|
غالب هلسا..في يوم ميلاده عاد من المنفى محمولا في نعش
رامي ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 2056 - 2007 / 10 / 2 - 11:05
المحور:
الادب والفن
نشهد بعد أشهر قليلة الذكرى الثامنة عشرة لرحيل الروائي والكاتب والمناضل الاردني غالب هلسا،وهي تصادف أيضا الذكرى الخامسة والسبعين لميلاده.فقد ولد غالب في الثامن عشر من شهر كانون الاول عام 1932 ورحل في نفس اليوم من عام 1989 ليعود الى الاردن - التي غاب عنها معظم أيام عمره - ببياض الكفن. أنجز غالب هلسا معظم أعماله بين جدران الغربة التي طالت وعلى طاولة اغتراب الديموقراطية وحرية التعبير ،فقد ترك وطنه منذ أواسط الخمسينات متنقلا بين عواصم عربية أربعة بغداد فبيروت فالقاهرة فبغداد فدمشق التي توفي فيها ولم يعد الى وطنه الا محمولا في نعشه فلم يكن مسموحا له أن يعود الا كما عاد.أرهقته المنافي في العواصم العربية التي كانت دوما تجد سببا - ديموقراطيا - لترحيله وابعاده. لكنه في أغلب رواياته كان يعود بحكم العشق الى ذكرياته البعيدة ليسقط الماضي على حاضر مغترب. وقد انتمى غالب بالارادة وبالموقف الى اليسار العربي حيث التحق بالحزب الشيوعي اللبناني سنة 1950 والتحق بالحزب الشيوعي الاردني سنة 1951 والتحق بالحزب الشيوعي العراقي (التنظيم الطلابي) سنة 1953.وكان جزءا من اليسار المصري والطليعة الابداعية في فترة الستينات تشهد على ذلك كتاباته واسهاماته في مجلة "غاليري 68" وحتى بعد رحيله من القاهرة مطرودا بعد معارضته زيارة السادات الى الكنيست ،ظل جزءا من الطليعة الادبية العربية مساهما أساسيا في الحوار الذي كان يدور في أروقة اليسار العربي ناصبا شراع العداء في وجه السياسة الرسمية العربية. نشر غالب هلسا خلال حياتة سبع روايات ، وكان أخرها رواية " الروائيون " التي تفرض نفسها من أهم الأعمال المكتوبة بفنية عاليه ، مسجلا ملحمة الهزيمة والخذلان ، وطرح غالب هلسا في هذه الرواية خلاصا هو الأشد فجائعية بين الروايات التي تعاملت مع هزيمة حزيران 1967 ، فعندما بحث د. أحمد ابومطر العلاقة ما بين الإبداع وهزيمة حزيران 1967 خلص في ان المتتبع للحركة الأدبية في الأردن يلاحظ مفارقة مفاجئة وصادمة، هي أن أديبين أردنيين هما تيسير السبول وغالب هلسا كلاهما تعامل مع هزيمة حزيران تعاملا أدى الى نفس النتيجة وهي الموت إنتحارا . ففي رواية الروائيون التي كتبها هلسا قبل وفاته بشهور ، قتل فيها بطل الرواية " إيهاب " انتحارا بالسيانيد. والمفجع أن أصدقاء غالب الذين عايشوه الشهور الأخيرة قبل وفاته تحدثوا عن انه كان متوترا جدا بسبب شخص اسمه ايهاب وما كانوا يعلمون حينها ان ايهاب هو بطل روايته الجديدة. لقد كان هلسا يقلب المسألة على وجوهها كافة فإذا بآفاق المستقبل كما رآها قاتمة لأن معادلات الواقع العربي لا تفتح أبوابا للأمل فكان قراره الأخير وخلاصه الوحيد أن ينهي الرواية بقتل بطلها ايهاب انتحارا..وهو بذلك كأنه يقتل نفسه؛ فـ "ايهاب" هو المعادل الموضوعي لغالب في الرواية كما كان يصرح دوما بأنه " هو البطل الرئيسي في رواياته كلها".كان هلسا يتنبأ بموته ، فما هي الا شهور قليلة حتى توفي في دمشق بعد أن نقل الى الستشفى بدون أية عوارض تنذر بخطر ما. لقد تنبّأ غالب هلسا بموته عندما قرر قتل "ايهاب " انتحارا. ويقول موفق محادين – في كتاب وعي الكتابة – " أن شيئا فشيئا تأخذ رواية "الروائيون" في تحديد شروط الحياة ولا تكتفي بذلك بل تصبح هي الحياة نفسها". فالكتابة عند هلسا هي حياة حقيقية، فكان يتكيء على شخصيات ظلية كما يسميها سعيد الغانمي أي خلق شخصيات في واقع مجازي تمتاز بصفة ما وفي محاولة دائمة للخلاص من نقيضها. وكذلك يتفق ادوارد الخراط في أن الكتابة عند غالب هلسا واقع بديل عن واقع موضوعي،فالحياة خارج الكتابة ليس لها معنى، الكتابة هي الحياة. والسبب في ذلك -كما تشير معظم الدراسات عن هلسا- يكمن في هذا التشوه الهائل الذي أصاب الحياة والانسان في ظل سلطة أبوية قمعية في الوطن العربي..والمسؤولة عن كل الهزائم والإنكسارات. غالب هلسا روائي وناقد وباحث ومفكر يستحق الاستعادة،وربما استعادته عبر تكريمه من خلال منحه جائزة الدولة التشجيعية تحمل كما قال فخري صالح رغبة بالاعتراف بعد رفض طويل،وتحوّط طاول هوية غالب الابداعية،وكأن على الكاتب أن يتطابق ويتآلف حتى يعترف به! رامي ياسين [email protected]
#رامي_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين النهج الثقافي العربي
المزيد.....
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|