الطغيان الأمريكي والعجز العربي: قراءة في موازين القوة!


منذر علي
2025 / 4 / 5 - 18:33     

في لحظة فارقة من التاريخ المعاصر، تواصل الولايات المتحدة فرض منطق القوة على العالم، لا بوصفها قوة عظمى فحسب، بل باعتبارها وصية على إرادات الشعوب، وموزعة لصكوك الشرعية الدولية، وفق ما تراه مناسبًا لمصالحها ومصالح من يتحالف معها. إنها لا تتردد في التهديد بالويل والثبور ضد دول صنفتها - وفق معاييرها الخاصة - بأنها خارجة عن الطاعة، مثل فنزويلا وإيران، أو ذلك القُوَى، التي لم تملك بعد ترف التصرف خارج الإملاءات، كالفلسطينيين واللبنانيين، والسوريين والعراقيين واليمنيين. أما من تهيبهم واشنطن، كروسيا والصين، فلا تجرؤ على قصفهم أو حتى فرض عقوبات عليهم دون حساب دقيق لتكلفة الفعل ورد الفعل.

هذه هي المعادلة التي تحكم السياسة الأمريكية: تلويح بالسوط حين يغيب الرادع، ومراوغة ديبلوماسية حين تحضر القوة المقابلة. أما في المقلب العربي، فالصورة تنقلب على نحو مثير للأسى. ثمة من العرب – في اليمن أو غيره – من يرفع راية التحدي في وجه القُوَى الكبرى، لا على أساس من توازنات مدروسة، بل في غياب شبه تام لمقومات الفعل المؤثر. يطلقون القذائف نحو خَصْم لا يرحم، وهم يعلمون – أو لا يعلمون – أن شعوبهم ستدفع ثمن ذلك من دمها وجوعها وشتاتها.

وليس في مقاومة الطغيان عيب، بل إن التاريخ لا يخلد إلا أولئك الذين قالوا "لا" في وجه الجبروت، من الجزائر إلى فيتنام، ومن كوبا إلى جَنُوب إفريقيَا. لكن الفارق الجوهري بين هؤلاء و من يتصدّرون المشهد العربي المقاوم اليوم، أن الشعوب الحرة أعدّت نفسها أولًا، ووحّدت صفوفها، وبنت من الداخل جدارًا يصعب اختراقه. أما بعض من عندنا، فإنهم يقاتلون الخارج، وهم لا يزالون يتنازعون الداخل، يواجهون العدو بلا قوة، ويخوضون معركة السيادة وهم فاقدو القرار، يرفعون صوتهم باسم الوطن، في حين الوطن نفسه يتداعى تحت أقدامهم.

هنا تكمن المعضلة: ليست في التمرّد على الطغيان، بل في افتعال بطولة زائفة على أنقاض وطن ممزق. التحدي المشروع يتحول إلى مغامرة رعناء حين يُشهر في وجه قُوَى كبرى، دون أن يُعدّ له عدته، ودون أن تُوفَر له بيئته الوطنية المتماسكة. فكيف يواجه من فقد أدوات الفعل قُوَى كبرى غاشمة؟ وهل من العقل أو الدين أن نخوض معاركنا الكبرى ونحن مشلولون سياسيًا، مشتتون وطنيًا، منهكون اقتصاديًا ونعاني من الجوع والمرض و الكساح العسكري؟

إنني ما أكتب هذا دفاعًا عن الخنوع أو أدعو إلى التخلي عن الحقوق، وإنما أكتبه تحذيرًا من عبث السياسة حين تستبد بها الأوهام، وتنقطع صلتها بالحسابات الواقعية وبالمصلحة الوطنية العليا. المطلوب ليس الانحناء أمام الطغيان، بل الوقوف على أرض صلبة. المطلوب ليس الصراخ في وجه العدو، بل بناء الداخل أولًا، ومن ثم التوجه إلى الخارج بوعي وقوة وقدرة على الفعل.

ختامًا، إننا في أمسّ الحاجة إلى بناء تضامن وطني حقيقي، وإلى خطاب عقلاني يوازن بين الطموح والقدرة، بين الشجاعة والحكمة. وحده ذلك الطريق هو ما يجعل من التحدي فعلًا مشروعًا، ومن المقاومة خيارًا قابلًا للنجاح، لا انتحارًا باسم المجد.