|
الخط البياني المتصاعد بين الإخوان والنظام الأردني
محمد مصطفى علوش
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 08:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشهد العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي (جبهة العمل الإسلامي) من جهة والملك الأردني عبد الله وحكومتة من جهة أخرى حالة من التوتر وانعدام الثقة ، ورغم حسم الحركة خياراتها بخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة بعد حصولها على ضمانات من الملك ورئيس الحكومة بممارسة الشفافية التامة خلال العملية الإنتخابية القادمة فإن التوتر وانعدام الثقة لا يزال على حاله بين الطرفين بعد ان تفجر سيلاً من الإتهامات المتبادلة على خلفية انسحاب الحركة في الساعات الأخيرة من التنافس على المقاعد البلدية، معللة انسحابها بخطة أعدّها النظام لإستئصالها وتحجيمها بطرق غير مشروعة ، ما لبث ان قامت السلطات الأردنية بتوقيف اثنين من كوادر حزب "جبهة العمل الإسلامي" في تطور غير مسبوق ، الأمر الذي يثير التساؤل حول آفاق العلاقة القادمة بين الطرفين ، وإذا ما كان هناك نية ملكية لتهميش الحركة ذات القاعدة الشعبية والإجتماعية والخدماتية الواسعة في عموم الملكة الأردنية. وحتى نستطيع ان نفهم طبيعة المرحلة القادمة بين الطرفين لا بد من القاء نظرة على تاريخ الحركة وعلاقتها بالنظام.
تاريخ الإخوان في الأردن
نشات حركة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1946 على شكل جمعية خيرية ، متبنيةً لكل أطروحات الإخوان المسلمين في مصر، وكان أول مشاركة سياسية لها عام 1956 ثم عام 1963 حين شاركت في الإنتخابات البرلمانية، وكانت آنذاك التنظيم الوحيد الذي يمارس العمل السياسي وبشكل علني. وعلى خلاف نظيرتها في مصر ، فقد نسجت الحركة علاقة وطيدة مع البلاط الملكي منذ تأسيسها ، حتى أن الأحزاب اليسارية والقومية اتهمتها بالتواطئ مع الملك لتصفية الأحزاب اليسارية والقومية والتضيق من خلال الاحكام العرفية التي أعلنت في منتصف الخمسينيات .
استمرت العلاقة بين الطرفين على هذا المنوال حتى بداية التسعينات ، حيث أسست الجماعة حزباً سياسياً سمته "حزب جبهة العمل الإسلامي" مستفيدة من إقرار قانون الأحزاب السياسية عام 1992. ما لبث بعدها ان انخرط الإسلاميون في الحكومة الأردنية وحصلوا على عدة حقائب وزارية غير مهمة لمدة قاربت الخمسة أشهر . وقد تميزت الحركة وحزبها باعتماد الديمقراطية والقدرة على تبني خطاباً واقعياً ومرناً إزاء العديد من القضايا.
بقيت العلاقة بين الطرفين ما بين شد ودفع حتى عام 1994 تاريخ توقيع "اتفاقية وادي عربة" وما تبعها من اعتراف بدولة اسرئيل ، حيث اعتبر الإخوان هذا التحول بمثابة خيانة للقضية الفلسطينة ، منذ ذلك الحين والعلاقة اتخذت منحى غير ودي يقوم على الشك المتبادل. ما قوى هذا التوجه لدى النظام أن الملك بدأ يشعر بتجذر الجماعة وصعودها واحتلالها مساحات اجتماعية وخدمية كبيرة، مما يجعل منها رقماً صعباً في المدى القريب، ثم ان سلسلة الاحداث الجارية في المنطقة في التسعينيات من القرن الفائت دفعت بالإخوان الى قيادة المعارضة ، وتدهورت الأمور إلى حد مقاطعة الإخوان الانتخابات النيابية عام 1997.
رغم أن الجمود الذي كان يخيم على العلاقة بين الملك حسين والحركة على خلفية الإعتراف باسرائيل ، إلاّ أن الأمور توقفت عند ذلك الحد إلى أن جاء الملك عبد الله الذي لم يكتف بتجميد العلاقة مع الإخوان بل بادر بالهجوم على الإخوان لتقطيع أوصالهم ، وكان أول شيء فعله لإحتواء الإخوان هو تحويل ملفهم من ملف سياسي ، خلافأً لسياسة والده ، إلى ملف أمني تديره المؤسسة الأمنية وتشرف عليه .
استراتجية النظام في احتواء الإخوان
وتتبعاً لمسيرة الملك عبد الله السياسية ، يمكن ان نستشعر طبيعة استراتجية النظام الأردني في احتواء الإخوان المسلمين ، عبر محاولة التحكم بالدور السياسي والإجتماعي للجماعة ، من خلال ضرب البنية التحتية للحركة رأسياً ، وتفيكيك أوصالها أفقياً. وقد لعبت الحكومة دوراً في القضاء على الإخوان وتحيجم دورهم السياسية والإجتماعي في سن القوانين الإنتخابية كقانون "الصوت الواحد" الانتخابي ، واعتماد مبدأ التعيين في الاتحادات الطلابية ، والتحكم في التعينات الجامعية . أما بالنسبة للبنية التحتية للجامعة فقد تمثل بالإستيلاء على " جمعية المركز الإسلامي (التي تشكل عصبا حيويا لنشاط الجماعة الاقتصادي/الاجتماعي) والبدء بالتضييق على جمعية "المحافظة على القرآن الكريم"، وسن قانونيْ "منع الإرهاب" و"الوعظ والإرشاد" وكلها تحاصر الخطاب الاجتماعي والسياسي للإخوان وتحول بينهم وبين المساجد، وأخيراً ملاحقة الإخوان في لجان الزكاة، وإعادة تشكيل اللجان باستبعاد كافة الإخوان المسلمين منها".
فضلاً عن محاولة النظام الفصل بين حركة الأخوان وذاراعها السياسي(جبهة العمل الإسلامي) من خلال تصنيف الأول بـ"الخط المعتدل" ، والثاني بـ"الخط المتشدد" ، سيما أن الأمين العام للجبهة وهو "زكي بني ارشيد" أحد أقرب إخوان الأردن قرباً من حركة حماس غير المرغوب بها ملكياً ، والأكثر اعتراضأً على توجهات الحكومة الأردنية في العلاقة مع الولايات المتحدة واسرائيل ، وقد تحدى الحكومة والنظام في أكثر من مناسبة. وقد كان ردّ الإخوان على محاولة النظام التفرقة بين الحركة والحزب أن جاء هذه المرة من قبل جماعة الإخوان التي يحاول النظام ان يمايزها عن الحزب تمهيداً لتفكيكهما وليس من جهة الأمين العام للحزب ، حيث خرجت جامعة الإخوان عن صمتها وشرعت بالهجوم على النظام عقب الإنسحاب من الإنتخابات البلدية في مقالة حملت عنوان " لماذا قاطعنا العرس الديمغوائي" بقلم المحرر السياسي لموقعها الرسمي على الإنترنت فقد اتهمت صراحة المؤسسة العسكرية" بإدارة المعركة ضد الإخوان في حين يبقى دور الحكومات هو أن تكون واجهات لا تملك من أمرها شيئا".
وتماشياً مع شعار مكافحة الإرهاب الأمريكي أراد النظام تصفية حساباته مع الإخوان عبر سن قانون مكافحة الإرهاب حيث يُوصف القانون المذكور الإرهاب ويحدد من تطلق عليه تلك الصفة ، سامحاً للمدعي العام باعتقال اي شخص يقع عليه الإشتباه بأن له علاقة بأي نشاط إرهابي وفرض الرقابة على المشتبه بهم ومنعهم من السفر وتفتيش أماكن تواجد المشتبه بهم واعتقالهم من قبل المدعي العام لمدة أسبوعين، وان النظر بقضايا الإرهاب من صلاحية محكمة امن الدولة ، إلاّ أن ردّ الإخوان كان عليه شديداً فلم يكتفوا باعتبار القانون يأتي تجاوباً مع التوجهات الأمريكية المعادية للإسلام ، وأن من شأنه أن يحول الأردن إلى دولة بوليسية ، بل قاموا بالإعتراض على محكمة امن الدولة وعملها ، ونددوا بانتهاك حقوق الإنسان في السجون الاردني وأظهروا تعاطفاً مع السلفيين الجهاديين تمثل بذهاب أربعة نواب من حزب جبهة العمل للتعزية بالزرقاوي مؤسس تنيظيم القاعدة في بلاد الرافدين ثم تمنع الحركة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي تقديم الإعتذار عن التعزية بالزرقاوي معتبرين ان ذلك واجب وطني وديني. بل تمادت الحركة في مواجهة الحكومة حين عينت محامين للمرافعة عن معتقين سلفيين قاتلوا في العراق ومتهمين بمحاولة الإخلال بالأمن وزعزة النظام الحاكم ، من هؤلاء المحامين "عبد الجبار أبو قلة" العامل في مكتب النائب المحامي "زهير أبو راغب" عضو جبهة العمل الإسلامي ، حيث "رافع في 12 قضية تتعلق بمحاولات تسلل الى العراق شملت 49 متهماً ما بين عامي 2004 و 2006 بمن فيهم من سميوا "تنظيم الـ 17" وبعضهم على صلة بتنظيم الزرقاوي" ، بحسب ما تناقلت احدى الصحف.
ويبدو ان خيارات التصعيد في وجه الإخوان وذراعها السياسي تقل يوماً بعد يوم أمام النظام الحاكم ، مع انتشار المد السلفي الجهادي الذي يجتاح الأردن مستفيداً من التغيرات الإقليمية في العراق ولبنان وفلسطين حيث ان التقارير تؤكد عودة ما يقارب الألف مقاتل أردني من العراق ، ورغم ان معظمهم يقبع خلف القضبان أو فتحت له ملفات أمنية على غرار العائدين من أفغانستان فإن القلق الأمني للنظام قادم من بروز جيل جديد ظل حتى الآن بعيداً من الرصد الأمني وقد نما حول "الجهاد الالكتروني" الذي يتعلم فيه الشخص صناعة المتفجرات واختيار الأهداف، ورغم فكرة الرقابة الاستباقية على مدار الساعة، التي تفرض على كل من يستخدم مقاهي الانترنت العامة في المملكة تسجيل بياناته الشخصية وهويته لدى صاحب المقهى ، فإنه لا حل أمام النظام في مواجهة فطريات التشدد والتطرف إلا بالإنفتاح والتفاهم مع التيارات الإسلامية المعتدلة كالإخوان المسلمين القادرين على استيعاب هؤلاء الشباب وتحقيق مطالبهم.
#محمد_مصطفى_علوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام السياسي في لبنان.. كيف يتم احتواؤه؟
-
إستراتجية بوش ضد الإرهاب..حمق أم حنكة؟
-
ما وراء دعوة الحكومة اللبنانية للإنتخابات الفرعية ؟
-
الظواهري وسياسته الإنتهازية في الترويج لمشروعه
-
إستراتيجية جديدة للأنظمة في احتواء الإسلاميين
-
ماذا لو تعلم بوش من الملكة إليزابيث ؟
-
ما وراء جدار الأعظمية؟
-
العرب بعد أربع سنواب من غزو العراق
-
المبادرة العربية ضمانة لإسرائيل وخطر على العرب
-
المرامي السعودية من تأجيل الأزمة اللبنانية لما بعد القمة
-
بوش ولعنة ديقراطيته في العراق
-
مصير المبادرة العربية في موسم التنازلات
-
هل ارتدت -حماس- في نظر الظواهري؟
-
مؤتمر بغداد والنوايا الأمريكية السيئة
-
ايران وامريكا ومرحلة جديدة من الصراع
-
رسائل أحمدي نجاد للسعوديين خلال القمة المشتركة
-
مستقبل اسرائيل بعد عقدين
-
الفلسطينيون في لبنان ..أي دور ينتظرهم؟
-
هل لم يعد هناك مأمن حتى ل ديك تشيني في أفغانسان؟
-
التفجيرات المتنقلة في لبنان ...أي رسالة تحمل؟
المزيد.....
-
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة
...
-
وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني
...
-
سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
-
هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال
...
-
المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ
...
-
اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن
...
-
أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة
...
-
بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة
...
-
-القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية
...
-
للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|