|
قضية المرأة في العراق..بين الامس واليوم
محمد سعيد الأمجد
الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 10:55
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
اطلالة على دورها السابق في مسيرة قرن من عمر العراق الحديث سجّلت التطورات الاجتما عية والسياسية واقتصادية كثيرا من المتغيرات. ولقد كانت التراكمات الهائلة للاحداث قد ولَدت تغيرات نوعية عكست عددا من الطفرات الموضوعية في الحياة العامة ، كان من أبرزها صعود دور المرأة العراقية وتعاظمه ، الامر الذي جسّدته القوانين العراقية مثلما برز في تفاصيل المشهد الاجتماعي.. ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة مطلع القرن الماضي حبيسة البيت وجدرانه.. وفي وقت كانت لا تخرج من بيت أبيها إلا إلى بيت زوجها حيث يوصف البيت الذي تعيش فيه (بالقبر) حسب الميثولوجيا العراقية وحياتها بلا جدوى ولا أية قيمة إنسانية جدية.. ويعتبر كتاب (المرأة في الشرق) لمرقص فهمي المحامي، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعو مناقشة قضية المرأة، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية أساس حركة المرأة والمجتمع.. رغم أنّها في العراق كانت تشارك في الأعمال التي تخلق فيها خيرات المجتمع الزراعي طوال العقود الأولى من القرن العشرين..وانخرطت بعدها بإصرار وإرادة في الانتاج الصناعي، وفي التعلّم والدراسة والتحصيل المعرفي حتى وصلت الجامعة ومراكز البحث العلمي وأبدعت فيها.. إنّ التعبير عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي في القانون هو عملية معقدة بحاجة إلى مزيد من التفاعل والأنشطة من أجل تثبيت الحقوق وإنصاف المرأة - الإنسان في مجتمع يحمل بين نواحيه تقاليد متخلفة استطاع النظام الدكتاتوري أنْ يدفع باتجاهها عبر القمع والإكراه والتشويه.. ومن ذلك سنّه لقوانين مكافحة قضايا العار ومعاقبة من يتهمهن في شرفهنّ بطريقة سادية إجرامية كريهة ، تعكس تخلف النظام وهمجيته مثلما تعكس حقيقة محاولته منع نسوة العراق من الدخول في معترك النضال السياسي الوطني اسوة بأخيها الرجل.. كما سنّ النظام القمعي قوانين أوقفت العمل بأية فقرات قانونية يمكنها أنْ تنفع المسيرة الإيجابية الظافرة للمرأة. ولقد فعل أشدّ الممارسات القمعية الدموية من سجون واعتقالات وعمليات اختطاف واغتصاب وإكراه على فعل أمور منافية لكل قيمة صحية صحيحة. كما دفع بأجهزته ومؤسساته الخاصة ومنها اتحادات ما سماه النساء والشباب وغيرهما لكي تنهض بمهمات خطيرة من نمط عمليات التسقيط الأخلاقي بغايات معروفة تخص مطاردة الحركة السياسية العراقية المعارضة فضلا عن تلبية نوازع زبانيته الوحشية الرخيصة.. وهكذا كان القانون في ظل نظام الدكتاتورية هو قانون الرجل المستبد المريض، ومن ثمّ فلسفة الأحادية والذكورة والفحولة وسطوة قوة تستلب المرأة من حقوقها حتى أبسطها...
دورها الجديد الممارسات العنفية السلبية والمريضة لم تستطع اختزال المجتمع وحركته الإيجابية في سياستها الظلامية..ولكن ما يجب الالتفات إليه هو أنّ أي نظام شمولي من نمط النظام المباد هو أسّ البلاء ليس للمرأة وحدها بل والمجتمع أيضا. ولابد في جوهر الأمر أن تقف بحزم وقوة من أجل منع تثبيت ما يتعارض مع الحريات الإنسانية الأساس ومع حقوق المرأة الجوهرية وبعد ذلك ليكن ما يكون من أيديولوجيا وغيرها.. المهم أن تعي المرأة لمن تعطي ثقتها. وإذا كانت معظم الدساتير في الدول العربية قد أتاحت للمرأة ممارسة حقوقها السياسية، وكفلت لها جميع الفرص التي تمنحها المساهمة الفعلية والكاملة في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية... فإن الواقع العراقي يؤكد أن المرأة لم تنل الحقوق التي نص عليها الدستور، لأن السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي في غالبها للرجل. وبالتالي هو الذي يعطي وهو الذي يمنع. وهذا يعني أن أي تعبير عن وضع المرأة يعتمد أساسا على التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع. فالتقدم والرقي في أي مجتمع يقاس بدرجة مشاركة المرأة، لأن العلاقة بين وضع المرأة في المجتمع ومشاكل التنمية هي علاقة تأثر وتأثير. وفي حال فكرت القيادات السياسية العراقية في رفع شأن مجتمعاتها، فعليها أن ترفع من مستوى مساهمة المرأة في النشاط التنموي على مختلف مجالاته. وعليها أن تمحو أمية المرأة، وتؤهلها مهنيا لتتمكن من المشاركة في عملية التنمية. ومن الطبيعي أن تجد في نفسها القدرة على تمثيل نفسها والمجتمع العراقي الذي تشكل أكثر من نصفه حجما. وفي ظل التحول الجديد في العراق صار عليها أن تصر على التقدم بنسبة تمثيلها في المؤسسات الرسمية وفي التجمعات الثقافية والفئوية والمهنية وغيرها.. وأن تثبت جدارتها عبر الارتقاء بقراءاتها ومعالجاتها لقضايا المجتمع من وجهة نظرها ورؤيتها للأوضاع العامة.. فليس من يعبر عن قضية كصاحبها، وقضية المرأة ووجودها الإنساني لا تحسم إلا بتمثيلها ووجودها. وليس صحيحا أن أنصارها من الرجال يمكنهم التعبير عن قضايا كثيرة مخصوصة في الحياة العامة.. وذلك نظرا لخطورة دورها في الحياة والمجتمع فأن المجتمع الإنساني يحتاج إلى علل وعوامل ليتأمن صفاء الضمير بين أفراده ولا تكفي فقط القوانين والمقررات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها . ومن ناحية أخرى ، إن المجتمع البشري الكبير يتشكل من مجتمعات صغيرة عائلية ، أي ان أعضاء العوائل المتعددة هي عامل تحقق مجتمع رسمي ، وما دام لم يقع سبب الرأفة بين أعضاء الاسرة ، فان صفاء الضمير وروح التعاون وعلاقات المحبة لا تقوم ابداً بين أفراده عند تشكل المجتمع الرسمي ، وأهم عامل يثير الرأفة والتضحية والايثار بين أفراد العائلة هو تجلي روح الأم بين أعضاء الأسرة ؛ لأنه رغم ان الأب يتولى الأعمال الإدارية لمجتمع صغير ( أي العائلة ) .. ولكن أساس العائلة الذي شيد على الرأفة والوفاء والارتباط هو بعهدة الأم ؛ لأن الأم تولد أبناء يرتبط كل منهم بالآخر ، والأفراد الذي يولدون من امرأة واحدة ليسوا مثل فواكه شجرة واحدة حيث لا تظهر روح الايثار الإنساني في مستوى النبات وليسوا مثل صغار حيوان انثى يفتقدون التعاون الإنساني ، ولا يتجلى فيهم الارتباط البشري الخاص . حتى إن الاحزاب العراقية خاصة تلك التي لاتؤمن بحقوق المرأة وبمساواتها، ادركت اهمية الصوت الانتخابي للمرأة ، وبدأت تعطي للمرأة مجالا للمشاركة في حدود رؤية هذه الاحزاب لدور المرأة بحيث أن هناك الان صراعا على أصوات النساء!.
اشكالية العرف والتقاليد إنّ الخوف من التقاليد أو الخضوع لها أمر يضعف من إمكانات تحقيق مكانة المرأة ومكانها الاجتماعي وهو يُلحقها تابعة صاغرة لمفاهيم تستلبها شخصيتها الإنسانية القويمة.. ومن الطبيعي أن تعمل المرأة اليوم أولا بأول من أجل الخطوة الجوهرية الأساس ألا وهي خطوة تثبيت حقوقها الإنسانية في الدستور العراقي المنوي كتابته في أجواء من الصراع العنيف تتصاعد فيه حدة مشاكسة القوى الظلامية وتقدمها نحو تثبيت رؤاها التراجعية .. يساعدها في خطواتها تلك سطوة العرف والتقاليد وقوى العصابات المسيّسة التي تعمل على منع أية فسحة أو نافذة للضوء في زمن ليس في ميدانه إلا طرفان اجتماعيان ؛ النخب السياسية الخيرة والقوى العنفية الدموية وهي قوى تتستر بالدين وبالتقاليد.. ولكن ما يساعد المرأة على تقدمها هو قوتها التصويتية وما ينبغي أن تستثمره في منع مجئ دستور يستلبها حقوقها التي عملت من أجلها طوال قرن مضى.. التربية والاقتداء يقول الدكتور الكسيس كاريل، الحائز على جائزة نوبل في العلوم، متحدّثاً عن طبيعة مكوّنات المرأة وتأثيرها على عملها: إن الأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة لا تتحدّد في الأشكال الخاصة بتكوينها العضوي ولا تتحدّد أيضا في اختلاف تربيتها، وإنما تتحدّد بسبب أعمق من ذلك.. لأن هذه الفوارق هي ذات طبيعة اساسية تنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل من الرجل والمرأة، فالمرأة تحمل في كل جزئ من جسدها، تأثير المواد الكيمياوية ومفرزات الغدد التناسلية والذين.. فالأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة وهي ذات طبيعة عضوية تنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل من الرجل والمرأة - كما يذهب الدكتور الكسيس كاريل – يمكن الحد من تأثيرها بواسطة الاقتداء بنموذج نسوي يرتقي بأدائها السياسي والانتخابي من خلاله يحمل إمكانات تحقيق مكانة المرأة ومكانها الاجتماعي ويخلصها من المفاهيم التي تحاول ان تستلبها شخصيتها الإنسانية القويمة.. المعالجات إن الدور والواجب على المرأة الرسالية أداؤه، ليس هدّية يقدّمها الرجل لها، فإذا امتنع من تقديمه فلا دور لها في الحياة، بل هو حق من حقوقها ومسؤولية من مسؤولياتها. وعليها أن تلتزم هذا الحق وتمارس هذه المسؤولية، وإلا فلن يشفع لها أمام الله والتاريخ أن تعتذر بأن الرجال لم يتركوا لها واجباً أو لم يقدموا لها دوراً. من هنا يمكننا أن نقول: إن التقدم بقضية المرأة مرهون بنجاحها في تنظيم نفسها وحركتها وتوحيد صفوف منظماتها وتنسيق الجهود وشن حملة جدية وقوية من أجل التوعية ومن أجل جذب اكبر تجمع نسوي بعيدا عن سطوة فلسفة الذكورة المقيتة والتحول إلى أوضاع المساواة والتكافل والتكافؤ .. وبالتقدم في مجالات وقف التراجع في الحياة العامة من اتساع البطالة ومحاولات حرمان المرأة من التعليم واكتساب المعرفة، ينبغي الاستناد في حركة التوعية إلى قواعد مكينة من تاريخ نضالي للمرأة وللحركة الوطنية العراقية.. ولابد أن يتوّج نضال المرأة العراقية بمبادئ وقوانين وفقرات دستورية صريحة وإلا فستظل رهينة التفسيرات المزاجية لقوى التخلف والظلام المنتشرة المستشرية في الحياة العامة.. لقد عكست مشاركة المرأة العراقية في الانتخابات ضرورة أن تولي الحركة النسائية العراقية اهتمامها الى الجانب الكيفي للمشاركة ، واذا كانت المشاركة في جانبها الكمي من حيث قياس عدد المشاركات هي في حد ذاتها دلالة على وضع المراة في الحياة العامة ، فانه لابد من استكمال وصف هذا الوضع من خلال نوعية المشاركة من أجل تفعيلها وجني ثمارها. ولعل أبسط مثال يؤكد ذلك أن أصوات الكثير من النساء ( خاصة الاميات واللاتي لايتمتعن بالاستقلالية) استخدمت لصالح جهات سياسية لاتؤمن حقا بالمرأة ، بدلا من أن تكون دعما لحركة سياسية نسوية نشيطة... وفي هذا الاطار من الضروري القيام بمبادرة تضع تصورا جماعيا ينظم جهود المرأة العراقية في الريف والمدينة وفي كل الفئات الاجتماعية لوضع اسس للعمل المشترك الذي يحترم الحوار كأسلوب للحياة اليومية في المجتمع. وعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية، وأن يبتعدن عن تقليد الرجال تقليداً أعمى، فدورهن في تقدم الحضارة أعلى من دور الرجال، ولا يجوز لهن أن يتخلين عنه.
#محمد_سعيد_الأمجد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
-
الكويت.. مراسيم جديدة بسحب الجنسية من 1145 امرأة و13 رجلا
-
نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها
...
-
انحرفت واستقرت فوق منزل.. شاهد كيف أنقذت سيارة BMW امرأة من
...
-
وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه
...
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|