المسألة القوميّة الكرديّة – - نداء القرن - حلّ أم تفسّخ ؟ [ تقييم لتصريح عبد الله أوجلان في 27 فيفري 2025 ]
شادي الشماوي
2025 / 3 / 30 - 22:51
منشورات الحزب الشيوعي التركي الماركسي -اللينيني
www.tkpml.com
( ملاحظة : هذا الكرّاس تقييم ل " نداء مجتمع سلمي و ديمقراطي " أطلقه عبد الله أوجلان ، قائد حزب العمّال الكردستاني في 27 فيفري 2025 )
أوّلا ، لا بدّ من تذكير ضروريّ . عقب " عمليّة طوفان الأقصى " التي نفّذتها المقامة الوطنيّة الفلسطينيّة في 7 أكتوبر 2023 ، شهد الشرق الأوسط تطوّرات ذات دلالة تاريخيّة . فقد شنّت إسرائيل عمليّات عسكريّة بداية ضد غزّة و تاليا ضد لبنان . و في الأثناء ، في سوريا ، تداعى نظام البعث ، و سلّمت السلطة إلى عصابة سلفيّة - جهاديّة ، هيئة تحرير الشام .
إنّ التناقضات بين القوى الإمبرياليّة على الصعيد العالمي تصاعدت لتبلغ حربا معلنة مع غزو روسيا لأوكرانيا و الحروب و النزاعات القائمة في الشرق الأوسط . و هذا الوضع فرض إعادة تشكيل التحالفات و إعادة الإصطفاف في صفوف القوى الرأسماليّة – الإمبرياليّة إستنادا إلى هذه التناقضات . و كلا الجانيان يعدّان لحرب جديدة لإعادة تقسيم العالم ( الحرب الإمبرياليّة الثالثة لإعادة تقسيم العالم . )
بكلمات الرئيس ماو ، " هناك فوضى تحت السماوات " .
و من غير المعقول أن لا تؤثّر هذه التطوّرات على الدولة التركيّة و الطبقات الحاكمة في تركيا . فمنذ تأسيسها ، كانت تركيا سوقا شبه مستعمَرة للإمبرياليّة ، و نظرا لموقعها الجغرافي السياسي ، خدمت ك " حارس منطقة " لدي القوى الإمبرياليّة، جاعلة هذا الوضع حتمي أكثر تماما .
و في حين أنّ غايات و أهداف تركيا في سوريا معروفة جدّا ، فإنّ ظهور الإدارة الذاتيّة لشمال و شرق سوريا – بقيادة الحركة القوميّة الكرديّة وهي تشمل عدّة قوميّات و معتقدات ، لا سيما القوميّة العربيّة – أضحى عاملا حيويّا . و مع إكتساب هذا " الحكم الذاتي " بصفة متنامية آفاق بلوغ وضع رسميّ ، إضطرّت الطبقات الحاكمة التركيّة إلى تطوير سياسة جديدة بشأن القضيّة القوميّة الكرديّة .
فتوجّهت الدولة الكرديّة من جديد إلى عبد الله أوجلان الذى أبقته في عزلة شديدة بجزيرة إمرالى طوال 26 سنة . و ظهرت تقارير عن أنّ سيرورة لم تقع تسميتها رسميّا " سيرورة حلّ " كانت قائمة عقب الإجتماعات التي بدأت على ما يبدو قبل سنة من ذلك . و نتيجة هذه السيرورة ، في 27 فيفري 2025 ، أعلنت " بعثة إمرالى " نداء عنوانه " مجتمع سلمي و ديمقراطيّ " ، كتبه أوجلان شخصيّا . و إثر تلاوة البيان بكلّ من اللغتين الكرديّة و التركيّة ، عضة من البعثة سيري سوريّا أندار نشر ملاحظة ساقها أوجلان : " بينما نتقدّم بهذا الأفق ، فإنّه يتطلّب بلا شكّ التخلّى عن السلاح ، و تفكيك صفوف حزب العمّال الكردستاني و الإعتراف بالإطار القانوني و السياسي للسياسة الديمقراطيّة ".
و هذه التطوّرات أعادت من جديد و إلى الواجهة تركيز النقاشات على المسألة القوميّة الكرديّة . و بطبيعة الحال ، مقاربات " الأحزاب " لهذه السيرورة متباينة بشكل دراماتيكي . تبنّت الحركة القوميّة الكرديّة نداء أوجلان و أعلنت أنّ قوّات الأنصاريّين سيسلّمون سلاحهم . و أكّدت أنّ الحركة القوميّة الكرديّة لا شروط لديها بشأن هذه السيرورة . و كما وضع ذلك سيري سوريّا أوندار من " بعثة " امرالى " : " لا شروط لهذا . لا شروط مسبّقة و لا شروط لاحقة " ( 3 مارس 2025).
و موقف الناطقين الرسميّين باسم الدولة التركيّة معروف جدّا بحيث أنّه يجعل من غير المفيد تكراره .
و ليست هذه هي المرّة الأولى التي إنخرطت فيها الدولة التركيّة في مفاوضات مباشرة و غير مباشرة بشأن المسألة القوميّة الكرديّة . و على سبيل المثال ، سنة 1993 ، في ظلّ مبادرات الرئيس ترغت أوزال ، صرّح قائد حزب العمّال الكردستاني، عبد الله أوجلان بإيقاف لإطلاق النار إحادي الجانب لأوّل مرّة في 20 مارس 1993 .
و عقب وقوع أوجلان في الأسر في 15 فيفري 1999، نتيجة مؤامرة عالميّة ، دعا إلى إيقاف إطلاق نار آخر ، صرّح حزب العمّال الكردسناني بقبوله في سبتمبر 1999 . و إلى جانب هذا ، صدرت أوامر بإنسحاب القوّات الأنصاريّة من الحدود التركيّة . و قد طبّق حزب العمّال الكردستاني بدرجة كبيرة هذه الدعوة و أطلق فترة " عدم تحرّك إحادي الجانب " دامت إلى 2004 .
و لمّا أخفقت الدولة التركيّة في إتّخاذ أيّ خطوات بإتّجاه " حلّ " ، وضع حزب العمّال الكردستاني إيقاف إطلاق النار من جانب واحد و إستأنف النضال المسلّح في 1 جوان 2004 . و شنّ حزب العدالة و التنمية ما سمّي بسيرورة " المبادرة الديمقراطيّة " سنة 2009 تحت إسم " الوحدة القوميّة و مشروع الأخوّة " . و إستؤنفت المحادثات مع عبد الله أوجلان على جزيرة إمرلى و بين مسؤولين من منظّمة المخابرات القوميّة ( MIT ) و بعض ممثّلى حزب العمّال الكردستاني ) من اللجنة المركزيّة ) في أوسلو ، بأوروبا . و جدّت هذه المحادثات المعروفة بمحادثات أوسلو تمّت بين 2009 و 2011 .
و في ديسمبر 2012 ، أعلن ما كان حينها الوزير الأوّل رجب طيب أردوغان على الملأ أنّ المفاوضات كانت جارية مع أوجلان بجزيرة إمرالى . و بعد هذا التصريح ، في بدايات 2013 ، عقد ممثّلو الحكومة ، بقيادة نائب السكرتير العام للمخابرات ، مباحثات " بعثة إمرلى " . و هذه الفترة التي دامت من 2013 إلى 2015 و صارت معروفة ب " سيرورة الحلّ " في الخطاب العام ، شهدت حكومة حزب العدالة و التنمية تقطع خطوات لمأسسة السيرورة . و في 2014 ، وقع تمرير قانون ، و بعث المجلس القومي الأعلى التركي " لجنة حلّ " و شكّل " لجنة حكماء " . و في 21 مارس 2013 ، أثناء إحتفالات نيروز في آماد ، قُرأت رسالة أوجلان على الملأ . و في 28 فيفري 2015 ، بعثة إمرلى و ممثّلون لحكومة حزب العدالة و التنمية عقدوا ندوة صحفيّة مشتركة في قصر دولمابهسى . و خلال هذه الندوة الصحفيّة ، جرت تلاوة إطار المفاوضات في 10 نقاط الذى صاغه أوجلان و أُعلن أنّ أوجلان يدعو حزب العمّال الكردستاني إلى عقد مؤتمر خارق للعادة في الربيع لأخذ قرار بصدد نزع السلاح . و مع ذلك في مارس 2015 ، عارض الرئيس رجب طيّب أردوغان إتّفاق دولمابهسى ، مؤكّدا أنّه لم يوافق عليه و مصرّحا ، " لا أعترف بالإتّفاق " .
و مع نهاية 2024 ، ظهرت تقارير مفادها أنّ سيرورة " مفاوضات " جديدة كانت دائرة بين الدولة التركيّة و عبد الله أوجلان . و كانت هذه السيرورة مغايرة للسيرورات السابقة في كونها لم تنعت رسميّا بأنّها " سيرورة " و أنّ تفاصيل اللقاءات لم تعلن للجمهور . و بينما جاء في تقارير أنّ الحركة القوميّة الكرديّة لم تعبّر عن أيّة شروط أو أيّ طلبات ، فإّن الدولة التركيّة ، من ناحيتها ، لم تقدّم أيّ إلتزامات أو تنازلات . و النتيجة ، تظلّ طبيعة هذه السيرورة غير معلومة . و مع ذلك ، يجب التشديد على أنّ تجديد الدولة التركيّة التعاطى مع عبد الله أوجلان بصدد القضيّة القوميّة الكرديّة له دلالته . و يعزى ذلك أوّلا ، على التطوّرات الجارية في الشرق الأوسط ، خاصة في سوريا . و بالتالى ، من الأساسي تحليل السياسة الجديدة للدولة التركيّة في هذا السياق .
تعزيز الجبهة الداخليّة :
إنّه من المفهوم أنّ العدوان الإسرائيلي ، و السيرورة الجارية في سوريا و التطوّرات العامة في الشرق الأوسط قد دفعوا الدولة التركيّة بإتّجاه تطوير سياسة جديدة . و علامات هذه السياسة أخذت تطفو على السطح قبل سنة . و أتت الإشارة الأولى عندما شدّد رئيس تركيا ورئيس حزب العدالة و التنمية رجب طيّب أردوغان ، " حينما ننظر إلى الأحداث التي نعيشها اليوم ، بوسعنا أن نرى بوضوح أكبر بكثير لمدى حيويّة الجبهة الداخليّة بالنسبة إلى الأمّة " ( 30 أوت 2024 ). و لاحقا ، في نيويورك خلال الاجتماع العام 79 للأمم المتّحدة ، كرّر أردوغان هذا التشديد مصرّحا ، " أهداف جبهتنا الداخليّة هي " تفّاحتنا الحمراء " " ( 27 سبتمبر 2024 ).
و على خطى أردوغان ، أكّد قائد MHP دفلات بهسالى هو الآخر على " الجبهة الداخليّة " مشيرا إلى أنّ " واجبنا الأوّلي هو تعزيز جبهتنا القوميّة و الروحيّة ضد العالم الفوضويّ . جبهتنا الداخليّة التي تعرف زعزعة ، و وحدتنا و تضامننا المهدّدان بالتفكّك لا يمكن تجاهلهما و لن نسمح بذلك ". ( 2 أكتوبر 2024 )
و كنتيجة لهذه الإستراتيجيا الجديدة ، إنطلقت السيرورة عندما إشتبكت أيادي قائد MHP دفلات بهسالى مع مجموعة حزب DEM في المجلس القومي الأعلى في 1 أكتوبر 2024 . و في اليوم عينه ، صرّح بهسالى ، " ندشّن عهدا جديدا . و بينما ندعو إلى السلام في العالم ، علينا أيضا أن نضمن السلام داخل بلدنا الخاص ".
و في ذلك اليوم نفسه ، رئيس تركيا ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيّب أردوغان قال في خطابه أمام الجمعيّة العامة، " بات الآن أكثر من ضروري – إنّه واجب – تحقيق ذلك إزاء العدوان الإسرائيلي ، ليست منطق نزاع بل مناطق مصالحة هي التي يجب أن تتصدّر أعمالنا محلّيا و عالميّا ". و كمزيد من الإشارات لهذه الإستراتيجيا السياسية الجديدة ، في 22 أكتوبر 2024 ، أفاد بهسالى خلال اجتماع مع مجموعة من MHP في البرلمان ، " إذا ما تمّ التخفيف من عزلة قائد الإرهابيّين ، دعوه يأتي و يتكلّم في اجتماع مجموعة حزب DEM في البرلمان . دعوه يُعلن أنّ الإرهاب قد إنتهى نهائيّا و أنّ التنظيم قد جرى تفكيكه ." و تابع أردوغان ذلك بتصريح : " نأمل نافذة الفرصة التاريخيّة المفتوحة بفضل التحالف الشعبي لن تهدر من أجل مصالح خاصة . " ( 2 أكتوبر 2024 ) و إثر هذه المواقف ، نشرت " بعثة إمرالى " بيان عبد الله أوجلان تحت عنوان " مجتمع سلمي و ديمقراطي " ، بمناسبة السنة 26 لسجنه من قبل الدولة التركيّة . و مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك أعلاه ، رغم أنّ أوجلان هو الذى صاغ هذا البيان بنفسه ، يبدو أنّه في الأساس إفراز مفاوضات جرت طوال السنة الفارطة بين مسؤولين من الدولة التركيّة و اوجلان ، مفضية إلى بعض التفاهمات . و بما أنّه لم يتوفّر أيّ تفسير رسميّ إلى الرأي العام بشأن طبيعة هذه المحادثات أو " الإتّفاق " الذى وقع التوصّل إليه ، فإنّ تقديم تقييم ملموس أمر صعب . و مع ذلك ، من المفهوم أنّه مقابل تسليم حزب العمّال الكردستاني لسلاحه و حلّ الحزب نفسه ، إتّخذت الدولة التركيّة بعض الإجراءات .
و وفق المعلومات المتوفّرة للعموم ، المفاوضات و المحادثات بين الدولة التركيّة و عبد الله أوجلان كانت قائمة طوال السنة الماضية . و يبدو أنّ الدولة التركيّة قد أقامت هذه السيرورة مع أوجلان الذى هو في أسرها – و هذا وضع إشكالي أصلا و جوهريّا غير عادل . في ظلّ مثل هذه الظروف ، من الضروري الحديث عن " دبلوماسيّة سرّية " . و هذا بدوره يحدّد من القدرة على إجراء تقييم موضوعي للمسألة .
هل يعتبر نداء أوجلان إستسلاما ؟
أوّلا و قبل كلّ شيء ، ينبغي ملاحظة أنّه من العادي لأطراف متحاربة أن تنخرط في مفاوضات مع أعدائها ، و تمضى في " سيرورات سلام " أو تدخل في إيقاف إطلاق نار من الجانبين أو إحادي الجانب . عبر التاريخ ، الشيوعيّون و قادة حركات التحرّر الوطني و الاجتماعي المتنوّعة إتّخذوا مثل هذه الخطوات العمليّة . و يجب إعتبار مثل هذه الخطوات مناورات تكتيكيّة تخدم هدف الثورة و التحرير ، طالما لم يقع التخلّى عن ذلك الهدف .
و بالرغم من كون نداء أوجلان في 27 فيفري 2025 المتضمّن لتفكيك حزب العمّال الكردستاني يعنى قطيعة سياسيّة هامة ، لا ينبغي نسيان أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي أصدر فيها مثل هذا النداء . فبالفعل ، أكّد أوجلان سابقا في عديد التصريحات و الكتابات أنّه نظرا للتراجعات التي عرفتها الإشتراكيّة و إنهيار الأنظمة التحريفيّة المعاصرة ( ما يسمّيه أوجلان " إنهيار الإشتراكيّة الواقعيّة " ) ، لا بدّ من تغيير في الخطّ ( ما يحيل عليه ب" المنعرج المبدئي " ) و أنّه يتعيّن تبنّى مناهج و طرق تنظيميّة جديدة .
و قد ظهر حزب العمّال الكردستاني ( PKK ) في البداية كحركة قوميّة متأثّرة بالماركسيّة ، تخوض حربا ثوريّة ضد سياسات الطبقات الحاكمة التركيّة المنكرة للقوميّات الأخرى و العاملة على القضاء عليها . و مع ذلك ، في مواقفه و دفاعه عقب أسره ، تخلّى أوجلان " عن الحقّ في الإنفصال " بما يعنى مطلب إقامة دولة منفصلة . و بدلا من ذلك ، قاد الحركة القوميّة الكرديّة بإتّجاه ما صاغه مفهوميّا على أنّه " الحداثة الديمقراطيّة " المتميّزة ب " مبدأ بيئي و تحريري للنساء و أمّة ديمقراطيّة " .
في مواقفه و دفاعه ، حدّد أوجلان منعرجه الإيديولوجي على أنّه " قطيعة مع الإشتراكيّة الواقعيّة " و نأى بنفسه عن الأفكار الإشتراكيّة – الثوريّة التي أثّرت في تأسيس حزب العمّال الكردستاني . و بدلا من ذلك ، أدخل نماذج بديلة متنوّعة بما فيها النظريّات البيئيّة و التيّارات " ما بعد الماركسيّة " و النزعات الفوضويّة ، ك " نموذج تنظيمي جديد " للحركة القوميّة الكرديّة . بهذا المعنى ، لا شيء " جديد " حقيقة في البيان الأخير لأوجلان .
و مع ذلك ، كما رأينا ذلك في الموقف الحديث ، يبدو أنّ هذا " المبدأ " قد وقع التخلّى عنه . يلاحظ بشكل واضح أن ّاوجلان قد وصف حزب العمّال الكردستاني ، التنظيم الذى قاده هو عند تأسيسه ، على أنّه يعانى من " نقص في المعنى و التكرار المبالغ فيه " . و بينما تعنى هذه الملاحظة قطيعة سياسيّة مهمّة ، يجب كذلك فهمها على أنّها نداء للقيادة العمليّة للحركة القوميّة الكرديّة كي " تجري تحديثا لمعناها " . و هكذا ، سيكون من غير المناسب تأويل موقف أوجلان على أنّه موقف " إستسلام " . و نظرا لموقفه الإيديولوجي و مناوراته السياسيّة و براغماتيّته / نفعيّته كممثّل لحركة قوميّة ، يصبح الأمر أدلّ حتّى . و بالتالى ، تقليص المسألة إلى مجرّد " تصفويّة " و " إستسلام " أو حتّى " خيانة " سيكون أمرا مضلّلا . لا ينبغي نسيان أنّ الأمّة الكرديّة قد تمرّدت حتّى قبل حزب العمّال الكردستاني و مع هذا الحزب و إستمرّت في تمرّدها بواسطة حرب أنصاريّة طويلة الأمد . نضال قومي تكبّد الإضطهاد و منع وجوده و لغته و عرف مجازرا لا يمكن ببساطة تلخيصه في " إستسلام " في هذه المرحلة . و إضافة إلى ذلك ، القضيّة القوميّة الكرديّة ليست منحصرة في كردستان تركيا فحسب ؛ إنّها تواصل الوجود بأشكال مختلفة عبر مختلف أنحاء كردستان .
عند هذه النقطة ، القضيّة القوميّة الكرديّة قد تجاوزت " مبدأ " أوجلان المرّة تلو المرّة . و ردود الفعل تجاه بيانه قد وضعت حتّى أكثر الأمّة الكرديّة و واقع كردستان على الأجندا العالميّة . و الوجه الأول المسؤول على هذا الوضع ليس شخصا آخر بل أوجلان ذاته الذى ظلّ في سجن إنفرادي شديد في جزيرة طوال 26 سنة . و رغم كلّ نقاط ضعفه و هناته ، النضال المستمر للأمة الكرديّة و فوق كلّ شيء ، مقاومتها المسلّحة كانت العامل المحدّد . و حتّى في وضعها الراهن ، الحركة القوميّة الكرديّة التي إنطلقت في كردستان تركيا و لاحقا توسّعت إلى كردستان العراق و سوريا و إيران ، باتت موضوع خطاب سياسي ليس في الشرق الأوسط فحسب بل كذلك عالميّا . و لا شكّ في أنّ هذا قد شكّلته القيادة العمليّة لحزب العمّال الكردستاني و رفع الشعب الكردي أوجلان إلى رمز ل " القيادة القوميّة " حتّى و إن لم يكن ذلك في الممارسة المباشرة .
لهذا السبب ، من الإشكالي تقييم الوضع على مقدّمة أنّه في ظلّ قيادة أوجلان ، قد إستسلمت الحركة القوميّة الكرديّة من خلال المفاوضات و يستعدّ لحلّ نفسه ، و بالتالى فرض تصفية الحركة الثوريّة ككلّ . و تقييم المسألة فقط على أساس هذه الإمكانيّة جوهريّا مسألة خطّ إيديولوجي و سياسي . و تظلّ القضيّة القوميّة الكرديّة أحد التناقضات الأوّليّة في منطقتنا . و معالجته ، سواء عبر هذه الطريقة أو تلك ، أو تقليص في شدّة و إستعجاليّة لا يعنى بالضرورة أنّ تناقضات أخرى في منطقتنا ، أو بالفعل التناقض الرئيسي ، ستحلّ كذلك .
و الذين يؤسّسون تحليلهم و نقدهم بأكمله تماما على " الإستسلام " و " التصفية " يعرضون عدم أمانهم هم الإيديولوجي و السياسي . و الأهمّ ، يكشفون نزعتهم إلى ربط كامل السيرورة الثوريّة حصريّا بنضال الأمّة المضطهَدَة ، مستهينين بالصراع الطبقي الأشمل .
شأنها شأن أيّ حركة قوميّة ، بوسع الحركة القوميّة الكرديّة ، طبعا ، التوصّل إلى إتّفاقيّات و تسويات مع العدوّ الذى تقاتل ضدّه . و هذه الإمكانيّة وُجدت منذ لحظة ظهور الحركة القوميّة ، و في بعض المراحل من الحرب ، يمكن تفهّم أن تقرّ الحركة و تسلّط الضوء على هذه الإمكانيّة كإعتبار تكتيكي . و مع ذلك ، التركيز المستمر على هذه الإمكانيّة كقضيّة أولى يعكس مقاربة إشكاليّة . ما يجب أن يظلّ دون مساومة ليس الإمكانيّات بل المبادئ . و من الأساسي أن لا نتردّد بخصوص المبادئ بينما تتمّ المحافظة على المرونة في صياغة السياسات وفقا لظروف ملموسة .
مبدأ : حقّ الإنفصال الحرّ
أوّلا و قبل كلّ شيء ، من الإشكالي أنّ مثل هذا الحقّ الجوهريّ مثل حقّ الإنفصال الحرّ ، و هذا ينبع من ذات وجود أمّة مضطهدَة ، يتمّ التخلّى عنه ، خاصة عندما يقع التعبير عن هذا التخلّى من قبل شخص واحد ( أوجلان ) في ظلّ ظروف أسر . و أبعد من ذلك . نقد الشرعيّة و العدالة اللتين يرتكز عليهما نضال الأمّة المضطهَدَة ، بينما يجرى إقتراح تسوية ( أو إتّفاق ) مع الطبقة الحاكمة البرجوازيّة للأمّة المضطهَدَة ، لا يغيّر واقع أنّ الأمّة الكرديّة في تركيا تظلّ أمّة مضطهَدة .
و مظهر إشكالي آخر لبيان أوجلان هو تشديده على ما يسمّى " المصير المشترك للأتراك و الأكراد ". و هذا الخطاب عادة ما يُستخدم من ممثّلى الأمّة المضطهِدة . و جمل مثل " الأخوّة " و " نحن مثل اللحم و العظام " لا يخدم سوى التغطية على و شرعنة الإضطهاد الذى تمارسه الأمّة المهيمنة على الأمّة المهيمن عليها . و الأخوّة الحقيقيّة بين الأمم لا يمكن إلاّ أن تناقش لمّا يتمّ الإعتراف بالمساواة القوميّة التامة . و بالتالى ، المسألة الحقيقيّة ليست تجديد و تعزيز " التحالف التركي – الكردي " و إنّما هي بالأحرى نهاية للمظالم التاريخيّة المفروضة على الأمّة الكرديّة .
و يوجد الأكراد في تركيا كأمّة و هم عرضة للإضطهاد القومي من الأمّة المهيمنة . و لا تُنكر التغييرات في شكل أو مناهج هذا الإضطهاد – سواء تنامت شدّتها أو تراجعت – واقع أنّ الأكراد أمّة . و كذلك لا يجعل من غير الصالحة مطالبهم الشرعيّة و العادلة و الديمقراطية ، فوق كلّ شيء ، حقّ الإنفصال الحرّ ، التي تنبع من وضعهم كأمّة .
عامة ، القضيّة القوميّة ، و بخاصة القضيّة القوميّة الكرديّة ، في نهاية المطاف مسألة حقوق و مكانة . و مثلما يوحى اللفظ نفسه ، ليس فقط مشكل يجب حلّه على أساس طبقيّ . و في حين أنّ الحلّ النهائي مرتبط بالصراع الطبقي ، هذا لا يمنع ذلك من إنتاج " حلول " وسطيّة متنوّعة طوال الطريق . في عصر الإمبرياليّة و الثورات البروليتاريّة ، وقع ، بطريقة أو أخرى ، " حلّ " بعض المسائل القوميّة بواسطة التدخّل الإمبريالي .
مطلب تشكيل دولة الذى هو في قلب المسألة القوميّة بمعنى ضمان الحقوق القوميّة و تركيز مجال إقتصادي مستقلّ ، يمكن أن يتّخذ أشكالا متنوّعة . و يمكن أن يتطوّر إلى توافقات مثل الحكم الذاتي أو الفيدراليّة ، كما رأينا ذلك في أمثلة تاريخيّة متنوّعة . و بالفعل تركيز الحقوق الثقافيّة الجماعية و المكانة السياسيّة و الهياكل التنظيميّة ، خاصة بشأن اللغة ، يمثّل مرحلة متقدّمة من أفق المعيار القومي . و بهذا المعنى ، يمثّل تحوّلا في المكانة . و زيادة على ذلك ، هذه المطالب هي المطالب الديمقراطيّة للبرجوازيّة الوطنيّة المضطهَدَة ضد الطبقة البرجوازية الحاكمة للأمة المضطهِدة . و إمكانيّة إستخدام الإمبرياليّة لهذه المطالب أو إستعمالها لخدمة مصالح أخرى لا ينفى صلوحيّة مضمونها الديمقراطي . و في حالتنا الخاصة ، حلّ المسألة القوميّة الكرديّة يكمن في تلبية الحقوق القوميّة – الجماعيّة للأمّة الكرديّة ، بما فيها حقّ الإنفصال و الفدراليّة و الحكم الذاتي و الحقوق الثقافيّة . و التخلّى عن أو رفض المطالبة بهذه الحقوق القوميّة – الجماعيّة لا يعنى أنّ المسألة القوميّة الكرديّة قد وقع حلّها ، و لا يشير إلى أنّ التناقض بين الأمم المضطهِدة و الأمم المضطهَدة قد إضمحلّ .
لهذا السبب ، في نداء أوجلان من أجل " مجتمع سلمي و ديمقراطي " يؤكّد أنّ " النتيجة الحتميّة للإنسياق القومي المبالغ فيه ، مثل إنشاء دولة – أمّة منفصلة ، و فدراليّة و حكم ذاتي إداري و حلول ثقافويّة ، يخفق في تقديم إجابة لسوسيولوجيا المجتمع التاريخي ". و بينما يشير هذا إلى طريق مسدود في معالجة المسألة القوميّة ، فهو ضمنيّا يقبل بميزات الأمّة التركيّة في الحصول على دولة فيما ينبذ ، حتّى بالمعنى الديمقراطي - البرجوازي ، حقّ الأمّة الكرديّة في إقامة دولة مستقلّة، حقّ ينبع من مكانتها كأمّة . و هكذا نظرة ، طبعا ، غير مقبولة من الشيوعيّين .
و في تركيا ، تظلّ المسألة القوميّة الكرديّة عالقة . و تبقى بكلّ شدّتها . و على عكس مزاعم أوجلان ، قضيّة الحقوق القوميّة للأمّة الكرديّة لا تزال قائمة .
هل إنتهى عصر الكفاح المسلّح ؟
هذا من ناحية و من الناحية الأخرى ، من الضروري أن نشير إلى الواقع التالي : حين يتعلّق الأمر بمعالجة المسألة القوميّة الكرديّة ، لا بدّ من توخّى الحذر إزاء الروايات التي يمكن أن تصاغ على أنّها " تسليم السلاح و فتح قناة سياسيّة " وهي روايات قد لقيت كذلك صدى في صفوف الحركة الكرديّة . و بينما من المفهوم أن يروّج الذين هم إلى جانب الأمّة المضطهِدة مثل هذه الروايات ، فإنّه ليس لها أيّة قيمة واقعيّة بالنسبة إلى البروليتاريا و شعوب العالم المضطهَدَة . و مع ذلك ، " بدون جيش شعبي ، لن يكون هناك شيء للشعب " [ المترجم – مقولة شهيرة لماو تسى تونغ ]. و هذا مبدأ آخر .
و بطبيعة الحال ، " النضال السياسي الديمقراطي بدلا من الكفاح المسلّح " خيار . بيد أنّ وجود من عدم وجود ظروف لمثل هذا الخيار أمر حيويّ . في ظلّ الظروف الراهنة في تركيا ، تاركين جنبا العراقيل المعلومة جيّدا ل " النضال السياسي الديمقراطي " ، حتّى أقلّ فتات من الديمقراطيّة البرجوازيّة لم يعد بعدُ مسموحا به .فى تركيا ، ظروف " الديمقراطية السياسيّة " وُجدت على الدوام على الورق ، لكن عمليّا ، لا أساسا واقعيّا لها . الفاشيّة ليست مجرّد شكل من الحكم ؛ إنها ذات نموذج الحكم و جوهر السياسة عينها . لهذا ، حتّى أقلّ مطالبة بالحقوق أو أيّ نضال ديمقراطي و ثوري يواجه بالإرهاب الفاشيّ . و في الفترة الأخيرة ، في ظلّ ما يسمّى ب " نظام الرئيس " فاشيّة AKP-MHP فرضت سياسة قمع فاشيّ ضد كافة المطالب الديمقراطيّة ، بما فيها حرّية التعبير . و من الذين عاشوا هذا الواقع بأكبر حدّة هي الأمّة الكرديّة .
و لا ينبغي نسيان أنّ حركة الأمّة الكرديّة لجأت إلى الكفاح المسلّح لأنّهم ما من طريق للنضال الديمقراطي ، بما أنّه كان ممنوعا و محرّما عليها . و لم يكن ذلك مجرّد خيار بل ضرورة في ظلّ ظروف تركيا ة كردستان تركيا . و وجدت حركات قوميّة كرديّة لم ترفع السلاح ، و مع ذلك لم تنج من القمع الكثيف للفاشيّة . و هذا الواقع بالضبط كما كان في الماضي ، يظلّ صالحا اليوم . و وجود بعض التغييرات لا يعنى أنّ الفاشيّة قد ألغيت أو أنّ التناقضات، لا سيما المسألة القوميّة الكرديّة، قد جرى حلّها .
هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، الدعاية / البروباغندا التي تسوّى الكفاح المسلّح بنقص في الإستراتيجيا السياسيّة تحت قناع " الحلّ " و " السلم " جوهريّا خاطئة . فالكفاح المسلّح في حدّ ذاته شكل من أشكال السياسة . و لسنوات ، أولئك الذين قدّموا حججا سياسيّة بدعوى نقد الكفاح المسلّح ، رغم الإعتراف بالتأكيد المبرّر ل " دور العنف في كردستان " لا يمكنهم محو واقع أنّ الكفاح المسلّح هو كذلك صراع سياسي .
و البحث عن التوفيق بين قيادة الفاشيّة لنظريّات لا أساس لها من مثل " الكفاح المسلّح يعرقل النضال الديمقراطي " . و مثلما بيّنت الممارسة العمليّة بصفة معتبرة ، " الحرب مواصلة للسياسة بوسائل أخرى " . و التنكّر لهذا الواقع بالنقاط من طرف ممارسيه يشير إلى موقفهم الإيديولوجي و قرارهم الراهن لممارسة السياسة بوسائل مختلفة .
و فضلا عن ذلك ، تأكيد أنّ " عهد الكفاح المسلّح قد إنتهى " لا يمكن أن يكون إلاّ حُلما في ظروف اليوم حيث الإستعداد لحرب إمبرياليّة جديدة لإعادة تقاسم العالم قائمة على قدم و ساق ، خاصة في الشرق الأوسط . و إلى جانب ذلك ، قد سفّهت السيرورة بصفة متكرّرة موقف أوجلان بأنّ " عصر الكفاح المسلّح قد إنتهى " . و على سبيل المثال ، بينما تقدّم أوجلان بهذا التصريح في 2013 ، في الوقت نفسه ، كانت الأمّة الكرديّة تحقّق إنتصارات من خلال كفاح مسلّح كمسألة حياة أو موت ضد داعش ISIS في روجوفا . و علاوة على ذلك ، من البديهي أنّه في الوقت الراهن ، في روجوفا ، ما من خيار آخر سوى الردّ بالمقاومة المسلّحة على شتّى هجمات تركيا و مجموعاتها الحربيّة بالوكالة . و مثلما دلّلت على ذلك بإستمرار هذه الوقائع فإنّ " عصر الكفاح المسلّح " لم ينته و إنّما بالخصوص في ظلّ ظروف الشرق الأوسط ، أنّه يظلّ ضرورة . الحقائق ثوريّة ، و عصر الكفاح المسلّح لم ينته . و في الوضع الراهن للنظام الرأسمالي الإمبريالي ، مع ظهور علامات حرب جديدة لإعادة تقاسم المنطقة ، و في واقع اليوم حيث العالم يتسلّح بصورة متنامية تحت قناع " الدفاع " ، فإنّ النظريّات التي تقترح أنّ عصر الكفاح المسلّح قد ولّى بالنسبة إلى البروليتاريا و الشعوب و الأمم المضطهَدَة في العالم ، بالمعنى العام، يعادل نزع سلاح المضطهَدين وهي طبعا غير مقبولة .
هل أنّ " مجتمعا ديمقراطيّا " ممكنا في ظروف الفاشيّة ؟
في بيانه ، يناقش عبد الله أوجلان العلاقات التركيّة – الكرديّة و يتكلّم عن " روح الأخوّة " و يقترح " مجتمعا ديمقراطيّا " و " التسوية الديمقراطيّة " كطرق جوهريّة لحلّ . و مع ذلك ، في ظلّ الرأسماليّة ، لا وجود لديمقراطيّة مستقلّة عن أو فوق الهياكل الطبقيّة . لكلّ طبقة فهمها الخاص للديمقراطيّة و تكرّسه وفق ذلك . و بالتالي لا يمكن ل " مجتمع ديمقراطي " أو " الديمقراطيّة " أن تتحقّق حقّا ضمن نظام رأسمالي و لا يمكن لمجتمع ديمقراطي إلاّ أن يوجد في ظلّ دولة شعبيّة ، حيث يمسك الشعب بالسلطة .
توقّع " مجتمع ديمقراطي " من الدولة التركيّة وهم . و المقاربة الجوهريّة تنبع من الوضع القائم . حتّى مع إطلاق النداء من أجل " مجتمع ديمقراطي " ، يظلّ الواقع أنّ السيرورة تكرّس من وراء أبواب مغلقة . دون شرح شامل للعموم لما يحدث ، حتّى إمكانيّة " نقاش ديمقراطي " لا محلّ لها . و زيادة على ذلك ، أحد الأحزاب المعنيّة واقع تحت عزلة شديدة . قبل أيّ شيء آخر ، العزلة الثقيلة المفروضة على أوجلان يجب أن تخفّف و يجب إطلاق سراحه . و لئن كان الهدف حقيقة مجتمعا ديمقراطيّا ، إذن أقلّ شيء هو أن يُمنح أوجلان ظروف عمل بحرّية و يُسمح له بالتواصل غير المقيّد مع منظّمته .
و يبرّر أوجلان نداءه لحلّ حزب العمّال الكردستاني و تسليم سلاحه بمحاججة أنّ في تركيا، " نكران الهويّة وقعت معالجته" و " سُجّل تقدّم في حرّية التعبير " . و مع ذلك ، من البديهي للجميع أنّه لم يسجّا أيّ تقدّم جوهريّ عمليّا في هذه الحقول . و ما يُعدّ " إعترافا " بوجود الأكراد هو في أفضل الأحوال ، إعتراف سطحيّ . و حتّى هذا الإعتراف المحدود لم يتحقّق إلاّ بواسطة دفع ثمن لا يحصى من حياة الأكراد . و بالتالى ، من الواضح أنّ هذا لا يتناسب مع أيّة مكانة ملموسة بمعنى حلّ المسألة القوميّة . و فضلا عن ذلك ، في هذه المرحلة ، الوضع المتّصل بحرّية التعبير صارخ إلى درجة أنّه لا يدع مجالا للنقاش .
نقطة أنّ عبد الله أوجلان يستهين أو بالأحرى يسيء التقدير لأنّه يخفق في مقاربة المسألة من أفق طبقيّ – هي جذور المسألة القوميّة عامة ، و المسألة القوميّة الكرديّة خاصة . لا يمكن تقليص المسألة القوميّة الكرديّة إلى مسائل إنكار الهويّة و حرّية التعبير ، و كذلك ليست الأمّة الكرديّة ذاتها مصدرا لهذا المشكل . فالمشكل يكمن في الإضطهاد القومي المفروض على الأمّة الكرديّة . و هذا الإضطهاد ليس موجّها ضد الشعب الكردي عامة فقط بل يؤثّر في الأمّة الكرديّة بأكملها – بإستثناء حفنة من ملاّكين عقّاريّين إقطاعيّين كبار و بعض وجوه البرجوازيّة الكبيرة الذين إندمجوا تماما مع الطبقات الحاكمة الكرديّة. و الأكراد ، عمّال و فلاّحون و برجوازيّة صغيرة مدينيّة و ملاّكين عقّاريّين صغار ، جميعهم تتواصل معاناتهم من الإضطهاد القوميّ . و نتيجة لنضال الأمّة الكرديّة ، جرى تقديم بعض التنازلات في سياسة الإضطهاد القوميّ للأمّة المهيمِنة ، و مع ذلك تستمرّ سياسة الإضطهاد القومي بلا إنقطاع . و تظلّ المسألة القوميّة الكرديّة غير معالجة . و في منطقتنا ، حلّ المسألة القوميّة الكرديّة يظلّ أحد مهام الثورة الديمقراطيّة الشعبيّة . و في ظروف الفاشيّة ، من غير الممكن بلوغ حلّ ثوريّ للمسألة القوميّة الكرديّة . و مع ذلك ، نتيجة النضال الديمقراطي الثوريّ ، من الممكن قطع بع ض الخطوات في هذا الإتّجاه . و مساندة الخطوات التقدّميّة التي تساهم في حلّ المسألة القوميّة الكرديّة و تناقضات كبرى أخرى في تركيا و كردستان تركيا بينما يجرى إدماج هذه الإصلاحات ضمن النضال الثوريّ ليس أمرا خاطئا .
و على أيّ حال ، الدعاية القائلة بأنّ الإصلاحات هي الحلّ ، و حتّى أكثر من ذلك ، زعم أنّه في ظلّ الظروف الراهنة ماترست الأمّة الكرديّة حقّها في الحكم الذاتي ، أمر مضلّل تماما . في بيانه ، أوجلان يحاجج بأنّه " ليس هناك طريق غير ديمقراطي لبناء نظام و تكريسه . لا يمكن أن يوجد . الطريق الجوهري هو المصالحة الديمقراطيّة ". في عالم اليوم ، ، ضمن واقع المجتمع الطبقي ، هذه النظرة خاطئة جوهريّا . ضمن واقع الإنقسامات الطبقيّة ، مفهوم الديمقراطيّة هو أيضا قائم على الطبقيّة . النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المبنيّ على نظام الملكيّة الخاصة ، و واقع أنّ الدولة في تركيا و كردستان تركيا يدلّلان على أنّ الدولة ليست شيئا آخر أكثر من " أداة إضطهاد طبقة لطبقة أخرى " . و حتّى الديمقراطيّات البرجوازيّة فقد صارت بصفة متنامية موضع سؤال في ظلّ الظروف الحاليّة .
منذ بداياتها الأولى ، كان للديمقراطيّة البرجوازيّة في تركيا و كردستان طابع فاشيّ . " لم يعرف بلدنا أبدا و حقّا الديمقراطيّة البرجوازيّة الحقيقيّة ، لم يفعل سوى تذوّق بعض فتاتها " . ( إبراهيم كايباكايا ، الأعمال المختارة ، نيسان يايمسليك )
و هكذا ، تاركين جانبا التناقضات الأخرى ، ظهور المسألة القوميّة الكرديّة و سياسة الإضطهاد القوميّ المفروضة على الأمّة الكرديّة وقع تكريسهما تحت قناع " الديمقراطيّة " .
إنّ تحرير و حرّية و إستقلال الطبقة العاملة التركيّة و الشعب الكردي الكادح ، و الأمّة الكرديّة لا يمكن تحقيقه ضمن النظام أو عبر ما تسمّى ديمقراطيّـته . فالنضال لتحرير شعوب الأمّتين التركيّة و الكرديّة ، و كذلك قوميّات و عقائد عديدة أخرى، لا يرتهن ب " التصالح الديمقراطي " و إنّما بالأحرى يحتاج إلى طرق و أدوات نضال خارج النظام . و هذا ليس مسألة إختيار بل ضرورة تاريخيّة .
يجب إستهداف فاشيّة الجمهوريّة التركيّة
في هذه المرحلة ، الدولة التركيّة التي نعتت مرّة أوجلان ب " قائد إرهابيّ " ، تقدّمه الآن كشخص يدافع عن السلم و يبحث عن حلّ . و رغم أنّ وسائل إعلام و دعاية الدولة ستؤطّر هذه السيرورة على أنّها " قضاء على الإرهاب " ، في الوقت نفسه ، ستظهر نقاشات في الآن نفسه محلّيا و عالميّا حول إلتزامات الدولة التركيّة ، و الدَمَقرطة و خطوات أخرى عليها إتّخاذها .
و بالفعل في الملاحظة التي نشرها للعموم سيرن سوريّا أوندار - بالرغم من غيابها من بيان أوجلان الرسمي ( على الأرجح لأنّ الدولة التركيّة لم تسمح بتضمينه في ذلك البيان ) ، أوجلان يقدّم عرضا لما يتعيّن على الدولة التركيّة القيام به مقابل " الاتفاق " الذى تمّ التوصّل إليه . و يشير إلى التغييرات القانونيّة و الدستوريّة التي ستضمن الحقوق السياسيّة للأمّ’ الكرديّة، مشدّدا على أنّ سيرورة نزع السلاح و تفكيك حزب العمّال الكردستاني يجب أن تتزامن مع الإصلاحات الديمقراطيّة القانونيّة داخل البلاد . و هذه المطالب ، ضمن ظروف الفاشيّة ، بلا شكّ " تقدّميّة " و " ديمقراطيّة " . و أن تطبّق أم لا مسألة أخرى تماما .
و بغضّ النظر عن حسابات الفاشيّة التركيّة ، هذه المطالب يجب مساندتها و الدفاع عنها .
عموما ، بالنظر إلى المسألة القوميّة و خاصة المسألة القوميّة التركيّة ، تدافع البروليتاريا الواعية طبقيّا عن موقف واضح. و يستحقّ عناء التذكير به :
" ... بقطع النظر عن القوميّة ، فغنّ البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا ستساند دون قيد أو شرط و بشكل صريح المضمون الديمقراطي العام للحركة القوميّة الكرديّة التي تستهدف الإضطهاد و الطغيان و إمتيازات الطبقات الحاكمة التركيّة ، و تبحث عن القضاء على كافة أشكال الإضطهاد القومي ، و غايتها المساواة بين الأمم . و كذلك ستساند البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا دون قيد أو شرط و بشكل صريح حركات القوميّات المضطهَدَة الأخرى الماضية في نفس الإتّجاه .
... بقطع النظر عن القوميّة ، ستظلّ البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا محايدة كلّيا في الصراعات التي تخوضها البرجوازيّة و الملاّكين العقّاريّين من قوميّات متباينة من أجل تفوّقها الذاتي و إمتيازاتها . و البروليتاريا التركيّة الواعية طبقيّا لن تساند أبدا النزعات في صفوف الحركة القوميّة الكرديّة الباحثة عن تعزيز الفكر القوميّ الكرديّ ، لن تساعد أبدا الفكر القومي البرجوازي ، و لن تدعم أبدا صراعات البرجوازيّة و الملاّكين العقّاريّين الأكراد لضمان إمتيازاتهم و تفوّقهم . و هذا يعنى أنّها لن تساند إلاّ المضمون الديمقراطي العام في الحركة القوميّة الكرديّة و لن تمضي أبعد من ذلك " . ( إبراهيم كايباكايا ، الأعمال المختارة ، ص 194 )
ختاما ، إنطلقت سيرورة جديدة في إطار المسألة القوميّة التركيّة مع صدور نداء عبد الله أوجلان . و العامل المميّز لهذه السيرورة مقارنة بالسيرورات السابقة هو التوجّه السياسي الجديد الذى تطبّقه البرجوازيّة الكمبرادوريّة التركيّة في ظلّ خطاب " تعزيز الجبهة الداخليّة " .
لهذا ، يجب أن نقرّ بأنّ هذه السيرورة تنطوى على مخاطر ليس بالنسبة للحركة القوميّة الكرديّة فحسب و إنّما أيضا بالنسبة إلى الجمهوريّة التركيّة الفاشيّة . معادلة الحلّ أو التفسّخ ليست مسألة مطروحة على الحركة القوميّة الكرديّة و حسب و إنّما أيضا مسألة تشغل الدولة التركيّة ذاتها .
القضيّة الأساسيّة هنا هي أنّ " الحافة الحادة من السهم " لا يجب أن توجّه إلى الحركة القوميّة الكرديّة أو عبد الله أوجلان بل إلى الفاشيّة التركيّة . أصل و سبب المسألة القوميّة الكرديّة هي فاشية الدولة التركيّة ، الدكتاتوريّة الفاشيّة للبرجوازيّة الكمبرادوريّة التركيّة .
و تجد فاشيّة الدولة التركيّة نفسها في أزمة . و نتيجة هذه الأزمة ، تبحث عن " مصالحة " مع الحركة القوميّة الكرديّة . في ظلّ هذه الظروف ، من الضروري أن نقف موقف تضامن مع الحركة القوميّة الكرديّة .
و النقد ، بطبيعة الحال ، ممكن و حتّى ضروريّ . و مع ذلك ، العدوّ الأوّليّ لا يجب الإستهانة به ، و يجب التركيز على على النضال الثوري لشعوب تركيا ، بمن فيها الأمّة التركيّة و الكرديّة ، و كذلك قوميّات و مجموعات دينيّة متنوّعة .
سواء قاد " نداء القرن " إلى حلّ أم إلى تفسّخ سيتحدّد في نهاية المطاف بالسيرورة الجارية و الصراع نفسه . و هذا يقتضى من المعارضة الديمقراطيّة الثوريّة أن لا تبقى لامبالية بل أن تتدخّل بنشاط في السيرورة .
إنّ الحديث عن حلّ المسألة القوميّة الكرديّة بواسطة الثورة تحت قناع " الحلّ الحقيقي " ، و التذكير بحقّ الإنفصال الحرّ بينما تتمّ الإستهانة بالديناميكيّة القائمة للقضيّة يعنى السقوط في الإنعزال عن الواقع السياسي للحظة الحاضرة . و مثل هذه المقاربة غير مقبولة من أفق مصالح الثورة الديمقراطيّة الشعبيّة في تركيا . لا يجب تقليص القضيّة إلى مجرّد مسألة سلطة و إنّما يجب إستيعابها بوضوح إيديولوجي .