الهرولة والتهافت الانتخابي في المغرب/3
محمد الخباشي
2007 / 11 / 7 - 11:28
عود على بدء.
بعد طول انتظار، كتمت أنفاسي كي لا تكلم، مخافة أن يتهمني احد بالتشويش عليه. وقررت ألا أتكلم وألا اكتب شيئا طول هده الفترة، واضطررت إلى تعليق حتى الرسائل التي كنت قد بدأت أوجهها إلى البعض. وبعد مرور الانتخابات وانكشاف المستور، ها أنا سأعود إلى هدا الموضوع بالذات، في ثلاث مقالات: أولها عن الانتخابات بصفة عامة والظروف التي مرت فيها، والثاني عن الحرب الديماغوجية التي صبرنا عليها على مضض والتي رافقت إعلان حزب الطليعة عن المشاركة، والثالث محاولة لتقييم أداء الحزب وتأثير هده الانتخابات عليه.
الجزء الثالث : ليلة بكى فيها القمر
في سياق الأجواء التي تمر فيها الانتخابات بالمغرب، وفي سياق التهييء النفسي للمناضلين بحزب الطليعة من اجل تقبل قرار المشاركة في الانتخابات كما اسلفت سابقا، والشروط التنظيمية للحزب، حصل ما حصل.
في واحدة من أماسي الخريف التي تساقطت فيها كل الأوراق، وقف التنظير الانتخابي عاجزا عن فهم ما وقع ولم يبق من تبرير سوى انه "تفاجأ باداء المناضلين". والحقيقة ان دلك كان واضحا الا لمن كان يستمع ويبني تحليله ومغامرته السياسية على الصورة المغلوطة التي تقدم اليه من طرف المتزلفين الدين اتكأت عليهم اطراف متآكلة وقوى شبعت الثورة من صحونها.
بالنظر الى الطريقة التي تتخد بها القرارات في الحزب، والغياب الكلي للمحاسبة في التنظيم الحزبي، بات من المستحيل الحيلولة دون اتخاد قرار من هدا النوع. ومن المستحيل معه ايضا ان ينضبط الكل لقرار حزبي مهما كان. فبقي اصحاب الانتصار الوهمي ينتشون دون الاكترات الى ما سيأتي، وبقي الغاضبون كأنهم غير معنيين بما سيأتي. وقد سبق ان اشرت الى ان الالة الايديولوجية اشتغلت حتى اقنعت جزءا كبيرا من المناضلين بالغد القادم من اعتاب البرلمان والمجالس المحلية. وتبخر الحلم عشية اليوم المشهود من اماسي الخريف المتقلب.
اولى انعكاسات القرار المعلوم على الحزب ان هناك مناضلون يجب على الحزب ان يفتخر بهم لانهم انضبطوا لقرار لم يقتنعوا به على الاطلاق، فتجندوا لتنفيده بتفان واخلاص. وهده سمة نادرة، لعل دعاة المشاركة يتدكرون صناديق المنشورات الحزبية التي احتفظوا بها ابان القرار الداعي للمقاطعة. ولعلهم يتدكرون ما سمي بالاوراش الكنفدرالية، وانتخابات اللجان الثنائية...
الثاني، وهو الاخطر، انه كشف عن نمودجين من الانتهازية اعتملت داخل الحزب، وهي التي تنخر جسده شيئا فشيئا. النوع الاول هو ابتلاء الحزب باشخاص من قبيل ما كان سائدا داخل الاحزاب الانتخابية، وهو التسابق المحموم حول الترشيح ووكالة اللائحة والرقم الموالي على شاكلة اللعبة الورقية وغيره....الخ. ونشب صراع بين العديد من الاعضاء في اقاليم معينة، لم تكن اقل ضراوة من الدي عايناه داخل الاحزاب الاخرى. وادا كانت المشاركة نضالية فما الفرق بين ان تكون وكيلا للائحة من عدمه؟ هل هناك مبرر حقيقي للتنافس الشديد الدي يوصل الى ما بعد التنافس؟ ليس سوى الرغبة الداتية لبعض الافراد للتسلق، ليندرجوا ضمن البرجوازية الانتخابية التي افرزت شرائح مرتبطة بالانتخابات تسلقت من ادنى السلاليم الى درجات من الثروة، فتغير وضعها الاجتماعي بمشاركتها في الانتخابات.
النوع الثاني من الانتهازية، وهو الاخطر، يمثله اولئك الدين تجندوا بقوة من اجل مشاركة الحزب في الانتخابات، فانفرطوا واحدا تلو الاخر دون المساهمة في تنفيد القرار الدي قاتلوا من اجله. اقبح من دلك انهم رفضوا المشاركة بمبرر انهم لايدخلون المعارك الخاسرة، والبعض الاخر لم يقدم اي مبرر، بل منهم من اختفى كليا ايام الحملة الانتخابية.
امام ما وقع، هل يصح ان نقول ان قرار الحزب كان خاطئا؟ اختلف المناضلون في تقييم نتائج السابع من شتنبر. لكن في الاصل لا يمكن تقييم النتائج الا بناء على اهداف تحددت لقرار المشاركة. ما دامت حيثيات القرار غير محددة، فمن العبث التفكير حتى في اي تقييم. ولدلك طرحت السؤال اعلاه هل من الصحيح القول ان الحزب اخطأ؟ وهل من المستساغ ان نقول ان الحزب دخل التجربة، ويمكن ان يستعد للانتخابات المقبلة، وبالتالي لا يجب ان يعتد بالنتائج المحصل عليها؟ سؤال يولد سؤالا الى ما لا نهاية. لكن واقع الامر هو كما اسلفت. لا يمكن تقييم النتائج ما دام الحزب لم يوضح حيثيات القرار، بل الاهداف التي حددت لقرار المشاركة. بالمناسبة احد العظماء قال ان المناضلين لا يعرفون لمادا يشارك الحزب في هده الانتخابات، فليدلنا على تلك الاسباب اولا، ثم نسأله ايضا عن رأيه في النتائج التي حصل عليها الحزب ، وهدا العظيم بقي خارج دائرة التنافس الانتخابي، أو من اولئك الدين لا يدخلون المعارك الخاسرة.
في محاولة لاستباق اي تقييم طلع علينا تصريح يستغبي المناضلين بادعاءه انه حقق 75 بالمائة من اهدافه. هده الخطوة ليس لها من مبرر سوى محاولة قطع الطريق على اية محاولة لتقييم النتائح وما قد يترتب عن دلك من تحميل المسؤولية لقيادة الحزب او لمنظري المشاركة الانتخابية. فحاول صاحبنا ان يؤلب النقاش الدي من المحتمل ان يدور بين المناضلين، وتوجيهه نحو الاكتفاء بما حصل والقول انه ليس ممكنا افضل مما كان. هنا لست ادري ان كان من الضروري ان اراجع الارشيف لادكر صاحبنا بما قاله يوما بان تلك مقولة رجعية. ولست ادري ان كان الكل لازال يتدكر العدد 288 و289 من جريدة الطريق الموؤودة، ودلك العنوان العريض الدي تصدر الصفحة الاولى.
واحدة من اكدوبات القرن، ان يقول المرء انه حقق 75 بالمائة من اهدافه. تلك مسألة نسبية ما دام لكل اهدافه. فلنكن صرحاء اكثر. هل 3225 صوتا تمثل 75 بالمائة من الاهداف؟ ادا كان التواصل مع المواطنين او الجماهير كما يتغنى البعض بدلك، فهل ترجم دلك التواصل الى تعاطف جماهيري؟ يعني ما هو مقياس هدا التواصل؟ اليس بعدد الاصوات؟ هل يعني دلك ان حجم الحزب بمناضليه ومتعاطفيه ومحيطه الجماهيري لا يتجاوزون 3225 فردا في المغرب باكمله؟ اولئك الدين اقاموا الدنيا ولم يقعدوها، اين اخفوا جحافلهم التي ستنظم لهم الحملة الانتخابية مستغنين في دلك على المناضلين كما كانوا يزايدون بدلك؟ ثم اين إيباء الكبار الدين يعترفون بالخسارة وبالاخطاء بكل تجرد؟ اين النزاهة الفكرية التي تدعي البعض التحلي بها؟ اما انا فأقول ان من حقق كل احلامه، فعليه ان ينزوي لانه لم يعد من مبرر لبقائه في الحياة. هما امران لا ثالث لهما : اما اعتراف بالانهيار، ولدلك شروطه و"مسطرته"، واما الاختفاء ما دامت كل الاهداف محققة.
الانعكاس الاهم وهو سياسي. بينت هده الانتخابات ان منطق التحالف يفترض ميزان قوى محدد. سبق ان قلت مرارا ان التحالف دون محور او قطب صلب يستطيع ان يلف حوله باقي القوى المحورية، ودون طرف قوي تنظيميا وجماهيريا وبالتالي سياسيا، مآله الزوال. هدا ما حصل في التحالف الانتخابي، وهو التسمية الصحيحة، ما دامت مسألة القطب اليساري الدي حلمت به الاطراف الخمسة، بقي حبيس مولده كما قلت سابقا. وتبين الى من لازال يحتاج الى دليل ان تلك الاطراف بالدات هي التي لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون النواة الصلبة لليسار الحقيقي. الدرس الثاني في مسألة التحالفات بالنسبة للحزب، هو عدم القدرة على ادارة هدا التحالف، بل شكل فيه الحزب الحلقة الاضعف، واتخد حصان طروادة من طرف الحزبين الاخرين، فضمنا بعض المقاعد، في الوقت الدي رفضت فيه تلك الاحزاب الترشيح المشترك في المناطق التي يتمتع الحزب بتميز طفيف. والخطأ الفادح وقع بالدات في دائرة المحيط. اد كان بالامكان التوصل الى حل مشرف عوض الستات الثلاثة مقابل نظيرها اربع مرات لليسار الموحد. ما وقع هناك بين ان الحزب قاتل من اجل مقعد ادكى وهما لدى البعض بأن البرلمان يحتاج الى نقط نظام وزير المالية السابق ايام كان محسوبا على المعارضة البرلمانية. وواقع الامر ان البرلمان لم يعد كما لم يكن في حاجة الى اية صيحة من اي نوع، لان الطبقة الحاكمة استطاعت ان تبني لنفسها قاعدة اجتماعية بديلة عن النخب التي شكلها التدخل الاداري المباشر في انشاء ونسخ الاحزاب والوكالات الانتخابية. حيث تم تحويل قاعدة مهمة من اطر اليسار الى اطر تنفيدية وادوات لتمرير سياسية ومخططات الطبقة الحاكمة في مجالات مختلفة. صح النوم لمن استفاق متأخرا.
تبين ايضا من خلال بعض التصريحات ان الحزب كان يعول على الفوز على الاقل بمقعد واحد في دائرة المحيط. وهو حساب خاطئ لم يستوعب البعض اللعبة حين انسحب اليازغي والدفع بالجبابدي مكانه. وكشف دلك، عكس ما ادعى البعض ان الحزب لا تهمه المقاعد. فلمادا استعصى التوصل الى اتفاق في مسألة التحالف الانتخابي؟ اكثر من دلك اسأل الجميع، اين تجسد على ارض الواقع دلك التحالف الانتخابي؟ وما الدي استفاده الحزب من دلك التحالف ان وجد فعلا؟
اما على المستوى الداخلي، فقد افرزت النتائج امرين. هناك من المناضلين من قبل المغامرة بالمشاركة بحسن نية وتم اقناعه بالوعود العرقوبية. فتبين ان الحقيقة اكبر من الوعود على الورق. فدعا الى مراجعة القرار. ثم هناك من اطلق العنان للاوهام والاستمرار في تسويقها، بالادعاء ان الحزب لم يعهد ادارة المعركة الانتخابية، وبالتالي سيتحسن اداءه لاحقا. بين هدين الرأيين ضاعت حقيقة مهمة، وهي ان اسباب الفشل الحزبي في المعركة الانتخابية، لم تتم الاشارة اليها. واحد من العظماء تفاجأ باداء المناضلين. ولا اطن ان بالامكان ان يهب الجميع بحماس للتعبئة الحزبية والتجند للحملة الانتخابية، نظرا للطريقة التبي اتخد بها القرار والمسار الدي قطعته عملية " انضاج" القرار، بتدمير الكيان الحزبي ووأد لسان حاله، والتخريب الدي حصل في تنظيماته والاطارات الجماهيرية التي يعمل فيها، والتسارع المهول الى تركيز القرار في يد قيادة الحزب والتقليص من حجم المشاركة الشكلية لقاعدة الحزب في ادارة الحزب واتخاد القرار فيه. بالاضافة الى دلك، فالتشويه الدي تمارس به المركزية الديمقراطية، ادى الى تغييب المحاسبة في القيادة والقاعدة، وفي نهاية المطاف الى التسيب وعدم تنفيد القرارات الحزبية.
تقييم المشاركة في الانتخابات، ادا قدر ان سمح به، لا يجب ان يقتصر على التفاصيل الصغيرة للعملية الانتخابية. بل يجب ان يشمل الاداء الحزبي ومساره السياسي والتنظيمي والايديولوجي. اي تقييم الاداء الحزبي ومراجعة الاهداف التي بني عليها الحزب واختياراته الايديولوجية والسياسية والتنظيمية، وتناول العملية الانتخابية ضمن التكتيك الحزبي لاستراتيجية يجب تحديدها بدقة. اما ادا انكفأ التقييم، ويجب فرضه، لا كما يريده البعض، نحو الغوص في التفاصيل الدقيقة لما جرى في الدوائر الانتخابية وسلوك بعض المرشحين..... فلن تكون الخلاصات سوى من قبيل الستات الثلاثة التي شكلت 75 بالمائة من الاهداف. حينها لم يعد من خيار سوى اعتبار الحزب بشكل واضح، حزبا للمعارضة البرلمانية من موقع العجز، اي معارضة ورقية ليس الا.