حزب النهج الديمقراطي العمالي ومهام التحرر الوطني والديمقراطية


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 8087 - 2024 / 9 / 1 - 20:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

كلمة في الندوة الدولية: حزب النهج الديمقراطي العمالي ومهام التحرر الوطني والديمقراطية

حزب النهج الديمقراطي العمالي ومهام التحرر الوطني والديمقراطية
1. طبيعة المرحلة الحالية على المستوى الدولي:
تحتل قضية التحرر الوطني والديمقراطية موقعا أساسيا في نضالات الشعوب في المرحلة الحالية.

ففي دول الغرب الامبريالي، يتجه الرأسمال المالي الاحتكاري المعولم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المهيمن فيها إلى تعميق السياسات النيولبرالية ودعم الفاشية وتوريط الشعوب في الحروب (الحرب في أوكرانيا والشرق الوسط، وخاصة فلسطين، والحرب الباردة ضد الصين والحروب في إفريقيا…)، وذلك كحل لأزمته الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والأخلاقية.
وتواجه الشعوب وقواها الديمقراطية والتقدمية هذا المنحى الخطير بمواجهة انعكاساته على أوضاعها الاجتماعية وبالدفاع عن الديمقراطية وضد الحروب، وخاصة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة بدعم تام من الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي دول الجنوب، وخاصة أفريقيا والشرق الأوسط، وبالأخص فلسطين، وأمريكا اللاتينية وآسيا، يتصاعد النضال من أجل التحرر الوطني والديمقراطية.

وتخوض الشعوب وقواها التقدمية والديمقراطية معركة التحرر الوطني والديمقراطية ضد هيمنة الرأسمال المالي الاحتكاري المعولم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في ظروف موضوعية إيجابية تتمثل في:

– هناك عشرات الدول التي تفرض عليها المنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات بسبب رفضها هيمنة هذه المنظومة عليها وأنظمة تعتبرها أمريكا أعداء لها (الصين وروسيا وإيران وكوبا ونيكاراغوا وفينزويلا وكوريا الشمالية…) وأنظمة تسعى إلى الحد من هيمنة هذه المنظومة الأمبريالية عليها (البريكس…).

وتسعى هذه الدول إلى الحصول على هامش مهم من الاستقلالية لقرارها الوطني. وهناك روسيا التي تتصدى عسكريا لهذه المنظومة، والصين التي تواجه تصرفاتها العدوانية.

– هناك إمكانية التلاقي الموضوعي بين تنامي عداء الشعوب لهذه المنظومة وطموحها(أي الشعوب) إلى عالم متحرر من هيمنتها، عالم أكثر عدلا ومساواة من جهة، ومحاولات العديد من الأنظمة والقوى، إما تقليص تبعيتها لهذه الامبريالية أو مواجهة هيمنتها، بما في ذلك عسكريا، كما هو الحال بالنسبة لروسيا الآن في أوكرانيا، وكما قد يقع بالنسبة للصين قريبا من جهة أخرى.

هكذا سيعرف العالم تغيرات جوهرية تتمثل في تكريس عالم متعدد الأقطاب: القطب الذي تتشكل نواته الصلبة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية واليابان، والقطب الذي تتشكل نواته الصلبة من الصين وروسيا، وأقطاب إقليمية قد ترتبط بهذا القطب أو ذاك أو تكون محايدة.
لقد سرع “طوفان الأقصى”هذه السيرورة حيث كشف، بشكل غير مسبوق، الطبيعة الإجرامية لهذه المنظومة. إن هذه التطورات، لكونها تؤدي، في نهاية المطاف، إلى إضعاف هيمنة الرأسمال المالي الاحتكاري المعولم تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها في مصلحة نضال الشعوب من أجل التحرر الوطني والديمقراطية.

2. حزب النهج الديمقراطي العمالي ومهام التحرر الوطني والديمقراطية:
تتمثل طبيعة المرحلة الحالية في المغرب في انجاز مهام التحرر الوطني من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية التبعية ومن استبداد وافتراس المخزن.

إن الطبقة العاملة تعاني من الاستغلال الرأسمالي المباشر وهي التي في مصلحتها، ليس انجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطية فحسب، بل القضاء على الرأسمالية. أما الفلاحون فيعانون من استيلاء ملاكي الأراضي الكبار على أجود الأراضي وعلى حصة الأسد من المياه ومن النهب الذي يتعرضون له من طرف الرأسمال التجاري الذي يستحوذ على منتوجهم بأبخس الأثمان والرأسمال التجاري والصناعي الذي يبيع لهم البذور والأسمدة والآلات بأثمان مرتفعة والبنوك التي تفرض عليهم نسب فائدة مرتفعة. ولذلك، فإنهم، موضوعيا، حلفاء الطبقة العاملة. وكادحو الأحياء الشعبية يقاسون من الهشاشة والتفقير وهم، موضوعيا، قوة ثورية. ويتعرض الجزء الأكبر من الطبقات الوسطى إلى التفقير والبلترة بسبب تطبيق السياسات اللبرالية المتوحشة (خوصصة التعليم والصحة التي تمتص جزءا معتبرا من مداخيلها وانتشار الهشاشة وسطها في القطاع الخاص وكمتعاقدين(ات) في القطاع العمومي واكتساح الرأسمالية لأنشطة اقتصادية كانت من نصيبها (تجارة التقسيط وعدد من الحرف والمهن الحرة…).

إن إنجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي يتطلب، إذن، تنظيم صفوف هذه الطبقات والفئات لخوض المعركة ضد أعدائها. ولذلك، يناضل حزب النهج الديمقراطي العمالي من أجل المساهمة في بناء جبهة الطبقات الشعبية.

إن بناء جبهة الطبقات الشعبية مسألة استراتيجية ستكون تتويجا لجبهات مختلفة ومتنوعة، وطنية ومحلية وقطاعية وغيرها.

إن الجبهة التكتيكية التي نسعى إلى بنائها، حاليا، هي الجبهة الواسعة للتخلص من المخزن، وخاصة نواته الصلبة المافيا المخزنية التي تحتكر السلطة وجزء هام من الثروة، باعتباره العقبة الكأداء أمام أي تقدم اجتماعي وديمقراطي. هذه الجبهة التي تضم كل المتضررين منه، مهما كانت مواقعهم الطبقية ومرجعيتهم الفكرية. وفي هذا الإطار، حدد مؤتمرنا الوطني الثالث جبهتين: الجبهة الديمقراطية التي تضم القوى الديمقراطية والجبهة الميدانية التي تضم كل القوى المناضلة ضد المخزن.

إن التغيير الثوري يستوجب انخراط الملايين في النضال. وليكون هذا النضال واعيا وفعالا، يجب أن تتعلم الجماهير الشعبية تنظيم نفسها وبناء علاقات التضامن والوحدة بينها. لذلك يعطي حزبنا أهمية بالغة للمساهمة في بناء وتوحيد التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية، وخاصة العمالية والكادحة، وجعلها تصب في النضال العام للتخلص من المخزن. وتشكل هذه التنظيمات الذاتية القاعدة الجماهيرية الواسعة لجبهة الطبقات الشعبية.

ولحزبنا حضور وازن في الحركة النقابية (في قطاعي الفلاحة والتعليم بالخصوص) وحركة الدفاع عن حقوق الإنسان وحركة حاملي الشهادات المعطلين والإتحاد الوطني للمهندسين والنقابة الوطنية للتعليم العالي.

إن تجارب الشعوب تبين أن البرجوازية، في ظل تحول الرأسمالية إلى امبريالية، اصبحت عاجزة على انجاز مهام التحرر الوطني( نظام جمال عبد الناصر في مصر والأنظمة البعثية في العراق وسوريا وتجارب العديد من دول أمريكا اللاتينية) وأن هذه المهمة أصبحت منوطة بالطبقة العاملة وحلفائها الموثوقين (الفلاحون وكادحو الأحياء الشعبية). وعلى عكس ذلك، فإن الثورات التي ارتكزت إلى الطبقة العاملة بتحالف مع الفلاحين،وقادتها أحزاب شيوعية ماركسية-لينينية (روسيا والصين والفيتنام) أو حركات ثورية يقودها مناضلون ينهلون من الماركسية (كوبا ونيكاركوا) استطاعت انجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطي والخوض في تجارب بناء الاشتراكية. ولذلك اعتبر النهج الديمقراطي أن تأسيس حزب الطبقة العاملة هي مهمته المركزية والحاسمة.

إستمرارا لتجربة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية، وخاصة منظمة إلى الأمام التي تأسست في 30 غشت 1970، حرص النهج الديمقراطي، منذ تأسيسه في أبريل 1995، على اعتبار بناء الأداة السياسية المستقلة للطبقة العاملة( دون تحديد طبيعتها: هل حركة أو جبهة أو حزب؟) مهمته المركزية وتبنى الماركسية كمنهج للتحليل ونظرية في التغيير الثوري وسعى إلى توحيد الماركسيين.

ثم انطلاقا من دروس السيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي التي انطلقت في 2010 ومآلاتها وما تعرفه الرأسمالية من أزمات عميقة وأخذا بعين الاعتبار عدم تفاعل المجموعات الماركسية مع دعواته الوحدوية، قرر في مؤتمره الوطني الرابع، في يوليوز 2016، توفير الشروط للإعلان عن تحمله المسئولية التاريخية لتأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة في مؤتمره المقبل. وفعلا تم الإعلان، في المؤتمر الوطني الخامس، عن تأسيس هذا الحزب تحت اسم حزب النهج الديمقراطي العمالي وتبنيه الماركسية-اللينينية واستمراره في مد اليد لكل الماركسيين-اللينينيين المقتنعين بضرورة بناء الحزب. وبلور برنامجا يمتد للفترة ما بين المؤتمر الوطني الخامس والسادس يهدف من خلاله القيام بمجهود قوي وإرادي ومخطط له من أجل بلترة وتقوية وتصليب الحزب.

على مستوى العالم العربي والمغاربي، يسعى حزبنا إلى تطوير التنسيق والتضامن مع القوى المناضلة ضد المنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

إن الكيان الصهيوني قاعدة أساسية للعدوان ضد شعوب الشرق الأوسط، وخاصة العالم العربي والمغاربي، لضمان هيمنة المنظومة الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة وحرمانها من حقها في تقرير المصير. إنه عدو لتحررها الوطني من سيطرة القطب الواحد. إنه عدو لشعوب المنطقة كلها وليس عدو الشعب الفلسطيني وحده. ولذلك، فإن نضالنا ضد الكيان الصهيوني هو أحد أهم الأشكال الذي يتخذه نضالنا ضد الإمبريالية في الواقع الملموس لمنطقتنا. لذلك، فإن موقفنا من القضية الفلسطينية ليس مجرد تضامن مع الشعب الفلسطيني. ولذلك نعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية. ويحضى النضال ضد التطبيع مع العدو الصهيوني بأهمية خاصة في الواقع الملموس لبلدنا. وقد كان حزبنا من المؤسسين للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع وهو عضو فاعل فيها.

إن طوفان الأقصى يقدم دروسا غنية جدا، من ضمنها:

1. الأهمية القصوى لوحدة قوى المقاومة المسلحة ولاحتضانها من طرف الشعب الفلسطيني، رغم المذابح التي يتعرض لها، فإن ذلك يمكنها، رغم الحصار في مساحة صغيرة وبأسلحة بسيطة، ومن التصدي وإلحاق خسائر فادحة بقوة عسكرية هائلة مدعمة بأكبر وأفتك ترسانة أسلحة في العالم.

2. أهمية التوفر على الخلفية المساندة التي يشكلها محور المقاومة لاستنزاف وتشتيت قوى العدو.

3. إنكشاف، بشكل لم يسبق له مثيل، أن أعداء شعوب المنطقة هي النظومة الأمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية والأنظمة العربية الرجعية المتخادلة أو المتواطئة مع الامبريالية. وأن هذا الثالوث مستعد لارتكاب فضائع لا يمكن تصورها أو المساهمة فيها (الإبادة الجماعية والتطهير العرقي) للحفاظ على مصالحه.

4. بقدر ما تهب الشعوب للنضال وتستميت في الدفاع عن قضاياها العادلة وتكون مستعدة لتقديم التضحيات الضرورية، بقدر ما تستطيع كسب تعاطف وتضامن الشعوب الأخرى وقواها المناضلة. وهو ما تؤكده هبات شعوب العالم وفي مقدمتها شعوب الدول الامبريالية في أوربا وأمريكا الشمالية.

5. إقتناع فصائل المقاومة المسلحة والشعب الفلسطيني أن النضال السلمي غير كاف لاستعادة الحقوق الفلسطينية: لم تستطع الانتفاضات الشعبية والمفاوضات والضغوطات الدبلوماسية أن تفرض على العدو الصهيوني الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل سمحت للكيان الصهيوني والمنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من المضي بعيدا في محاولة إقبار القضية الفلسطينية. َففي مواجهة عدو فاشستي وإرهابي وإستئصالي وموكليه الامبرياليين المجرمين، يمثل الكفاح المسلح الوسيلة الأساسية لانتزاع تحرير فلسطين.

6. الأهمية البالغة لدور الإعلام، وخاصة السمعي-البصري، في التعريف بالقضية الفلسطينية وتفنيد السردية الصهيونية والأمريكية والأوروبية الغربية حولها وفضح الفظائع التي يرتكبها العدو الصهيوني ودحض إدعاءاته وتفنيد أكاذيبه.

ويشتغل حزبنا، على المستوى الدولي، على واجهتين مرتبطتين:

الواجهة الأولى تتمثل في المساهمة في بناء أممية ماركسية من خلال العلاقات الثنائية مع عدد من الأحزاب الشيوعية وأيضا من خلال العمل في القمة العالمية للشعوب والندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية-اللينينية.

الواجهة الثانية تتمثل في المساهمة في بناء أوسع جبهة عالمية مناهضة للمنظومة الامبريالية بقيادة أمريكا لكونها العدو الأساسي لشعوب العالم أجمع. ونسعى أن يكون للأحزاب الشيوعية دورا فاعلا فيها. وللمساهمة في تحقيق هذا الهدف، نشتغل في القمة العالمية للشعوب وفي الفيدرالية النقابية العالمية وفييا كمبسينا والمسيرة الدولية للنساء وغيرها…