أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ياسر العدل - أولادنا الجدد فى الجامعة














المزيد.....

أولادنا الجدد فى الجامعة


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 2070 - 2007 / 10 / 16 - 09:13
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


فى أول أيام العام الدراسى الجامعى الحالى، كانت أول محاضرة ألقيها هذا العام على طلابى فى السنة الأولى بكلية التجارة، جلس أمامى أكثر من ألف طالب وطالبة متوسط أعمارهم سبعة عشرة عاما، قادمون من مرحلة الدراسة الثانوية ليحشروا فى مدرج لا يسع نصف عددهم، إنهم أولادنا الجدد فى الجامعة فى سن المراهقة والفتوة والصبا، يتشاكسون ويتواثبون بين المقاعد، ويصنعون ضوضاء محشوة بصفير وهمهمات وضحكات، معظمهم يرتدى هدوما جديدة، فانلات وايشاربات وفساتين وبنطلونات.
أحد الطلاب لديه ذقن صغيرة تموج فيها ثلاث عشرة شعرة سوداء، هذا الرجل الصغير يشعر بزهو امتلاكه لعلامات الرجال فيستسلم لزميله ويداعبان شعيرات الذقن الخضراء أمام طالبة انشغلت عنهما بمداعبة خصلات شعر جبينها تحت إيشاربها الأخضر، طالبة أخرى تدير حديثا باسما مع زميل يجلس أمامها بينما تصر جارتها على الكتابة فى أوراق صديقة ثالثة مجاورة، احدى الطالبات ترتدى إيشاربا رائق الألوان خفيف الحمل يتمايل مع حركات جسدها الخجول فينحسر الإيشارب عن شعر جميل مصبوغ على حرف، ولد ينام على كتف زميله ويقذفهما ثالث بعجائن من ورق ولبان ممضوغ ويبتسمون، طالبة تلعب فى هاتفها النقال وتلقى برأسها يمنه ويسرة كى تنزاح خصلات من شعرها بعيدا عن نظارة شمس تخفى بها عينها، طالب ينتقل بين المقاعد مستعرضا شعره المنكوش وفانلته ذات الطيور الملونة وبنطلونه الممزق الركبتين، بعض الجثث اختبأت خلف هدوم سوداء لم أر منها غير فتحات ضيقة لعيون يفترض أنها لطالبات تشاركنا الزحام وجثث أخرى استلقت رؤوسها على المقاعد لطلاب ناموا فى أماكنهم وأصدر بعضها شخيرا، هكذا انحشر مدرج العلم بطلاب صغار يرتدون كرنفالا من الملابس والأقنعة واللحى والشوارب الزغبية والحواجب المشذبة والجفون المدهونة والشعر الطويل والحجب المثقوبة بفتحات الأعين، ويبقى الكثير يعانى إجهاد السفر من القرى البعيدة إلى الجامعة ويخفى آثار العراك مع الوالدين من اجل الحصول على مصروف يكفى مواجهة تلك الحياة الجديدة، هكذا يجلس الجميع على المقاعد وفوق المقاعد وعلى أرض المدرج فى جو مسرحى مثير.
أولادنا الجدد فى الجامعة، معظمهم غير مؤهل للتعامل مع مشاكل الدراسة الجامعية، غالبيتهم لم يحضر درسا فى فصل دراسى منتظم طوال سبع سنوات من الخامسة الابتدائية حتى دخول الجامعة، الأماكن التى تعودا عليها هى حجرات الدروس الخصوصية الضيقة وأسوار المدارس ينطون فوقها ويتواعدون خلفها، يرون أساتذتهم فى العلم أدوات لحفظ المقررات مقابل اجر معلوم ومرصود، لم يدرسوا شيئا حقيقيا يبقى فى وجدانهم فكرة الانتماء لوطن، أجبرهم نظام التعليم أن يدرسوا الدين والجغرافيا والتاريخ بشكل اختيارى لا تؤثر نتائجهم على درجات نجاحهم الدراسية فأصبحوا بلا وطن أو شخصية.
أولادنا الجدد فى الجامعة معظمهم لا يشعر بالرباط الأسرى، آباءهم مشغولون بالسعى وراء العيش فى بلد فقير مهدرة فيه كثير من قيم العمل الشريف أو مسافرون للعمل عبيدا فى دول عربية متخلفة ثقافة وتحضرا، وكثير من أمهاتهم يعانين توابع الفرقة والهجران، يجمعون ثقافتهم من برامج إعلامية هابطة وخطاب دينى متخلف وقيادات سياسية مهترئة، ويحصلون على درجات نجاح مرتفعة جدا، بعضهم جاوزت نسبه نجاحه المائة فى المائة، وتنقصهم مهارات القراءة والكتابة والتفكير المنطقى.
أولادنا الجدد فى الجامعة يعيشون عصرهم بغير قيادات واعية وأساتذة أفاضل يأخذون بقلوبهم الغضة إلى طريق حب الحياة والمعرفة الإنسانية.
أولادنا الجدد فى الجامعة نحشرهم جثثا فى مدرجات فقيرة، وبرغم الزحام والانحشار إلا أن رائحة أولادنا مازالت طيبة، عرق قليل وعطور وروائح صابون وجيلى وسط جو خريفى بارد فى أول أيام الأسبوع وفى أول يوم دراسى بالجامعة، وفى مثل هذه المناسبات ينال أولادنا نصيبا من الاستحمام والنظافة الواجبة، ويبقون طيبين ناصعى الوجوه إلى حين.
كان على وسط الزحام وتخلف نظام الصوت وضعف أدوات التدريس أن أصيح فى تناغم لمدة عشرة دقائق، أنت يا ولد، أنت يا بنت، أنتم يا شباب، الله يخرب بيوتكم، سكوت المحاضرة بدأت، فسمعت صوت أحدهم ينادينى أتوكل على الله يا حاج وابدأ المحاضرة، وبالفعل بدأت المحاضرة.



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إفطار جماعى .. !!
- موٌلد 00 سيدى كشكش بيه
- مولد ... سيدى كشكش بيه
- نحن وتجارة النفايات القديمة
- الأوزون .. ومافيا الأدوية !!
- البحث عن عمل شريف
- !!.. العالُمة .. والعالم باشا
- !!.. رسالة مفتوحة قليلا
- رسالة مفتوحة للوزير
- !!.. بعض النميمة على قيادات جامعية
- !! .. التعليم السياحى
- !!..عن العميد المحبوب
- دكتوراة فخرية
- لله 00 يا محسنين
- !!مواسم الخوف00 وتوريد الجناة
- !!جائزة السيد العميد
- ط - نق 00 يا أهل الكورة
- طبيب نفسانى 00 يا جامعة
- أموت فى الدّش
- كلام فى نظرية توريث الحكم


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ياسر العدل - أولادنا الجدد فى الجامعة