من أجل ثقافة جماهيلرية بديلة-غورباتشوف والغورباتشوفية -عن منتديات يساري - 7


عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 22 - 22:29     

الحلقة السابعة

السياسة الاقتصادية الغورباتشوفية تتعقب طليعتها الإصلاحية
من الواضح أن خيارات غورباتشوف السياسية، والسياسية الاقتصادية التي صرح بها، أو باختصار كافة رؤاه، لم تنزل من السماء بسلة. وعلى الرغم من محاولة غورباتشوف تقديم سياساته هذه إلى الرأي العام العالمي أنها ((جديدة)) ولكنها في الحقيقة تحمل سمات الطليعة الإصلاحية الرجعية التي سبقته. لهذا السبب يجب تناول سياسة غورباتشوف نقدياً وبعمق من أجل فهمها. يجب تناولها من جذورها ومنابعها ومرحلة تطورها. عندئذ سنجد أن غورباتشوف لم يكتشف شيئاً جديداً. حلل غورباتشوف الاقتصاديين الإصلاحيين الذين سبقوه، بخطهم الليبرالي البورجوازي، وفتح الباب الذي كان موارباً من أجل العودة إلى الرأسمالية التي انتهى دورها التاريخي. أو بمعنى آخر، يوصل الإصلاحية إلى آخر حدودها، ويجعل الاشتراكية تعانق التقويم الرأسمالي.
خاصة أن اتجاهات مثل تطبيق اقتصاد السوق الذي يغذي البورجوازية اقتصادياً، ويطور الرأسمالية، ويسمح بالملكية الخاصة، واعتراف بإمكانية دخول الرأسمال الأجنبي تعكس خصوصية النهج الاشتراكي الديمقراطي، وتكوينها لأحجار بناء علاقات تشبه النموذج السويدي المستهدف.
والإشارة إلى مصادر الإلهام التاريخية للسياسة الاقتصادية الغورباتشوفية، وإقعادها في مقعدها تحمل أهمية خاصة من زاوية إكساب تحليلنا لها وضوحاً.
التفسير اليميني للنيب: اقتصاد السوق والملكية الخاصة
(( إننا اليوم بصدد دراسة آخر أعمال لينين وماركس حول (النيب) باهتمام أكبر، واستنتاج العناصر القيمة التي نحتاجها منها)) (غورباتشوف - طريقنا طريق أكتوبر، طريق الطليعة - ص1.)
فهم غورباتشوف سياسة مرحلة النيب أنها جزء من التنظيم الاقتصادي الاشتراكي. وتفهم خصوصية النيب التاريخية أنها تكتيك رجعي للماركسية اللينينية، وخاصة على صعيد إبراز جانبها الذي يطور اقتصاد السوق. فأخذها غورباتشوف لتحضير مستند للسياسة الاقتصادية المطبقة اليوم. باختصار، في أثناء عمل غورباتشوف على تمرير سياسته الإصلاحية الرأسمالية، يريد أن يضع لينين موضع الكومبارس.
لايمكن فهم النيب بمعزل عن قول لينين: ((تمادينا أكثر من اللازم في هجومنا الاقتصادي)) إثر مرحلة شيوعية الحرب مباشرة. شيوعية الحرب تعني اضطرار الفلاحين لتحمل الكثير من التضحيات في ظروف الحرب الداخلية، وهذه التضحيات في سبيل انتصار الاشتراكية. كان ثمة طريقان أمام الحزب البلشفي إثر الحرب الداخلية. الأول: اقتراح تراوتسكي وأنصاره، وهو الاستمرار بسياسة شيوعية الحرب. وهذا الاقتراح يعني تصفية الفلاحين في فترة قصيرة. أما الثاني: سياسة التراجع اللينينية، أي تطبيق النيب. وأصدر الحزب البلشفي إدانته للأطروحات التروتسكية وأدخلت النيب حيز التطبيق. كان للنيب وجهتين رئيسيتين: الوجهة الأولى: إهمال خصائص شيوعية الحرب التي تزيل حرية التجارة، وتطوير اقتصاد السوق. ووجهتها الثانية: تحقيق رقابة ديكتاتورية البروليتاريا على السوق، وإعاقة التطور اللامحدود لاقتصاد السوق. وبحالتها هذه لاتعترف بإمكانية تطور الرأسمالية، وتخلق المخزون المنهض للاشتراكية. ويهدف تقوية التحالف بين العمال والفلاحين إلى كسب الفلاحين للاشتراكية. وبرز نهج بوخارين الذي لم يعارض تطبيق النيب، وتناولها بجانب أحادي، وتجاهل رقابة الدولة الاشتراكية على اقتصاد السوق في النصف الثاني من العشرينات كانحراف يميني.
(( خطأ بوخارين يكمن بعدم رؤية الخصوصية المزدوجة للنيب، ورؤيته لجانب واحد فقط. نحن عندما أسسنا النيب عام 1921 وجهنا رأسها الحاد إلى شيوعية الحرب، والنيب نظام ينبذ الحرية المطلقة للتجارة، نحن طرحنا النيب بمعنى حرية معينة للتجارة. بوخارين تناول القضية من جانبها هذا حسنٌ جيداً. لكن بوخارين أخطأ بافتراضه أن هذه هي سياسة النيب كلها، ونسي أن للنيب جانب آخر. في الحقيقة إن النيب لاتعني حرية تجارية دون نقص، ولعبة تسيير حرة للسوق. النيب تعني حرية التجارة مع احتفاظ الدولة بدورها التنظيمي للسوق في أوساط معينة وضمن حدود معينة وهذا هو الجانب الآخر للنيب )) (ستالين - قضايا اللينينية - ص295 - 296)
النتيجة الصافية المستنتجة مما قلناه: الاسعار لاتحدد بشكل مركزي، بل يجب تبيانها حسب شروط السوق، و ما تنتجه من عرض و طلب. و لكن لأن الوصول إلى هذا فوراً غير ممكن، فتأمين المرونة في الأسعار شرط أساسي لتأمين الإدارة الذاتية الاقتصادية. نعم هذا هو تماماً ..
النهج الذي يطبقه الحزب على الصعيدين السياسي و الاقتصادي، و الأهداف الموضوعة أمامه هي التي تحدد هويته. يجب أن يتشكل الحزب الماركسي على تصفية اقتصاد السوق، و قانون المادة، و الانتاجيات الصغيرة ... الخ. الموروثة من النظام الرأسمالي على المدى الطويل عبر مرحلة تنظيم الاشتراكية. في هذه النقطة ممكن السقوط في خطأين أساسيين: أولهما: نتيجة التفكير بأن القوانين الجديدة ستحل كافة مشاكل القوانين الاقتصادية القائمة من خلال وجود العلاقات التاريخية و المادية، و أن التطبيق الاقتصادي القائم خارج إرادة الإنسان سيزول بلحظة واحدة. لم يأخذ هذا التفكير ((اليساري)) القوانين المادية للاقتصاد السياسي بعين الاعتبار، و لأنه لم يفهم أن هذه القوانين ستستمر بوجودها و لو لفترة معينة، لا يستطيع أن يخطو خطوات صحيحة، و لا بد له أن يواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى الهدف، و يراوح مكانه. ثانيهما: الخطأ البارز نتيجة التسليم للقوانين المادية للاقتصاد السياسي. هذا الخطأ الممثل للنهج اليميني، و المسمى ((سياسة الواقع)) لم يفهم أنه بالسيطرة على قوانين الاقتصاد السياسي يمكن تحويلها على طريق التنظيم الاشتراكي، و تفتح طريق التقدم السريع نحو الهدف. المكان الذي وصل إليه أصحاب كلا الخطأين كما سنرى تعكير الهدف بتحقيق المجتمع اللاطبقي، و تأخير الوصول إلى الهدف. و انطلاقا من هذا، بتحقيق مهمة ((تجريد المجِرّدين من أملاكهم)) في العبور من الرأسمالية إلى الاشتراكية أن كل شيء قد تم، و أن القوانين المادية و العلاقات و العادات و الآليات الموروثة من الرأسمالية ستستمر مدة محدودة من الزمن في الاشتراكية. من أجل الوصول إلى هدف المجتمع اللاطبقي سيكون موقف الحزب الماركسي اللينيني من هذه العادات و القوانين و العلاقات و الآليات لا اعتبارها غير موجودة و لا التسليم بالمادية. أما الحزب والمؤسسات الأخرى الآخذة على عاتقها مهمة تنظيم الاشتراكية، تقبل بوجود هذه التكونات، وتعمل على لجمها وجعلها نافعة للاشتراكية، وتعمل على إزالتها خطوة خطوة، وتفتح الطريق أمام علاقات المجتمع اللاطبقي. هذا العمل يصل إلى النجاح عبر مرحلة تنظيمية طويلة مرفقة بالصبر والتخطيط. وهذا يعني أنه لم يعد الناس عبيد القوانين في المجتمع الاشتراكي كما كانوا في الحالة السابقة، بل هم المطبقون الواعون لها، والموجهون بما يخدم الاشتراكية.
((... المجتمع ليس ضعيفاً إزاء القوانين (الاقتصادية وغيرها)، وبمعرفة المجتمع لهذه القوانين والاعتماد عليها يستطيع تحديد ساحة تأثيرها، واستخدامها حسب مصالحه، وتدجينها)) (ستالين - مقالاته الأخيرة - ص65)
تقييم استمرارية وجود قانون الاستهلاك والقيمة في المجتمع الاشتراكي أنه باب مفتوح مباشرة على الرأسمالية لايعكس رؤية صحيحة. الاستهلاك في ظروف استمرارية وجود الملكية الخاصة فقط يحمل خصوصية كونه باباً مفتوحاً على الرأسمالية. تستمر قوانين الاستهلاك والقيمة في الاشتراكية عندما تكون مرتبطة بالعلاقات التعاونية مثل الكلوخوز والسوفخوز، وفي ظل بقاء قسم من الإنتاج تحت تصرف التعاونيات. في هذا الوضع تؤسس أسواق التعاونيات وتحمل الخصوصية المادية، والشيء الذي يحدد قيمة التبادل هو مقدار الجهد المبذول فيه كما في كل مادة. وهذا يعني قبول استمرارية وجود قوانين الاقتصاد السياسي الرأسمالية في المجتمع بشكل لامفر منه. ولكن التدخل الواعي والرقابة الاجتماعية عليها يكسبها خصوصية القوانين ((المدجنة)). لأن أسواق التعاونيات تخدم الاستهلاك الفردي فقط فتساعد على تطور الاشتراكية وتقدمها لعدم وجود الرأسمالية. مما لاشك فيه أن قوانين المادة والقيمة (المشكَّلة خصيصاً)، ((اقتصاد النقد)) ..إلخ. مؤسسات لاتحمل خصوصية البقاء. في الطريق المتوجه نحو المجتمع اللاطبقي سيزول أحد القطاعين، أي التعاونيات، و عندما يتكون قطاع واحد يحتوي إنتاج المجتمع، و يحتفظ بالإنتاج الاستهلاكي، عندها تصبح هذه الأدوات التي كانت نافعة من زاوية الاشتراكية لا ضرورة لهاو تزول. و كما يفهم من هذا فإن ترك بعض قوانين الاقتصاد السياسي الموروثة من المجتمع الرأسمالي، و المستمرة بوجودها صالحة في المجتمع الاشتراكي على هواها دون لجم أمر مختلف عن فهم هذه القوانين و إدخالها قالباً يخدم تقدم الاشتراكية .المهمة التي تقع على عاتق الحزب الماركسي اللينيني، وبقية المؤسسات من أجل تنظيم الاشتراكية هي العمل دون كلل أو ملل من أجل تصفية المؤسسات التي تفتح الطريق أمام استمرارية هذه القوانين بالتدريج .أما في الحالة العكسية، بدلا من لجم هذه القوانين وتدجينها، طأطأة الرأس لها أو الأكثر من هذا إصدار توجيهات تزيد من تأثير هذه القوانين ( التساهل في الاقتصاد المخطط، تشجيع الانتاجات الصغيرة، إعطاء الإذن بالملكية الخاصة - زيادة دور اقتصاد السوق …الخ. سيؤدي إلى زوال المكاسب التي لاتقدر بثمن في أثناء الخروج إلى طريق عذاب الإنسانية الكبيرة، وستقود المجتمع إلى خطر الرأسمالية.لايمكن أن يكون خيار الماركسيين اللينينين في أي ظرف القبول بهذه الأساليب .
بدلاً من تصفية الظروف التي تغذي وجود المؤسسات التي يُفكر بإزالتها مع الزمن في الاشتراكية والموروثة من الرأسمالية وتسرع تطورها وهي اقتصاد السوق، المادة، قيمة التبادل، النقد، فقد طور غورباتشوف هذه المؤسسات واستهدف إبرازها.أما السياسة المقترحة فليست من أجل الوصول إلى المجتمع اللاطبقي الطُموح، بل تناسب منظوراً يتوق إلى الرأسمالية، أي الترميم الرأسمالي للاشتراكية. لأن غورباتشوف لم يتوقف عند هذه النقطة. إنه يهدف إلى تحطيم الملكية التعاونية، وتسريع الملكية الخاصة، ونشر الانتاجات الصغيرة. وهو يعرف أن هذه الانتاجيات ستولد البورجوازية.
(( خلال السنتين أو الثلاث القادمة سيضطر الشعب لتغطية حاجاته من عمل البستنة. لقد حل زمن نبذ حجج عدم وجود مايكفي من الأراضي. هذا لايتطابق مع الواقع. الأرض موجودة، والتعاونيات التي يوجد فيها أراضي زراعية غير مستصلحة قليلة، يجب تقديم قسم من أراضي الكلوخوزات والسوفخوزات وغيرها للشعب. يجب سد حاجة الكادحين وإزالة كافة الحدود والعوائق غير اللازمة )) (غورباتشوف حقيقة ماأريده-ص 166 )
كما يلاحظ أن غورباتشوف ينطلق من نقطتين لطرح ضرورة الانتاجيات الصغيرة. الأولى: وجود ((الأراضي الزراعية غير المستصلحة )) لدى الكلوخوزات والسوفخوزات. والثانية: سد حاجات الكادحين.. ولكن كلا السببين يصلحان حجة لبيع القطاع العام. إذا كان ثمة أراضي غير مستصلحة لدى الكلوخوزات والسوفخوزات، تستصلح هذه الأراضي وفق سياسة مركزية صحيحة، وتصبح أراضي قابلة للاستخدام وتقدم لخدمة الاشتراكية. من جهة أخرى إذا كان المقصود من سد حاجات الكادحين إيصالهم إلى الرفاه المادي فيتحقق هذاعبر المقياس الاجتماعي العام بواسطة السياسة المركزية.لكن الحاجة التي يقصدها غورباتشوف ليست رفع سوية الرفاه للمجتمع، أو الكادحين المشكلين جزء اً منه. ماوراء ستار (( عمل البستنة)) سد الحاجة بالتملك، ومن أجل هذا إزالة العوائق و(( الحدود غير اللازمة)). في الحقيقة لوكان الأمر لغورباتشوف لسدَّهذه الحاجات، ولكن ثمة عوائقاً أمام تنفيذ هذا العمل.
(( كثير من الكادحين يريدون الاجتماع عن طريق الجمعيات لتحقيق المهمات المرتبطة بسد حاجات الناس. والبعض يرغب بالعمل الفردي(...) ولكن هذه مرحلة تسير ببطء شديد. والسبب ينبع من ضعف تدخل المؤسسات المحلية، وعدم إعطاء هذه القضية الأهمية اللازمة، وعدم إرادة الاهتمام بهذا الموضوع…
....أما البعض يرون في فتح محلات شخصية للعمل، وتطبيقات الجمعيات ولادة جديدة للقطاع الخاص في الاقتصاد)) (غورباتشوف- المصدر السابق نفسه- ص 167)
لاتهتم سياسة غورباتشوف بهؤلاء (( البعض)). في براغماتيته تقييمات تعتمد على الإمكانات وهذا وذاك. لتوزع الأراضي وتستصلح، ولتأت بعض الملكيات الخاصة، ماالذي سيحدث؟
ولكن لا ! الإمكانيات في الاشتراكية لاتقيم بهذا الشكل أو ذاك، بل من المفروض عدم تغذية الطريق المؤدية إلى التعاون. وأكثر من هذا، تحطيم البنى التعاونية في المناطق التي دخل فيها التعاون إلى ميدان الحياة تحت اسم الاستعمال المنظم للإمكانيات ذنب لايغتفر بحق الاشتراكية.
غير هذا، إذا كان ثمة (( حاجة)) للكادحين للتملك الخاص، وإذا كان يقول المسؤول الأول في حزب شيوعي ( نحن نعمل على سد هذه الحاجة)) موافقاً على هذا المطلب، وناقداً القياديين المحليين، فمن المناسب أن يطرح الماركسيون اللينينيون سؤال: هل ثمة جانب واحد يتناسب مع الاشتراكية(( لاحتياج)) أو(( نقد)) كهذا ؟
مما لاشك فيه أن جواب هذا السؤال واضح جداً للماركسيين اللينينين. ولكن بالاعتماد على القرارات المتخذة في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي قبيل المؤتمر الثامن والعشرين سيقيم النهج الغورباتشوفي جواب الماركسيين اللينينين على نحو ( دفاع دوغماتي للاشتراكية البدائية )) لأن رؤى نهج غورباتشوف وصلت إلى حدودها القصوى، وانقطعت عن(( الاشتراكية البدائية )) حسب تعبيره. أصبح يستهدف تأسيس(( اشتراكية ديمقراطية تعتمد على القيم الإنسانية )). بدفاع النهج الغورباتشوفي عن مفهوم (( الاشتراكية المعاصرة )) بمعنى الليبرالية البورجوازية الذي كان يزج بين السطو ر فيما مضى، لايقدم أية اّلية جديدة خارج توضيح اتخاذه موقعا في المجابهة. لأن المسافرين على طريق الرأسمالية يتقدمون إلى المكان الذي يقصدونه.
تجاوزت قرارات اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي المقبولة قي 7 شباط 1990 . المعلن عنها عبر وكالة تاس المواد المتعلقة بالاقتصاد ( الإذن بالملكية الخاصة والانتاجيات الصغيرة )) إلى حد طرح هدفها فيما يتعلق بالبورجوازية بنشر الانتاجيات الكبيرة. هذه القرارات هي:
(( للحيلولة دون أزمة الغذاء ستمنح كافة المؤسسات بما في ذلك القطاع الخاص حقوقاً متساوية. يؤمن الحزب أن الملكية الخاصة تطابق النظام العصري. ومن أجل العبور إلى اقتصاد السوق لابد من إصلاح موازي في النظام الاقتصادي والتخطيطي للبلد إلى جانب تطوير المنتجات الاستهلاكية، وسوق النقد، والاستثمار، والبحث. الأسواق هي التي ستوجه الاقتصاد في المرحلة الجديدة. ستلغى الإعانات، و لن يعمل على تحديد أسعار مصطنعة)) ( جريدة الصباح 14/ 2/1990 )
تحمل القرارات بأحد جوانبهاخصوصية تصديق ماأبرزناه حتى الآن من اقتصاد السوق، و آلية التسعير، والنظام المالي. ولأننا طرحنا هذه الانتقادات بكل وضوح، وأشرنا إلى ما سيصل إليه المجتمع، فليس من الضروري التوقف عندها مرة أخرى.
من جهة ثانية تحمل هذه القرارات طبيعة تكاملية لتأسيس الإصلاحات الاقتصادية الرأسمالية. وفي الحقيقة إن الإذن بالملكية الخاصة المتخذ بشكل مجرد لايحمل معنى كبيراً في دولة غير رأسمالية مثل الاتحاد السوفيتي. لهذا السبب، عدم تحديد الملكية الخاصة بالإنتاجيات الصغيرة فقط، ممكن أن يكون على شكلين، الأول: الإذن باستثمار رأس المال الأجنبي، وثمة خطوات على هذا الطريق في الاتحاد السوفيتي. وهذا مايفهم من تصريحات نيكولاي بتراكوف: ((أنا شخصياً أؤيد دخول رأس المال الأجنبي إلى البلد)) (جريدة الملييت 11/2/1990 ). مشاركة رأس المال الأجنبي في شركات الدولة و/ أو قيامه باستثمارات، سيطور بشكل غير مباشر(( البورجوازية السوفيتية التي تحمل خصوصية التمثيل له )) الثاني: وكما يُرى من خلال قرارات الاجتماع، بيع أسهم الدولة للأفراد، وهذا سيظهر ثقل بعض الأفراد في هذه الشركات تدريجياً، وتجمع الأسهم في بعض الأيدي، وتوليد (( البورجوازية السوفيتية)) ذات الشخصية الوطنية بشكل لايفتح مجالاً للشك .
وبتطبيق قرارات الحزب تدريجياً لامفر من تسريع التحول إلى الرأسمالية في الاتحاد السوفيتي. وكما يُرى، يقود نهج غورباتشوف المؤمن أن(( الملكية الخاصة توافق النظام العصري )) هذا التحول. لم يعد يستطيع غورباتشوف خداع أحد بادعائه أنه مازال لينينياً على الرغم من كل هذا . لندع الملكية الخاصة للإنتاجيات الكبيرة جانباً، إن لينين الذي يشير إلى النتائج التي تولدها الإنتاجيات الصغيرة إذا لم يُناضل ضدها(( اشتراكي بدائي )) بالنسبة لغورباتشوف إذا أصغينا إلى كلمات (( الاشتراكي البدائي )) هذا التي حملت رؤى تاريخية كبيرة سيسهل علينا فهم الوضع الوهمي الذي وقع فيه نهج غورباتشوف الذي أعلن نفسه ( اشتراكياً عصرياً)):
(( اليوم تمسك البروليتاريا بالسلطة، وتديرها. وتوجه الفلاحين. ماذا يعني توجيه الفلاحين؟ إنه يعني قبل كل شيئ ليس التوجيه نحو الانتاجيات الصغيرة، بل نحو إزالة الطبقات. إذا انحرفنا عن هذا الأساس، والطريق الذي يأتي في مقدمة الأهميات، نخرج عن كوننا اشتراكيين ونسقط في معسكر البورجوازيين الصغار، في معسكر الثوريين الاشتراكيين، ومعسكر المونارشيين وهم اليوم أشد أعداء البروليتاريا )) ( لينين-ماركسية ماركس وانجلز- الناقل ستالين- قضايا اللينينية ص 295 )
فضح غورباتشوف توقه للنموذج السويدي بتقديمه الملكية الخاصة بعد تطويرها (( اشتراكية إنسانية )).
في الحقيقة إن التصالحية بين الاشتراكيين الديمقراطيين والبورجوازيين ليست تصالحية مجردة، بل تجد طريقها إلى الحياة، وهي خيار يثبت من خلال حماية الطبقة العاملة لأعدائها ومستغليها، ومراقبيها وتغذيتهم وتنميتهم.
(( تدعي الاشتراكية الديمقراطية في التطبيق السويدي إمكانية توجيه الاقتصاد نحو مصلحة الجماهير حتى لو بقيت ملكية أدوات الانتاج خاصة، ووفق هذا الطراز يؤمن الاشتراكيون الديمقراطيون بتحقيق الاقتسام العادل والتضامن الاجتماعي شريطة رقابة الحركة العمالية لآلية الدولة، والقرارات الاقتصادية الهامة( مثل الموازنة- الضرائب-احتياطات الأمن الاجتماعي- توجيه الاستثمار..الخ) لهذا السبب فإن هذا المفهوم يفصل/ السلطة /عن/أصحاب الملكية / ويربط آلية القرار بالمالك السياسي)) ( اسماعيل جم- ما هي الاشتراكية الديمقراطية وما ليست هي ص 153 ).
هاهو النموذج الذي يقصده غورباتشوف من(( اشتراكية ديمقراطية تعتمد على قيم إنسانية )) إنه يشبه النموذج السويدي. ستطور الملكية الخاصة لأسباب إنسانية ))، ويعمل غورباتشوف بسلطته الاشتراكية الديمقراطية على لجم التطرف البورجوازي ، وتوجيهه لخدمة الشعب. هل ثمة طريق آخر؟ نعم يوجد. ولكن هذا وكما أوضحنا أعلاه لايناسب(( الاشتراكية المعاصرة ))بالنسبة للنهج الاشتراكي الديمقراطي الغورباتشوفي. والأكثر من ذلك، لأنه فقد الإيمان بزوال الرأسمالية، قدّم تطوير الملكية الخاصة وكأنها لمصلحة الجماهير.
الاشتراكية الديمقراطية تعني الانقطاع الأكيد عن الماركسية اللينينية. من المعروف جيداً الاشتراكية الديمقراطية المحضرة تحت اسم((الاشتراكية الإنسانية)) لاتعني إلا تطوير الترميم الرأسمالي، وبالتالي خدمة البورجوازية بشكل غير مباشر .
وضع غورباتشوف أمامه نموذجاً اجتماعياً يذكرنا بالنموذج السويدي، وصدق قراراته حول الملكية الخاصة من مجلس السوفيت، ودفعها إلىميدان التطبيق. وليس كأنه تحليل المستقبل إنطلاقاً من هذه المعطيات .
يتبع