غسل الدماغ الأمريكي على طريقة البيض – ماذا وراء حرب ترامب الفاشيّ على الحقيقة التاريخيّة
شادي الشماوي
2025 / 4 / 17 - 23:52
ليني وولف ، جريدة " الثورة " عدد 901 ، 14 أفريل 2025
www.revcom.us
" لم تكن الولايات المتّحدة كما نعرفها اليوم لتوجد دون العبوديّة . هذه حقيقة بسيطة و أساسيّة . " –
بوب أفاكيان ، " الشيوعيّة و ديمقراطيّة جيفرسن " ؛ و كذلك ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 1:1
[ كتاب " الأساسي ..." متوفّر باللغة العربيّة بمكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ]
في 27 مارس 2025 ، أمضى ترامب أمرا تنفيذيّا عنوانه " إعادة تركيز الحقيقة و سلامة العقل للتاريخ الأمريكي ". و عمليّا كان يجب أن يُعنون ب" إعادة تركيز التغطية و الأكاذيب و سلامة العقل للتاريخ الأمريكي– خاصة عندما يتعلّق الأمر بالتاريخ الإبادي الجماعي الأمريكي للعبوديّة و جيم كرو و السجن الجماعي للسود ".
و إستهدف الأمر بالإسم المتحف القومي للتاريخ الأفريقي الأمريكي و الثقافة (MAAHC ) زاعما أنّه جزء من " مساعي
منسّقة و منتشرة لإعادة كتابة تاريخ أمّتنا ". و يؤكّد الأمر على ، " في وقت معيّن كان محترما كرمز للإمتياز الأمريكي و أيقونة عالميّة للمكاسب الثقافيّة ، مؤسّسة سميث سوني ، صارت ، في السنوات الأخيرة ، تحت تأثير إيديولوجيا تقسيميّة مركّزة على الأعراق . و شجّع هذا التحوّل روايات تصوّر أمريكا و القيم الغربيّة على أنّها ضارة و إضطهاديّة . " (1)
عمليّا ، المتحف القومي إيّاه متحف مذهل و في عديد أقسامه دقيق تاريخيّا و صارم علميّا . أمضوا يوما فيه ، مثلما فعلت قبل سبع أو ثماني سنوات ، و ستخرجون بشرح حيويّ و أساسي دقيق للدور الذى لعبته العبوديّة في ظهور الرأسماليّة و العكس بالعكس . ستحصلون على خلفيّة جيّدة في مدى مركزيّة العبوديّة بالنسبة إلى للإقتصاد و الثقافة في الولايات المتّحدة في سنواتها التسعين الأولى . و ستحصل لديكم أيضا تجربة تطال الأحشاء في ما يتعلّق بالفظائع الفعليّة في الميدل باساج حيث أكثر من نصف مليون أفريقي ماتوا في الأغلال أثناء عبورهم نحو العبوديّة في القارة الأمريكيّة . و هناك الكثير أيضا هناك ، لكن لديّ شكّ صغير في أنّ هذا العنصر جزء هام ممّا يُزعج ترامب مناصر تفوّق البيض المتطرّف .
" جعل أمريكا عظيمة مرّة أخرى " يتطلّب أن لا يعرف الناس الحقيقة :
متحف ينشر مثل هذه المعرفة دحض حيّ لشعار ترامب الخبيث " جعل أمريكا عظيمة من جديد " . فعلى مستوى من المستويات و بالنسبة للعديد من أتباع ترامب ، هذا الشعار رمز إلى العودة إلى أمريكا طفولة ترامب ، في خمسينات القرن العشرين . كان ذلك زمن كان فيه الفصل العنصري لا يزال مفروضا بالقانون و بالإعدام بوقا . (2) و في الشمال ، كانت غوغاء الشوارع من البيض في المدن ( عادة بدعم من الشرطة ) " تدافع عن أحيائها بتخريب المنازل و تهديد أطفال أُسر سود منعزلة يمكن أن تكون " قد تجرّأت " على إقتناء منزل قربهم – و أحيانا كانوا يطردون ماديّا الأسرة الجديدة إلى خارج الحيّ . و في أوقات أخرى ، وقع فرض الفصل العنصريّ بفهم غير معلن لكن صارم . (3)
لم يكن الأطفال و المراهقون – البيض و السود و جميع الآخرين – محرومين فقط من المعرفة ؛ بل كانوا أيضا يغذّون بصفة منهجيّة بالأكاذيب و التشويهات المرسومة لتبرير مجتمع غير عادل و عنصري بعمق . و كان هذا جزءا حيويّا من تدريبهم على أن يكونوا " أمريكيّين " ، و أساسيّا للحفاظ على مجتمع إضطهادي .
النضال من أجل الحقيقة :
الجيل الذى بلغ سنّ الرشد في ستّينات القرن العشرين ، كجزء من النهوض في النضال ضد إضطهاد السود ، خاض في الوقت نفسه نضالا من أجل الحقيقة . و ذلك الجيل أعاد تفحّص التاريخ الأمريكي من ألفه إلى يائه . لقد صارع ليعرف ما الذى أدّى إلى الفظائع التي كانت تحصل أمامهم يوميّا . و أنجز البعض منهم أعمالا صارمة و نموذجيّة في البحث التاريخي لمزيد التعمّق في مصدر هذه الفظائع و في مدى مقاومة هذه الفظائع . و العديد من هذه الأعمال مكثّفة و تقدّم بطريقة تيسّر الفهم في العروض القويّة في المتحف - بلاك سميثسونيان - الذى يزوره أكثر من 1.6 مليون شخص سنويّا.
الهجوم على الذاكرة التاريخيّة و الحقيقة العلميّة :
و هذه الحقائق – و فقط القدر الكبير من الناس الذين تعرض عليهم بواسطة مؤسّسات شعبيّة مثل المتحف إيّاه – تمضى تماما ضد الأجندا الفاشيّة . لكن بالنسبة إلى الفاشيّين ، الحاجة إلى إمّا كنس هذا أو إخضاع قسم المتحف ذاته الخاص بالسود تحت سيطرتهم - و هذا ما يسعون إلى القيام به – يمضى عمليّا أعمق فأعمق من " العودة إلى الماضي " . لهذا صلة وثيقة بالمستقبل . وهو يكتب قبل ثلاث سنوات " العنصريّة – يحتاج الأطفال البيض العلم بها " ، أثار بوب أفاكيان هذه النقطة في ما يتّصل بذلك الصراع من أجل الحقيقة التاريخيّة الذى إندلع في ستّينات القرن العشرين :
" هؤلاء الفاشيّين مصمّمون على عدم ترك شيء كهذا يحدث مرّة أخرى ، في هذه الأزمنة المشحونة للغاية – و بدلا من ذلك يسعون إلى تشكيل قسم من الشباب البيض بلا ذاكرة و إلى تحويلهم إلى عنصريّين متعصّبين ( بما يشبه شباب هتلر في ألمانيا أثناء صعود النازيّين الفاشيّين هناك في ثلاثينات القرن الفارط ) ."
و الهجوم على المتحف إيّاه جزء بسيط من هذا الهجوم ، على أنّ÷ هجوم هام للغاية . و للحصول على مغزى إلى أين يمضى هذا ، في الأسبوع السابق ، قامت مكتبة الأكاديميّة البحريّة التابعة للولايات المتّحدة في أنابوليس ب"تطهير " مكتبتها من زهاء 400 كتاب ل" الإعداد " لزيارة سكرتير الدفاع بيتى هاغساث (4) . و قد سجّل عنوان كبير في جريدة " النيويورك تايمز " ذلك بصفة جيّدة : " تمّ إستبعاد كتاب أنجلو " العصفور في القفص " لكن كتاب هتلر " كفاحي " ظلّ موجودا " ( في النسخة على الأنترنت ، العنوان هو " من بقي في و من غادر مكتبة الأكاديمية البحريّة ؟ " ) . أعرف لماذا يغنّى العصفور في القفص يروى قصّة نشأة فتات من السود في الجنوب. و كتاب هتلر يتضمّن تبريره للحروب و الإبادة الجماعيّة. أفهمتم ؟
على ما يبدو ، الحقيقة التاريخيّة ممنوعة على أدمغة الذين يعوّدون على قيادة الآخرين للقتل أو الموت لأجل أمريكا و ربّما ، " لتطهيرها عرقيّا " من ما يسمّوا ب " الأعراق الأدنى مقاما " . و في السياق نفسه ، الكتاب الذى جرى دحضه كلّيا و فقد مصداقيّته على نطاق واسع " The Bell Curve " – الذى يحاجج بأنّ الرجال و النساء السود عامة ب" طبيعتهم " أقلّ ذكاء من البيض – بقي على رفوف مكتبة الأكاديميّة البحريّة ... بينما وقع إستبعاد كتاب يدحض الهراء العنصري العلمي المزيّف .
فكّروا في ما يجرى إعداده هنا .
و سأختم هذا ، من ذات المقال لبوب أفاكيان المذكور أعلاه :
" إحباط مساعي هؤلاء الفاشيّين لقمع الحقيقة بصدد هذا البلد جزء حيويّ من إلحاق الهزيمة بالفاشيّة ككلّ ." ( التشديد مضاف)
و من مقال " كان فاشيّو ماغا ترامب ليكونوا إلى كانب الكنفدراليّة في الحرب الأهليّة ، يحاربون للحفاظ على العبوديّة و توسيع نطاقها " :
" الأمور تتحرّك بسرعة – الفاشيّون في السلطة مصمّمون على الإكتساح السريع و تقسيم الصفوف و سحق و إحباط كلّ الذين يمكن أن يقفوا ضدّهم .
كلّ شخص محترم ، و بأعداد متنامية بسرعة ، يحتاج إلى أن تتمّ تعبأته ، و إلى أن يعبّأ آخرين ، و التحوّل بسرعة إلى ملايين تنهض موحّدة في تصميمها على إيجاد وضع سياسي حيث لا يظلّ بوسع هذا النظام البقاء في السلطة ."
يتعلّموا ليكونوا جهلة :
جزء مفتاح من " تبرير " مثل هذه المجموعة من العلاقات الإجتماعيّة غير العادلة بجلاء فرضه الجهل و التعليم العنصريّ. فأشخاص مثلي ذهبوا إلى المدارس و المعاهد في أمريكا في خمسينات القرن العشرين و بدايات ستّيناته وقع تدريسهم نسخة مقلوبة رأسا على عقب من تاريخ هذه البلاد . لم يكن الأمر أن نظلّ بقدر كبير في جهل تام ، على أنّ ذلك كان جزءا من الوصفة ؛ المسألة هي أنّه كان يقع تلقين[ التلامذة و الطلبة ] تماما و بصفة ممنهجة نظرة مقلوبة رأسا على عقب للتاريخ .
إنّ الكتاب الموثّق بصفة جيّدة جدّا و بعناية كبيرة جدّا " تعليم تفوّق البيض " لصاحبه دونالد ياكوفون ، يتفحص عن كثب كلّ كتاب تاريخي من 1832 إلى 1964 ، مبيّنا أنّه عمليّا عبر الكتب المستخدمة يعلّم الناس أنّ :
- ملاّكى العبيد في الجنوب كانوا يعاملون عبيد"هم " معاملة لطيفة و أنّ عبيدهم لم يكونوا قادرين على أكثر من العمل الأبسط و الأقسى و ليس أنّ أكبر ثروة أمريكيّة بُنيت على ظهر أناس يجلدون بالسوط ل12 جيلا و محكوم عليهم بالعمل بلا نهاية و الإغتصاب و التعرّض للوحشيّة ؛ الحرب الأهليّة كانت تراجيدا لم تكن هناك حاجة إليها بين إخوة ( البيض من الشمال ) من جهة و اخوة آخرين ( البيض من الجنوب ) و يظلّ التوبيخ الأساسي موجّها إلى تحريض الداعين إلى إلغاء العبوديّة .- و ليست حربا عادلة من أجل تحرير قاتل فيها الجنود السود و ماتوا بنسب غير متكافئة مع أعدادهم ؛
- و إعادة البناء – الفترة القصيرة مع نهاية الحرب الأهليّة التي ضمنت فيها بعض الحقوق السياسيّة و المدنيّة و كان جيش الإتحاد أحيانا يدافع عنها - كانت كارثة و كان يجب أن يضع لها حدّ النظام الاجتماعي للميز العنصري / أبارتايد الفظيع في الجنوب و الذى صار معروفا بجيم كرو .
و هذه ليست سوى الأكاذيب الأبرز .
لقد أدهشنى على الدوام واقع أنّ عديد هؤلاء المؤلّفين قد درّسونى في المعاهد العليا على أنهم " أفضل أفضل " المؤرّخين الأمريكيّين . و غائب عن التدريس في كافة المعاهد كان المؤرّخ الأسود المتميّز و الناشط Du Bois W.E.B الذى كشف الحقيقة و كان ، في نهاية المطاف ، مضطهَدا قانونيّا و دُفع إلى المنفى من طرف قسم دولة الولايات المتّحدة لمعارضته الإعدادات الحربيّة للولايات المتّحدة في خمسينات القرن العشرين .
هوامش المقال :
1- يدعو الأمر التنفيذي ذاته الذى أصدره ترامب إلى إعادة تركيز " المعالم و النصب التذكاريّة و التماثيل و ما شابه " التي جرى إسقاطها عن حقّ إبّان إنتفاضة 2020 عبر البلاد عقب قتل الشرطة بدم بارد لجورج فلويد . و يحيل تلك المعالم و النصب التذكاريّة و التماثيل بصفة طاغية إلى معالم لجنرالات كنفدراليّين – جنرالات قاتلوا للحفاظ على العبوديّة و توسيعها .
2- نقطة قويّة مذهلة في المتحف المعنيّ هي عندما تمضون إلى الصندوق أين أمات تيل ، ضحيّة القتل بوقا في المسيسيبي والتي كان عمرها 14 ، دُفن سنة 1955 . و كان أمات طفل من شيكاغو يزور أقرباء " في الجنوب " عندما إتّهم بالتغازل مع امرأة بيضاء و وقع قتله بوقا لاحقا تلك الليلة . و أمّه ، مامى تيل ، أكّدت على إبقاء القبر مفتوحا ، لإجبار الناس على مواجهة حقيقة مدى الوحشيّة التي جرى بها تعذيبه . شاهد الجثّة أكثر من مائة ألف إنسان وهي ملقاة أرضا لمدّة 4 أيّام ، و شارك في مراسم دفنه 50 ألف شخص . عمل مامى تيل مثّل لحظة فارقة في النهوض ضد إضطهاد السود الذى زعزع هذه البلاد من أواسط خمسينات القرن الماضي إلى بدايات سبعيناته .
3- في الواقع ، لا يزال كذلك الحال – بما أنّه حالة إثر حالة تظهر الفروق فى العادات الواقعيّة " المتيسّرة " لمختلف " الأعراق " في مختلف الأحياء ، و تفضيل الموظّفين المستأجرين من طالبى الشغل من البيض ذوى السجلاّت العدليّة نسبة إلى أولئك السود الحاملين لشهادات علميّة إلخ .
4- و هغساث نفسه كان يشنّ حملة من التشويه التاريخي ن بما في ذلك التأكيد بشكل كبير على إعادة الأسماء الأصليّة إلى قواعد الجيش كما سمّاها الجنرالات الكنفدراليّين ، لكن الذين وقع تغييرهم كعار وجب محوه سنة 2020 إبّان النهوض الجميل الذى تلى قتل جورج فلويد .