كلام بلا افعال: لماذا الدول العربية عاجزة عن وقف إسرائيل؟
دلير زنكنة
2024 / 10 / 11 - 02:50
بقلم سلمان رافع شيخ، 09 أكتوبر
لماذا لا تقوم الدول العربية في الشرق الأوسط بأي شيء عملي لوقف حرب إسرائيل على غزة؟ لقد ألقى الامير القطري باللوم مؤخرًا على إسرائيل لارتكابها "إبادة جماعية" في غزة.
لكن بعيداً عن الخطابة فإن القوة السياسية والاقتصادية الجماعية لهذه الدول تبدو عديمة الفائدة. وهذا يختلف تماماً عن عام 1973 عندما فرضت الدول العربية حظراً نفطياً على الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى نشوء أزمة اقتصادية نفطية في الغرب وإرغامه على تغيير سياساته. لماذا لا تستطيع هذه الدول أن تفعل ذلك مرة أخرى؟ إنها لا تزال تمتلك "سلاحها" الرئيسي، واستخدامه على نفس المنوال كما حدث في سبعينيات القرن العشرين قد يؤدي إلى نشوء أزمة اقتصادية جديدة، تضرب الدول الغربية التي تدعم حق إسرائيل في "الدفاع" عن نفسها. ولكنها لا تفعل ذلك. وتشمل الأسباب الرئيسية أ) المصالح العميقة التي يوليها الزعماء العرب اهتماماً خاصاً داخل الغرب (على سبيل المثال، يحتفظون بالكثير من ثرواتهم في عقارات في أوروبا والولايات المتحدة، ولا يريدون تعريضها للخطر)، ب) اعتمادهم بشكل جماعي على الولايات المتحدة للتفاوض على صفقة نيابة عنهم مع إسرائيل، ج) العلاقات المباشرة وغير المباشرة، الرسمية وغير الرسمية، التي تربط الدول العربية بإسرائيل نفسها.
الخطاب العربي الفارغ
واشنطن وحدها لديها القدرة على إجبار إسرائيل على التوقف
قال الملك الأردني عبد الله الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع: "لكن حجم الإرهاب غير المسبوق الذي أطلق على غزة منذ ذلك اليوم لا يبرره أي شيء". وتحدث أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أيضًا عن "الإبادة الجماعية" ضد الفلسطينيين في غزة. وقال: "مع كل ما حدث ويستمر في الحدوث، لم يعد من الممكن الحديث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في هذا السياق دون التواطؤ في تبرير الجريمة". ومن الواضح أن قطر لا تتفق مع الموقف الأمريكي الذي يواصل التأكيد على حق إسرائيل الأصيل في الدفاع (الوحشي) عن النفس.
ولكن من الواضح أن هذا الخطاب لا يجدي نفعاً. ولو كان كذلك، لكانت إسرائيل قد أنهت حربها على غزة منذ فترة طويلة، ولما قررت بكل تأكيد توسيع حربها في لبنان. فمن ناحية، تدرك إسرائيل أن الغرض من هذا الخطاب ليس استهداف إسرائيل في، بل خلق مظهر من مظاهر "المقاومة" ضد إسرائيل لاستهلاك الجماهير المحلية في هذه الدول. ويتلخص هذا في إدارة الغضب العام وتحويله بعيداً عن الزعماء العرب نحو إسرائيل. والغرض من ذلك هو الفوز في حرب العلاقات العامة.
الاعتماد على واشنطن
ولكن من عجيب المفارقات هنا أن هذا الخطاب الفارغ لا يحمل أي وزن سياسي حقيقي، بل إنه يعتمد أيضاً في الحصول على أدنى قدر من التصديق على واشنطن، الداعم الرئيسي لإسرائيل! فلماذا يقرر الزعماء العرب الاعتماد على واشنطن لوقف إسرائيل وهم يدركون أن هذه الاستراتيجية غير قابلة للتطبيق؟ هناك عدة أسباب وراء ذلك. أولاً، لا تزال الدول العربية ترى في واشنطن مصدراً رئيسياً للأمن، حتى وإن لم يكن المصدر الوحيد. وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل المملكة العربية السعودية تظل مهتمة بشدة بتوقيع اتفاقية أمنية جديدة مع واشنطن مقابل الاعتراف بإسرائيل. ثانياً، ربما يكون الاعتماد على واشنطن قائماً على بعض الأسباب الواقعية، بقدر ما تتمتع واشنطن وحدها بالنفوذ اللازم لإجبار إسرائيل على التوقف. أوافق على ذلك. ولكن توقع أن تستخدم واشنطن هذا النفوذ لأن الدول العربية تريد ذلك هو أقرب إلى السذاجة. فضلاً عن ذلك فإن توقع أن تستخدم واشنطن هذا النفوذ ضد حليفها الرئيسي ــ الذي يمارس أيضاً قدراً كبيراً من النفوذ السياسي في دوائر صنع السياسات في واشنطن، وبالتالي يتمتع بنفوذ خاص على الولايات المتحدة ــ في الشرق الأوسط أمر غير واقعي أيضاً. والأسوأ من ذلك أن واشنطن هي المفتاح لإقامة العلاقات مع إسرائيل.
الثروة العربية في مواجهة فلسطين
وكما ذكر تقرير صدر مؤخرا ، فإن الزعماء العرب، أي العائلات المالكة، من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، يمتلكون أكثر من مليار جنيه إسترليني من العقارات في المملكة المتحدة فقط. وتشير تقارير أخرى إلى أن المستثمرين العرب، الذين تبلغ استثماراتهم المتوقعة 180 مليار دولار، سيتدفقون إلى المملكة المتحدة وأوروبا على مدى السنوات العشر المقبلة، لشراء الفنادق وتوسيع نطاق بصمتهم التجارية. وتعد الدول الغربية من المنافذ الرئيسية التي تستثمر فيها صناديق الثروة السيادية للدول العربية، والتي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو 3.7 تريليون دولار أمريكي. فما الذي يفكر فيه هؤلاء الزعماء والمستثمرون؟ إن إشارتهم المباشرة هي التصرف (غير القانوني) مع الثروة الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وإذا ما قرر القادة حقاً سحب نفوذهم النفطي وفرض حظر على صادرات النفط إلى أوروبا والولايات المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة أيضاً. وتشمل مخاوفهم إمكانية تجميد أصولهم المنقولة وغير المنقولة من خلال عقوبات مماثلة لتلك التي فرضت على روسيا مؤخراً. وحماية هذه الأصول ضرورية أيضاً لأنها تشكل مصدراً رئيسياً لسياسة الدول العربية الرامية إلى الحد من اعتمادها على الهيدروكربونات وتنويع اقتصاداتها. وإذا تعرضت أصولها لضربة، فقد يؤدي ذلك إلى انتكاسة اقتصادية هائلة. ولذلك، فقد تبنوا نهجاً حذراً للغاية وهم غير راغبين على الإطلاق في استخدام النفط كأداة للسياسة الخارجية بعد الآن.
وهذا بغض النظر عن حقيقة أن هذا الموقف يأتي بتكلفة باهظة من حيث الآلاف من القتلى والتدمير المستمر لحياة وممتلكات الشعب الفلسطيني (والآن لبنان).
ورغم أن الدول العربية حاولت جر الصين إلى الموضوع في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن هذا أيضاً تحول إلى جزء من لعبة الخطابة، خاصة وأن الصين لا تمارس أي نفوذ على إسرائيل ولا تنتهج سياسة التدخل. وإلى جانب الدعم المعنوي والدبلوماسي، فمن غير المرجح أن تقدم بكين أي شيء آخر. ولكن هذا هو الشيء الذي لا تهتم به إسرائيل على الإطلاق، رغم أنه لا يزال شيئاً يساعد الدول العربية على بناء صورة لنفسها باعتبارها منخرطة بنشاط في جهود السلام وربما تنجح الدول العربية في تحقيق ذلك في مرحلة ما من الزمن، ولكنها على يقين من أنها لا ولن تدفع أي تكاليف لهذا التأخير.
……
سلمان رافع شيخ، محلل أبحاث في العلاقات الدولية والشؤون الخارجية والداخلية الباكستانية.