهي في العراق. و لم يعد خافيا أن الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية كان القاعدة وليس الاستثناء , فمن وجهة نظر الاستقرار المالي لم يكن ليشكل الدعم هذا إية صدمة داخلية تقتضي معالجات استثنائية, أيضا , فلم نشهد اضطرابا ماليا يوجب اتخاذ قرارات بإلغائه أو خفض مستوياته ,ويصبح من الأفضل لبلد الوفرة المالية إن يمضي قدما في دعم حزمة السلع الاساسيه دون إن يعني ذلك انتقاصا من نهجه الاقتصادي أو ان ما يقوم به خطأ فيما تبدو المسالة أكثر حاجه للتبصر في حالة بلد يعاني من شحة موارده المالية وعجزا ناجما عن مستويات من الدعم الحكومي تتجاوز مقاديره ما يخصص لإغراض الاستثمار. هذا الشئ لوحظ في العديد من البلدان التي تحققت لديها طفرات مالية وكانت بحاجة لاظهار قدراتها الانمائية من خلال تمويل عمليات استهلاكية في مجملها من اجل إشباع الحاجات حيث تزداد فيها الميول الحديه للاستهلاك MarGinal concumption ويعاني الناس فيها من تزايد الحاجات غير المشبعة ,والقضية تصبح بحاجة إلى معالجة حتى لا تغدو سياسة طويلة الأمد عندما تختل العلا قه ما بين حجم الموارد ألمالية والقدرة على توفيرها وبين فرص الاستثمار الحقيقي ومدى استعداد الطاقة الاستيعابية للاقتصاد لمواجهة التوسع الاستثماري . ان قدوم مثل هذه أللحظه يحتم على الحكومة انتهاج سياسه تتبنى برنامجا يشتمل على مجموعه من الأولويات ألمرتبة والقابلة للتنفيذ , وبغير ذلك سيكون من الصعب تسوية الوضع من خلال سياسات لا تأخذ في اهتمامها التناسب في( الزمن والتدرج ) , وهو ما افتقدهما القرار الحكومي عام(2005 ) حيث استعجل التناسب في الزمن وتخطي التدرج فكان من المتعذر عدم توقع حصول احتجاجات شعبيه حين تأكد أن الزيادات ألسعرية تجاوزت معدلات الاستهلاك والدخل الضروري ولما كان المنطق المفترض يقضي بتوازن الأسعار مع الدخل حتى يمكن تفادي ارتفاع معدلات التضخم فان سعي لسياسة المالية والسياسة النقدية المعلنة إلى خفض معدل التضخم لن يكون مجديا. ومع أن الحجج الحكومية ليست خاليه من المنطق الاقتصادي لاسيما وإنها تشدد بقوة على تحقيق زيادات مالية قد تصل إلى 950 مليار دينار في السنة وبما يتيح لها تخصيص500 مليار دينار منها للعائلات الفقيرة او بما يمكنها من تغطية تكاليف استيراد ما بين 20 الى25 إلف طن يوميا من المشتقات النفطية وبقيمه 500 مليار دولار في ألسنه او انه سيمكنها من تقليص الضغط على طاقات تصفية النفط التى تعمل أصلا بنسبه تتراوح ما بين 60-50 في المئة من الطاقة الاجماليه وتنتج اقل من نصف احتياطيات البلاد من المشتقات النفطية , نقول مع كل هذا فان حساسية رفع أسعار الطاقة وموجباته وما يتركه من أثار على تكاليف المعيشة يبين لنا عدم واقعية الحل المستعار مما أقدمت عليه ولاية تكساس TAXAS في الولايات المتحدة الامريكيه عندما خصصت نسبه من الموارد النفطيه لتوزيعها على السكان لذلك كله يستحسن بالسياسة الحكومية في هذا المجال تجنب حدوث الصدمات ألاقتصاديه كجزء من عمليه إصلاح هيكلي لا تخضع للقرارات الخارجية مهما كانت الحاجة قائمه للموارد والاموال
. اتخذت الحكومة قرارا برفع أسعار المشتقات النفطية في عام 2005 وحاولت مرة ثانيه في عام 2007 اتخاذ قرار جديد برفع الأسعار , فاضطرت الى التراجع تحت ضغط حركة الاحتجاج الشعبي , ونعتقد أن هذا التراجع مؤقت وقد تختار الحكومة وقتا ملائما لاصداره , فالامر لايتعلق بها بل بقرار مؤسسات التمويل الدولي والدول المانحة والدائنة
#عبد_الكريم_كامل_ابو_هات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟