ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2131 - 2007 / 12 / 16 - 11:29
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أكثر من ثلاثين عاما ببضعة شهور هو الوقت الذي مر مذ رايتك لآخر مرة يا صديقة !
إنا لا اعرف اسمك ...لكنني رغم هذه السنين شديدة السواد ومنذ ذلك الربيع من العام 1977 أتذكر تماما تنورتك القصيرة الزرقاء والقميص الأبيض الملقى (هدلا )عليها مفضضا سمرة الوجه الذهب المتضاحك تحت آبنوس الشعر الكث .. وكانت هنالك حديقة وسط ماء وكان هنالك نخيل على الضفاف وكان هنالك فتية سمر يرقصون وكنت ترقصين برشاقة أتذكر دوراتها اللولبية وخفة الالتفات ..ها أنت ترين أنني لم انس شيئا من تفاصيل الحرية شديدة الإيجاز تلك التي توهمناها مشروع وطن وفتوة ..
شددت على اليد الصغيرة وأنا التقطها من نافذة السيارة المغادرة ببطء :
الفرح (وايد ) ...نشوفك السنة القادمة ؟
- إن شاءوا !
-
من هم ؟
لا إنا تجرأت على القول ولا أنت تجرأت ....
في الثلاثين عاما الحقيرة المنصرمة دفعت البصرة أكثر من ثلث أتعاب كل العراق ..مواجهة مباشرة مع أعداء تصنعهم الحكومات ...وحكومات يصنعها الأعداء !
ودفعت من حماقات الكر والفر أجمل الفتيان والمنازل والنخيل ..ولم يعد في البال من سحرها الغامض غير ندب الحروب والغزو والاحتفاء بالموت والميتين ...
إن بقيت حية يا اخت من دون ان تلفحك يد الاعتقال والتغييب ..او يد التهجير ..او اظافر القصف المدفعي والجوي صديقة وعدوة ..او ايدز الطائفيين ..
ان بقيت حية يا أخت طوال هذا الموت الدوار على ثغر البصرة لثلاثين عاما زنديقا ...فكوني مؤمنة هذه المرة انك قد أنسيت وحيدة في هذا الظلام العراقي البهيم ..فتماسكي يا شمعة عنيدة في خضم الرياح ..
الداخلون بحكمة عفنة من أحكام السحرة الجدد لن يحرقوا تلك التنورة الزرقاء في أفران الفضيلة المشبوهة ...أنت كنت بتنورتك القصيرة تلك أكثر شرفا ونبلا من لفائفهم الإجبارية المدنسة ...فضيلتك كانت النوايا الطيبة وحسن الظن الذي ما دنس شرفا بين صديق وصديقة ..
إن كنت حية ..وفي البصرة ...وتتذكرين ..
تذكري يدي التي نادت على يدك الملوحة :
_ أكيد السنة القادمة ؟ ... أكيد الفرح ( وايد ) ؟
ولكن ها أنت ترين ..إن ثلاثين عاما مرت ما أظنك قد فرحت يوما بها ..ولا فرحت انا ..ولا فرح حتى البطران يا (خيه )..
لقد صرت أنت ألان بغيتهم الأولى ...بعد أن هدموا البلاد ينبغي أن يهدموا العباد ليكتمل الخراب
ولكن من العباد ..لولا أنت ؟
على العالم أن يثبت انه شريف ويحفظ أعناق نساء البصرة ..فربما تكون نساء البصرة بداية لحلول ظلام العراق البهيم وإلا ..ستكون الحكاية حكاية ردة الزمان كله على أعقابه ..وليس ردة العراقيين والعراقيات فحسب !
يا أخت البصرة يا شمعة وحيدة في هبوب الرياح ...تماسكي ..
صار الرجال أمانة بعنقك الذبيح
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟