|
لا مهدى بندق أكلها التاريخ - تعليقا ً على مقاله بشأن اللغة المزدوجة
مأمون البسيونى
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 09:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
«لا» مهدي بندق أكلها التاريخمصر نطقت بالعربي.. ومبدعوها يكتبون باللغة العربية.. من بينهم بندق نفسهالغرب أحيا لغاته الكلاسيكية القديمة وسعي لاستكمال تكوين اللغات العاميةأصدقاء الإنسانية وكهنة الثقافة وجدوا أنفسهم في خدمة الصناعة الرأسماليةعجز الشعب عن التعبير لا يعود فقط إلي الضغط السياسي والاستغلال الاقتصادي وإنما إلي جهله وليس إلي ازدواج لغته هل يمكن أن نستغني عن الكلمات؟ هذا هو السؤال وكلّ من يثيره لابدّ أن يتحدّث عن الأمّيّة، ليختفي الأمّي كلّما أثير الجدل بشأنه. لايظهر إطلاقا، ولايهمّه ما طرحه الشاعر مهدي بندق في جريدة القاهرة في عددها 387 عن الازدواج اللغوي بين فصحي وعامّيّة. يصمت العامّي، يفتح فمه، غير عابئ بأنّ اللغة تقسّم الناس إلي سادة وعبيد، تجعلهم طبقات. يتملّص دون فنّ القراءة و دون فنّ الكتابة، من أن يعده أحد: بأنّه ظلم وأنّ سبب ظلمه أنّ له ثقافة تمّ دحرها، وأنّه حان الوقت لثقافته المظلومة أن تتحرّك. دعونا أوّلا نتفحّص مليّا، هذا الذي يختفي بينما الآخرين مشغولين به،يقفون إلي جانب الذين لايقرأون ليدافعوا عنهم.الأمّيّ يتبدّي كما لو أنّه شخص محترم، نحسده علي ذاكرته وعلي قدرته علي التركيز والحيلة وأيضا علي موهبته في الاختراع،وندرك أيضا ضيق رؤيته وجنونه وتصلّبه وسلوكه الأناني. بعيدة إذن فكرة تجميل صورته. مبتكر والآدبلكنّ الشيء الواضح تمام الوضوح أنّ الأمّيين هم الذين ابتكروا الآدب، وأشكالها البسيطة من الأسطورة إلي الحكاية حتّي الأغنية، ومن الصلاة إلي الألغاز والأحجية،كلّها أقدم من الكتابة. باختصار، دون الأدب الشفوي لم يكن ليظهر الشعر، ودون أمّيين لم يكن لتوجد كتب.هكذا ندخل مع الشاعر مهدي بإنصاف شديد إلي الموضوع الذي ظلّ علي طول الزمان يطرح الأسئلة،وبالكاد يكاد يمنحنا أجوبة. نحتار أوّل مانحتار في مهدي بندق نفسه، طارح سؤال هل يمكن اعتبار اللغة العربيّة التي فرضت علي مصر في عهد عبد الملك بن مروان عام 87هجريّة، لغة أولي.. لسان الأمّ؟ يجيب الشاعر: بالتأكيد لا! ولكنّ لا هذه أكلها التاريخ، مرّت الأحوال ونطقت مصر بالعربي، وراحت أجيال وجاءت أجيال من المبدعين المصريين باللغة العربيّة. وأتانا أيضا مهدي بندق يقرض قصائده ويؤلّف مسرحيّاته الشعريّة بالعربية الفصحية، ويحتاج أحيانا أن يفسّر لنا كلمات قديمة استخدمها.يفعل ذلك وفي نفس الوقت يأخذنا إلي تيه لم تعد هناك أيّ حاجة للضياع فيه، مع مخطّطات تستخدم ادّعاءات عصريّة في إلغاء اللغة العربيّة الفصحي والتي فرضت علينا، وأخري تستخدم إهدار وإسقاط وتسفيه الأدب في قتل اللغة العربيّة الحديثة- لغة الكتابة الأدبيّة السائدة ولغة الصحافة والدواوين- وثالثة تستخدم التحذلق وشعارات الإسلام و العروبة في حرمان اللغة العربيّة المصريّة الدارجة أو العامّيّة من حقوق الاعتماد المقدّس، ومن ثمّ حرمان أكبر المجتمعات في المنطقة العربيّة من أهمّ وسائله الطبيعيّة للتفكير والتعبير. هذا بينما تستخدم ادّعاءات النعرة الوطنيّة والإسلامويّة في محاربة او النفور من اللغات الأجنبيّة،ومن ثمّ حرمان العقل المصري في ظلّ حركة ترجمة ضعيفة،من استيعاب ما أضافته الحضارة الحديثة من وسائل وصياغات التفكير والتعبير. كائن محبطوالقضيّة من البداية إذ يركّز مهدي علي عرضها في معادلات قهر المحتلّين ومحاولات النهضة والانبعاث من جديد، والتقسيم الطبقي للمجتمع علي أساس اللغة، كلّ هذه الأشياء، أتجاسر بالقول غير المرسل بأنّها ستتحول في المستقبل القريب إلي مفاهيم مفارقة ومجرّد إرث لكائن لم يكن ليستغني عن الكلام،علاوة علي أنّه كائن محبط ويعاني من الهزيمة.ومع ذلك فلنفكّرأوّلا قبل ذكر أسبابنا حول ذلك، في أنّ الموضوع لايزال يبدو مهمّا أو مغريا و مفيدا في حالة مجتمعات هوائيّة غير مستقرّة تجول فيها وتصول حركات وأفكار وخرافات الأمل السحري في دولة الخلافة الدينيّة. ويقوم فيها التقليد الإسلامي داخل مجتمعاته حتّي لحظتنا هذه، بالتمييز بين العوامّ وهم طبقات وفئات جاهلة تتشكّل أغلبيّتهم الساحقة من الفقراء، وبين الخاصّة الراسخون في العلم- علماء الدين وفقهاؤه- غير المعصومين عن أهواء أولي الأمر والسلطان والساسة وأصحاب المال والجاه. والفئة الأولي،ستظلّ بحاجة دائمة لأسلمتها بشكل صحيح، وحماية الإسلام منها أيضا، والذي سيقوم بهذا الواجب المقدّس هم دائما الفئة الثانية. وباعتماد معيار واحد هواللغة الدينيّة للإسلام، يحصل الازدواج وتظهر العناوين إسلامنا الصحيح وإسلام آخر. ويصبح الإسلام الصحيح الذي ستصلح به آخرتنا ودنيانا، أمر فعل يصدر إلي العامّة- الشعب، عن رجل الدين الرسمي تارة، وعن المجتهد المجدّد والمفتي أخري، وعن الإرهابي الجهادي ثالثة. وهذه هي الوصاية والرقابة المسلّطة حتّي لحظتنا هذه، علي رقبة كلّ من يحاول أن يستعمل عقله كجهاز تصنيف لمعطيات الواقع بالاعتماد رئيسيّا علي تحديدات اللغة اللفظيّة. لم يصعب علي حرّاس العقيدة وحماتها في كلّ عصر،أن يفسدوا ويعجّزوا أيّ وسائل لغويّة في الذهن، ووجد بيننا دائما البلهاء،الخائفون علي الله ورسوله. وفي تقديري أنّهم من الأسباب القويّة للدخول في مسارب هذالجدل الذي يشغلنا عن كلّ أمر حيوي. المساعي لم تكللولم يكن عجيبا أن نرسف بأيدينا في التخلّف، ونخترع وقد نختلق اختلاقا أسباب تخلّفنا، لكنّ الذين نهضوا واستمرّوا في التقدّم، انطلقوا بشكل مختلف. تمّ فصل الدين عن الدولة،وبالنسبة للغة موضوع حديثنا، مشي الغرب في اتّجاهين متكاملين. أحيا اللغات الكلاسيكيّة القديمة اللاتينيّة والإغريقيّة، وسعي لاستكمال تكوين اللغات الدارجة أو العاميّة التي أصبحت اللغات الأوروبيّة الحديثة. وكلّ محاولة للتنوير في مصر، كلّ حركة للنهضة،استوحت تقريبا نفس النهج، إلاّ أن المساعي لم تكلّل حتّي الآن بالنسبة لفصل الدين عن الدولة، أو زيادة تحديد وترقية وتعميق وتثقيف اللغة العاميّة أي العربيّة المصريّة الدارجة. لكنّ قصر الأمر علي ذلك يظلّ جانبا محدودا لكي نستنتج أنّ المأساة الاجتماعيّة لاتستند فقط علي الامتيازات المادّية، وإنّما أيضاعلي الامتيازات اللاماديّة. هذه الحقيقة اكتشفها المثقّفون الكبار في القرن الثامن عشر،وقد توصّلوا إلي أنّه إذا ماكان الشعب عاجزا عن التعبير، فإنّ ذلك لايعود فقط إلي الضغط السياسي والاستغلال الاقتصادي المسلّطين عليه، وإنّما إلي جهله وليس إلي ازدواج لغته أو ضعف وعجز وظلم ثقافته الشعبيّة والتي قد تكون من أسباب الجهل والضعف والعجز والإذعان للظلم. «ومن هذه المقدّمات المنطقيّة استنتجت الأجيال اللاحقة أنّ القدرة علي الكتابة والقراءة هي أحد أسس الكرامة البشريّة. وتوالت برقيّات الاستبشار، وأخذ مفهوم الثقافة يعوّض الأنوار، وكتب جوزيف مايار وهو أحد الناشرين في القرن التاسع عشر يقول: الثقافة تحرّر الإنسان. وظهرت الاشتراكيّة ترفع الشعار إلي مستوي المطلب السياسي. المعرفة هي السلطة ! الثقافة للجميع. حتّي بقيّة بلدان العالم حقّقت تقدّما كبيرا منذ أن قرّرت منظّمة اليونسكو وضع مقاومة الأمّيّة هدفا أساسيّا بالنسبة لها. وبدا أنّ النور أخذ يتغلّب علي الظلام! كهنة الثقافةغير أنّ الهدف الذي كان يُسعي إليه لم يكن متفّقا تماما مع ذلك. وغالبا مايجد أصدقاء الإنسانيّة وكهنة الثقافة أنفسهم في خدمة الصناعة الرأسماليّة، وهم يعتقدون أنّهم يحسنون صنعا ويخدمون غاياتهم النبيلة. وفي نفس الفترة التي ظهرت فيها لأوّل مرّة كلمة الأمّيّة في كتاب إنجليزي لتنتشرفي أوروبّا بأسرها سنة 1876، اخترع إديسون الكهرباء وسيمنس القاطرة و ليندي الثلاّجة وبيل التليفون وأوتو محرّك البنزين. ولم يكن من قبيل الصدفة في تلك الفترة أيضا أن يتزامن انتشار مفهوم الثقافة الشعبيّة مع نموّ الاستعمار.هنا نتوقّف بالوسم والتحديد وقد ننسي شيئا اسمه الثقافة الشعبيّة أو ازدواج اللغة، يمكنه أن يفتح الطريق أمام الخير والحقيقة والجمال. سيلوح وجه ماهو أقلّ من الإنسان، محونا أمّيّته وعلّمناه ولنطلق عليه الأمّي الثانوي خرّيج المدارس والمعاهد وأيضا الجامعات. والذي ستوكل إليه مهمّة تكرار ترويض الأمّيّين الحقيقيين الذين يعيشون دون قراءة وكتابة، واقتلاع خيالهم وتميّزهم لكي تُستغلّ مستقبلا، لاقوّتهم الجسديّة فحسب ومهارتهم العضليّة، وإنّما عقولهم وشاعريّتهم أيضا. انظروا حولكم لتتأكّدوا من تفشّي الأمّي الثانوي وهو يسيطر علي الحركة الاجتماعيّة منذ زمن بعيد. يعيش حياة سعيدة، يتحرّك ويقدر علي أن يتلاءم مع أيّ وضع من الأوضاع،وهو يعتقد أنّه ملمّ بكلّ مايحدث ويعرف كيف يحلّ ألغاز الشغل والشيكات. ويري أنّ من المستحيل أن يفشل ذلك أنّه قادر علي انتاج حاشيته، كما أنّه ثمرة اقتصاد لم تعد مشكلته الرئيسيّة الانتاج، إنّما بيع المنتجات وتحويلنا جميعا إلي مستهلكين أكفّاء. وقد أمدّته التكنولوجيا بالحلّ المناسب.. التليفزيون، وسيلة الإعلام المثاليّة للأمّي الثانوي! ثمّة مجموعة قليلة، قوامها هذا الإنسان، احتكرت لصالحها الحضارة ونجحت في أن تضطّهد كلّ من لايرقص علي شاكلتها،وهذه المجموعة يمكن تحديدها بلا مواربة: الرجال يهيمنون علي النساء، والبيض علي الملوّنين والأغنياء علي الفقراء،وما لاشكّ فيه الأوصياء المشرفون علي مجموعات البشر، يجب أن يكون واضحا بالنسبة لذرّيّتهم وبالنسبة لأبنائهم: علي التنويرأن يتحوّل إلي اضطهاد والثقافة إلي بربريّة.أنهي لأؤكّد أنّ الثقافة الشعبيّة والثقافة للجميع والثقافة الوطنية ومشاكل العاميّة والفصحي وما إلي ذلك، إن لم تبدُ اليوم حقولا يداعبها النسيان فقد تبقي شأناً أكاديمياً متقادماً. الحياة البيولوجيّة والإلكترونيّة تواصل في اتّجاه آخر، ستؤدّي عمليّات زرع عصبيّة إلي تعزيز ذاكرة الإنسان وتوفير تحميلات كاملة من المعلومات،مثل تعليم لغة كاملة أومحتويات كتاب كبير في دقائق. سيكون بين أيدينا خلال بضع سنوات كمبيوتر بألف دولار يحاكي طريقة عمل مخّنا،ولاريب أنّ فهمنا للجينوم البشري سيمكّننا من إعادة تصميم أنفسنا. وإذا لم تقدنا حماقاتنا إلي كارثة تمحونا من الوجود حول صدام الحضارات في أفغانستان والعراق وفلسطين، فلايوجد مايمنعنا من مواصلة تحقيق أحلامنا. وفي اعتقادي أنّ الجنس البشريّ،لم يقطع كلّ هذه الأشواط ويقدّم كلّ هذه التضحيات لمجرّد أن يقضي علي نفسه، هناك شيء واحد يحبطني، أنّ الحياة قد تختار غيرنا، لايشبهوننا، لمواصلة هذا التشويق والإثارة.
#مأمون_البسيونى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موزة ملصقة على حائط.. تُحقّق 6.24 مليون دولار في مزاد
-
تقارير عن معارك عنيفة بجنوب لبنان.. ومصدر أمني ينفي وجود قاد
...
-
قوات كييف تعترف بخسارة أكثر من 40% من الأراضي التي احتلتها ف
...
-
إسرائيل تهاجم يوتيوبر مصري شهير وتوجه له اتهامات خطيرة.. وال
...
-
بوليتيكو: الصين تتجاوز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في
...
-
وسائل إعلام عبرية: اختفاء إسرائيلي في الإمارات والموساد يشار
...
-
غرابة الزمن وتآكل الذاكرة في أعمال عبد الله السعدي
-
فوائده كثيرة .. ابدأ يومك بشرب الماء الدافئ!
-
الناطق باسم -القسام- أبو عبيدة يعلن مقتل إحدى الأسيرات الإسر
...
-
-تحليق مسيرة ولحظة سقوط صواريخ-.. حزب الله يعرض مشاهد استهدا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|