شكل مجلس الحكم الانتقالي في العراق لجنة لأعداد نشيد وطني جديد للعراق وكذلك لتغيير العلم وشعار الدولة.وصرح الدكتور موفق الربيعي عضو المجلس حول هذا الموضوع مشيرا الى أن هناك رأيا عاما في مجلس الحكم المؤقت يرتأي الإبقاء على ذات العلم المستخدم بعد أن يغير شكل الخط لكلمات الله أكبر التي وضعها الفاشي صدام على العلم بعيد نهاية حرب غزو الكويت الى نوع آخر من الخط ( النسخ القرآني ).
يبدو أن السيد عضو المجلس المؤقت الدكتور موفق الربيعي أصبح ناطقا رسميا باسم مجلس الحكم المؤقت فقد حرصت وسائل الأعلام على تلقي تصريحاته التي يحملها دائما تأكيدات عما يدور وما يقرر في المجلس ولذا فأنه بات من شبه المؤكد بأن ما يطرحه السيد موفق الربيعي هو فعلا ما يدور وما يقرر في مجلس الحكم وليس تخمينات ورؤية شخصية للدكتور الربيعي.
أطلق الدكتور موفق الربيعي قنبلة دخان بعد شهر واحد من تشكيل مجلس الحكم العراقي المؤقت وقبل أيام أعاد إطلاقها مرة أخرى.تلك القنبلة أشارت لنية المجلس طرح تشكيل العراق على أسس الخمس فدراليات بنماذج طائفية وعرقية.وفي طرحه هذا نسي الدكتور موفق الربيعي أن مجلس الحكم الذي هو عضو فيه ليس سوى مجلس حكم مؤقت لا يملك شرعية الإقرار بتلك التشكيلات وأن التشكيل السياسي والإداري للعراق يجب بالضرورة أن يخضع لقرارات سلطة منتخبة بصلاحيات وفي ظل دستور يكفل مشاركة أبناء العراق في إقرار مثل هذه المسائل الكبرى التي تهم العراق ومستقبله وحياة أبنائه .وفي هذا الحال فأن على مجلس الحكم بعد أن شكل لجنة (لدراسة) آليات أعداد الدستور وبعد أخذ رأي الكثير من شرائح وطوائف وأثنيات الشعب العراقي فان واجب أعضاءه الأخذ برأي اللجنة وما قامت بجمعه من أفكار وتصورات وعدم طرح المشاريع الدستورية بشكل استباقي. والمفترض أن تأخذ هذه اللجنة وكذلك أعضاء مجلس الحكم المؤقت بالأفكار التي يطرحها الشارع العراقي حول الفدرالية والتي تعددت وتنوعت .وإذا كانت فكرة الفدرالية باعتبارها نموذجاً سليماً للعراق المتعدد الطوائف والأثنيات وللخروج من أزمة الحكم المركزي الاستبدادي فمن الواجب أن يتوقف أعضاء مجلس الحكم ومنهم الدكتور موفق الربيعي عند تلك المشاريع وأن يناقشوا واقع الحال على الأرض في ظل التقسيمات تلك . فكردستان تخضع لتقسيم أداري ثنائي بنموذجين مختلفين وقيادتين ولسنوات طويلة، وسلطة الاحتلال تجهد لتكريس تقسيمات إدارية في المحافظات خارج مركزية الشأن السياسي والإداري للعاصمة.
وعليه فأن على لجنة أعداد آليات الدستور (وليس الدستور ) ومجلس الحكم أيضا تقديم النماذج المطروحة للفدراليات بكافة أنواعها للتصويت الشعبي العام. وهذه النماذج تستحق الدراسة الجدية وبالذات ما يشير الى اللامركزية لإدارة المحافظات ووفق النماذج العالمية المعروفة. والذي يمثل في رأيي الحل الأمثل الذي يطمئن الجميع ويبعد المخاوف من تقسيم العراق .ويبقى رأيي ورأي الدكتور موفق الربيعي وباقي أعضاء مجلس الحكم واحداً من أراء متعددة.ومن واجب أعضاء المجلس المؤقت الحرص على عدم تعميم خيارهم و الحديث عنه كمسلّمة يجري الأعداد لها في هذا الوقت وقبل إقرار الدستور والتمهيد للانتخابات.
العلم العراقي
باعتقادي أن مسألة العلم والنشيد الوطني وشعار البلد يخضعان أيضا لتشريع قانوني يدخل في صلب الدستور الدائم.ولكي لا تكون السنن المتبعة مثلما كانت عليه في عهد الفاشي صدام وهي خضوع القوانين ومواد الدستور لرغبات شخصية وتلاعب يتوافق وحال المزاج . كان على مجلس الحكم المؤقت وبعد أن شكل لجنة لإعادة تركيبة تلك الأمور أو تغييرها الأخذ بالاعتبار المعطيات التاريخية والسياسية والأثنية للشعب العراقي وما تشكله تلك النماذج المزمع أعدادها من تأثيرا على العراقيين ومدى ارتباطها بهويتهم الوطنية .ومن هذا كان لزاما على الدكتور موفق الربيعي عدم إطلاق التصريحات حول العلم العراقي المنوي تغييره والتي قال فيها (يتبلور في المجلس رأي حول إبقاء شكل العلم العراقي ذو النجمات الثلاث مع تغيير طفيف في كلمات الله أكبر وإبدال خطها بخط النسخ القرآني ) فذلك اجتهاده وبعض أعضاء المجلس المؤقت ولن تكون رغبة أو رأي العراقيين بالكامل ويقع على عاتق اللجنة المشكلة دراسة الأمر بعد التشاور مع شرائح مجتمعية ومؤسسات سياسية ثم تقديم مقترحاتها. فالكلمات التي وضعها صدام يعرفها المتنورون من أبناء شعبنا كونها(كلمات حق أريد بها باطل ) خطها المجرم صدام لغرض التشويش والخداع السياسي والديني، وانطلت اللعبة على الكثيرين من أبناء شعبنا البسطاء.ولربما تناسي السيد موفق الربيعي ومن يوافقه الرأي أن هذا العلم وضع في عهد عبد السلام عارف وشركائه البعثيين الذين دبروا انقلاب 8 شباط القذر وأعد العلم بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا والعراق في 17 نيسان 1963. وبعدم تحقق تلك الوحدة تخلت مصر وسوريا عن ذلك العلم وبقي الحكام في العراق على إصرارهم في الإبقاء عليه تعبيرا عن تشبثهم بعروبتهم الكاذبة وبتلك الوحدة التي لم تتم. وتحت تلك الراية بنجومها الثلاثة خاض صدام معاركه التي سالت فيها دماء كثيرة من أبناء الشعب العراقي وجيرانه. راية البعث تلك التي ظللت تأريخ العراق بالأسلحة الكيماوية والحروب العبثية والمقابر الجماعية. وكانت النجوم الثلاث تتوسطها كلمتا الله أكبر ترفرف فوق دباباته ودروعه وهي تزرع الموت الزؤام في بيوت أهلنا وأحبتنا في كردستان والجنوب العراقي.
تذكرني كلمتا الله أكبر التي يريد مجلس الحكم المؤقت الإبقاء عليها بعد تحويرها بـ( بخط النسخ القرآني) بالحرب بين الأمام التقي شهيد الحق علي بن أبي طالب (ع) ومعاوية بن أبي سفيان. حين شعر معاوية والداهية عمر بن العاص بقرب هزيمتهم تفتقت قرائحهم عن خدعة خبيثة ورفعت المصاحف بوجه الأمام وجيشه ومن ثم حدثت الفتنة التي كانوا يرتجونها ليحدث الانشقاق بين صفوف جماعة الأمام ويغتال الأمام وينتصر معاوية بعد نجاح الخدعة وحدث ما حدث ولا زالت تبعات ذلك الأمر تتفاعل لحد هذه الدقيقة .وهكذا أراد المجرم صدام استخدام ذات الخدعة من وضعه كلمتي الله أكبر في العلم العراقي و ما فعله في بداية عام 1995 في حملته الإيمانية التي نرى نتائجها (الباهرة …!!!!) اليوم في الشوارع العراقية على أيادي أرباب السجون الذين حفظوا القرآن وخرجوا منها ليعيثوا في الأرض فسادا ومعهم خريجو الدورات الدينية الذين زكتهم المخابرات العراقية ومنظمات حزب البعث وعينتهم أئمة للمساجد والحسينيات والذين باتوا اليوم كنجوم الفن يملئون شاشات الفضائيات العربية بعمائمهم السود والبيض ويطلقون التصريحات النارية عن الإسلام ( وبيضته ) التي كانت بالحفظ والصون في عهد قائدهم المؤمن صدام.
من الجائز أن الدكتور موفق الربيعي والبعض من أعضاء مجلس الحكم المؤقت ومن خلال مفاهيمهم الإسلامية وبأسباب يبدو أحدها شعورهم بنبض الشارع الشعبي وهذا حق مشروع ويستحقون عليه المدح والثناء في جوانب عديدة أخرى،فأنهم يتحاشون أو يحذرون المساس بالعلم العراقي والكلمات المدونة عليه خشية من اعتراض البعض الذي يضع الخطوط الحمراء كذباً ورياءً في هذا الشأن.وهذا الأمر ليس بتلك البساطة والسطحية التي يضنها البعض ومنهم أعضاء في مجلس الحكم العراقي المؤقت.فالمفترض بأعضاء مجلس الحكم المؤقت معرفة تأريخ هذا العلم وأسباب إقراره ودوافع الكلمات التي خطت عليه .فأن كانت ذاكرة أجيال من العراقيين قد غيبت عبر أربعين عاما من القسوة وأساليب الجريمة والتعذيب والتهميش ،فأن مجلس الحكم المؤقت وباقي القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة اليوم بإعادة تشكيل النموذج الأسلم وتأسيس قواعد لمشاركة جماهيرية واسعة في القرار وإعادة الذاكرة لكل هؤلاء الذين حجرت أذهانهم في قوالب الأيدلوجية الفاشية القبيحة التي ضختها آلة حزب البعث طيلة الأربعين عاما الماضية. ومحاربة هؤلاء القتلة الذين يرون في العلم العراقي وشكله الحالي تعبيرا عن فترة كان لهم فيها القوة والسطوة والقدح المعلًى وقادوا تحت رايته الشعب العراقي لخياراتهم المدمرة مثل النعاج . ويتوافق معهم في ذلك غلاة المتدينين الأصوليين الذين يمجدون خديعة عمر بن العاص بوجه الأمام الشهيد علي بن أبي طالب ( ع ) وينظرون للأمر من زاوية لا يرجى منها غير تدمير العراق وإدخاله في النفق المظلم المفضي الى التخلف والهمجية والوحشية وقتل الروح التواقة للحرية والحياة الكريمة الحرة المبدعة .
على مجلس الحكم المؤقت دراسة أسباب ودوافع صدام من وضع كلمتي الله أكبر على العلم، وشرح هذا الأمر لأبناء الشعب العراقي ومقارنته بخدعة معاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص وليس الإبقاء على تلك الخدعة بحجة الحذر من الشارع الإسلامي الذي يحاجج في رؤيته للعلم العراقي وكلمات الله أكبر التي وضعها المجرم صدام على أنها شعارات إسلامية لا يجوز المساس بها.على مجلس الحكم أن يبعد عن العراقيين كل ما يشير لتلك الفترة المظلمة ويذكرهم بفضاعاتها التي نخرت قلوبهم وغيبت أعزائهم .أن يبعد عنهم الخوف والرعب الذي كانوا يشعرونه مع اقتراب الدبابة والآلية العسكرية التي ترفع ذلك العلم القبيح الزاحف مع الموت.
على مجلس الحكم العراقي المؤقت تدقيق قراراته وتصريحات الناطقين باسمه قبل أن يخوض في مسائل تتعلق بحياة أبناء الشعب ومشاعرهم ووعيهم ومستقبل الوطن العراق.