اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
حازم كويي
2025 / 2 / 25 - 15:06
ستدخل وجوه يسارية مألوفة إلى البوندستاغ الجديد في ألمانيا، بما في ذلك بودو راميلو(رئيس وزراء مقاطعة تورنغن السابق)، وغريغور غيسي،السياسي المُخضرم،عضو البرلمان منذ أكثر من 30 عاماً، وسورين بيلمان، وزعيمة الحزب إينيس شفيردتنر، الذين فازوا بولاياتهم مباشرة بفارق كبير. ولكن في المجمل يواجه اليسار ثورة ثقافية حقيقية.
إن فوز فُرات كوتشاك لأول مرة بدائرة انتخابية "غربية"، وهي برلين- محلة نوي كولن، أمر مُذهل. ففي الأشهر الأخيرة، تشكلت حركة شعبية حقيقية حول الناشط الكردي. وعلى الرغم من حملة شرسة في بعض الأحيان شنتها صحف برلين، التي أتهمت كوتشاك بمعاداة السامية بسبب إنتقاداته لإسرائيل، نجحت الحملة في مضاعفة حصة اليسار في التصويت الأول في نوي كولن إلى ثلاثة أمثالها تقريباً إلى 30% - وذلك ضد المنافسين الشعبيين نسبياً من الحزب الاجتماعي الديمقراطي والخضر.
وهناك من فاز خارج البرلمان من اليسارأيضاً عن طريق القوائم الانتخابية على مستوى الولايات. ومن بين هؤلاء من مدينة هيسن، فيوليتا بوك، التي تعمل في المجال الأجتماعي في شمال مدينة كاسل المحرومة منذ سنوات، والتي حققت بالفعل مكاسب كبيرة في انتخابات عمدة المدينة عام 2023، ويملك لويجي بانتيسانو من شتوتغارت ملفاً شخصياً مشابهاً ويتعرض للتهديد بانتظام من قبل اليمين المتطرف بسبب منشوراته المناهضة للعنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد جذب بانتيسانو اهتماماً على الصعيد الوطني في عام 2020 عندما كاد أن يفوز في انتخابات مجلس المدينة الذي يقوده حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مدينة كونستانس، جنوب بادن، بنسبة 45 في المائة من الأصوات.
الممرضة ليا رايزنر، التي تشارك في عمليات الإنقاذ البحري كما وصفت نفسها، لتدخل البرلمان عن طريق قائمة ولاية شمال الراين - فيستفاليا. وستيلا ميريندينو، التي تعمل في غرفة الطوارئ في برلين والناشطة في حركات الإضراب في السنوات الأخيرة، هي أيضاً ممرضة. وكادت ميريندينو أن تفوز بولاية خامسة مباشرة في برلين، لكنها في النهاية كانت متأخرة بنقطة مئوية واحدة فقط عن المرشح المفضل من حزب الخضر في منطقة وسط برلين.
والتغيير الملحوظ الآخر هو أن الانقسام القديم بين الشرق والغرب بدأ يتلاشى. في ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وشمال الراين وفستفاليا في غرب ألمانيا، كان اليسار قوياً تقريباً بنسبة تزيد على 8% في كل منها، في ولاية (ساكسونيا أنهالت) بنسبة 10.8% أو ساكسونيا السفلى بنسبة 11.3%. وبناءاً على ذلك، يتغير تكوين الكتلة البرلمانية في البوندستاغ: في عام 2021، جاء حوالي 40% من أعضاء البرلمان من ألمانيا الشرقية (بما في ذلك برلين الشرقية)، الآن لم يعد هذا العدد يمثل سوى الربع. من المؤكد أن العدد الأكبر من النواب في المجموعة البرلمانية هم من أعضاء الجمعية الإقليمية لولاية شمال الراين - فيستفاليا، والتي كان يُعتقد بالفعل أنها ماتت بعد الخلافات والمشاحنات مع ساره فاكينكنيشت(أنشقت عن حزب اليسار العام الماضي وشكلت تحالف ساره فاكنكنيشت).
إن النتائج الجيدة غير المتوقعة في غرب ألمانيا تعني أن العديد من النواب الشباب غير معروفين حتى داخل الحزب. على سبيل المثال، ينحدر لوك هوس، البالغ من العمر 24 عاماً، من مدينة باساو، من بافاريا. وهو ينتمي إلى عائلة فقيرة، وقد أعلن أنه سيحدد راتبه السياسي بـ 2500 يورو. كذلك النقابيتان شارلوت نوي هوزر (26) من ولاية شمال الراين فستفاليا وزادة صالحوفيتش (25)، اللتان تلتزمان بمكافحة ظروف العمل السيئة.
ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن أهمية السياسيين المُحترفين الراسخين آخذة في التراجع. سيم إينس، الذي ينحدر من عائلة نقابية معروفة في زالتس غيتر، يعمل في شركة فولكس فاكن. ميرزي إيديس من ديسبورغ، العامل في مصنع الصلب (كروب مانسمان)، وكانسين كوكتورك من بوخوم، الذي ترك حزب الخضر في عام 2023 بسبب سياسة الهجرة التي تنتهجها حكومة الإتلاف، ويعمل في المجال الإجتماعي لرعاية الأُسر والشبيبة.
ثلاثة أرباع المجموعة البرلمانية الجديدة هم أعضاء جُدد في البوندستاغ. والتطور الأخير، هو أن الحركة الاجتماعية ضد اليمين سيطرت على الحزب من خلال العضوية الجماعية والذي سينعكس الآن في البرلمان أيضاً. ومن المؤكد أن الكثير من أعضاء البرلمان يفتقرون إلى الخبرة، كما أن إغراءات السياسة المهنية قد أدت بالفعل إلى تغيير العديد من الناشطين في الماضي بسرعة أكبر مما كانوا يرغبون هم بأنفسهم، وفوق كل شئ، ناخبيهم. ولكن في الوقت نفسه، فإن النتيجة هي أيضا فرصة،فالفصيل الجديد يمثل اليسار الاجتماعي بشكل أفضل مما كان عليه لفترة طويلة.