حسين عيسو
الحوار المتمدن-العدد: 2244 - 2008 / 4 / 7 - 06:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تحية وبعد
حول مشروع إعلان المبادئ الذي طرحتموه كحزب وطني سوري "غير اثني" أردت مناقشة بعض البنود التي وردت فيه وحسب رأيي أنها لا تنسجم كثيرا مع مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية الحديثة الذي ذكرتموه في المشروع لأني أرى أن هذه الدولة "هي دولة مواطنيها الأحرار"الذين يقررون هم شكلها وعلاقاتها بحسب مصالحهم الاقتصادية والوطنية.
في البند الأول أعتقد أن أمن سوريا وضمان استقلالها مرتبط بالدرجة الأولى بصيانة وحدتها الداخلية والمساواة بين مواطنيها, فمهما كانت قوة الهجمة الامبريالية والصهيونية لا تستطيع فعل شيء أمام الوحدة الوطنية القوية الصامدة في أي بلد ,ثم إن إلقاء كل مشاكلنا على عاتق الامبريالية والصهيونية......هي كاعتراف بعدم نضجنا وإمكاناتنا في مقاومة تدخلهم, وأن الشعارات العاطفية الشعبوية التي كانت سمة العقود الماضية والمآسي التي نتجت عنها من وحدات عاطفية مع بلدان عربية أخرى بغض النظر عن تكامل المصالح معها هي التي أودت ببلدنا سوريا الى ما نحن فيه اليوم ؟ إنني أرى أن مهمة الأحزاب الوطنية السورية اليوم أن تبتعد عن العواطف قليلا وأن نبني بيتنا السوري على أسس قوية أولا, فإذا عدنا الى التاريخ والجغرافيا نجد أن سوريا الحالية اقتطعت من بلاد الشام بعد اتفاقية سايكس بيكو كما قسمت بلدان أخرى عربية وغيرها اذ عمل المستعمرون فيها تقطيعا وتوصيلا ليتركوا فيها بؤرا كي يعودوا منها ساعة يشاءون , ولكن ألا نرى جميعا أنها أصبحت اليوم واقعا وأن سوريا الحالية "السايكس بيكوية" أصبحت تضم قوميتين أخريين ضمن حدودها الحالية هما الكرد والآثوريين وأقول أنها أصبحت واقعا لأني فعلا أرى أنني اليوم أنتمي الى دمشق أو الساحل أو حوران أكثر من انتمائي الى أربيل أو دياربكر" آمد " وذلك بحكم الواقع والعلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي قطعت مع امتداداتنا الكردية واتصالها بامتدادنا العربي السوري والذي لم يكن غريبا عنا في الماضي أيضا , منذ أكثر من تسعين عاما أي منذ أن أصبح خط سكة حديد "بغداد- برلين" هي الفاصل بين الحدود السورية - التركية في منطقتنا في الجزيرة السورية واذا كنا واقعيين وعقلانيين "ورغم المعاناة من التهميش والاقصاء الذي لحق الكرد خاصة خلال عهود الحكم الاستبدادي الشوفيني" فلا بد أن نقبل بها وأن نؤمن بأن سوريا الحالية تتكون من شعب واحد متساوي الحقوق والواجبات ومجتمع متعدد الاثنيات والأديان لا أعني أبدا أن لا يتعاطف العربي أو الكردي أو غيره مع امتداداته في البلدان الأخرى ولكننا أولا وثانيا وثالثا سوريون ولنأخذ العبرة من بلد مثل سويسرا بشعبها الذي يتألف بأغلبيته من الألمان والفرنسيين والطليان ,اذ رأينا كيف أنهم وخلال الحربين العالميتين بين الدول الثلاث بقي المواطنون السويسريون الأحرار ورغم تعاطفهم بقوا على الحياد رغم ملايين الضحايا بين تلك الدول .
نعم ان التفكير بهذه الطريقة العقلانية وبدون وجود ثقافة ديمقراطية قد تكون صعبة بعد عقود من الاستبداد والتهميش الذي أدى الى التوجس والشك بين أطياف المجتمع نتيجة عدم التواصل بين أبناء الوطن الواحد ما دفعت باتجاه الانكفاء و العودة الى الانتماءات ما قبل الوطنية .
ثم أرى أن مفهوم الدولة الوطنية المدنية الحديثة يتناقض ومفهوم دولة الجماعة أيا تكن هذه الجماعة عرقية أو دينية أو أيديولوجية . ولنا ان نستفيد من تجارب الآخرين وتجاربنا التي أوصلتنا الى ما نحن فيه اليوم من مآسي كما في فترة الوحدويات العاطفية كالوحدة السورية المصرية ثم الانفصال وانقلاب البعث والوحدويات التي تلتها والتي عانى منها السوريون بشكل عام و الكرد بشكل خاص مثل "الاحصاء الاستثنائي للجزيرة السورية حيث الغيت جنسيات الآلاف من الكرد السوريين بتهمة كونهم لاجئين مع أن آباءهم قاتلوا الاستعمار الفرنسي في الجزيرة السورية في بداية عشرينات القرن الماضي وحتى المعارك التي خاضها المواطنون الكرد يومها مثل معارك بياندور التي قتل فيها العديد من الجنود الفرنسيين على أيدي المقاومين الكرد ثم قصف بلدة عامودا وقرى ديكية وتل حبش بالطائرات الفرنسية ما أدى الى قتل العشرات من الكرد العزل من ابناء المنطقة , "هذه المعارك حذفت من سجلات التاريخ السوري الحديث مع أن أصغر معركة مع الاستعمار في المناطق السورية الأخرى ذكرت بحروف كبيرة وهم يستحقونها ولكن الحذف شمل هذه المنطقة وحدها وزوّر التاريخ بسوء نية لا لسبب سوى أن الكرد ينتمون الى عرق مختلف مع أنه عاش مع العرب مئات السنين "والتاريخ غير المزور يشهد على ذاك التآخي" وعانى ما عاناه العرب من الاستعمارين التركي والفرنسي, ثم جاء الحزام العربي الذي قضى بطرد الآلاف من ديارهم وإسكان "إخوة" عرب من مناطق الرقة وحلب في أماكنهم وللحقيقة والتاريخ أن أولئك الناس أيضا جلبوا قسرا تارة وبالإغراء والتعبئة العاطفية العنصرية تارة أخرى".
قد يقول قائل أن ما ذكرته لا ينسجم وجوّ الشارع والانكفاء الذي حصل نتيجة الظروف التي نمر بها جميعا ولكن هل ندخل دوامة التاريخ مرة أخرى دون الاستفادة من الأخطاء السابقة إرضاء للشارع , ثم ألا ترون أن الشارع نفسه قد ملّ من الشعارات الشعبوية التي كانت تصم آذاننا بالضجيج والهتافات والتي لم تسبب غير المآسي لهذا الشارع نفسه وهو ما لم ينتبه اليه سياسيونا اليوم .
هناك مقولة للسياسي السوري المرحوم خالد العظم يقول :أريد أن أكون الريح التي تسير الشراع وليس الشراع الذي تسيره الريح ! .
وهناك تجارب لشعوب تشبهنا لا بل كانت متخلفة عنا في الخمسينات واليوم أصبحت أمامنا بأشواط مثل الشعب الهندي , فبعد قيام الاستعمار بفصل باكستان عن الهند والمجازر التي تلتها في باكستان خاصة و التوتر الذي حصل في الهند نتيجتها , الا أن غاندي أعلن وبكل جرأة بأن الهند لكل أبنائها وبسبب ذلك قتل على يد هندوسي متطرف ولكنه اعتبر فيما بعد "ك نبيّ" , وحزب المؤتمر الوطني نقل الشعب الهندي الجائع يوم ذاك إلى مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة .
تعلمون أن أول حزب كردي تأسس في سوريا عام 1957 بقيادة الدكتور نور الدين ظاظا ولكنه وقبل تأسيس هذا الحزب اتصل بالسياسي أكرم الحوراني "رئيس الحزب الاشتراكي العربي " طالبا منه العمل معا على تأسيس حزب وطني سوري مبني على فكرة المواطنية السورية أي على طريقة حزب المؤتمر الهندي وأن تكون القيادة لشخص ينتمي الى الأغلبية العربية حتى تنال مصداقية أكبر ورغم اعتقادي بأن المرحوم ظاظا كان يؤمن بأن قيام أحزاب وطنية ديمقراطية سوف يكون أفضل لمستقبل سوريا من تأسيس أحزاب على أساس عرقي أو ديني لكنه برأيي توجه الى الرجل الخطأ فالمرحوم الحوراني الذي كان يؤمن بهيمنة القومية العربية والمتعجل للوصول الى السلطة عن طريق تسييس ضباط الجيش وتحويله من جيش محترف الى متطفلين على السياسة والاستيلاء بالانقلابات على السلطة أدى الى ما آل اليه الحال في سوريا اليوم, للأسف كان رده على الدكتور ظاظا سلبيا بحجة ان الكرد ينتمون الى الأطراف وليسوا قريبين من مناطق حماة وحمص والداخل السوري حتى يعتمد عليهم وهكذا وئدت الفكرة في مهدها للأسف ؟.
يبقى لي تعليق على السطر الأخير من الفقرة الأخيرة:
حيث تقولون "فمن الملحّ العمل على إرساء العمل السياسي في سوريا على أسس وطنية ديمقراطية اجتماعية بعيدا عن ثقافة المكونات
التي تأخذنا الى حالة من التذرر والتفتيت والحرب الأهلية".
لم أفهم هذه الفقرة جيدا فإذا كان المعنى الذي تقصدونه هو ديمقراطية المكونات أي ما يسمى الديمقراطية التوافقية التي تؤدي الى انكفاء
أسوأ وكما هو حاصل في لبنان والعراق فأتفق معكم عليها ومساوئها واضحة للعيان وان كنت أرى أنها تحصل نتيجة عدم الثقة بين هذه المكونات بسبب عهود الاستبداد وطغيان فئة على الأخرى والتهميش والإقصاء والانكفاء الذي ينتج عنه. ولكن لا أؤمن بأن تصحيح خطأ يكون بأخطاء أفدح .
لذا أرى أن الحل هو في أن سوريا وطن لكل السوريين وأن الشعب السوري يتألف من مواطنين متساوي الحقوق والواجبات وهذا لا ينفي أن المجتمع السوري يتكون من أفراد ينتمون الى ثقافات وأديان متعددة كالعرب والكرد والآثوريين وغيرهم مسيحيين ومسلمين وايزيديين وغيرهم وهذه الثقافات تغني إحداها الأخرى بالتواصل والحوار والتعارف ولا تؤدي الى التذرر والتفتت بل الى الوحدة الوطنية الحقيقية .
ولكم تحياتي
سوري كردي مستقل
#حسين_عيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟