أين اختفى اليساريون الإسرائيليون؟!
توفيق أبو شومر
2025 / 4 / 1 - 22:13
شبَّهَ الحارديمُ بقايا اليساريين في إسرائيل قالوا: اليساريون يشبهون العماليق أعداء إسرائيل، هم الطابور الخامس، هم أغيار (جنتلز) يتكلمون اللغة العبرية، يجب محاربتهم والقضاء عليهم. ظهرت يافطة في أعقاب اغتيال، اسحق رابين في القدس مكتوبٌ فيها: "هلموا لضرب العماليق، العماليق، اليساريون الإسرائيليون هم أسوأ أعداء اليهود، الحاريديم لم يُجندوا للجيش، بل هم مجندون لمحاربة اليسار، إن التصويت لأي مرشح علماني خطيئة دينية"! (يديعوت أحرونوت 13-9-1998م)
هناك عضو كنيست انشقَّ عن حزب شاس، والتحق بحزب الليكود، وهو، ديفيد إمسالم قال قي لقاء له مع راديو، كان يوم 26-3-2025م: "لكي نحافظ على الديموقراطية لا بد من الصدام مع اليساريين، ها هو، يائير لبيد اليساري رئيس حزب هناك مستقبل يدعو لثورة ضرائبية في إسرائيل"!
شبَّه الكاتبُ، تسفي رخلبسكي اليساريين في كتابه، حمار المسيح بأنهم يشبهون (حمارالماشيح) فهم كالحمار الذي امتطاه الماشيح ليصل إلى القدس، هذا الحمار لم يعد يساوي إلا الموت بعد أن أنهى مهمته. (صحيفة معاريف 14-10-1998م)
أما الحاخام السفاردي الأكبر، عوفاديا يوسيف المتوفى عام 2013 قال عن اليساريين والعلمانيين الإسرائيليين: "العلمانيون يكرهوننا أكثر من الأغيار، كل مَن يُدخل أبناءه المدارس الحكومية يحكم عليهم بالموت"!
رد اليساري وزير المعارف السابق، يوسي سريد: "كنتُ سآخذ عوفاديا من يده لأجل تثقيفه، لعله يصبح إنسانا، إنه لا يهمني، ما يهمني هم أطفال شاس، لأن من يدخل مدارسهم يصبح جاهلا! (صحيفة معاريف 27-8-200م)
قالت الوزيرة البرفسورة، يولي تمير في مقال لها في صحيفة هآرتس: إن اليسار الإسرائيلي قد اختفى! ففي استطلاعات الرأي عام 2002م جاءت النسب التالية: "20% من الإسرائيليين هم من اليسار، و17% هم في الوسط و50% يتراوحون بين اليمين المعتدل والمتطرف، إن قلب الإجماع الإسرائيلي يدق في اليسار، المؤيد للحل السلمي مع الفلسطينيين، و60% يؤيدون إقامة دولة فلسطينية مع إخلاء عدد من المستوطنات، كما أن 45% يعتبرون أنفسهم من اليمين، يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، أما فكرة أرض إسرائيل الكبرى فقد صارت في ذمة الله، وظل الفارق بين اليسار واليمين في الإحساس الداخلي فقط" هآرتس 24-3-2002م.
يختلف تعريف اليسار في إسرائيل عن تعريف اليسار بالمفهوم الأكاديمي، فاليسار الحزبي الإسرائيلي يسارٌ بالقياس لليمين في إسرائيل أي أنه أقل تشددا في المجال الإعلامي، ما عدا بعض الأحزاب التي كانت تتبنى الفكر اليساري الأكاديمي، وبخاصة حزب ميرتس، الذي يرقد اليوم في العناية المركزة، وليس له فرصة للفوز في أية انتخابات قادمة، ونوعا ما حزب العمل السابق قبل عام 2000، ولكن حزب العمل الحالي نكص عن مبادئه وأصبح يتقرب من اليمينيين لدرجة أنه غيَّر اسمه ليصبح، حزب المعسكر الصهيوني، مع الاستدراك بأن هناك يساريين إسرائيليين كثر في المجال الفكري والأكاديمي، وليس حركات وأحزاب يسارية، أي هناك يساريون ينادون باليسارية الحقيقية، رفضوا الاحتلال، ورفضوا الصهيونية، هؤلاء تعرضوا للمطاردة من المكارثية اليمينية في إسرائيل، اضطروا للصمت، كما أن أكثرهم هاجر من إسرائيل.
أوشك اليسار في بداية الألفية الثالثة أن يهيمن على السلطة في إسرائيل عندما ظهر تيار المؤرخين الجدد، أو تيار ما بعد الصهيونية، عندما فتحت ملفات الحكومات الإسرائيلية السابقة، فاكتشف كثيرٌ من اليساريين وأساتذة الجامعات في إسرائيل بأن تاريخ إسرائيل هو أساطير، أو ميثولوجيا، اكتشفوا أن الفلسطينيين قد طردوا من بيوتهم، بالقوة ولم يرحلوا بطلبٍ من الزعماء العرب، واكتشفوا أن العصابات الصهيونية نفذت المجازر لترحيل الفلسطينيين من بيوتهم، واكتشفوا أيضا بأن العرب كانت لديهم رغبة في التفاوض مع الإسرائيليين، وأن زعماء إسرائيل امتنعوا عن إجراء المفاوضات مع الزعماء العرب، وأصدروا كتبا وأبحاثا عديدة في هذا الموضوع مما شكل حافزا للدعوة إلى هجرة المبدعين اليساريين من إسرائيل، مما دفع البرفسورة السيدة، ميشيل رينوف لدعوة المبدعين اليساريين الإسرائيليين للرحيل إلى إقليم بايروبيدجان في روسيا، وهو وطنهم الحقيقي بدلا من إسرائيل!
هذا أشعل الضوء الأحمر أمام الحارديم وشرعوا في تنظيف إسرائيل من اليساريين والعلمانيين، وبدأوا بمؤسسات العلمانيين الرئيسة مثل المنظمة العمالية الكبرى الهستدروت ومنظومة الكيبوتسات، التي كانت في القرن الماضي مكياج إسرائيل اليساري لمغازلة الدول الاشتراكية والشيوعية، لذلك بدأ رؤساء الأحزاب اليمينية في إضعاف الكيبوتسات، تمهيدا للقضاء على اليساريين والعلمانيين، قال الصحفي حجاي سيغال في صحيفة معاريف 22-8-2000م: "تستلقي الحركة الكيبوتسية في القرن الواحد والعشرين فوق نقالة الموتى، سوف تعلن نحو ثلث الكيبوتسات إفلاسها، كما أن الوضع الديموغرافي سيء جدا، إذ أن الإحصائية تقول: ولد في كل الكيبوتسات 570 طفلا، في مقابل 1250 طفلا في عام 1990، معدل أعمار الجيل الكيبوتسي اثنتان وخمسون سنة، غرف الطعام في الكيبوتس أصبحت مطابخ خاصة، الزراعة تقزّمتْ، صارت الكيبوتسات تدفع الأجور للأعضاء، سيمنح ساكنو الكيبوتس ملكية شقة، تصوروا"!
أما البرفسور، موشيه شكيد، برفسور الأنثروبولجي في جامعة، تل أبيب وصف بمرارة اندثار المؤسسات اليسارية بعد عام آخر، أي عام 2001م، وهي بداية هزيمة اليسار والعلمانية، ذكر بسخرية أن الطريق لظهور الماشيح قد بدأتْ بزوال اليسار العلماني! قال في مقال ساخر بعنوان فلنشكل السنهدرين وهو مؤسسة دينية أصولية حريدية: "ألسنا نملك مدارس دينية فاخرة وكبيرة؟! ها هي الكيبوتسات تندثر، إليكم الخبر السار: العلمانيون يفرون من القدس، فلنجعل مساكنهم لطلاب المدارس الدينية لتتحقق معجزة اقتحام أريحا، ويأتي الخلاص لصهيون بعد زوال الدنس والمدنسين، ويتناثر أعداؤنا في كل حدب وصوب، ليعود التاج إلى سابق عهده"! (صحيفة معاريف 19-11-2001م)!
أخيرا، سأظل أتذكر قول الحاخام الأكبر، ابراهام كارليتس يشعياهو لبن غريون عام 1952م: "مثل الحارديم واليساريين، كمثل عربتين التقتا فوق جسر ضيِّق، عربة الحارديم المملوءة بالدين والعقيدة، وعربة العلمانيين الفارغة، لذلك على العربة الفارغة أن تُخلي الطريق للعربة الأولى المملوءة بالدين"!!