رسالة من كلارا زيتكن تعكس قلقها على الحركة الشيوعية


رشيد غويلب
2024 / 12 / 9 - 20:49     

ترجمة
أغلفة الملفات التي حُفظت فيها رسائل كلارا زيتكن في الأرشيف الألماني الاتحادي في برلين، معظمها منسوخة من أرشيف الاتحاد السوفيتي السابق في موسكو، وجميعها تحمل مفردة "سري". لم يكن أي شيء في "الاشتراكية الفعلية" سريًا مثل تاريخها. وعلى الرغم من فقدان هذه الاختام قانونيتها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، نتيجة لتفكك الدولة السوفيتية، إلا أنه لم يتم نشر سوى الرسائل التي تعود إلى سنوات 1914 -1923. أما المجلد الثالث، الذي يتعلق بسنوات 1924 - 1933، فهو قيد العمل حاليًا.

حتى تموز 1921، كانت كلارا زيتكن تدافع عن وجهة نظرها حتى وان كانت بمفردها، ولم تتجنب أي مواجهة، بما في ذلك خلال المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية في موسكو في صيف عام 1921.لقد كلفتها القيادة الجديدة للحزب الشيوعي في المانيا بتمثيل الحزب في قيادة الأممية، لأبعادها من برلين الى موسكو، لم تحد كلارا زيتكن قيد أنملة عن نقدها لتكتيكات الحزب الشيوعي في المانيا، المدعومة بشكل غير مرئي من البلاشفة. وشددت على موقفها بالقول: "كل ما قمت به وفعلته كان جهد مشترك مع روزا لوكسمبورغ". منع لينين طرد كلارا زيتكن: في 9 تموز1921من الحزب، وتوصل إلى "اتفاق سلام" بين السياسة الرسمية للحزب الموالية لموسكو. وجناح مؤسسي الحزب الشيوعي في المانيا الملتفين حول كلارا زيتكن، الذين وصفتهم قيادة الحزب بالجناح "اليميني".

في سياق الصراع داخل الحزب اختارت كلارا زيتكن منهج التوافق، مدفوعة باعتقاد إمكانية ممارسة تأثير الحد الأدنى على سياسة الحزب، مستفيدة من تجربتها السابقة في التأثير في سياسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي حتى عام 1914، أي قبل الانشقاق التاريخي في الحركة العمالية العالمية.

لقد دفعت كلارا زيتكن ثمناً باهظاً لهذا التحول السياسي: أولاً، حاولت منع نشر جزء من "الثورة الروسية" الذي كتبته صديقتها روزا لوكسمبورغ. وعندما فشلت في ذلك، كتبت كتابًا ضد نقد روزا لوكسمبورغ لسياسات البلاشفة: "موقف روزا لوكسمبورغ من الثورة الروسية" (1922). ومع ذلك، لم تتعرض سمعتها للتشويه خارج المعسكر الشيوعي إلا في صيف عام 1922، عندما اشتركت كمشتكية في محاكمة الاشتراكيين الثوريين، الذين كانوا شركاء البلاشفة في ثورة أكتوبر 1917، واختلفوا معهم بعد نجاح الثورة والاستيلاء على السلطة. لقد ظلت كلارا زيتكن وفية لمواقفها وكتبت رسالة إلى اللجنة المركزية للبلاشفة نصحت فيها بعدم اللجوء الى عقوبة الإعدام. لكن رد الفعل كان واضحا. في 3 آب 1922، أرسلت كلارا زيتكن رسولًا إلى زوجة ابنها المستقبلية: "لقد تم رمي جميع الآمال والاتفاقات في القمامة. لم أتمكن للأسف من إرسال رسالة. التليفون عاطل وحتى الآن، من غير المؤكد متى سأقدم إلى موسكو." في 7/8 آب، تمت إدانة 22 متهماً، وحكم على 15 منهم بالإعدام؛ وخفض الحكم في عام 1924 إلى أحكام بالسجن.

ألقت كلارا زيتكن خطابًا ا أمام الجلسة الموسعة للأممية الشيوعية في 23 حزيران 1923 حول الفاشية، التي استولت على السلطة في إيطاليا في تشرين الثاني 1922، طورت فيه نهجًا سياسيًا يهدف إلى تشكيل تحالف واسع مناهض للفاشية بدلاً من "الجبهة العمالية الموحدة". لكن كلارا زيتكن لم تحقق اختراقا في هذه النقطة أيضاً؛ منذ عام 1928، تمت محاربة الديمقراطيين الاجتماعيين، الذين نعتوا رسميا بـ "الفاشيين الاشتراكيين".

بعد فشل "أكتوبر الألماني 1923" (المحاولة الانقلابية التي دعمها الشيوعيون) في آب 1923 ووفاة لينين في كانون الثاني 1924، لم تقدم كلارا زيتكن أي تنازلات أخرى. وعلى الرغم من تبجيلها باعتبارها أيقونة أمام الرأي العام، إلا أنه في الواقع، وليس فقط في عهد ستالين، كانت عملية عزلها في تزايد. في 14 تشرين الثاني 1929، كتبت إلى إليزابيث ماير، إحدى المقربات منها من غير الشيوعيات: "الأسباب هي نفسها التي تجعلني صامتة الآن. وفي المقدمة الصراعات الداخلية المستمرة والمزعجة والممزقة في هذا الحزب". في وقت يختمر فيه، ظهور واقع اجتماعي جديد في العالم، يولد من السؤال القديم: ما هي الحقيقة، ما هو الواجب؟

لا يعني ذلك أنني غير واضحة بشأن موقفي من الأحداث والأشخاص الذين يخرجون إلى ضوء التاريخ. لكن السؤال الصعب هو إلى متى يجب أن أظل صامته، لأسباب سياسية مرتبطة بمصلحة الثورة البروليتارية. العامل الحاسم ليس ما هو مفيد ومريح حاليا لفصيل وطني داخل الكومنترن، بل استغلاله ضد القضية الكبرى من قبل الأممية الثانية، والأحزاب الإصلاحية.

هل يجب أن أقول لك إن قناعتي لا تتزعزع تماما بحتمية الثورة البروليتارية العالمية وانتصارها اعلى الرغم من كل أخطاء القادة وسوء تقديرهم، على الرغم من كل صراعات الكتل وغيرها من الأمور السيئة والآثار الجانبية للعملية الثورية التاريخية وخداعها الذاتي.

في أوساط الحزب (المقصود الحزب الشيوعي في المانيا – المترجم)، وخاصة في أوساط المعارضة "اليمينيون" الأقرب إليّ سياسيًا وشخصيًا، تنتشر ممارسة النميمة الشريرة. ولأسباب سياسية يجب أن أتجنب بأكثر الوسائل إحراجًا، ان تلصق الأحاديث والهمسات بشخصي. ولهذا السبب أرجو السرية التامة”.

بعد شهرين كتبت كلارا زيتكن إلى أوسيب بياتنيتسكي، أحد المقربين الآخرين، الذي لقد كان الرئيس الفعلي للأممية الشيوعية؛ أعدمته قيادة ستالين في عام 1938:

"الخط" (المقصود سياسة الحزب) يدمر كل شيء. وسيبقى لغزا: كيف يستطيع الحزب بوضعه الحالي، وبسياسة الجمل والإيماءات الثورية الفارغة، وتحت قيادة [تيلمان] العاجزة ان يتجاوز مرحلة من العمل السري. إن سلوك قيادة الحزب، يترك عند بعض الناس انطباعا، انها تفضل العمل السري، من اجل التخلص من الرقابة، أكثر من اقتصادي الزمرة (اعتماد الصفقات السرية)، لتغطية عجزها الذاتي بحجاب الاستحالة الموضوعية لمواجهة العنف وإحاطة نفسها بهالة من الرومانسية الثورية".

في خاتمة رسالتها إلى إليزابيث ماير في تشرين الثاني 1929، ورد ما يلي: "لكن آمل أن يمضي هذا الوقت مثلما هو الحال في موسكو، عندما أعيش في عزلة رهبانية. لقد كان هذا الأمل خادعا. وبدلاً من ذلك، شهدت كلارا زيتكن تسليم السلطة إلى النازيين؛ وتوفيت على إثر أصابتها بمرض خطير في 20 حزيران 1933 في موسكو. واضطر ستالين، الذي كانت كلارا زيكتن الشخصية الشهيرة الوحيدة التي لم تخضع له علنًا، إلى حمل وعاء رماد رفاتها إلى جدار الكرملين.

كلارا زيتكن. الرسائل 1914-1933. المجلد الثاني: الرسائل الثورية (1919-1923). إد. مارغا فويغت ويورن وشوترومبف. دار نشر كارل ديتز، 735 صفحة.