التّصدّي للعسكرة والامبرياليّة (تعريب)


إبراهيم العثماني
2025 / 3 / 29 - 18:11     

[عقدت الأمميّة النّقابيّة الحمراء مؤتمرها الثّاني في شهر نوفمبر 1922 بموسكو، وأصدرت جملة من الّلوائح والمقرّرات شخّصت من خلالها الأوضاع العالميّة في تلك الفترة ودور الامبرياليّة في عسكرة الواقع وتهديد الشّعوب، وتفقير العمّال والتّراجع عن مكاسبهم. ويبدو أنّ ما نعيشه اليوم مع الامبرياليّة الأمريكيّة لا يختلف كثيرا عن تلك الفترة. فهل توقّفت عجلة التّاريخ عن الدّوران؟ ربّما ! -المترجم].

يبدو، ظاهريّا، أنّ الرّأسماليّة قد قيّمت الوضع الاقتصادي في بعض البلدان، وبالخصوص في أمريكا وأنقلترا وفرنسا، لكن، في الواقع وبصفة إجماليّة، هي تسير نحو التّعفّن التّام والإفلاس الحتمي.
لقد فقد الاقتصاد السّياسي والاجتماعي توازنه في كلّ أصقاع العالم بشكل تامّ، وأصبحت الحياة لا تطاق بالنّسبة إلى العمّال جرّاء التّقلبات الماليّة، والنّهم الّذي لا يرتوي للتّجار الّذين ينهبون العمل، وازدادت ضراوة التّناقض الطّبقي كلّما ازداد صلف الامبرياليّة.
وما فتئت الخلافات بين القوى المتحالفة تتعمّق بشأن معاهدة فرساي في حين أنّها اشتركت في الإمضاء عليها، وتتمادى كلّ قوّة، من جانبها وفي ظلّ الفوضى [السّائدة]، في تكريس سياستها الامبرياليّة الّتي تؤبّد الحروب، والحرب بين اليونان وتركيا هي نتاج هذه السّياسة.
تواصل قمع الشّعوب المستعمرة واشتدّت وتيرة العنف الّتي ولّدت انتفاضات قُمعت قمعا شديدا. ورغم ذلك فقد نشأت حركات ثوريّة وبشكل دوريّ في كلّ من مصر والهند وإيرلندا والمغرب وتونس وترانسفال ممّا يدلّ على نهوض جدّي للجماهير في سبيل تحرّرها.
وأينما ظهرت العسكرة انتشرت بقوّة وتسبّبت في المزيد من التّسلّح، وهناك حذو المحيط الهادي يتمّ الإعداد لمجزرة عالميّة جديدة.
إنّ الدّول الامبرياليّة، وبعد أن حاولت بكلّ ما أوتيت من قوّة أن تستعمل السّلاح لهزم روسيا السّوفيات، عنوان الثّورة البروليتاريّة العالميّة، حوّلت نشاطها إلى الميدان الاقتصادي، والآن هي تتحاور مع الدّولة البروليتاريّة. وديبلوماسيّوها يناورون ويتحايلون ونحن نرى، في مؤتمر لوزان، الممثّل الأسمى للرّجعيّة العالميّة، القائد الفاشي ميسولوني يطالب بانضمام روسيا إلى المؤتمرعلى قدم المساواة مع الأمم الأخرى ويلحّ على ذلك.
تقمع الرّجعيّة العمّال في كلّ أصقاع العالم وبدرجات متفاوتة: فحرّياتهم مهدّدة، وحقّ الإضراب والحقّ النّقابي يتمّ التّنكّر لهما، كما يتمّ إلغاء يوم العمل بثماني ساعات، وتُخفّض الأجور رغم ارتفاع الأسعار باستمرار، أو تكون أجورا زهيدة بسبب تغيّر العُمْلة. ويتعرّض الثّوار لبطش رهيب فيقُتلون أو يسُجنون، وتُفشل الرّابطاتُ المدنيّةُ أو الفاشيّةُ الإضرابات، وتُنهب المقرّات الّتي تؤوي المنظّمات العمّاليّة وتُحرق، ويُقتل العمّال بالأسلحة الرشّاشة.
وعلى البروليتاريا الثّوريّة أن تكون متيقّظة، منظّمة ومتدرّبة أكثر من أيّ وقت مضى.
ومن الآن فصاعدا ستتواجه فوق ركح البسيطة قوّتان: الرّجعيّة المدعومة بالدّكتاتوريّة البيضاء( الفاشية)، والشّيوعيّة الّتي تمثّل الثّورة العالميّة والّتي تعاضدها الدكتاتورية البروليتارية.
وعلى أنصار الأمميّة النّقابيّة الحمراء أن يوضّحوا لجميع العمّال أنّ من واجبهم دعم روسيا البروليتارية الّتي تجسّد النّظريّة والممارسة الثّوريّة [ كذا !] لأنّه كلّما تطوّر اقتصاد الدّولة البروليتاريّة ضعفت الرّأسماليّة العالميّة.
وعليهم أن يدينوا المسالمين البورجوازيّين والاشتراكيّين الدّيمقراطيّين والوطنيّين الّذين يضلّلون الشّعب بتصريحات مناهضة للحرب، وأفكار أفلاطونيّة، لكنّهم يفشلون في منع الحروب الامبرياليّة الّتي يشاركون فيها عندما تندلع.
وعليهم أن يكشفوا ضعف جمعيّة الأمم الّتي هي، في الواقع، ليست إلاّ جمعيّة للامبرياليّين المتحالفين، وهي تحالف المنتصرين ضدّ المنهزمين، وبحكم تركيبتها والرّوح الّتي تغذّيها فهي ليست، بأيّ حال من الأحوال، قادرة على تحقيق السّلم العالميّة.
وعليهم أن يعزّزوا منظّماتهم الطّبقيّة لتدعيم تأثيرها بين جماهير العمّال وشحذها بروح قتاليّة وفرض مسلكيّة جادّة ومدروسة، ومواجهة الرأسماليّة بجبهة موحّدة تقي البروليتاريا من سهام رأس المال أو خدمه.
وللتّصدّي للدّعاية العسكريّة ومواجهة تهديدات الحروب الامبرياليّة على الثّوريين أن يحذّروا العمّال في التّجمّعات، وبالمناشير والملصقات، أو الصّحافة ويثيروهم ضد العسكرة البورجوازيّة.
وعليهم أن يبعثوا نويات للدّعاية والتّحريض بين صفوف الجيش والشّرطة، وفي صلب المنظّمات أو مؤسّسات الدّفاع السّلمي.
وإن دفع الامبرياليّون الشّعوب إلى مجزرة جديدة فعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لإثارة عمّال البلدان المعنيّة بهذه المجزرة في شكل حركة إضراب عامّ يفضي بالضّرورة إلى الثّورة.
وعلى الثّوريين، لضمان نجاح الثّورة البروليتارية، أن ينشروا مبدأ دكتاتورية البروليتاريا ويدافعوا عنه لأنّ هزم الرأسماليّة نهائيّا لا يمكنه أن يتمّ إلاّ باستعمال القوّة والعنف المنظّم فقط.

المصدر: لوائح ومقرّرات المؤتمر الثّاني للأمميّة النّقابيّة الحمراء- موسكو- نوفمبر1922/ مكتبة العمل(د.ت) باريس- ص 46-48.
:La lutte contre le militarisme et l’impérialisme in
-Thèses et Résolutions adoptées au II ème congrès de L’INTERNATIONALE SYNDICALE ROUGE- Moscou- Novembre 1922
Librairie Du Travail –Paris p 46-48