هل تراجعت الهيمنة الأمريكية؟


فهد المضحكي
2024 / 9 / 21 - 12:26     

في أوروبا، قادت الولايات المتحدة والغرب أوكرانيا إلى مسار بدأ واعدًا، ولكنه أدى إلى دمار أوكرانيا. في آسيا من سيكون كبش الفداء؟ قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا: «نحن مستعدون، لدينا مهمة». لكن التنشيط العسكري الياباني يظهر بأن الولايات المتحدة غير قادرة على التحول إلى قوة مهيمنة أحادية الجانب في آسيا. عندما قال كيشيدا: إنه «لا ينبغي أن نتوقع من الولايات المتحدة أن تفعل كل هذا بمفردها دون مساعدة»، لم تكن رسالته دقيقة، فكان يجب أن يقول: لم تعد الولايات المتحدة قادرة على القيام بذلك بمفردها.

هذا ما كتبه المحلل السياسي الصيني باو شاوشان، ترجمة أوديت الحسين.

من الواضح أنه يتحدث عن تراجع الهيمنة الأمريكية وعن مصالح وتناقضات متعددة، وهو ما نستعرضه بإيجاز.

في السنوات الأخيرة، وعلى المستوى السياسي، سعت الولايات المتحدة إلى جعل حلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والمستعمرات السابقة، وحلفائها من الدول الإمبريالية الفرعية، يبنون حواجز دفاعية في المنطقة لحماية مصالحها ونفوذها، من خلال إنشاء سلسلة من الآليات المتعددة الأطراف الصغيرة. في حين تستهدف العلاقات الثلاثية الأخيرة الصين، تستغل اليابان أيضًا الوضع الدولي الحالي للتخلي عن موقفها السلمي، وإعادة تطوير قوتها العسكرية، فهي تحلم بأنها ستستطيع يومًا ما الخروج من ظل الولايات المتحدة.

إن الديناميكيات في آسيا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمشاكل التي تواجه الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، والتي ظلت بلا منازع منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي في عام 1991 ما متوسطه 2,4 تدخلًا عسكريًا سنويًا. وبين عامي 1991و 2019، ارتفع هذا العدد إلى 3,7 سنويًا. ولكن اللحظة المجيدة للهيمنة الأحادية القطبية الأمريكية لم تكن لتدوم إلى الأبد. فالتاريخ لا يتوقف أبدًا. بحلول نهاية عام 2010، انتهت هيمنة الولايات المتحدة، وظهر شكل من أشكال التعددية القطبية في أوروبا، تجلى هذا في عودة روسيا إلى الظهور كقوة عظمى ؛ وفي آسيا، تجلى هذا في تعزيز صعود الصين.

على الرغم من سنوات الدعم والتدريب من جانب الناتو، فإن أوكرانيا، باعتبارها وكيلة للولايات المتحدة، لم تتمكن من التفوق على روسيا. كشف هذا الضعف النظامي الذي يعاني منه العالم الغربي بأسره. ولم يدفع توسع الناتو في أوكرانيا روسيا إلى شن عمليات عسكرية ضد أوكرانيا فحسب، بل أدى أيضًا إلى تقارب روسيا والصين. وفي رأي أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جون مير شايمر، فإن استفزاز روسيا يعكس غباء الغرب.

إن الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا عبارة عن مسابقة «نظام إلى نظام»: مواجهة بين العقيدة، والمعدات، والأفراد، وفي المقام الأول من الأهمية: قدرات سلسلة التوريد الصناعية. كان الهدف من العقوبات الاقتصادية الشاملة دفع روسيا إلى ضائقة اقتصادية، والتحريض على تغيير النظام في الكرملين، لكنها جاءت بنتائج عكسية. إن العقيدة الغربية في ساحة المعركه برمتها، كما يوضح الضابط السابق في الناتو جاك بود، فاشلة. لكن الأمر الأكثر إيلامًا، هو أن قدرة الغرب على إنتاج الأسلحة والمعدات لا تستطيع أن تضاهي الآلة الصناعية الروسية، وأن ادعاءه بالتفوق قد تحطم.

يذكر جاك ديتش مراسل وزارة الدفاع الأميريكية والأمن القومي في مجلة فورين بوليسي، إن الأسلحة التي يمتلكها الجيش الأمريكى آخذة في النفاد، وحتى ما يسمى «الأسلحة المعجزة» يجري تدميرها في المعارك الفعلية.

منذ عام 2000، تراكم إجمالي ميزانية الدفاع الأمريكية إلى 16,05 تريليون دولار، وهو مبلغ مذهل. لكن أصبحت القيود المالية والقدرة الصناعية من القيود الرئيسية على الطموحات الأمريكية. لم يعد أمام الولايات المتحدة خيار سوى جرّ حلفائها الآسيويين والمستعمرات السابقة وحلفائها من الدول الغربية إلى المهة الجديدة، المتمثلة في استعادة الهيمنة الأمريكية.

يعتقد كولبي، المسؤول السابق في وزارة الدفاع، إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل حربًا على جبهتين، لذا يتعين عليها أن تقلص التزاماتها في أوروبا والشرق الأوسط، والإ فلن تتمكن من التعامل مع المشاكل في آسيا.

كشفت مشاكل برنامج الغواصات النووية AUKUS عن القيود المالية والصناعية للولايات المتحدة. إن تمويل الغواصات النووية هو السمه المميزة لـ AUKUS، هو في الواقع مسؤولية أستراليا. لكن القلق العميق بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إنتاج ما يكفي لتلبية احتياجاتها الخاصة، ناهيك عن تزويد غيرها، مبرر وله أسبابه.

ولإيضاح ذلك، يقول شاوشان، تستطيع الولايات المتحدة بناء ما معدلّه 1,2 إلى 1,3 غواصة سنويًا، وهي بحاجة إلى زيادة الإنتاج إلى متوسط غواصتين نوويتين من فئة فرجينيا سنويًا لتحقيق هدفها. وإذا كانت تريد تسليم ثلاث غواصات إلى أستراليا في العقد القادم، فيتعين عليها زيادة إنتاجها السنوي إلى 2,33 غواصة سنويًا. لكن هذا لا يبدو مرجحًا.

ليس من المستغرب أن يوضع نائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل مؤخرًا: إن الغواصات سيتم سحبها في نهاية المطاف من القيادة الأمريكية، وهو ما يؤكد المخاوف القائمة منذ فترة طويلة من أن اتفاق AUKUS من شأنه أن يقوّض سيادة أستراليا في اللحظة الأكثر حرجًا، كما هو الحال في الصراع على تايوان.

وبالإضافة إلى ذلك، أشار كامبل إلى أن البحرية الأمريكية في المياه الزرقاء قوية للغاية، ولكنها ليست كليّة القدرة. توجد العديد من سفن البحرية الأمريكية في حوض جاف للإصلاح، ونحو 40%؜ من الغواصات الهجومية غير قادرة على الخدمة، وقد تأخرت الإصلاحات بسبب نقص العمال وقضايا سلسلة التوريد. وتأخرت خطة الصيانة أشهرًا عن الموعد المحدد، ويؤثر تراكم العمل الكبير على توافر عمليات نشر السفن. وقد أدى في خطط الصيانة إلى تفاقم الشكوك حول متانة العديد من الأجهزة، مثل: المدمرة «يو. إس. إس - بوكسر»، التي اضطرت إلى العودة لمزيد من الصيانة بعد عشرة أيام فقط من نشرها في المحيط الهادئ.

وأشار أيضًا إلى أن التفوق الجوي يشكل مظهرًا آخر من مظاهر القوة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ، ولكن هذا أيضًا أصبح الآن موضع شك كبير، وإن الإبتعاد عن خطوط الإمداد يضعف القدرة في استعراض القوة، كما يتضح من فشل سلسلة التوريد في أوكرانيا، وبالتالي يضعف قوة الردع التي تتمتع بها القوة الجوية الأمريكية.

يعتقد بعض المحللين، إن القوات الجوية الصينية يمكنها «تحقيق الحرمان الجوي، وربما حتى التفوق الجوي، دون الاضطرار إلى هزيمة مقاتلات التفوق الجوي الأمريكية في القتال».

ما إذا كانت القوات الجوية الأمريكية جاهزة للقتال هي مشكلة أخرى.

وبالعودة إلى بعض التفاصيل، في الآونة الآخيرة، واجهت مقاتلات F-16 الأمريكية حالات طوارئ متعددة في أثناء الطيران. بسبب نقص قطع الغيار، وعدم كفاية التدريب لموظفي الصيانة، هناك شكوك جدية حول ما إذا كان الجيش الأمريكى يستطيع الحفاظ على قدرة الطيران القتالية الهجومية المشتركة F-35. ويشككك البعض أيضًا في مدى ملاءمة وفعالية المركبات القتاليه البرمائية القديمة التابعة للجيش الأمريكى فى العصر الحالي.

كشف فشل الولايات المتحدة مؤخرًا في إجبار الحوثيين على الركوع في البحر الأحمر عن حدود عملياتها. إن تفاخر الولايات المتحدة لا يتطابق مع أدائها الفعلي. هذا لا ينفي القدرات العسكرية التدميرية القوية للولايات المتحدة، ولكن حتى على أساس الأدلة العامة، هناك سبب كافٍ للاستنتاج بأن الولايات المتحدة لا تتمتع بتفوق أحادي لا مثيل له. قد لا يتماشى هذا الاستنتاج مع تفضيلات «المتغطرسين» في واشنطن وحلفاء الولايات المتحدة.