تداعيات التغيير السوري على التوازنات الإقليمية


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 16:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

يتجاوز التغيير في سورية جغرافيتها إلى مجمل التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط واتجاهاته المستقبلية، ويتزامن ذلك مع قيادة ترمب للإدارة الأميركية، مما يطرح كيفيات استجابة دول الإقليم لهذا التغيير، خاصة بعد صعود دور تركيا وتراجع دور إيران وتأكيد دور إسرائيل، مما قد يدفع إلى تشكيل منظومة أمن إقليمي في الشرق الأوسط، قد تستجيب لمصالح شعوب المنطقة. حيث يتواتر الحديث عن هذه المنظومة، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ليس على صعيد القضية الفلسطينية فقط، وإنما على مجمل دول المنطقة، بما فيها ترتيبات لدمج إسرائيل في المنطقة ودور هام للملكة العربية السعودية.
إذ إنّ تراجع دور محور إيران، في فلسطين ولبنان وسورية، فرض معطيات جعلت المنطقة أمام وقائع جديدة، ومكاسب استراتيجية لإسرائيل وتركيا والسعودية، يمكن أن تتسع لتشمل دولاً أخرى، على طريق بناء النظام الشرق أوسطي، بعد أن فرض التغيير في سورية توازناً إقليمياً جديداً، يخدم التوجهات الغربية نحو استقرار المنطقة، التي تتمتع بموقع استراتيجي هام، لتأمين الممرات المائية للتجارة الدولية.
وفي هذا السياق، طلب مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي ترمب " الهدوء في الشرق الأوسط "، وعدم الإدلاء بتصريحات ضد الإدارة السورية الجديدة التي لم تبدِ اهتماماً بالصراع مع إسرائيل، كما ورد في القناة 12 الإسرائيلية يوم 13 كانون الثاني/يناير، تعبيراً عن رغبته في " صناعة السلام في الشرق الأوسط "، من خلال العودة المتجددة إلى " صفقة القرن " التي طرحها خلال إدارته الأولى.
ولعلَّ السلام العادل يفتح الأفق أمام تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، بعد وضع حدٍّ لتنافس القوى الإقليمية الرئيسية، خاصة بعد سقوط سلطة آل الأسد وإعلان التغيير في سورية، بما يسهّل استثمار إمكانية العمل الجماعي بين دول المنطقة. ولا يُخفى عنّا أنّ التنافس بين إسرائيل وتركيا وإيران كان السمة الأساسية للمرحلة السابقة، أما الآن فيبدو أنّ الأوضاع الجديدة في سوريا قد أبرزت دوري تركيا والسعودية، بعد أن انحسر الدور الإيراني. أي أنّ التغيير في سورية قد أعاد ترتيب القوى الإقليمية الفاعلة: إسرائيل وتركيا والسعودية، على حساب النفوذ الإيراني. فقد أجهزت إسرائيل على الأسلحة الرئيسية واستولت على أراضٍ سورية جديدة، بما فيها جبل الشيخ ذو الموقع الاستراتيجي الهام، وتأمل بمقايضة توسعها بمعاهدة سلام دائم، مستفيدة من دخول ترمب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، الذي كان قد اعتبر الجولان المحتل أرضاً إسرائيلية خلال ولايته الأولى. أما تركيا والسعودية فيحرصان على ديمومة نفوذهما، من خلال دورهما في إعادة إعمار سورية.
إنّ تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد التغيير في سورية التي كانت حلقة رئيسية في هذا النفوذ، أدى إلى اعتبار طهران أنّ لتركيا وإسرائيل دوراً رئيسياً في الحدِّ من نفوذها.
وفي الواقع، قضت إسرائيل على منشآت عسكرية عديدة، منذ التغيير السوري، تحت حجة عدم وقوعها في يدِّ خصومها " المتطرفين الإسلاميين "، حلفاء تركيا. ويبدو أنها حريصة على نسج علاقات طبيعية مع النظام السوري الجديد، بعد إنهاء النفوذ الإيراني، وعدم تسهيله للتمدد الاستراتيجي التركي، بما يؤدي إلى الإخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط، إذ إنّ مركز " ناغل "، وهو مركز استشاري إسرائيلي في مجال الأمن القومي للنزاعات الإقليمية للحكومة الإسرائيلية، قدم تقريراً يعلن فيه " شعوره بالقلق العميق من طبيعة علاقة الارتباط القوية بين الحكومة التركية والنظام الجديد الانتقالي الحالي في دمشق، الذي تديره القيادة العسكرية لهيئة تحرير الشام "، وأشار التقرير إلى أنّ القلق الإسرائيلي " مبعثه أنّ هذه العلاقة سوف تؤدي إلى علاقة تنافس سياسي بين تركيا وإسرائيل على اتجاهات القرار للحكم الجديد في سورية "1.
وفي توجّه إسرائيلي آخر " لا خلاف في أنّ على إسرائيل الاستعداد لواقع يكون لها فيه حدود افتراضية مع تركيا في سورية، لكن لا ينبغي المبالغة في وصف التهديد التركي. فتركيا ليست إيران، لا من ناحية السياسة الداخلية، ولا سيطرتها في سورية ولا في علاقاتها مع إسرائيل "2. ولا شكَّ أنّ مآلات النفوذ الإيراني في المنطقة أدت إلى تعاظم الدور الإقليمي لتركيا، وأصبحت بديلاً لطهران في سورية. وفي السياق نفسه تعاظم الدور السعودي، إذ تلعب المملكة دوراً أساسياً في إعادة بناء سورية الجديدة، وتتجه نحو إعادتها للجامعة العربية، على أمل التعاطي العربي المجدي مع التحديات التنموية، بوصفه الطرف الأكثر تضرراً من سياسات الصراع. إذ إنّ مشروع الشرق الأوسط الجديد، في العهد الثاني لترمب، يقوم على أساس الأمن والاقتصاد، من خلال التوزيع الوظيفي والاعتماد المتبادل لدول المنطقة، عملاً بما شهدته أقاليم أخرى.
ويبدو أنّ الإدارة السورية الجديدة، من خلال لقاءاتها الديبلوماسية المتعددة، تطمح إلى إقامة شراكات متعددة، مع العرب وتركيا وأوروبا وأميركا، تهدف إلى تأكيد ضمانها لأمن واستقرار وازدهار المنطقة.
وهكذا، يبدو أنّ الإدارة السورية الجديدة، بعد خروجها من سطوة النفوذ الإيراني، تتجه لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة، بما يمهد لمنظومة أمن إقليمي في الشرق الأوسط، إذ إنّ اليوم التالي لحرب غزة قد بدأ قطافه بعد اتفاقية وقف العدوان الإسرائيلي. ومما يؤكد هذا التوجه الخطاب المعتدل لقائد الإدارة أحمد الشرع ووزير خارجيته، بما يوحي بأن اليوم التالي في سورية ينطوي على مساومات بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع على مستقبل سورية. وليس واضحاً بعد مكانة سورية في الترتيبات الجديدة المتوقعة، انطلاقاً من موقعها الجغرافي الهام في قلب الشرق الأوسط. ويبدو أنّ مستقبل هذه التوجهات مرهون بما ستؤول إليه سورية الجديدة، خاصة الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، أي من الثورة إلى الدولة، وكذلك طبيعة العلاقات العربية والتركية مع إسرائيل.