يشكل سقوط الأسد ضربة قاتلة أخرى للجمهورية الإسلامية


حميد تقوائي
الحوار المتمدن - العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 11:18
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

ومع سقوط حكومة بشار الأسد، انهار آخر ركائز "محور مقاومة" الجمهورية الإسلامية في المنطقة، وفقد ما تبقى من نظام خامنئي نفوذه ومصداقيته في المنطقة وحتى بين القوات المتحالفة معه.
ولهذا التطور دور حاسم في تشكيل مستقبل شعوب سوريا وإيران والشرق الأوسط برمته.
موقف الجمهورية الإسلامية: لقد تخلص الشعب السوري من حكومة قامت، بمساعدة الجمهورية الإسلامية وروسيا، بسحق انتفاضته بوحشية في سياق ثورات الربيع العربي. لقد أنفقت الجمهورية الإسلامية أكثر من 30 مليار دولار من جيوب الشعب الإيراني، عبر إرسال فيلق القدس وقوات حزب الله وقمع وقتل ما يقرب من نصف مليون شخص وتهجيرهم بشكل مباشر. حوالي 10 مليون شخص الشعب السوري الذي نزل إلى الميدان ضد نظام الأسد أبقاه على قيد الحياة. وبهذا المعنى، فإن الإطاحة بحكومة الأسد هي أيضاً إسقاط للجمهورية الإسلامية في سوريا. هاجم أشخاص سفارة الجمهورية الإسلامية ومزقوا لوحات إعلانية لسليماني وحسن نصر الله وخامنئي، إلى جانب هدم تماثيل حافظ الأسد الذي اعتبره خامنئي وابنه "أبطال المقاومة" ضد الشيطان الأكبر والاستراتيجية. عمق حكمه في المنطقة، والإطاحة بالجمهورية الإسلامية في إيران نفسها كما يضعها أمام أعين الجميع.
ومن ناحية أخرى، فإن إحدى النتائج المهمة لسقوط الأسد هي الارتفاع غير المسبوق للخلافات والصراعات بين الفصائل الحاكمة في الجمهورية الإسلامية. وهذه المرة، أصبحت روح السياسات المناهضة للغرب التي كان خامنئي مدافعاً عنها وممثلاً مستمراً لها موضع شك كامل حتى من قبل الأصوليين، وقد فقد خامنئي، في أعقاب الفضيحة الإقليمية وتشويه سمعة سياساته وأهدافه، مكانته ومصداقيته بين الإيرانيين. كما أن عصابات الحكومة في إيران نفسها تخسر تماماً.
تشير كل هذه العوامل إلى أنه مع سقوط الأسد، ستتسارع ثورة مرأة حياة حرية في إيران وستصبح عملية الإطاحة بالنظام أكثر حدة.
الوضع في الشرق الأوسط: الفشل التام للسياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية وإضعاف وتحييد القوى الدافعة لهذه السياسات سيغير أوضاع الشرق الأوسط بشكل كامل لصالح شعوب المنطقة. وبعد سوريا يأتي دور العراق واليمن ونهاية نفوذ الجمهورية الإسلامية في هذه البلدان. ومن منظور أكثر عمومية، مع فقدان الثقة والعزلة الإقليمية للجمهورية الإسلامية، فإن فترة المواجهة بين القوى الإسلامية واليمين المتطرف في إسرائيل، إحداهما تحمل راية معاداة الغرب وتدمير إسرائيل، والأخرى تحمل راية وادعاء مكافحة الإرهاب والدفاع عن الديمقراطية، و اختطف قضية حقوق مهاجري فلسطين والنهوض بأهدافهم الرجعية، ستنتهي أيضاً. والآن لدى القوى اليسارية والتقدمية والعلمانية في المنطقة فرصة للتخطيط لحكومتين مرة أخرى ووضع الحل الإنساني للمشكلة الفلسطينية في مركز اهتمام العالم وإزالة الظل المظلم للحرب الصليبية بين الإسلام واليهودية عن المنطقة إلى الأبد.
مستقبل سوريا: الوجود النشط للقوة الرجعية لهيئة التحرير الشام بين القوات المسلحة لنظام الأسد والدعم الصريح من الحكومة التركية لهذه القوة يغرق مستقبل سوريا في هالة من عدم اليقين والقلق. وتزعم هيئة تحرير الشام أنها تريد حكومة مكونة من كافة القوى المتمردة وتتبع لتصويت الشعب السوري، وعلى عكس الجمهورية الإسلامية أو داعش والقاعدة التي تنتمي إليها، فهي ليس لديها اطماع إقليمية أو إضافية، خارج سورية. لكن ما ستفعله هيئة تحرير الشام في المستقبل كقوة حكومية لا يمكن تقييمه أو التنبؤ به بناءً على هذه الادعاءات. ومهما كانت السياسة الخارجية للقوى الإسلامية مثل هيئة تحرير الشام، فإن تطبيق القوانين الإسلامية شديدة الرجعية ضد الأشخاص الذين يزعمون أنهم يمثلونها هو جزء من سجلهم. ومن وجهة النظر هذه، فإن طالبان وداعش والقاعدة والجمهورية الإسلامية وحماس وحزب الله وتحرير الشام لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض.
ومن ناحية أخرى، فإن وجود قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب، وهي القوة المسلحة الكردية التي لعبت دورًا بارزًا في القتال ضد داعش، والعداء الاستراتيجي للحكومة التركية مع الأكراد السوريين. يمكن أن تؤدي هذه القوى إلى صراع وتوتر وحرب أهلية بين القوى التي تريد كل منها حصة في الحكومة السورية المستقبلية. وستلعب الحكومة التركية دورًا مدمرًا في هذا الصدد.
لكن مهما كان مستقبل سوريا فإن توقف حضور ونفوذ الجمهورية الإسلامية في تطورات هذا البلد يعد خطوة مهمة للأمام في اتجاه تعزيز القوى الثورية واليسارية والعلمانية في ذلك البلد وعودة الجماهير. للشعب أن يتحكم في مصيره السياسي. وعلينا أن نأمل ونحاول أن يوفر سقوط الأسد الظروف الملائمة لدور الشعب السوري.
ومن هذا المنطلق، فإن المزيد من إضعاف الجمهورية الإسلامية في إيران وتقدم ثورة مرأة حياة حرية سيكون له تأثير حاسم على تعزيز صفوف الشعب ضد أي نوع من الحكم الإسلامي والعرقي في سوريا وفي المنطقة بأكملها. نقطة التحول التالية في تطورات الشرق الأوسط ستكون سقوط الجمهورية الإسلامية في إيران نفسها.
8 ديسمبر 2024