ماذا يجري في العالم..؟
امال الحسين
2025 / 2 / 19 - 11:59
لا يمكن أن يكون ترمب خارج السياق الرأسمالي وهو منتخب من طرف شعب برجوازي واعي بمصلحته وبالأغلبية الساحقة، تعليق كل شيء على رقبة ترمب بروباكندا تروجها الدوائر الإمبريالية والصهيونية، لتحريف وعي الشعوب عن حقيقة ما يجري في العالم من تدمير ممنهج للأخلاق والقيم الإنسانية، حيث الجشع من طبيعة الرأسمال المالي الإمبريالي المسيطر على السوق التجارية العالمية، ولا يتعلق برأسمالي دون آخر، ليس هناك رأسمالي بأخلاق وقيم إنسانية وآخر عكسه يتصارعان، الرأسمالي يقوده الرأسمال ويسخره للبحث عن مزيد من الربح على حساب تخريب الأخلاق والقيم الإنسانية.
وفي ظل أعلى مراحل الرأسمالية أي الإمبريالية تسيطر الدولة الاحتكارية والشركات الاحتكارية على السلطة، ويتحول الرأسمال المالي الإمبريالي عالميا إلى أداة لتخريب الإنسانية عبر تبضيع الإنسان وتسويقه، وتحويله إلى سلعة تباع بالمزاد العلني في سوق النخاسة الرأسمالية، وبأدوات تكنولوجية ومتطورة تبلغ حد اختراق خصوصياته الشخصية، وتدمير كل ما يمكن أن يربط الفرد بمصلحة مجتمعه، حيث ليس هناك مشروع إمبريالية خاص بأمريكا يقوده ترمب وآخر يقوده قادة أوروبا الإمبرياليين، نحن في نظام عالمي حول كل شيء إلى سلعة تباع وتشترى، يسيطر على صفقاتها الريع المالي، الذي يقود الإمبريالي إلى ارتكاب أقصى جرائم ممكنة في حق الإنسانية من أجل مزيد من الربح، قد تصل إلى إبادة شعوب بأكملها، وتحول مجتمعات بشرية إلى جثث مفحمة بالملايين كما وقع في الحربين الإمبرياليتين العالميتين الأولى والثانية.
ولما يبلغ الربح في نظر الرأسمالي عشر مرات ضعف ما هو متوفر في السوق، يستطيع أن يرتكب ما لا يمكن تصوره من الجرائم في حق الإنسانية كما قال ماركس، والمثال الساطع أمام أعيننا اليوم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، التي تريد الدوائر الاستخباراتية العالمية تعليقها بعنق الصهيوني نتانيهو، في تحريف صارخ لطبيعة الإمبريالية، التي ليست في الحقيقة إلا نتيجة جشع الرأسمال المالي الإمبريالي عالميا، ومن يبحث في ظل سيطرة الرأسمال المالي الإمبريالي عن الأخلاق والقيم الإنسانية، كمن يبحث عن الماء في فيافي صحراء قاحلة في نهاز الصيف المحتدم، لا فرق بين رأسمالي أمريكي وأوروبي ولا روسي وصيني إلا بقدم ما يستطيع جمع مزيد من الربح المالي على حساب معاناة البشرية، قد يبدو للإنسان البسيط أن هناك صراع بين رأسمالي مجرد من إنسانيته ورأسمالي إنساني، والرأسمالي في حقيقته مجرد من انسانيته، فهو ملزم بخدمة طلبات الرأسمال المتسمة بالسعي وراء مزيد من الربح، وتحويل العالم إلى رأسمالية شرقية ورأسمالية غربية هو نتيجة لعبة رأسمالية تحرف العقل الساذج، وأطفت صبغتها عليه بأدوات تكنولوجية إعلامية متطورة، وبلورها الرأسمال المالي في عقول البسطاء من الناس المقهورين، وهم يبحثون عن الخلاص من معاناة الرأسمال بأدوات رأسمالية.
فهل تتراجع الإمبريالية عن جرائمها في حق الإنسانية..؟
الرأسمال المالي الإمبريالية لن يتراجع إلى الخلف ويتخلى عن جرائمه في حق الإنسانية، لن يتخلى عن مستوى القيمة الزائد التي وصل إليها على حساب استغلال العمال والفلاحين بالمدن والبوادي، لقد جهز لاستمرار تدفقها مزيدا من الأدوات التكنولوجية المتطورة وسمى أقصاها الذكاء الاصطناعي، يسخره للسيطرة على عقول البشرية وترويضها لقبول طلباته، ويسخر نانوسيونس للسيطرة على استغلال الثرات الطبيعية واستغلالها دون مقابل، هما معادلتان متلازمتان تربط العقل البشري بالثروة خدمة للرأسمال وتحفز إنسان عصر الاحتكارية على الجري وراء الربح.
والعالم الإمبريالي لن يتراجع إلى الخلف متخليا عن جرائمة في حق الأخلاق والقيم الإنسانية، التي سبق أن خربتها الرأسمالية في أعلى مراحلها بهيروشيما وناجازاكي، لما فحمت القنبلتان النوويتان مئات الآلاف من الجثث البشرية في رمشة عين، في إعلان صريح عن بداية مرحلة جديدة من تطور الإمبريالية إلى جحيم البشرية، تحول فيها الرأسمال المالي إلى غول يبتلع الأخلاق والقيم البشرية بلا شفقة ولا رحمة.
ذلك ما يريد ترمب وبوتين في اجتماعهما مع ابن سليمان في حجاز الإسلام المرتبط بالصهيونية أن يروجاه في عقول الأبرياء، تلك لعبة القرن التي تسمى صفقة القرن خدمة للرأسمال المالي الإمبريالي، ولتحقيق هدف ذلك الاجتماع اليوم تم بالأمس سفك الدماء البشرية بملايين أطنان الكيل، وبجميع بقاع العالم محوره الإباذة الجماعية للشعب الفلسطيني وامتداداتها بأوربا وإفريقيا، في هذا الاجتماع يتم وضع مصير البشرية في المزاد العلني بالسوق التجارية الإمبريالية بصفقة داوود، تحت تسمية جديدة ترجع بالعقل البشري إلى الخلف بأزيد من ألفي سنة تستمد منها شرعية سفك دماء الإنسان.
الرأسمال المالي يستمد أسس استغلاله من العقلية المثالية بأدوات أيديولوجية رجعية تكبل البسطاء من الناس، وتعلقهم بالخلف أكثر ما يكن حتى لا يتقدموا خطوة إلى الأمام، لوقف تعريضهم للتدمير الإمبريالي، وتطويعهم حتى يتحول الإنسان إلى سلعة طائعة تقبل كل المقولات الرجعية، التي يسخرها الرأسمال المالي في بلورة إنسان عصر الإمبريالية المتسم باستقبال ما تروج له الدولة الاحتكارية، مسخرة في ذلك وسائل التواصل الاجتماعية المتقدمة أكثر فأكثر وتقتحم أصغر خلية في المجتمع : الأسرة، وأصغر خلية في الأسرة : الفرد، لتعميق الفردانية في المجتمعات البشرية العنصر الأساسي في استمرار استغلال الرأسمالية.
في ظل الوضع العالمي هذا، لا يجب الدخول في صراع تم التخطيط له مسبقا عبر لعبة تقودك إلى الهزيمة، وتتحكم فيها صفقة داوود الرجعية التي اعتنقتها الدول الاحتكارية وتبعاتها بالبلدان المضطهدة، ففي اجتماع الحجاز يتم تركيز الفكر المثالي المتسم بقيود الرجعية، ويتم من أجله بلورة مشروع عقيدة مثالية بأدواة متطورة، تتم فيها إباحة كل عناصر الأخلاق والقيم البرجوازية الإباحية، لبلورة ديانة مشتركة بين الشرق والغرب من عمق الديانات المفتعل صارعها، في ظل اللعبة الجديدة التي تضمن استمرار توظيف الدين لصالح الرأسمال.
والعالم الإمبريالي بطبيعته في حاجة إلى بلورة فكر رجعي متخلف مضمونا ومتقدم شكلا، في متلازمة متناقضة تزحزح العقل المنطقي عن معنى الحقيقة، وتضمن استمرار استغلال الإنسان، والرأسمال المالي الإمبريالي لن يتنازل عن امتيازاته لصالح الشعوب المضطهدة، حيث اتحاد الاحتكاريين الاقتصاديين والسياسيين المسيطرون عالميا في حاجة إلى مزيد من الربح لتغطية مصاريف مشاريعه الرأسمالية، التي تعتمد على تدمير الأخلاق والقيم الإنسانية في استمرار سيطرته، ومهما تطورت وسائل الإنتاج ترتفع تكاليف هذه المشاريع، وترتفع معها تكاليف صناعة الأسلحة الجديدة، الشيء الذي يكلف التخلص من القديم منها إشعال الحروب الإمبريالية على الشعوب.
إن الخلاص من تدمير الأخلاق والقيم الإنسانية في عالم الإمبريالية يفرض عدم الاصطفاف إلى جانب طرفي الصراع داخله، وبلورة قوة مادية تفرض تدمير الإمبريالية نفسها حيث هي السبب لا النتيجة، ولن يتم ذلك إلا ببناء مجتمعات بشرية شيوعية تمحي فيها الدولة الأداة التي بواسطته تفرض الإمبريالية جرائمها، فلا تنميق الرأسمالية بشتى ألوان التسميات الملغومة يفك الإنسان من معاناته، ولا تنميق الديانات بشتى ألوان التفسيرات المثالية كفيل بخلاص البشرية من معاناتها، كل التميقات مسميات لمسمى واحد هو تطويع الفرد لصالح الرأسمالي.