صدمتي المهولة في (( مجتمعي )) الجديد!
عبدالله عطية شناوة
2025 / 4 / 16 - 04:53
عند وصولي إلى السويد مطلع تسعينات القرن الماضي، أذهلتني ما كنت أعتبرها مآثر للمجتمع المدني، حيث يتطوع المئات للمشاركة في عمليات بحث عن إنسان، طفل أو أمرأة أو مسن، أو حتى شاب قوي البنية فُقد أثره أو أثرها، في الجوار والمحيط، سواء كان غابة أو ضفاف بحيرة أو نهر. تلك المآثر جسدت في ذهني الأنسانية في أجلى معانيها في "مجتمعي" الجديد.
ولهذا وبعد أكثر من ثلاثين عاماً كانت صدمتي مهولة، حين شهدت تبلدا في مشاعر من اعتبرتهم تجسيدا للأنسانية في أجلى معانيها، أمام مجازر الصهاينة في فلسطين، هذا التبلد الذي جاوز اليوم عاما ونصف العام قتل خلاله عشرات آلاف الأطفال، بمن فيهم الرضع، وجوعوا وعطشوا وقطعت أطرافهم، في مستشفيات تتعرض للقصف، وشردوا وحرموا من الحضانة والمدرسة، وكل هذا بتواطئ رسمي سويدي، أعتبر المطالبة بوقف قتل الأطفال، انخراط في الأرهاب ومعاداة السامية.
نعم تشهد شوارع ستوكهولم ومدن سويدية أخرى تظاهرات سخط أسبوعية على جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ينظمها ناشطون تعود أصولهم إلى البلدان العربية، ويشارك فيها أعداد من السويديين والسويديات، الذين كانوا، وربما مازالوا على صلة باليسار السويدي الحقيقي وليس الزائف، لكن المشاركة السويدية تبقى أدنى كثيرا من أن ترتقي إلى الصورة التي توهمتها عن أنسانية "مجتمعي" الجديد الذي أصبح قديما، بفعل العقود الثلاثة التي عشتها فيه.
ويؤسفني كثيرا الأستنتاج الذي أرجحه لهذا التبلد في المشاعر السويدية إزاء مجازر الصهاينة في فلسطين، وهو نوع من الأمية السياسية والميل النفسي إلى الأنقياد خلف الطروحات السياسية والأعلامية التي يتقبلها الفرد العادي في السويد إذا ما جرى ترديدها مرارا وتكرارا. والتي يقف خلفها ويروجها مسؤولون ينتمون إلى اليمين واليمين المتطرف ذو الجذور النازية. فبالإضافة إلى زلة لسان رئيس الوزراء بشأن تأييد السويد والأتحاد الأوربي لحق إسرائيل في الإبادة الجماعية، التي تنبه لها سريعاً وقال انه يعني حقها في الدفاع عن النفس، عممت مديرة الإذاعة السويدية على العاملين في المؤسسة الممولة من دافعي الضرائب، بيانا دعتهم فيه إلى تجنب ذكر فلسطين، وقصر الحديث في تقاريرهم الإخبارية عن الفلسطينيين، لعدم وجود شيء اسمه فلسطين حسب جهلها أو تجاهلها، ذلك أن السويد قد اعترفت رسميا بدولة فلسطين منذ عام 2014.
ورغم الكشف عن هذا التعميم الفضائحي، لم يتعرف السويدي العادي إلى ما يحمله من انحياز واضح إلى جانب المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون، لأنه لم يعتد على التدقيق في التفاصيل، ولأنه يثق بالإعلام الممول من الضرائب التي يدفعها، ولأنه يؤمن، دونما حاجة إلى المراجعة، بانه يتمتع بمنظومة سياسية ديمقراطية يعتبرها الأرقى، والأقدر على تزويده بالمعلومات الصحيحة والحقائق.