عبد الرحمن منيف: مثقف عضوي في مواجهة مملكة الظلمات واردوغان ونتنياهو
احمد صالح سلوم
2025 / 3 / 10 - 12:24
في مدينة قابس التونسية، خلال ندوة "العرب في مواجهة مصيرهم"، التقيتُ بالروائي والمفكر عبد الرحمن منيف، الذي ترك بصمة لا تُمحى في ذاكرتي. كان ذلك اللقاء نقطة تحول لفهم عمق رؤيته كمثقف عضوي، رفض الخضوع للرواية الرسمية، واختار الوقوف مع الحقيقة، حتى لو كلّفه ذلك التخلي عن جنسيته السعودية. منيف، ابن نجد والحجاز، لم يكن مجرد كاتب، بل صوت شعبي تنبأ بانهيار "مدن الملح"، تلك المدن التي شيّدها النفط على أنقاض الإنسانية، والتي نرى اليوم تجلياتها في الإبادات الجماعية التي ترتكبها عائلة آل سعود وحلفاؤها.
رفض "السعودية" وعودة إلى نجد والحجاز
في تلك الندوة، أصرّ منيف على استخدام تعبير "نجد والحجاز" بدلاً من "السعودية"، رافضًا تسمية تحمل في طياتها، حسب رؤيته، تاريخًا من الظلم والإبادة. كان يدرك أن تأسيس المملكة قام على مجازر منسية، منذ أوائل القرن العشرين، حين أبادت عائلة آل سعود قبائل وشعوبًا لفرض سيطرتها. هذا الوعي التاريخي جعله يرفض الانتماء الرسمي لدولة رأى فيها "مملكة الظلمات"، كما وصفها في كتاباته غير المباشرة. لم يكن رفضه للجنسية السعودية مجرد موقف رمزي، بل تعبير عن رفضه لنظام بنى نفسه على النهب والقمع.
"مدن الملح": نبوءة الإبادة والنهب
في خماسيته "مدن الملح"، التي بدأها بـ"التيه" وختمها بـ"بادية الظلمات"، رسم منيف صورة لمجتمعات تتحول تحت وطأة النفط والاستعمار إلى أطلال مؤقتة، كما لو كانت من ملح تذوب مع أول هطول للحقيقة. اليوم، نرى هذه النبوءة تتحقق في الإبادات التي ترتكبها السعودية وحلفاؤها. من حصار العراق في التسعينيات، الذي أودى بحياة نصف مليون طفل عراقي بسبب نقص الدواء والغذاء، إلى احتلال العراق عام 2003، حيث قتلت قوات الغزو الأمريكي مليون عراقي بدعم سعودي، حسب تقارير "لانسيت" البريطانية، تتجلى رؤية منيف عن الاحتكارات المالية التي تتغذى على دماء الشعوب.
تمويل الحروب التكفيرية
لم تتوقف يد آل سعود عند دعم الحروب الاستعمارية الأمريكية، بل امتدت لتمويل الحروب التكفيرية عبر عصابات مثل الإخوان المسلمين، القاعدة، و"داعش" بقيادة الجولاني في سوريا. هذه الجماعات، التي نفذت إبادات جماعية ضد العلويين، الشيعة، المسيحيين، وسنة حلب ودمشق الرافضين لحكم فاشي غير شرعي، كانت أدوات في يد محمد بن سلمان، الذي وقف إلى جانب أردوغان في دعم هذه المجازر. منيف، لو كان حيًا، لربما رأى في هذه الأحداث امتدادًا لتحذيراته من "المنبت"، حيث تنقطع الجذور وتسود الفوضى.
حلف الإبادة: أردوغان ونتنياهو وبايدن
اليوم، يتجسد حلف الإبادة الجماعية في ثلاثة وجوه: أردوغان، الذي يدعم الإبادة في سوريا، ونتنياهو، الذي يقتل عشرات الآلاف في غزة، ومحمد بن سلمان، الذي نفذ أوامر أوباما وبايدن في حرب اليمن بعشرات الآلاف من الغارات الجوية، وصفها الأمم المتحدة بـ"الكارثة الإنسانية الأفظع في هذا القرن". هذا الحلف، مدعوم من تيار العولمة الفاشي بقيادة الصهيوني بايدن، يهدف إلى نهب ثروات الغاز والنفط في الساحل السوري وغزة، تمامًا كما تنبأ منيف في "تقاسيم الليل والنهار"، حيث تتحول الثروة إلى لعنة على أصحاب الأرض.
إعلام العولمة: قنوات غوبلز
وسائل إعلام مثل "الجزيرة" و"العربية"، بدعم من عزمي بشارة، تلعب دورًا في تبرير هذه الإبادات، كما لو كانت أبواق غوبلز الحديثة. هذه القنوات، التي تمولها السعودية وقطر، تروج لرواية تخفي الجرائم وتجمّل وجه القتلة، في تناقض صارخ مع رؤية منيف، الذي كان صوتًا للمظلومين ضد الاستبداد والاستعمار.
خاتمة: منيف واليوم
عبد الرحمن منيف، المثقف العضوي الذي رفض جنسية "مملكة الظلمات"، ترك لنا "مدن الملح" كمرآة للحاضر. تحذيراته من الاحتكارات المالية التي تتغذى على الإبادة تتجسد اليوم في حلف آل سعود وآل ثاني مع أردوغان ونتنياهو، تحت قيادة بايدن. من ندوة قابس إلى ساحات الدم في سوريا وغزة واليمن، يبقى منيف شاهدًا على عصر لم يرحم نبوءاته، لكنه أعطانا سلاح الوعي لمواجهة هذا الظلام
بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي بالتوثيق