|
السلطة و المعارضة في موريتانيا.. نحو خارطة طريق للمصالحة
محمد السالك ولد إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2086 - 2007 / 11 / 1 - 11:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مرة أخرى، يتضح جزء من التحديات اللامتناهية التي تواجهها مشاريع التحول الديموقراطي في بلدان العالم النامي. و لعل من أغرب تلك التجارب و أجدرها بالدراسة و التتبع - ضمن السياق العربي الإفريقي- مشهد التجربة الديموقراطية الموريتانية، الذي يمكن اختصاره في مغامرة تشييد صرح ديموقراطي فوق رمال الصحراء المتحركة. إنه حقا مفترق طرق حاسم بالنسبة لموريتانيا. هذه هي المرحلة" الانتقالية الفعلية" التي يجب أن يحرص كل الشركاء في السلطة الحاكمة كما في المعارضة على عبورها معا، ليصلوا بالبلد إلى تحقيق السلم الاجتماعي و الاقتصادي والاستقرار السياسي. عندها فقط، يمكن ترميم السفينة و تصحيح الأخطاء و استكمال النواقص. و ينبغي ن يدرك الجميع بأنها مسؤولية وطنية لا يمكن أن تتساهل الحكومة و لا المعارضة - خصوصا ضمن هذه المرحلة الحرجة والحاسمة – في حسن تقديرها. فإما أن تختار الأطراف التي تساهم في تشكيل "البراديغم"paradigme أو النظام السياسي الجديد-القديم سواء في السلطة أو المعارضة- الاستمرار في مناورات تكتيكية لكسب بعض النقاط ضمن "الوقت بدل الضائع" في لعبة التجاذب و الصراع "المستطير" على السلطة وتقاسم الإمتيازات و المنافع، قد تصمد لبعض الوقت... و إما أن يقرروا معا - بجرأة و حكمة- الدخول في خيارات استراتيجية إصلاحية شاملة، تعيد بناء جسور الثقة و تضمن للبلاد استقرارها السياسي و تنميتها الاقتصادية و الاجتماعية المتوازنة و تخفف من المعاناة اليومية للمواطنين من مختلف الطبقات و البيئات الحضرية و الريفية، بما يسهم في نزع فتيل الطابع الصراعي للعلاقات المجتمعية والاقتصادية ويعيد ضبط و توجيه "عنفها" نحو مجال التنافس السلمي و المدني الايجابي. فهل ستستطيع تلك الأطراف أن تحول "فوزها الانتخابي" بأصوات الموريتانيين و الموريتانيات إلى شيء أكبر من ذلك.. أي إلى نجاح سياسي حقيقي برسم البلد و مصالحه العليا؟ ثم تحول ذلك النجاح السياسي إلى قرابين للوطن خدمة للديموقراطية و التنمية المستدامة و ازدهار الشعب؟! أم هل ستدخل الديمقراطية الموريتانية- في ظل ديناميكية التجاذبات الجارية و وتداعياتها المحتملة- مرحلة من الارتداد والنكوص ربما تؤدي إلى تراجع وتقهقر التجربة نفسها في مناخ الصحراء المعروف بتقلباته المفاجئة؟ وهل حقا يتوقع نجاح تجربة ديموقراطية بدون ديمقراطيين؟ ضمن هذا السياق المتميز، تقترح هذه الورقة بعض الأفكار إسهاما في بلورة ملامح مشروع خارطة طريق للمصالحة بين السلطة و المعارضة تستند إلى ثلاثة مبادئ أساسية هي الواقعية و المرحلية و التشاركية. و هي تهدف إلى تشكيل صمام أمان احتياطي لإنجاح تجربة التحول الديمقراطي الجاري و تطوير أدائها من جهة، و تسهيل القيام بالمهام و الالتزامات الوطنية لكل من الطرفين المعنيين اتجاه البلاد و مصالحها العليا و خدمة الشعب الموريتاني الذي كان قد انحاز منذ البداية - بكل تحمس و حكمة- لصالح التحول الديمقراطي، حيث منح أصواته لكل من السلطة و المعارضة عبر الاستحقاقات الانتخابية المختلفة في البلديات و الشيوخ والنواب و الرئاسيات.
الديمقراطية و لعبة التجاذبات: لقد ظلت الوضعية المتضاربة لرصيد التجاذبات و الصراعات المجتمعية و السياسية والثقافية والاقتصادية "القديمة- الجديدة"، المتشابكة داخل الساحة الموريتانية، تمثل تركة ثقيلة و رصيدا مضطربا يطرح نفسه باستفزاز على كل نظام حكم جديد يصل إلى السلطة. سواء وصل إليها عن طريق الديمقراطية أو عبر غيرها من الوسائل. و هو ما أغرى دائما أنظمة الحكم المتعاقبة بمحاولة السيطرة و التحكم في تدفق "التيار العارم" لتلك التجاذبات و الصراعات و استغلالها سياسيا - بعد تدجينها- في عملية توطيد سلطتها المستبدة. و كان انزلاق مسار ممارسة الحكم نحو تلك "العتبة" قد بدأ في مرحلة مبكرة إبان الاستقلال، من خلال ترسيخ "السلطة الرئاسية" - باعتبارها "قاطرة" تسحب خلفها بقية المنظومة- عبر عملية مزدوجة مؤسساتية من جهة و سياسية من جهة ثانية. إلا أن تكريس تلك الظاهرة بصورة مطلقة لم يتم إلا بعد دخول البلاد في حلقات "تسونامي" الانقلابات العسكرية منذ 1978. تلك "اللعبة" التي دشنت ظاهرة احتكار "العنف العمومي للدولة" كوسيلة للوصول إلى السلطة والتمسك بها تحت أي ذريعة. و هكذا أصبحت المؤسسة العسكرية/الأمنية بمثابة "سلطة للتنظيم" غير رسمية تضطلع بدور حاسم في إدارة و "تسيير" المشهد السياسي الوطني، بدل أن تكون مؤسسة "جمهورية" لها ما لها و عليها ما عليها بموجب القانون ولا يمكن أن تكون- بأي حال من الأحوال- فوق الجمهورية أو في مواجهة معها؟
لقد أدى التخلي عن الدستور "البرلماني" لسنة 1959 لصالح دستور مستوحى من "النظام الرئاسي الفرنسي" سنة 1961، ثم تكريس "أحادية حزب الدولة" محل التعددية الحزبية الناشئة آنذاك - بعد صهر الأحزاب التي كانت قائمة في "حزب الشعب الموريتاني" الذي أضحى "حزبا واحدا" بله وحيدا- و كذا تداعيات الانقلاب العسكري في الـ 10 من يوليو 1978، إلى الإجهاز على ما تبقي من "الوعي الوطني المدني" الطامح إلى التحول السياسي ذي الطابع السلمي و الديمقراطي. كما تكرس ذلك "التقليد السلطوي" ذي الخلفية العسكرية - الظاهرة أو المبطنة- إلى "واقع مؤبد" في أسلوب الحكم، جرى و يجري التنظير له و ترويجه تحت مسميات أخرى متعددة و متحذلقة، دأبت كل أنظمة الحكم المتعاقبة على إخفائها تحت أقنعة مستعارة: ابتداء من حزب الشعب و مرورا بهياكل تهذيب الجماهير و الحزب الجمهوري و مستلقي المرحلة الانتقالية و انتهاء بمشروع حزب السلطة الجاري تأسيسه حاليا.
وهكذا على مدى عشرات السنين، ظلت أنظمة الحكم الاستبدادي -المدعومة غالبا من طرف قوى خارجية غربية أو إقليمية - تراوغ مع الشعب في هذا البلد لإحكام هيمنتها على مقدراته و التحكم في مستقبله، متذرعة بحجة ترتيب وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية في مجال الإصلاح و التنمية من خلال المقايضة بين الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية. فتارة تضحي بالديمقراطية مراهنة على تنفيذ بعض السياسات في الحقل التنموي، غالبا ما تكون مبتورة التصور وباهتة النتائج على الأرض و تارة أخرى، تضحي بالتنمية و متطلباتها تحت ذريعة استنبات و رعاية التجربة الديمقراطية الوافدة. و غالبا ما تضحي تلك الأنظمة بالديمقراطية و بالتنمية معا لاعتبارات أمنية "بحتة" تتخذ من ضمان " الاستقرار" و حفظ "السلم الاجتماعي" شعارات، قد تكون حقيقية أو وهمية، تتجدد عبثيا في كل مرة أو تختلق اختلاقا إذا اقتضى الأمر، لتكريس الأوضاع القائمة وإعادة إنتاج النظام الاستبدادي القديم-الجديد وتأجيل "أجندة التغيير" المطلوب من طرف أغلبية الشعب و قواه الوطنية الجادة.
أما اليوم، فإن موريتانيا "ما بعد" المرحلة الانتقالية الأولى (3 أغشت 2005 - 19 ابريل 2007) مدعوة – أكثر من أي وقت مضى- للتصالح مع ذاتها قصد وضع تصور مبدع لتشكيل نظام سياسي أو "براديغم" paradigmeمختلف يكون قادرا على الاضطلاع بالمهام المرحلية الجسيمة. و على ضوء نتائج مسلسل الانتخابات الماضية في بلادنا و التغييرات السياسية التي تمخضت عنها بالنسبة لميزان القوة بين كل من السلطة و المعارضة من جهة، و ما تمثله الإرادة السياسية للنظام الجديد نحو التغيير، من آمال عريضة من جهة أخرى، عكست بشكل واضح مستوى التعهد العمومي للسلطات الجديدة المنتخبة، التي أصبحت منذ الآن مسؤولة أخلاقيا و سياسيا عن تحقيق نتائج ملزمة، تتناسب كما و كيفا مع أهداف و مضامين السياسة العامة التي اقترحتها على الموريتانيين و التي تضمنتها وثائق رسمية مثل (1) رسالة التكليف من طرف رئيس الجمهورية لتفويض الوزير الأول بالقيام على أحسن وجه بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية للبلاد و (2) السياسة العامة للحكومة التي عرضها الوزير الأول أمام البرلمان و (3) خطاب رئيس الدولة حول حق العودةِ الكريمة للاجئين في السنغال وتسويةِ ملفِّ المطالباتِ الإنسانية واستئصالِ رواسبِ العبودية. وإذا كان صحيحا، من الناحية النظرية، أن من مزايا الديمقراطية أن يكون الفقراء ملوكا لكونهم الأكثر عددا، وأن إرادة العدد الأكبر من الناس لها قوة القانون كما يعتقد آرسطو في كتابه "في السياسة""De la politique" ، فهل سيستطيع فقراء موريتانيا – وهم بلا شك يمثلون الأغلبية الصامتة التي صوتت لمن نجحوا من السلطة و من المعارضة- أن يستفيدوا من هذه المزية لتغيير واقعهم المعيشي المزري و تحسين ظروف حياتهم البائسة. أم هل ستبقى البلاد - كما ظلت دوما - جزء من "منطقة الاستعصاء" على الديمقراطية الممتدة من انواكشوط غربا إلى جاكارتا شرقا؟ و هل سيظل إدراك اللحظة الديمقراطية في بلادنا مجرد نوع من الوعي الشقي المترنح بين نوازع الاحتفاظ بالسلطة من جهة و التكيف - من جهة ثانية - مع ضرورات التغيير والإصلاح ضمن سياقات محلية، إقليمية ودولية يستعصي استقراء ملامحها أو التكهن باتجاهاتها؟ وهل سيتغير الجوهر الاستبدادي لنظام الحكم في هذا البلد؟ أم سيظل الاهتمام بالديمقراطية من طرف مختلف الفاعلين مجرد معطى متغير الأهداف والأبعاد والقيمة؟
نحو خارطة طريق للمصالحة: تتنزل هذه المبادرة في سياق أوسع هو مواكبة و تعزيز التوجهات الوطنية الحالية نحو الإصلاح الثقافي والاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و تأكيد خيارات التحول الديموقراطي و التداول السلمي للسلطة و السعي لتأمين هذه الخيارات من خلال بلورة منهج معرفي جديد في مقاربة مقولة الإصلاح/التغيير بأدوات علمية تساعد صناع القرار على تأسيس عملية وضع السياسات التنموية و اتخاذ القرارات على ركائز متينة من المعرفة بالواقع واستشراف المستقبل. كما أنها تمثل دعوة صادقة لبناء جسور حقيقية وجادة للحوار الديمقراطي بين مختلف الفاعلين السياسيين في الساحة و خارجها و تبني مبادرة إعادة بناء خطاب سياسي وطني عصري يتعالى على الثنائية الكلاسيكية لـ "السلطة والمعارضة" و يقوم على أسس جديدة تستند إلى أربع مقولات هي: (1) مصلحة و (2) أمن و (3) استقرار و (4) تنمية الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
إنها مبادرة تتوخى قيام منهج تحليلي موضوعي لبناء مقاربة جديدة لفهم و معالجة الحالة السياسية الراهنة للبلاد و ما تتسم به من تجاذبات مختلفة و تفاعلات جارية على مختلف الأصعدة و كذا الحالة الاقتصادية والاجتماعية و ما يطبعها من مصاعب اقتصادية و معوقات تنموية تنعكس آثارها بحدة على الواقع المعيشي و الحياة اليومية للمواطنين مشكلة - بذلك- عامل ضغط إضافي يهدد استقرار البلاد على المستويين السياسي و الأمني. كما تهدف المبادرة - من جهة أخرى- إلى "تعميق معرفة" الفاعلين في السلطة و المعارضة و كذا الرأي العام الوطني بحقيقة الفرص المتاحة و السيناريوهات المستقبلية الممكنة و الخيارات البديلة فيما يتعلق بموضوع "تغيير الواقع الموريتاني". و بالتالي، دعوة كلا الطرفين (السلطة و المعارضة) لوضع آليات للتفكير و لدراسة و مناقشة و ترشيد المفاضلة فيما بين تلك البدائل على أساس تقدير مدروس للتكاليف الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية لكل منها على حدة بما يضمن ترشيد عملية اتخاذ القرارات في مجال السياسات العمومية بشكل كلي و مفصل خدمة للصالح العام.
كما يمكن اقتصار تطبيق هذه المقاربة - في مرحلة تجريبية - على الأقل، من خلال إخضاع بعض القضايا الجزئية لها. و نعني هنا، تلك القضايا التي تثير و تغذي الجدل المتنامي حاليا بين السلطة و المعارضة مثل: ملف المبعدين، ملف المسفرين، ملف تصفية العبودية، ملف الإصلاح المؤسسي المدني و العسكري، ملف إصلاح المؤسسات الوطنية و الشركات (اسنيم، الخطوط الجوية الموريتانية، الموانئ، الشركة الوطنية للغاز، إلخ....)، ملف حزب السلطة، ملف التشغيل (خاصة بطالة أصحاب الشهادات و البطالة المقنعة)، ملف السياسة الخارجية، خاصة العلاقات مع إسرائيل و منظمة المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية (CEDEAO)، ملف قيادة AFRICOM، ملف المخدرات، ملف السلفية، ملف الإرهاب، إلخ... ، على أن تتجه المقاربة الجديدة نحو تشجيع التفكير الايجابي و عزل الخلافات و توضيح مصادرها لدى الطرفين بأسلوب علمي، و كذا تلمس اقتراحات و حلول مناسبة قد تشكل أرضية مشتركة فيما بينهما لبلورة رؤية وطنية تصالحية بين السلطة و المعارضة تمثل قاعدة مرجعية و تكون قابلة للتطبيق العملي، على أن تم تبنيها و الترويج لها من كلا الطرفين لدى الرأي العام بعد أن يتم الاتفاق عليها. و تقوم خارطة الطريق التصالحية هذه على محاولة استثمار و توظيف عقلاني لثلاث أفكار محورية تتسم بنوع من الإجماع حولها في المشهد الموريتاني حاليا، و هي: أن التناوب السلمي على السلطة و إصلاح الشؤون العامة و تغيير الواقع نحو الأفضل هي مطالب ضرورية، و إذا ما أريد لها النجاح و الاستدامة، فينبغي أن تتم حصريا من الداخل؛ أن المجتمع المدني (بما في ذلك الأحزاب السياسية و هيآت المنتخبين و النقابات و الصحافة الحرة و المنظمات غير الحكومية، إلخ...) شريك فعال في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للإصلاح و التغيير و المتمثلة حاليا في (1) إنجاح التحول نحو الديمقراطية و (2) تحقيق التنمية المستدامة و (3) تأمين المستقبل. و المجتمع المدني بهذا المعنى ليس خصما أو بديلا عن الدولة و مؤسساتها الحكومية بل هو جزء من الدولة و شريك فعال للحكومة؛ أن الطريق الأمثل و الأكثر أمانا نحو الإصلاح و التغيير يقتضي التركيز على بناء السياسات و البرامج التنموية العمومية على أساس متين من المعطيات العلمية الموضوعية المتأتية من ثمار البحث العلمي الرصين بدلا من الاعتماد على مصادر أخرى مشوشة -غالبا- بالخصومات "السياسوية" chicanes politiciennes و بصراعات المصالح conflits d’intérêts و أشكال المضاربات spéculations المغرضة. و انطلاقا من وعي عميق بجدلية الترابط بين هذه الأفكار الأساسية الثلاث، يرمي مشروع خارطة الطريق هذه الى تشجيع الطرفين في السلطة و المعارضة و نخبهما الفكرية و المهنية و السياسية - كل حسب مجال تخصصه و خبرته- للمساهمة في مناقشة و دراسة و مقارنة و نقد و تصحيح و مفاضلة المعطيات المتعلقة بالسيناريوهات التالية حول تصور شكل معين لمستقبل البلاد يكون مرغوبا فيه و متفقا عليه : - السيناريو المرجعي: وهو يمثل الامتداد المنطقي للتطورات الراهنة، وذلك فيما لو استمر النمط الحالي لردود فعل السلطة الحاكمة والمعارضة و الفاعلين الاجتماعيين الآخرين تجاه التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية. - السيناريو الشعبي: وهو يمثل التصور المتولد عن استطلاع رؤى الشارع و القوى الاجتماعية والتشكيلات السياسية القائمة للمستقبل المرغوب فيه من طرفهم، وذلك بغض النظر عن مدى تكامل أو اتساق هذا التصور. - السيناريو الوسيط: وهو يمثل مسار المجتمع الموريتاني حتى عام 2020 فيما لو طرأت تعديلات إصلاحية غير جذرية على مجموعة السياسات المطبقة حالياً، وفيما لو حدثت بعض التعديلات غير الجوهرية في تركيبة القوى الفاعلة في المجتمع. - السيناريو الابتكارى: و هو يصور المسار الذي يمكن أن يسلكه المجتمع حتى عام 2020، وذلك فيما لو أطلقت طاقات الإبداع والابتكار الكامنة في المجتمع من خلال تغيير جوهري في التركيبة الطبقية و تسيير الموارد البشرية، وفى توزيع السلطة والثروة في المجتمع، وفى نسق القيم السائدة حالياً، وفى مستويات التعليم و التكوين و توطين التكنولوجيا في بلادنا، و من ثم حصول تغيير جوهري في وضع و تنفيذ السياسات التنموية لإستغلال المصادر الطبيعية و إدخال الترتيبات الإصلاحية المؤسسية المدنية و العسكرية، و تغيير نمط تصور و إقامة و تسيير العلاقات الإقليمية والدولية لموريتانيا.
وبعد مرور سنة كاملة من العمل في دراسة و مناقشة الملفات و المواضيع المحددة في جدول الأعمال المتفق عليه و هو غير حصري في النماذج المذكورة أعلاه، والتحاور حولها في اجتماعات الفرق التفكيرية المشتركة بين كل من السلطة و المعارضة و كذا النقاش داخل الندوات و ورش العمل و بعد إجراء مراجعة نتائج السيناريوهات و إدخال التعديلات عليها، يتم وضع الملامح الأكثر تفصيلاً بشكل قابل للتعديل والتطوير - لكل سيناريو، لاسيما شروطه الابتدائية التى يمكن على أساسها استكمال العمل في استخراج مسار لكل سيناريو وما يبرزه من صور مستقبلية للمجتمع الموريتاني على المدى المتوسط (2020 م). و من أجل تسهيل هذه العملية و تقريبها منهجيا نقترح جدلا أن يتم الاتفاق على أن تكون نقطة الانطلاق في تحديد السيناريوهات هي القراءة الجيدة لخريطة القوى الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية في موريتانيا و آفاق ديناميكيتها المستقبلية. ثم يجري تحديد القوى الرئيسية التى تملك رؤية أو مشروعات واضحة نسبياً للتغيير الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، بما في ذلك القوى الممثلة حاليا في السلطة و كذا الخطط والمشروعات الحكومية التى تمتد حالياً حتى عام 2015 كالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، بالإضافة إلى رؤية أو مشروعات القوى الممثلة حاليا في المعارضة، نقترح خمسة مشاريع سيناريوهات نقدمها بإيجاز فيما يلي:
- السيناريو الأول: هو " السيناريو المرجعي " الذي يعبر عما قد تؤول إليه الأوضاع على امتداد الـ 12 سنة القادمة، إذا ما استمر المنطق الحالي في التعامل بانفتاح و تبصر و عقلانية مع مشكلات موريتانيا، وليس بالضرورة استمرار نفس الحكام أو نفس السياسات التفصيلية. إنه سيناريو " الدولة الديمقراطية ". - السيناريو الثاني: يطرح رؤية القوى المجتمعية والسياسية التى ترى أن المستقبل الأفضل لموريتانيا إنما يبدأ بقيام نظام حكم إسلامي ، يترجم أحكام الكتاب والسنة إلى سياسات داخلية للتنمية وضوابط في التعامل مع الآخر، بما يحفظ للبلاد هويتها الإسلامية المتميزة و يضمن للمواطنين السعادة في الدارين. إنه سيناريو " الدولة الإسلامية " . - السيناريو الثالث: يطرح رؤية الجماعات ذات التوجه الرأسمالي الليبرالي، التى ترى أن مستقبل موريتانيا والسبيل لبقائها على خريطة العالم – وسط التنافس الدولي الحاد – يكمن في إتباع نظام رأسمالي أكثر رشداً وعقلانية وانتفاعاً بالعلم من الرأسمالية المشوهة القائمة حالياً (في رأيهم). إنه سيناريو " الرأسمالية الجديدة ". - السيناريو الرابع: يطرح رؤية الجماعات ذات التوجه الاشتراكي، التى تعتقد أن الاشتراكية لم تنته بسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية في شرق أوروبا، وأن الاشتراكية قابلة للنجاح إذا ما تمت الاستفادة من الدروس والعبر التى حفلت بها التجارب السابقة للتطبيق الاشتراكي في العالم كله وكذا تلك الجديدة مثل "التشافيزية". وهو ما يبرز ضرورة الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية ورفض المقايضة بين الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية. إنه سيناريو " الاشتراكية الجديدة " . - السيناريو الخامس: و هو يعبر عن وجهة نظر مجموعة قوى مختلفة داخل المجتمع الموريتاني، ترى أن السبيل الأفضل للتقدم و الازدهار هو تحقيق التوافق الوطني والتراضي على حل وسط، يوفق بين رغبات الأطراف المختلفة للعمل الوطني. إنه سيناريو " الوفاق الوطني".
هذه هي السيناريوهات الخمسة التى نقترح أن تشكل مسودة "وثيقة وطنية" بين السلطة و المعارضة بهدف وضع مشروع خارطة طريق للمصالحة بين الطرفين تكون بمثابة "جواز سفر" للعبور نحو الأمان و الأمام، نطرحها هنا – من موقع الشعور بالمسؤولية الوطنية التاريخية بكل تجرد – على كلا الطرفين للتأمل فيها و دراستها و تقييمها و المفاضلة في ما بينها موضوعيا من حيث الأهداف و المناهج و النتائج و الآثار المترتبة عليها في منحنى زمني متوسط حدوده 2020. كما أننا نلفت انتباه كل من الطرفين (السلطة و المعارضة) إلى أنه بالإمكان طرح منطلقات أخرى بديلة في اختيار السيناريوهات، حسب ما قد يتم عليه التراضي بين الطرفين. وبالطبع، فإن اختيارنا هذا هو مجرد مثال للتقريب و لا يغلق باب الاجتهاد أمام تجربة سيناريوهات أخرى مختلفة أو إضافة سيناريوهات جديدة إلى اللائحة الحالية، فلا شك أن تعدد الدراسات المستقبلية وتنوع معايير اختيارها هو أمر مستحب لما فيه من إثراء لمعارفنا جميعا بشأن مستقبل بلادنا، وما ينطوي عليه من (1) نقاط قوة و(2) نقاط ضعف و (3) فرص و (4) مخاطر . كما نذكر مختلف الفاعلين السياسيين و المجتمعيين و المهنيين في موريتانيا - سواء في السلطة أو المعارضة- بأن الطريق نحو تحقيق الديموقراطية و التنمية المستدامة و الاستقرار في بلادنا ما يزال طويلا و صعبا. و هو يتطلب من كل طرف على حدة المزيد من العمل الجاد و المبدع وكذا المثابرة و التضحية و الانضباط و القدرة على ممارسة النقد الذاتي و المراجعة المستمرة و الانفتاح، بغية الإسهام الفعال في مسيرة الإصلاح و العصرنة والتنمية الشاملة و المتوازنة و تسهيل التحول الديمقراطي وتعزيز قيم المواطنة و تفعيل دور المجتمع المدني بمختلف مكوناته. طبعا، ليس من السهل العثور على الطريق السليم في مجال السياسة و الحكم و تسيير الشأن العام. و إذا كانت طريقة المحاولة و الخطأ ربما تكون مكلفة من حيث الجهد والوقت والتكلفة، فإن مما لا جدال فيه، أن هذه المجالات تعتبر بالغة الحساسية و لا يمكن أن تنسجم مع الارتجال و التذبذب و لا مع التهور و "الكلبية" cynisme. و فرحة الشعب الموريتاني بنجاح انطلاقة تجربته الديمقراطية، على مدار الأشهر القليلة الماضية، لم تغيب عن الأذهان حقيقة أن أغلبية الموريتانيين- بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و الحزبية- سيظلون قلقين جديا على مصير "ديمقراطيتهم" على أيدي سلطة و معارضة يفترض أن تجربة الديموقراطية تحسب لهما بدل أن يحاسبان على التفريط فيها، إلى أن يتم العبور إلى بر الأمان.
باحث، المركز الموريتاني لأبحاث التنمية والمستقبل، مسهل مؤقت لمشروع الدراسة المستقبلية "رؤية موريتانيا 2020"، انواكشوط
#محمد_السالك_ولد_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة الخارجية الموريتانية: جدلية الداخل و الخارج
-
موريتانيا.. نحو الجمهورية الثالثة؟ بين تنصيب 18 ابريل1992 و
...
-
بين الإسلام و الغرب: تهافت الديمقراطية
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|