ماذا يربط بوتين بترمب..؟
امال الحسين
2025 / 3 / 2 - 09:03
ماذا قرر ترمب بعد قيادته للدولة الاحتكارية الكبرى عالميا..؟
لقد نصب نفسه الداعي للسلام، ولكن تحت فواهات المدافع على حاملات الطائرات، معلنا سياسة الضم، التي لا تعني إلا السياسة الاستعمارية الجديدة، التي يتخذها وسيلة للسيطرة على البلدان، أو أجزاء من البلدان لامتصاص ثرواتها، وشكل من أجل ذلك عصابة الحروب اللصوصية من أعضاء حكومته، متخصصة في دعم وإشعال الحروب. وأعلن زواجه العذري مع بوتين المتمرس في الحروب اللصوصية، وممارسة سياسة الضم انطلاقا من القرم وجورجيا، مرورا بسوريا وليبيا والغرب الإفريقي، وتركيزها في الحرب على أوكرانيا، مما جعل أوروبا تتجند ضدها.
هذه العصابة تنبذ الديمقراطية، حتى بشكلها البرجوازي، أما البروليتاري فقد تمت محاربته، عصابة اللصوص الأمريكية تنتظر أن تمتد الحرب الإمبريالية بأوكرانيا، حتى تصبح عالمية، ولوح ترمب بذلك في وجه زيلينسكي، في رسالة مشفرة إلى أوروبا التي تدعمه، وهي ترى في الحروب سوقا عالمية لترويج الأسلحة، وسببا للسيطرة على ثروات الشعوب، وإخراج سياسة الضم إلى الواقع الملموس.
على المناضلين الماركسيين والتقدميين والديمقراطيين التخلص من التقييمات الخاطئة حول ما يجري بأوروبا، والوعي بأن ما يجري في حرب بوتين على أوكرانيا ليس الدفاع عن الوطن الاشتراكي، كما كان ذلك خلال الحرب الأهلية بروسيا، وإن بوتين ما هو إلا باون من بارونات الحروب اللصوصية، حول أوكرانيا إلى مجال لتبيق أفكاره التوصعية، ومشاركته في الحرب على روسيا ليست نزهة في الشرق الأوسط، ولم يكن ذلك دون دعم من ترمب في ولايته الأولى، وإن ولايته الثانية استمرار تطبيق وتركيز سياسة الضم.
ليست حرب بوتين على أوكرانيا بدافع الخوف من الاتحاد الأوروبي، أو من أجل تغيير حكم زيلنسكي النازي، إنما ذلك تطبيق موضوعي لما يجمعه مع ترمب، وهو تقسيم العمل عالميا على شكل قطبين إمبرياليين يتناوبان على الحكم في العالم، ذلك ما حاول ترمب قوله لزيلينسكي في لقائهما بالبيت الأبيض، وعناد زيلينسكي ليس انفعالا تلقائيا في عقر دار أمريكا، مما أثار غضب العصابة وطردت زيلينسكي، لتوجه إلى بريطانيا، لحضور اجتماع أوروبي حول الدفاع المشترك خوفا من توسيع الحرب بأوروبا، كل ذلك ليس مسرحية كما يروج له، حيث عجرفة ترمب لن تسمح لأحد برفع صوته أمامه.
وما يجري في غزة ولبنان وسوريا ليس إلا تطبق عملي لسياسة الضم، يرعاها ترمب المقاول وعصابته اللصوصية، التي ترى في ثروات الخليج وأوكرانيا وروسيا هدفا يبرر وسيلة الحرب، من أجل صنع سلام يشتريه كل من تعتدي عليه الإمبريالية، وممارسة العصابة ضد زيلينسكي ليس دفاعا عن روسيا، إنما لوضع أوروبا في سلة واحدة مع روسيا، وبينهما أوكرانيا التي يساوم بها باسم السلام المفروض بالقوة، ومن أجل الوصول إلى ثروات روسيا وأوروبا معا، والتحكم في السوق التجارية العالمية وترويج الأسلحة مقابل الثروات.
ليست سياسة الثروات مقابل الحرب وليدة اليوم، لقد مارستها العصابة بأفغانستان، العراق، سوريا، ليبيا وإفريقيا عامة،تمرس فيها بوتين وترمب في تنافس بين اللصوص بارونات الحروب، وما شعار أمريكا أولا إلا تعبير عن سياسة التمييز والكراهية ضد شعوب العالم، التي لا يرى فيها الاحتكاريون إلا مجالا لسرقة ثرواتها، وتهديدها بالحروب لما ترفض طلبات العصابة الاحتكارية، وما سياسة الضم التي يلوح بها إلا أسلوب من أساليب الحروب الجديدة، للسيطرة على ثروات الشعوب بما فيها الشعوب الأوروبية.
والذي لا يستدركه العديد من المناضلين اليساريين أن أوروبا ذاقت مرارة الحروب الإمبريالية مرتين، وقياداتها واعية جيدا بما يحاك ضدها من طرف عصابة ترمب، التي تسعى لقطع الطريق عليها في السوق التجارية العالمية، والدفع بها نحو حرب إمبريالية ثالثة لما ترفض سياسة الدفع والضم، مقابل الدفاع عنها ضد شبح الشيوعية المنبعث بروسيا والصين، وإن صداقته مع بوتين كفيلة لنشر السلام المؤدى عنه طبعا، مما حول أوروبا إلى دمية في يد عصابته.
وكل من لم يدرك خطورة شبح الحرب الإمبريالية الثالثة التي يلوح بها ترمب، عبر مقدماتها بأوكرانيا التي يمكن أن تمتد بأوروبا، لن يستطيع التجريد من الخلاصات الخاطئة حول بوتين، وترويجها من طرف الذي يعتبرون حربه على أوكرانيا حرب تحرير وطنية، من منطلقات خاطئة لا أساس مادي لها، كما لم يدركوا من قبل كيف تم إقحام بوتين في الحرب على الشعب السوري والليبي ومجمل الحروب بإفريقيا، حتى أصبح بوتين أحد أعمدة بارونات الحروب اللصوصية في العالم، ولم يكن كذلك إلا بدعم من عصابة أمريكا اللصوصية بزعامة ترمب.
وما سبق ذكره لا يعتبر تحاملا على بوتين، وانتصارا لزيلينسكي، وبالبالي تعاطفا مع أوروبا، الأمر ليس كذلك، وليس من السهل إدراك ما يجري في دهاليز الدولة الاحتكارية بأمريكا، بعد إشعال الحرب بأوروبا انطلاقا من روسيا وأوكرانيا، التي يغذيها اتحاد الاحتكاريين الاقتتصاديين والسياسيين بقيادة ترمب، ورغم أنه كان خارج السلطة المباشرة في عهد بايدن، إلا أنه يقود هذه الحرب مع عصابته واستغلاله لها ضد بايدن، وما انتصاره الساحق في الانتخابات إلا بفضل العصابة وأهدافها، حتى يصل ترمب الوحش المخيف للدول والشعوب، ويطلق العنان للكيان الصهيوني لعبث بالشرق الأوسط.
منذ بداية الحرب على أوكرانيا من طرف بوتين، بعد خطابه في فبراير 2022 معلنا انطلاق عهد جديد من الحروب اللصوصية، وهو مخبر شارك في بيع شعوب الاتحاد السوفييتي التي حررها لينين، وكل من ينتقد بوتين يعتبر مساندا لزيلينسكي النازي في نظر الغافلين عن سياسة العصابة، ودفاع عن الناتو وأوروبا الاستعمارية، حتى تحول بوتين في نظر هؤلاء محرر العالم من الرأسمالية، في ضرب لمنطلق التحليل العلمي المادي لما بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، وتجاهل توريط بوتين في سرقة ثروات روسيا من طرف الاحتكارية العالمية، بمساعدة عملاء الأحزاب الشوعية الإمبريالية وعلى رأسهم الحزب الشيوعي الإمبريالي الروسي، الذي أعطى الشرعية للأليغارشيا وتفقير الشعب الروسي، بوتين لا يمكن أن يكون صالحا ومصلحا بين عشية وضحاها وهو المسيطر على تاريخ الاتحاد السوفييتي يناور ويساوم به.
وبسقوط حكم بشار بسوريا انكشف كل شيء أمام أعين الجميع، خاصة الذين لم يدركوا ذلك في حينه، وانكشف دوره في الحرب على الشعب السوري، بعد سحب البساط تحت أرجل بشار في آخر لحظة من محاصرته، ونقله إلى موسكو بمنفاه المخصص له مسبقا، وكان كل شيء قد تم تفصيله في سوريا ولبنان وفلسطين على حساب جثث شعوب هذه البلدان، وطيلة مدة حرب الإبادة الجماعية في غزة تم فرض الحصار على الحرب بأوكرانيا، التي أنهكت الشعبين الروسي والأوكراني، شارك فيها كل بارونات الحروب، وتم خلالها استنزاف ثروات الشعبين.
اليوم تم الزواج العذري بين واشنطون وموسكو، في علاقة تم إسدال استار عنها بعد تعطيلها أربع سنوات من حكم بايدن، تمت فيها تجربة كل أساليب الحروب اللصوصية الممكنة، أساسها سياسة الضم التي أعلن عنها ترمب، وسبق لبوتين أن طبقها بأوكرانيا، ونتنياهو بفلسطين ولبنان وسوريا، مما جعل أوروبا تعتقد أن زحف بوتين أصبح اليوم واقعا، بعد تأكيد دعمه من طرف عصابة ترمب اللصوصية، مما دفعها للاستنفار ضد شبح الحرب الإمبريالية الثالثة.
لكن ليس كل شيء ثابت، قد تتطور الأحداث وتنشب الخلافات حول الصفقات بين اللصوص، ويكون ذلك سببا للتخلص منهم، لكن في غياب قطب اشتراكي، تبقى الحرب الإمبريالية الثالثة واردة كما لوح بها ترمب في وجه زيلينسكي.