الذكاء الاصطناعي: لصالح أرباح رأس المال أم احتياجات الناس؟


دلير زنكنة
2025 / 4 / 16 - 13:42     

بقلم ماكيس بابادوبولوس
عضو المكتب السياسي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني

ترجمة دلير زنگنة

مجلة الشيوعي الاممي، العدد 13- 2024

يمثل عصر التحول الرقمي للاقتصاد وتطوير الذكاء الاصطناعي إمكانية هائلة لتلبية احتياجات المجتمع. يشعر العديد من العمال بالسخط لأنهم يقارنون هذه الإمكانية بحالتهم الخاصة. يتعلمون، على سبيل المثال، أنه بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن للأشخاص المكفوفين أن يستعيدوا نظرهم ، ويقومون بالمقارنة مع الوضع الحالي لأنظمة الصحة العامة.

يحاول الخطاب البرجوازي إخفاء الجاني الحقيقي الذي يعيق استخدام هذه الإمكانات التكنولوجية الهائلة لصالح الازدهار الاجتماعي. تقدم التحليلات البرجوازية تطور التكنولوجيا إما كخطر أو كحل خارق لمشاكلنا.

كل من شيطنة التكنولوجيا والتوقعات الطوباوية الحتمية للازدهار الاجتماعي التي من المفترض أن تنتج تلقائيا عن التقدم التكنولوجي، هما وجهان لنفس النهج النظري غير التاريخي والخاطئ.

السؤال الرئيسي هو مَن ومن أجل مصالح مَن تحدد اتجاه التكنولوجيات الجديدة وتطويرها واستخدامها. وراء الذكاء الاصطناعي تكمن خيارات الذكاء البشري والمصالح الطبقية الخاصة التي يخدمها.

بشكل عام، لا يوجد شيء اسمه التطبيقات التكنولوجية المحايدة التي يتم تطويرها بغض النظر عن الطبقة التي تمتلك مقاليد السلطة ومفاتيح الاقتصاد. تقرر المجموعات الاحتكارية القوية والمراكز الإمبريالية اليوم من الناحية العملية البيانات التي يتم جمعها في مراكز البيانات، ووفقا لأي معايير واجراءات، و أية معلومات يتم استخراجها ولأي غرض.

من الناحية المنهجية و الأساسية، لا يمكننا دراسة عصر الذكاء الاصطناعي خارج سياق نمط الإنتاج المحدد الذي يتطور فيه تاريخيا، وهو نمط الإنتاج الرأسمالي. في ظل الرأسمالية، يحدث اتصال العامل الجماعي الاجتماعي بوسائل الإنتاج من خلال السوق الرأسمالية. تحدد علاقات الإنتاج الرأسمالية الغرض من وسائل الإنتاج ودوافعها ومداها ومعدل تطورها. في الوقت نفسه، تتطور العلاقات الرأسمالية وتنضج وتتحلل في تفاعل جدلي مع تطور القوى الإنتاجية.

يحتفظ التحليل الماركسي [1] للاخضاع الحقيقي للعمل من قبل رأس المال بأهميته و حيوته. يتم دمج القوة الإنتاجية للعمل الاجتماعي الحي في عملية الإنتاج كرأس مال متغير. يتم تحديد جميع سماته التنظيمية (تقسيم العمل، وتنسيق العمال وتعاونهم، وتطبيق المعرفة العلمية، وما إلى ذلك) من خلال رأس المال وخدمته.

وبالمثل، بغض النظر عما إذا كنا ندرس عصر المحرك البخاري أو عصر الروبوت الذكي، كانت التكنولوجيا في ظل الرأسمالية وستظل وسيلة لإنتاج فائض القيمة ووسيلة للسيطرة والقمع في أيدي سلطة رأس المال. كما وثق ماركس دور الآلات في زيادة إنتاجية العمالة، وجعل السلع الأساسية أرخص وزيادة درجة الاستغلال. لقد سلط الضوء بالفعل في عمله الغروندريسة ،على أن تطوير رأس المال الثابت يشير إلى أي مدى أصبحت المعرفة الاجتماعية العامة قوة إنتاج مباشرة. لا يحدد رأس المال استخدام التكنولوجيا فحسب، بل يحدد أيضا توجه وأولويات تنميتها مدفوعة دائما بالربح.

كما تنبأ ماركس بتوفير وقت العمل البشري الذي يمكن أن يضمنه الأتمتة والتنمية التكنولوجية بشكل عام، مما يعزز الظروف لتطوير الشخصية البشرية والتحرر الاجتماعي الشامل.

استنادا إلى المنهجية والقوانين العلمية للاقتصاد السياسي الماركسي، يمكننا الاقتراب من عصر الذكاء الاصطناعي دون تردد. دعونا نلقي نظرة على ما يحدث اليوم.

لقد تقدم التحول الرقمي للاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين بالفعل بشكل مثير للإعجاب. الكمبيوتر المتصل بالإنترنت هو آلة عالمية هي في نفس الوقت وسيلة للإنتاج والاتصالات والتعليم والإبداع الثقافي والخدمات الطبية.

إن إنترنت الأشياء حقيقة واقعة بالفعل. يمكننا استخدام هواتفنا المحمولة لتفعيل ما يسمى "الأجهزة الذكية" في منازلنا، مثل مكيف الهواء والثلاجة والتلفزيون، المجهزة بأجهزة استشعار وتتصل بالإنترنت.

الآن ندخل عصر إنترنت الأجسام ، والاتصال المباشر بين الناس، والإنترنت، والروبوتات وما يسمى بالآلات الذكية بشكل عام.

من خلال تقارب عدد من التطورات التكنولوجية، مثل التعلم الآلي والتعلم العميق والبيانات الضخمة، يتم تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تحويل كميات كبيرة من البيانات بسرعة وتدريب نفسها وأداء المهام المعقدة. يتم تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمومية، أي أجهزة الكمبيوتر العملاقة.

اشتداد التناقض الرئيسي

لا يلغي التحول الرقمي للاقتصاد قوانين الربح والاستغلال، أي القوانين التي يعمل عليها الاقتصاد الرأسمالي.

لكي تستمر مجموعات الأعمال في زيادة أرباحها، يجب أن تستمر في زيادة درجة الاستغلال و استنزاف العمال. يجب عليهم توسيع الأشكال المرنة للتوظيف وساعات العمل من خلال "تنظيم وقت العمل".

في أيدي رأس المال، تستخدم التقنيات الجديدة لزيادة شدة العمل وعبء العمل على أولئك الذين يعملون . في الوقت نفسه، يزداد جيش العاطلين.

على عكس الدعاية البرجوازية، يشتد في ظل هذا التطور التكنولوجي تناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي ويشكل الهجوم المستمر المتصاعد للسياسة البرجوازية على حقوق العمال.

كما نعلم من الاقتصاد السياسي الماركسي، كلما ارتفع مستوى التطور التقني للإنتاج، زادت نسبة وسائل الإنتاج إلى قوة العمل في عملية الإنتاج، وكلما ارتفع التكوين التقني والعضوي لرأس المال، زاد ميل معدل الربح إلى الانخفاض. يجب ألا ننسى أن مصدر الاستغلال ومصدر فائض القيمة والربح الرأسمالي هو وقت العمل غير المدفوع الأجر للعمال المأجورين، العمل غير المدفوع الأجر زيادة على قيمة قوة عملهم، التي يصادرها الرأسمالي. فقط قوة العمل الحية، وليس الروبوتات، تخلق فائض القيمة.

بالطبع، لا يراقب النظام البرجوازي بشكل سلبي هذا الاتجاه الهبوطي في معدل الربح. إنه يتدخل بطرق متعددة لوقف هذا الاتجاه وزيادة درجة استغلال العمال في كل قطاع وفي الاقتصاد ككل.

يستفيد رأس المال من الإمكانيات التكنولوجية الجديدة التي تسمح له بزيادة وقت العمل اليومي في الممارسة العملية، بغض النظر عن الوقت الذي يقضيه العمال في مكان عملهم وساعات العمل القانونية، وفي الوقت نفسه تكثيف العمل. إنه يستغل الزيادة في البطالة لتعميم علاقات العمل المرنة.

بياناتنا المعلوماتية في أيدي رأس المال

ومع ذلك، فإن رأس المال لا يتوقف عند هذا الحد. إنه يحاول الاستفادة من الشبكات والترابط الجديد والمحسن والأكثر تعقيدا بين البشر والإنترنت والروبوتات وكذلك التقنيات المتطورة الجديدة بشكل عام، لتحقيق التبعية الكاملة للعمل لأهدافه. بعبارة أخرى، يسعى إلى تجاوز سلسلة من القيود المفروضة على استغلال قوة العمل التي تمليها حتى الآن ملامح جسم الإنسان ذاتها. يسعى إلى زيادة واستبدال قدرات جسم الإنسان والإدراك البشري من أجل زيادة الربحية الرأسمالية. على سبيل المثال، تستخدم حاليا معدات مناولة يدوية إضافية لتقليل عدد العمال الذين يؤدون مهمة وزيادة مراقبتهم في مكان العمل.

في هذا السياق، يتم تحويل أجسادنا إلى منجم ذهب للبيانات لصالح رأس المال، دون إذننا. البيانات الرقمية هي بالفعل الذهب الجديد، النفط الجديد. تسمح معرفة ومعالجة بياناتنا البيومترية والشخصية لأصحاب العمل في نهاية المطاف باتخاذ قرار بشأن الترقيات والفصل؛ وشركات التأمين لتغيير رسوم المدفوعات ؛ و دولة رأس المال لمعرفة جميع بياناتنا، بما في ذلك حالتنا الصحية وقضايانا القانونية وأنشطتنا النقابية وديوننا ووضعنا المالي، واستغلالها لتحقيق أهدافها.

أيا كان جانب الحياة الاجتماعية الذي ننظر إليه، فمن الواضح أن التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل، الذي يتعمق باستمرار، والاستيلاء الرأسمالي على نتائج العمل يزداد حدة. أصبحت البرجوازية رجعية أكثر فأكثر.

إن الظروف الموضوعية لتكثيف الصراع الطبقي وللطبقة العاملة أن تأتي إلى المقدمة وتحول عجلة التاريخ إلى الأمام أكثر من ناضجة. أصبح من الملح بشكل متزايد إخراج التكنولوجيا المتطورة من الأيدي الإجرامية لرأس المال والهروب من مستنقع الاستغلال الرأسمالي. تعرف المراكز الإمبريالية ذلك وتخشاه وتتخذ تدابير وقائية ضده.

الاتحاد الأوروبي يهدد حقوقنا

لا يمكن إخفاء المخاطر التي تواجه الشعوب من خلال تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأوروبي في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة. اضطر الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف ببعضها في إطاره التنظيمي القانوني بشأن الذكاء الاصطناعي. و اشار إلى مخاطر تسجيل ومعالجة البيانات الشخصية والبيانات البيومترية و بيانات الأفراد، والتي يمكن أن تعرض للخطر الحريات السياسية والنقابية والحقوق المدنية الأساسية وحتى المفهوم البرجوازي لحرية الفكر والتعبير. كما أنه يثير مخاوف بشأن اساليب التحكم الخطيرة وإمكانية التأثير على لاوعي الناس من خلال الوصل/الاتصال/التفاعل بين الناس و"الآلات الذكية"، ما يسمى بوصل الدماغ والكمبيوتر وأنظمة الواقع المعزز.

يدرك الطاقم الاوروبي الأطلسي أن الخطاب العدواني الذي يروجون له حاليا الذي يصف أي شخص يشير إلى المخاطر الحالية والمستقبلية بأنه يعاني من رهاب التكنولوجيا أو نظرية المؤامره ،لا يمكن أن يقنع إلا الجاهل للغاية والسذج سياسيا.

هذا هو السبب في أنهم يقومون بتدبير وتمويل حملة سياسية وثقافية معقدة ومتعددة الأوجه لتعزيز الرضا و و التلاعب بالعمال.

يتعلق أحد الجوانب الرئيسية لسياسة الرضا برسم و الترويج للقوانين التنظيمية للاتحاد الأوروبي الذي من المفترض أن يحمينا من التهديدات. ان الضمانات من دكتاتورية رأس المال بأنها ستحمي حقوقنا شبيهة بضمانات حراسة ثعلب لبيت الدجاج.

إن إلقاء نظرة على الممارسة الحالية للاتحاد الأوروبي يكفي تنويرنا حول ادعاء طاقم الاتحاد الأوروبي بأنهم كرسوا منطقة أوروبية للحرية والأمن والعدالة. ما الذي يحدث في الممارسة العملية؟ باسم الأمن ومكافحة الإرهاب، كرسوا قانونا التصنيف الرقمي الكامل لبياناتنا الشخصية و معالجتها ،بالإضافة إلى المراقبة الوقائية والتدخل.

كذلك لوائح تنظيم الذكاء الاصطناعي. القواعد الحقيقية للإطار الجديد هي في الواقع استثناءات و تقليل من وجود المخاطر.

باسم السلامة العامة ومكافحة الإرهاب، فإن تحديد الهوية البيومترية مثل تحليل صوتنا وحركتنا في الأماكن العامة هي استثناء للقاعدة. أصبحت فرنسا بالفعل أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لديها تشريعات تسمح باستخدام المراقبة البيومترية في الأماكن العامة باسم حماية أمن الألعاب الأولمبية.

باسم تشجيع ريادة الأعمال، تعفى أماكن العمل في الشركات والمصانع من الحظر.

باسم الممارسات المعمول بها لتقييم الأداء، فإن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للتصنيف الاجتماعي على أساس العرق والآراء السياسية وعضوية النقابات والحياة الجنسية وما إلى ذلك هو بالطبع استثناء من القواعد.

باسم تشجيع الابتكار والقدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، يتم تمييز ثلاث فئات أخرى من المخاطر الطفيفة، حيث لا توجد محظورات، ولكن هناك التزامات بالشفافية والتنفيذ الطوعي من قبل الشركات. بشكل عام، يطلب من الشركات مراقبة نفسها لضمان الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي من أجل تجنب دفع غرامة.

في أيدي رأس المال، يتم استخدام التحول الرقمي للاقتصاد لزيادة درجة استغلال العمال، مع اتجاه ظهور أزمات أعمق وزيادة اشتداد المنافسة بين القوى الإمبريالية. يتماشى ذلك مع الزيادة في عدم المساواة الاجتماعية، والفقر الرقمي وفقر الطاقة، وارتفاع البطالة المزمنة.

الأزمة الجديدة القادمة

لا يمكن للتحول الرقمي إلغاء القوانين العلمية للاقتصاد الرأسمالي، و التي تؤدي إلى اندلاع دوري لأزمة الإفراط في تراكم رأس المال. على العكس من ذلك، فإنه يسرع التركيز ويزيد من الإفراط في تراكم رأس المال، والذي لا يمكن أن يجد قنوات استثمارية بمعدل ربح مرض.

الاقتصاد الألماني، الذي هو محرك منطقة اليورو، في حالة ركود بالفعل. يتزايد خطر الركود في منطقة اليورو بشكل عام. كان الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في حالة انكماش منذ الربع الأخير من عام 2022. يتوقع خبراء النظام الأوروبي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو من 3.5٪ في عام 2022 إلى 0.9٪ في عام 2023. [2]

فيما يتعلق بكتلة مجموعة السبع G7، فإن اقتصادات إيطاليا وكندا في حالة ركود أيضا. علاوة على ذلك، فإن الاقتصاد الصيني في مرحلة التباطؤ، مع احتمال خطير لحدوث أزمة في قطاع العقارات والبناء بشكل عام. بالإضافة إلى سوق العقارات المتعثر، هناك بالفعل انخفاض في الاستهلاك والصادرات الصينية.

ترسل معظم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية ووكالات التصنيف[3] إشارة خطر على تباطؤ ملحوظ في الاقتصاد العالمي في عام 2023، مما يسلط الضوء على التأثير السلبي لتسريع ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، في حين أن الضغط التضخمي لم يهدأ بعد. إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة الدولية في السلع والخدمات في طريق التباطؤ بالفعل على المستوى الدولي.

تؤكد التطورات الأخيرة في البنوك الأمريكية مرة أخرى أن الأزمة ولدت من التشغيل العادي للنظام الرأسمالي. إنه في الحمض النووي الخاص به. قبل وقت طويل من بدء شركات التكنولوجيا الفائقة في سحب ودائعها من بنوك مثل SVB، كان هناك انخفاض في معدل أرباحها. انخفضت أسهم هذه الشركات في عام 2022. كما زاد التراكم المفرط لرأس المال الذي لا يمكن استثماره بمعدل ربح مرض في الولايات المتحدة الأمريكية. جعلت مجموعات مثل أمازون وميتا وغوغل الآلاف من العمال زائدين عن الحاجة.

أشهر الموظفون البرجوازيون جميع أسلحتهم لتجنب اندلاع أزمة عميقة.

حصلت البنوك المركزية على ائتمان رخيص للدول و"المزيد من الأموال" لتوفير حزم كبيرة من مساعدات الدولة. كانت النتيجة ارتفاع التضخم، والذي تفاقم بسبب حرب الطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع روسيا.

للتعامل مع التضخم، رفعت البنوك المركزية ثم واصلت رفع أسعار الفائدة. لكن العلاج لأعراض واحدة قد يتحول إلى سم لأعراض أخرى. يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة والاقتراض المكلف إلى تفاقم التباطؤ والركود في النمو الرأسمالي.

تذكر دراسة استقصائية نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال بأن عشرات البنوك الأمريكية في محنة. [4] تقدر الأضرار الناجمة عن البيع الضخم الفوري للسندات الأمريكية بما يتجاوز 620 مليار دولار.

تدعي الولايات المتحدة الأمريكية ضمان جميع الودائع. ومع ذلك، فهي دولة مثقلة بالديون، تجاوزت بالفعل "الخط الأحمر" للحد الأقصى لسقف الدين السيادي الدائم. تجاوز الدين العام الأمريكي 31.5 تريليون دولار و120٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن أثار نزاعا بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الحاجة إلى خفض إنفاق الدولة، مما أدى إلى حل وسط مؤقت. [5]

القضية الحاسمة هي أنه لا يوجد إجراء أو حقن من الدولة يمكن أن يعالج السبب الجذري للإفراط في تراكم رأس المال. لا يوجد نقص ولكن فائض في رأس المال في الأسواق. لا يمكن لتدابير الدولة وتركيز حصص السوق الأكبر في أقوى المجموعات المصرفية إلا أن تؤجل بداية الأزمة مؤقتا. ستكون الأزمة القادمة أعمق.

مجال جديد لتشديد التناقضات بين المراكز الإمبريالية

السباق من أجل تعزيز التفوق في القطاع التكنولوجي، وخاصة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وكذلك في استغلال التحول الرقمي للاقتصاد والدولة الرأسمالية، هو اليوم أحد المجالات الرئيسية لاشتداد التناقضات بين الإمبريالية.

كما هو الحال في الاقتصاد ككل، يهيمن على القطاع التكنولوجي قطبان قويان يتنافسان على التفوق: الولايات المتحدة الأمريكية والصين. يتمتع البطلان بميزة على الباقي فيما يتعلق بقدرتهما على جمع ومعالجة البيانات الضخمة والتعلم العميق. الولايات المتحدة الأمريكية لديها خماسية غافامي GAFAMI القوية (غوغل Google و أمازون Amazon و فيسبوك Facebook و أبل Apple و مايكروسوفت Microsoft) والصين لديها بهاتش BHATX (بايبو Baibu و هواوي Huawei و ألي باباAlibaba و تينسينت Tencent و شياومي Xiaomi).
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد حاليا الجهة الرائدة في مجال التكنولوجيا، على تعزيز استراتيجية تهدف بشكل أساسي إلى احتواء زخم الصين واكتساب ميزة على الاتحاد الأوروبي. [6]

لذلك، فإنها تفرض قيودا على تصدير رقائق التكنولوجيا المتقدمة، أي تلك الأسرع والأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، المستخدمة في أجهزة كمبيوتر الذكاء الاصطناعي في الصين، وعلى تصدير تكنولوجيا الأجهزة والبرمجيات بشكل عام. إنها تدفع من أجل قدر معين من التقارب بين الاتحاد الأوروبي واليابان في هذا الاتجاه وقد نجحت.

علاوة على ذلك، تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بسخاء الاحتكارات المحلية في هذا القطاع. حصل قانون الرقائق والعلوم (الذي أقره الديمقراطيون وقسم من الجمهوريين) على 52 مليار دولار من المساعدات لزيادة الحصة الأمريكية المنخفضة من تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة و 200 مليار دولار أخرى على مدى عقد من الزمان لتعزيز البحث العلمي. في موازاة ذلك، تعمل حزمة بايدن الانتقالية الخضراء، التي تبلغ قيمتها 360 مليار دولار، أيضا، مما يوفر معاملة تفضيلية لأي مجموعة أعمال أوروبية أنشئت في الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا، على سبيل المثال، كانت شركة أبل، التي تمتلك مصانع التصنيع في الصين، تنقل الإنتاج منها.
ومع ذلك، وفقا لبلومبرغ، فإن الشركات الأمريكية في وضع غير مؤات لأن إنتاجها من السلع أكثر تكلفة بنسبة 50٪ وأكثر استهلاكا للوقت بنسبة 25٪ مقارنة بالمصانع المعنية في جنوب شرق آسيا.

اصطف الاتحاد الأوروبي في البداية مع الولايات المتحدة بشأن قيود التصدير إلى الصين، وبالتالي واجه احتكاكات داخلية، لا سيما في ألمانيا، حيث تم بناء جزء كبير من شبكات الجيل الخامس من قبل هواوي و ZET الصينية وحيث لدى مرسيدس اتفاقيات شراكة رئيسية مع CATL الصينية.

وضع الاتحاد الأوروبي برنامجه الخاص لدعم مجموعات الأعمال الأوروبية، وهي قانون الرقائق الأوروبي، بهدف مضاعفة حصته المنخفضة من السوق العالمية بحلول عام 2030، من 10٪ إلى 20٪. ومع ذلك، يعتقد معظم المحللين أن 43 مليار يورو لا تكفي لسد الفجوة الكبيرة التي تفصلها الآن عن الولايات المتحدة الأمريكية.

في الوقت نفسه، في محاولة لتعزيز استقلاله، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات لاستضافة 6 أجهزة كمبيوتر كمومية قوية على الأراضي الأوروبية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وجمهورية التشيك وإسبانيا وبولندا. هذه بنية تحتية تزيد بشكل كبير من قوة الحوسبة لدعم التطبيقات في الصناعة والبحث العلمي.

من جانبها، حددت الصين هدف أن تصبح القوة الرقمية الرائدة في العالم بحلول عام 2030. تحقيقا لهذه الغاية، فإنها تزيد من دعم الدولة لصناعة المعالجات الدقيقة الصينية.

عصر الذكاء الاصطناعي

يتم تعزيز هذه الاتجاهات حيث وفر التحول الرقمي نقطة انطلاق للذكاء الاصطناعي، الذي يتطور بسرعة منذ بداية عام 2010 بفضل تقارب ثلاثة تطورات علمية وتكنولوجية: القدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات الناتجة عن استخدام الإنترنت، أي البيانات الضخمة؛ وقدرة أجهزة الكمبيوتر على تدريب نفسها باستخدام خوارزميات متطورة، أي التعلم الآلي (الشبكات العصبية والتعلم العميق)؛ والقدرة على تعزيز قدرة أجهزة الكمبيوتر العملاقة الحديثة وأجهزة الكمبيوتر الكمومية.

بعبارات بسيطة، تكتسب الآلات الحديثة المزيد من القدرات البشرية مثل التدريب الذاتي، ويعمل العاملون، أي القوة الإنتاجية الأساسية، على تشغيل آلات معقدة بشكل متزايد. في الوقت نفسه، فإن "آلات التعلم"، والروبوتات، ومراكز البيانات التي تجمع كميات هائلة من البيانات وتعالجها، هي في أيدي عدد قليل من المجموعات الاحتكارية، وخاصة في الولايات المتحدة والصين.

بالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها للثورة التكنولوجية تطبيقات متعددة لا تقتصر على الإنتاج، ولكنها تؤثر على الطيف الكامل للمجتمع. دعونا نتذكر التغيرات السريعة الناجمة عن ظهور المحركات البخارية والكهرباء واستخدام الطاقة النووية.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن تطوير الذكاء الاصطناعي في سياق علاقات الإنتاج الرأسمالية يؤدي إلى تفاقم المشاكل المعروفة، مثل ارتفاع البطالة. كما أنه يثير قضايا جديدة ومبتكرة تتطلب التفكير على مستوى الاقتصاد السياسي والفلسفة، لا سيما فيما يتعلق بالتغيرات في العلاقة بين القوة الإنتاجية الرئيسية، أي الإنسان الاجتماعي العامل، والآلات الحديثة، أي وسائل الإنتاج.

يركز النقاش العلمي على القدرة السريعة التوسع للآلات، التي تتعلم وتتدرب ذاتيا لتحل محل جزء كبير من العمل البشري اليوم. في البداية، كان التقدير هو أن هذا النطاق سيقتصر على استبدال الكثير من العمل اليدوي والفكري الروتيني، والمهن التي تتطلب مهام متكررة وروتينية في بيئة قياسية.

أكدت التحليلات البرجوازية الأكثر موثوقية حول هذا الموضوع، والتي أجريت قبل بضع سنوات، أن المهن التي تتطلب إبداعا حقيقيا والاستجابة للبيئات التي لا يمكن التنبؤ بها تتجاوز قدرات الذكاء الاصطناعي. [7] ومع ذلك، اتضح أن الشبكات العصبية "لآلات التعلم" يمكنها تطوير قدرات مختلفة من خلال تحليل كمية كبيرة من البيانات. و تكتسب القدرة على تحقيق أهداف معقدة. لديها الآن القدرة على اكتساب معرفة جديدة ثم تطبيقها على مجال معين. حتى أن الذكاء الاصطناعي يخترق الإبداع الفني، مثل الرسم والسينما.

في مناقشة حديثة استضافتها مؤسسة بروكينغز، عبرت عن رأي مفاده أنه لم يعد بإمكاننا استبعاد إمكانية استبدال جميع الوظائف التي يقوم بها العمال المهرة اليوم بآلات. استقال البروفيسور جيفري هينتون، الذي وضع الأسس لبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي، مؤخرا من غوغل ودق ناقوس الخطر بشأن العواقب غير المقصودة والتطوير غير المنضبط للأنظمة من قبل مجموعات الأعمال القوية. في الوقت نفسه، وقع 1000 من قادة التكنولوجيا رسالة مفتوحة بشأن تأثيرها السلبي غير المتوقع. إنهم بالتأكيد ليسوا "رهابيين للتكنولوجيا"، كما أنهم ليسوا "محطمي للآلات ".

الحقيقة هي أن العديد من وظائف اليوم ستختفي وستتغير طبيعة الوضائف الأخرى . ومع ذلك، فإن هذا لا يرقى إلى إلغاء دور الإنسان العامل كقوة إنتاجية رئيسية. يتقدم فك تشفير بعض العمليات العصبية التي تحدث في الدماغ البشري ودراسة نقاط الاشتباك العصبي التي لا تعد ولا تحصى للخلايا العصبية التي تشكل الأساس البيولوجي للإدراك البشري. ومع ذلك، فإن تطور الإدراك البشري هو ظاهرة أكثر تعقيدا بكثير ولا يقتصر على المهارات المعرفية للفرد.

الدماغ البشري، كعضو في التفكير وتشكيل الوعي، ينمو ويتطور تاريخيا في عملية العمل الاجتماعي والحياة الاجتماعية بشكل عام. يتم تنفيذ العمل الاجتماعي ضمن علاقات الإنتاج السائدة، سواء كانت إقطاعية أو رأسمالية أو اشتراكية. هناك، يشكل البشر قدرتهم على عكس الواقع بطريقة معممة مع المفاهيم والحكم والاستدلال. إنهم يكتسبون القدرة على تطوير المعرفة العلمية؛ وتحديد الأهداف؛ وبناء وسائل الإنتاج وتحريكها واستخدامها. يمكن للبشر الاجتماعيين وضع الخطط وتحديد الأهداف وتنظيم وتنفيذ الإجراءات لتحقيقها والتنبؤ بالنتيجة النهائية لأفعالهم. إنهم القوة الإنتاجية الرئيسية في كل نمط من أنماط الإنتاج.

لا يفكر الذكاء الاصطناعي بطريقة شاملة ومعقدة مثل البشر. في الوقت الحالي، يحول بشكل أساسي بعض البيانات بسرعة إلى بيانات أخرى. [8] في جوهرها، أجهزة الكمبيوتر العملاقة أسرع وأكثر كفاءة لمهام محددة. لا يمكنها التفكير سياسيا وتحديد أهداف عامة ذات محتوى اجتماعي، على سبيل المثال هدف تغيير النظام وطريقة الإنتاج. يمكنها معالجة البيانات الكمية القابلة للقياس بسرعة استنادا إلى معايير محددة يضعها البشر الاجتماعيون، في إطار علاقات الإنتاج السائدة.

كل هذا لا يعني أننا يجب أن نصبح راضين عن حالنا، بل نركز على المشكلة الحقيقية، أي علاقات الإنتاج الرأسمالية المهيمنة حاليا.

من جانبها، تتدخل الطبقة الحاكمة بطريقة استباقية ومنهجية وحاسمة لزيادة تآكل وعي الشعب والتلاعب به. تسعى إلى تحقيق أهدافها دون عوائق وإقناع العمال بتبنيها، قدر الإمكان، كما لو كانت حقوقهم الفردية.

تركز حكومة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و اصحاب الاسهم الاكبر في مجموعات الأعمال القوية حاليا بشكل خاص على تآكل وعي العمال حتى يقبل الأخيرون دون نقد ودون قيد أو شرط تنفيذ جميع التطورات التكنولوجية، دون السؤال عن من سيستفيد منها ومن سيتم تلبية احتياجاته.

لكي يقبل العمال كشيء تقدمي ،الاستغلال التجاري و التدخل في الجسم البشري السليم- والذي يتم تقديمه الآن كمُختبرْ محايد حي - دون حدود وقيود اجتماعية. على سبيل المثال، يحتقر إيلون ماسك بسخرية الرافضين لخططه المستقبلية ويثير خطر تهميشهم ما لم يعززوا أدمغتهم باستمرار وفقا لمواصفاته الفنية.

هذا هو السبب في أن تصور ما بعد الحداثة وغير العقلاني ل "التعريف الذاتي" والهويات المتعددة يتم الترويج له بطريقة متعددة الأوجه ومنهجية. يفصل هذا التصور الإنسان عن أي تعريف موضوعي، على سبيل المثال من الطبقة أو الجنس الذي ينتمي إليه بموضوعية.

علاوة على ذلك، فإنه يعزز الوهم بأن الجميع يمكنهم ويجب عليهم تعريف أنفسهم فقط على أساس رغبتهم الفردية أو رأيهم الذاتي حول الواقع، لأنهم يعتقدون زورا أنه لا توجد حقيقة موضوعية، أو أنه لا يمكننا معرفتها أو أنه من غير المجدي الاقتراب منها.

دعونا نفكر في مدى سهولة أن يصبح العمال بيدقا في أيدي سلطة رأس المال عندما لا يستطيعون الإجابة أو غير مبالين بما إذا كانوا عاملا أو مديرًا، فلسطينيا أو إسرائيليا، أو عندما يعرفون أنفسهم بطريقة محايدة فيما يتعلق بجنسهم.

عندما يقللون من أنهم ضحية للاستغلال الرأسمالي وأنه يجب عليهم المشاركة بنشاط في الصراع الطبقي، ولكن بدلا من ذلك يقفون متضامنين مع قسم من الرأسماليين بسبب تفضيلهم الفردي أو هوياتهم المتعددة.

الطابع الطبقي لتطوير الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي اليوم يفعل ما يريده رأس المال. ينطبق هذا على الإنتاج والتعليم والثقافة وجميع مجالات الحياة الاجتماعية. يمكن أن يؤدي استغلاله من أجل الربح الرأسمالي إلى زيادة كبيرة في البطالة طويلة الأجل والدائمة، إلى استبعاد جزء كبير من السكان من الإنتاج وإدانتهم بالعيش على "الحد الأدنى المضمون للدخل"، أي البقاء على قيد الحياة على بدل الفقر المدقع.

تختلف التوقعات والتقديرات وفقا للأهداف السياسية لأولئك الذين يصنعونها. يجادل البعض بأنه، كما هو الحال في أي ثورة تكنولوجية، سيتم إنشاء العديد من المهن الجديدة لاستيعاب الخسائر (مثل مطوري البرمجيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وأخصائيي الأمن السيبراني).
في عام 2021، توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه سيتم إنشاء 97 مليون وظيفة جديدة وسيتم إلغاء 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025 بسبب التغير في تقسيم العمل بين البشر والآلات.

يتوقع تقرير ماكينزي أنه بين عامي 2035 و2075، سيتم إلغاء 50٪ من وظائف اليوم على مستوى العالم، في حين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيضيف ما يصل إلى 4 تريليونات دولار سنويا إلى الاقتصاد العالمي. العديد من الدراسات ذات الصلة في نفس السياق، على سبيل المثال من قبل برايس ووترهاوس كوبرز.

يشير المحللون الرئيسيون إلى أنه استنادا إلى مؤشر التوظيف في الولايات المتحدة، فإن أول وظيفة أنشأتها تكنولوجيا الكمبيوتر تحتل المركز الحادي والعشرين فقط. سيكون زخم الفقدان أكبر بكثير من زخم خلق فرص عمل جديدة.

ستتفاقم المشكلة في السنوات القادمة. وفقا للاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، تم بالفعل استبدال أكثر من 75٪ من الوظائف في صناعة الصلب بالروبوتات التقليدية والعمليات الآلية. وكان ذلك قبل ظهور الروبوتات الحديثة، التي يمكن أن تحل محل العمال في المهام المعرفية الإبداعية.

ومع ذلك، فإن هذا التطور ليس طريقا أحادي الاتجاه. يتعلق الأمر بالتأثير الحاسم للرأسمالية على الأولويات في تطوير التكنولوجيا وتنظيم الإنتاج والتعليم.

وبالمثل، لا يوجد تطور غير طبقي للبحث العلمي والعمل العلمي. يتحكم رأس المال اليوم في تدفق المعرفة العلمية وطرق وأساليب استخدامها والأولويات والمعايير. تضع المنافسة بين مجموعات الأعمال وبراءات الاختراع المكابح على التنشئة الاجتماعية الأعمق للبحث العلمي.

أعجب الكثيرون، وهذا صحيح، بتطبيق شات جي بي تي Chat GPT AI، الذي انتشر وأصبح معروفا في وقت قصير جدا. يتم الإعلان عنه كنموذج لغة تفاعلي محايد يمكنه الإجابة على أسئلتنا مباشرة.

سألنا نسخته الأصلية عما إذا كان الاتحاد السوفيتي نظاما ديمقراطيا. وأجابت بأنه لم يكن كذلك، نظرا لعدم وجود نظام متعدد الأحزاب، انتخابات حرة وتسامح مع الآراء السياسية المتعارضة. ومع ذلك، أضافت أنه قد تكون هناك وجهات نظر ومعايير أيديولوجية مختلفة.
من الواضح أن هذا النظام "تم تدريبه" بمواد مشبعة بالأيديولوجية البرجوازية المهيمنة. يستخدمه بعض طلاب المدارس والجامعات بالفعل كأداة لامتحاناتهم وواجباتهم. لقد أثار بالفعل نقاش ساخن حول الحد من استخدامه في المجتمع الأكاديمي والعواقب السلبية التي قد يترتب على استخدامه العشوائي في الحد من القدرات النقدية للمستخدم.

ومع ذلك، فإن التأثير السلبي الرئيسي للنظام الرأسمالي يتعلق بالعقبات التي يضعها في طريق تطوير القوة الإنتاجية الرئيسية، أي الإنسان العامل. بدلا من استخدام التقدم التكنولوجي للتطوير الشامل لشخصية العمال وقدراتهم العقلية والبدنية، يتم استخدامه من قبل رأس المال لمهاجمة حقوقهم. من ناحية، يتم استخدامه لزيادة تكثيف واستغلال القوى العاملة للعمال، ومن ناحية أخرى، لزيادة جيش العاطلين عن العمل والفقير بشكل دائم، وجعل قوة العمل لجزء كبير من السكان متقادمة . إنه يقلل من نواح كثيرة الصحة البدنية والعقلية للعمال والعاطلين عن العمل، الذين يعيشون في حالة من عدم اليقين وانعدام الأمن بشأن المستقبل. إنه يزيد من اغتراب العمال عن إخوانهم من البشر ويثير المنافسة.

لقد تقدمت قدرات الآلات ذاتية الحركة على التنسيق مع بعضها البعض ومع العمال وأداء المهام المعقدة بشكل كبير. في الوقت نفسه، كما ذكرنا سابقًا ، يتغير محتوى العديد من المهام والحاجة إلى إعادة التدريب المستمر. تتزايد الطلبات على العمل الفكري البشري، بما في ذلك المطالب بإعادة التدريب المستمر، والعمل الجماعي، والتكيف السريع مع التجارب الجديدة ومهام العمل. [9]

بشاير الاشتراكية

فكر في الفرق الجذري بين الطريقة التي تعالج بها الرأسمالية والاشتراكية هذه المشاكل. في ظل الرأسمالية، تقع على عاتق العمال المسؤولية الفردية عن التكيف بسرعة مع المهام الجديدة ورفع مستوى معارفهم، خوفا من أن يكونوا عاطلين عن العمل وغير مؤمّنين.

على العكس من ذلك، يمكن للاشتراكية إطلاق القدرات الإبداعية للعمال ومبادرتهم و تحريرها، لأنها تجلبهم إلى طليعة المسار التاريخي نحو التحرر الاجتماعي.

في الاشتراكية، يتغير الغرض من الإنتاج ودور العمال. الغرض من الإنتاج هو تلبية احتياجات المجتمع، التي تتوسع باستمرار. يلعب العمال، الذين تحرروا من نير العبودية المأجورة، دورا نشطا يوميا في اتخاذ القرارات والسيطرة عليها. تنتقل مفاتيح الاقتصاد ومقاليد السلطة إلى أيدي الطبقة العاملة. لم تعد القوة الدافعة للتقدم هي المنافسة، بل قوة الجماعية في العمل.

فقط الاشتراكية يمكن أن تضمن إعادة تخطيط التنمية التكنولوجية وبالتالي تحويلها من وسيلة لزيادة درجة استغلال الطبقة العاملة والسيطرة عليها (أي وظيفتها الحالية في ظل الرأسمالية) إلى وسيلة لتلبية جميع الاحتياجات الاجتماعية.

لم تعد المياه والطاقة والصحة والاتصالات والنقل والتعليم وقوة العمل نفسها سلعة. الأراضي ووسائل الإنتاج والمصانع ومراكز البيانات والموانئ والمطارات والبنية التحتية هي ملكية اجتماعية للدولة.

"هل يمكن القيام بكل هذا؟"، يسألنا الكثير من الناس بطريقة حسنة النية."

لقد تم القيام بذلك، أيها الأصدقاء الأعزاء، في الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين. حقق التخطيط المركزي العلمي والتنشئة الاجتماعية لوسائل الإنتاج إنجازات كبيرة لن تحققها الرأسمالية أبدا.

تم إلغاء البطالة وفقر الطاقة. حصل الناس على إمكانية الوصول مجانا إلى خدمات صحية وتعليمية عالية الجودة. تم اتخاذ خطوات هائلة في التقدم التكنولوجي، مثل غزو الفضاء.
بالطبع، كانت هناك أيضا تجربة سلبية، عندما تم التخلي تدريجيا عن مبادئ البناء الاشتراكي وتقويضها، وسادت سياسة اشتراكية السوق، مما مهد الطريق للإطاحة بها.

ومع ذلك، تسلط هذه التجربة السلبية الضوء أيضا على تفوق الاشتراكية المتزايد في القرن الحادي والعشرين.

لأنه يمكننا الآن الاستفادة من الاحتمالات الجديدة العظيمة للبناء الاشتراكي الناتجة عن تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الرقمية والروبوتات والذكاء الاصطناعي، والتي هي مبشرة الاشتراكية.

لم يعد هناك عدد من القيود التقنية والعلمية التي قيدت قدرات التخطيط المركزي والبناء الاشتراكي في روسيا عام 1917 والاتحاد السوفيتي لعام 1930. الآن زادت درجة التنشئة الاجتماعية للعمل وأتمتة الإنتاج بشكل كبير.

يمكن استخدام الإمكانيات الجديدة لزيادة إنتاجية العمل من قبل سلطة العمال لزيادة وقت الفراغ، خارج العمل للعمال بشكل كبير. يمكن استخدامها لرفع المستوى العام للتعليم وتعزيز التنمية الشاملة لشخصيات العمال من خلال مشاركتهم اليومية النشطة في صنع القرار والتحكم في القرارات، و من خلال العمل الإبداعي.

كما سيتم استخدام فرص جديدة كبيرة للمحافظة على صحة العمال وإعادة تأهيلهم، والوقاية من الحوادث في العمل والأمراض المهنية وعلاجها.

على عكس الرأسمالية، يمكن للاشتراكية التعامل بفعالية وكفاءة مع المشاكل الجديدة الناجمة عن تطور التكنولوجيا والقوى الإنتاجية ككل.

يمكنها التعامل بفعالية مع متطلبات إعادة التدريب المستمر للعمال، والتكيف السريع مع مهام العمل الجديدة والبيانات الجديدة والعمل الجماعي في مكان العمل.

لأن الاشتراكية ستتعامل مع المشاكل الجديدة بطريقة مخططة كمسألة مسؤولية جماعية واجتماعية وليس كمسألة فردية حصرية للعامل. سيتم إعادة تدريب العمال دون خوف من البطالة و بلا تأمين لحياتهم، في مجتمع يشجع ويعتمد على الجهد الجماعي بدلا من المنافسة.

لذلك سيتم تعزيز القوة الإنتاجية الرئيسية، وهي الإنسان العامل. إن الزيادة في القدرة الإنتاجية للعمال، استنادا إلى الإمكانات الجديدة، لن تكون على حساب صحتهم، ولن تهدد رفاههم البدني والعقلي.

وفي الوقت نفسه، سيتم تعزيز الإنتاج ككل وفي كل قطاع لتلبية الاحتياجات الاجتماعية. سيتم استدعاء أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات وما يسمى بالآلات الذكية بشكل عام إلى وضع معايير وخوارزميات وبيانات تهدف إلى تلبية الاحتياجات الاجتماعية وحماية البناء الاشتراكي.

سيتم استخدام إمكانيات جديدة لتحسين كفاية وجودة المنتجات الضرورية لضمان رفاهية الناس: طرق جديدة لتخطيط الإنتاج والتحكم فيه، والتنبؤ تلقائيا بالأخطاء وطلب قطع الغيار، وإعادة تصميم الآلات والأنظمة التقنية، وتحسين مواد المعالجة، وتحسين استهلاك الطاقة والاحتياطيات اللازمة.

فكر في إمكانات البحث الحديث متعدد التخصصات لتوقع الاحتياجات المجتمعية والاستجابة لها.

فكر في الاحتمالات الجديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي لتصميم السفن والقطارات والطائرات.

تخيل القدرة على التنبؤ بكيفية تأثير قرارات التخطيط المختلفة على أداء وسلامة مركبة النقل العام. أو القدرة على استخدام المحاكاة لتقييم التصميم قبل تنفيذه في عملية الإنتاج.

ومع ذلك، فإن الاحتمالات التكنولوجية الجديدة لا تتعلق فقط بالإنتاج. يمكنها زيادة كفاءة التخطيط المركزي نفسه والمساعدة في القضاء تماما على أي شكل من أشكال ملكية المجموعات .

فكر في الاحتمالات الجديدة لجمع ومعالجة كميات كبيرة من البيانات والمعلومات بسرعة، ومقارنة الخطط والحلول المقترحة، واتخاذ قرارات سريعة ومثالية بشأن المشاكل المعقدة.
لذلك، يمكن أن يساهم التحول الرقمي واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التخصيص الأمثل للعمال ووسائل الإنتاج والمواد الخام في مختلف القطاعات من أجل ضمان النمو النسبي الضروري بين قطاعات الإنتاج الرئيسية وبين مناطق البلاد. يمكن أن يساعد في توقع الاحتياجات الاجتماعية ومتطلبات الإنتاج المحددة في مرحلة مبكرة من أجل تحديد أهداف الإنتاج والتدريب المناسبة، لا سيما بالنسبة لإنتاج وسائل الإنتاج والبحث العلمي، وهي الأولويات القصوى.

هذا هو طريق التحول الرقمي واستغلال الذكاء الاصطناعي لصالح احتياجات الناس الذي يضيئه الحزب الشيوعي اليوناني KKE ببرنامجه الثوري. بالطبع، نحن نكافح بالفعل بناء على هذا البرنامج دون إضاعة أي وقت.

نحن نتقدم إلى الأمام لتنظيم الهجوم المضاد العظيم والشعبي الذي سيفتح الطريق للإطاحة بنظام الاستغلال الهمجي.

اليوم، نحن في طليعة النضال من أجل تقليل وقت العمل، ونطالب بعمل 35 ساعة في الأسبوع (عمل 7 ساعات، 5 أيام في الأسبوع)، مع زيادات كبيرة في الأجور والمعاشات التقاعدية.

نحن في طليعة النضال ضد سياسة اللبرلة من قبل الاتحاد الأوروبي التي تؤدي إلى فقر الطاقة والفقر الرقمي. نحن نكافح من أجل الاتصال والنقل الآمن والسريع والرخيص. نحن نكافح من أجل إلغاء قواعد الاتحاد الأوروبي الرجعي الذي يسمح بالتصنيف الرقمي الاستباقي لجميع المواطنين. نحن نكافح من أجل استخدام التقنيات الجديدة لتحسين الحماية المدنية. نحن نكافح من أجل الصحة والتعليم العامين والمجانيين حصريا.


[1] ك. ماركس، رأس المال، المجلد. 1، الفصل 13، ونتائج عملية الإنتاج المباشر، Ed. Synchroni Epochi.
[2] في أغسطس 2023، أظهر مؤشر مديري المشتريات (PMI) انخفاضا إلى أدنى نقطة في 33 شهرا، سواء بالنسبة لإنتاج التصنيع أو للقطاعات الأخرى، والتي تصفها الإحصاءات البرجوازية بأنها "خدمات".
[3] "يدق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر: يستمر تباطؤ الاقتصاد العالمي"، صحيفة إيميريسيا، 9/12/2022.
[4] في صيف عام 2023، خفضت موديز عشرة بنوك أمريكية متوسطة الحجم ووضعت بعض البنوك الكبيرة، مثل بنك نيويورك ميلون ويو إس بانكورب، على المراقبة.
[5] في أغسطس 2003، خفضت فيتش التصنيف الائتماني الأمريكي، في حين وصلت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2007، مما زاد من تكلفة إدارة الديون الأمريكية.
[6] على سبيل المثال، ص. روميليوتيس، "حرب الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين"، Chronicle الاقتصادي، رقم 168.
[7] على سبيل المثال، ماكس تيجمارك، "الحياة 3.0"، إد. ترافلوس.
[8] شاهد المقابلة مع البروفيسور لوتشيانو فلوريدي في كاثيميريني، 2/8/2020.
‏[9] G. Stournaras، "التطورات التكنولوجية ومستقبل العمل"، صحيفة Ta Nea، 23-26/12/2021.