صِرَاع الطَّبَقِات، أَمْ صِرَاع الْإِثْنِيَّات


عبد الرحمان النوضة
2024 / 8 / 10 - 16:00     

وفي شهر يوليوز 2024، نَشَرَت دَولة المغرب بَيَانًا تُـعْلِن فيه عن «صُدُور عَفْو مَلَكِي»، يـقرّر الإفراج عن بعض المُعتقلين السياسيين، وعن مُعتقلي حُرّية الرّأي، أو حُرّية الَّـعْبِير، مِن صَحَفِيِّين، وُمُدَوِّنِين، الخ.
لكن المُثِير لِلدَّهْشَة في هذا البَيَان (الذي تُعْلِن فيه الدّولة عَنْ إِطْلَاق سَرَاح بَعض المُعتقلين)، هو أنّ هذا «العَفْو المَلَكِي» عن عَدَد مِن المُعتـقلين، اِسْتَثْنَى، مَرَّةً أُخرى، مُعْتَـقَلِي حِرَاك مِنْطَقَة "الرِّيف" (المَوجودة في شمال المَغرب). وَفِي هذا الحَدَث، وفي هذا الْاِسْتِثْنَاء، يُوجد مَوضوع سِيَّاسِي خَفِيّ، يَستحق أَنْ يُبْرَز، وَأَنْ يُثَار، وأَنْ يُناقش. وذلك نَظَرًا لما فيه مِن فَوَائِد فِكْرِيَة وَسِيَّاسية. وهذا المَوْضُوع الخَـفِـي، في هذا الحدث، هو التَّالِي : مَن يَسُود في مُجتمع المَغرب، هل الصِرَاع بين الـقَوْمِيَّات، أو الطَوَائـف، أو الْإِثْنِيَّات، أو الجِهَات، أم الصِرَاع الطَّبَـقِي (بِمَفهومه الماركسي) ؟ وهذا الموضوع لَا يَهمّ فـقط مِنْطَقة "الرِّيـف"، بَل يَهُمّ أيضًا الحَركات الْأَمَازِيغِيَة.
[وَلِلتّذكير، نَقْصِد بِـ "حِرَاك الرِّيـف"، سِلْسِلَة مِن المُظاهرات الجماهيرية الحاشدة، والاحتجاجات المُتواليّة، التي حدثـت في مِنطقة "الرِّيف" في شمال المغرب، وخُصوصًا في مدينة الحُسَيْمَة. وقد بَدأت منذ مقتل الشاب مُحسن فِكري يوم 28 أكتوبر 2016. وكانـت هذه الاحتجاجات سِلْمِيَة، وَدَوْرِيَة. وكانـت تُطالب بِالشُّغل، والتَعليم، والصِحّة، والحُرّية، والكَرامة. وكان مِن بَين قَادة الحِرَاك البَارزين ناصر الزفزافي. وقد أُعْتُقِل في يوم 29 ماي 2017. وَحُكِم عليه، وعلى ثَلاثة آخرين مِن رفاقه، في يُونيو 2018، بِالحَبْس النَّافذ خلال 20 سنة. وَتَوَزَّعَت الْأحكام الأخرى بين 10 و 15 سنة سِجنا].
وكَتبت "مُنظمة العَفو الدُّولية" (Amnesty) في بيانها عن المَغْرِب : «في السنوات الأخيرة، تعرّض العديد من الأشخاص، بَينهم صَحفيون، وَنُشطاء سِيّاسيون، للمُلاحقات القَضائية. وفي بعض الحالات، حُكِمَ على بعضهم بالسِّجن عِقابًا على تَعبيرهم السِّلمي عن آرائهم النَّاقِدَة للسلطات».
وتَساءل كَثير من المُلاحظين، والصُّحفيّين، والنُشطاء في مَيدان حُقـوق الإنسان : لماذا أُسْتُثْنِي مُعتـقلو حِرَاك مِنْطَقَة "الرِّيف"، مَرَّةً أُخْرَى، من هذا «العَفو المَلَكِيّ» ؟ ولماذا لم يُفْرَج كذلك عن نُشَطَاء حِرَاك مِنْطَقة "الرِّيـف أمثال : ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، محمد جلول، ومحمد الحاكي وسمير إيغيذ، وزكريا اضهشور، وكذلك الوزير السَّابِق لِحُقـوق الإنسان المُحامي محمد زيان، ثمّ صلاح لشخم، وغيرهم ؟
وَأَثَارَ اِسْتِثْنَاء نُشطاء حِرَاك منطقة "الرِّيفْ" غََضَب العديد من الأشخاص التَقَدُّمِيِّين، أو المُحِبِّين لِلدِّيمُوقْرَاطِيَة، أو لِحُقُوق الإنسان. وقد أَصْدَر مثلًا «إِئْتِلَاف رِيفِيِّـي أَوْرُوبَّا» (نِسْبَةً لِسُكَّان مَنْطٌة "الرِّيف" المَنْفِيِّين في أَوْرُوبَّا) بَيَانًا إلى الرَّأْي العام، بتاريخ 31 يوليوز 2024. واعتبر هذا البيان ذلك الْاِسْتِـثْنَاء (مِن إِطْلَاق السَّرَاح) بِمثَابَة «تَكًرِيس لِلتَّمْيِيز المَقِيت الذي يُمارسه النِظام المَخْزَنِي تُجاه [مِنْطَقة] الرِّيف الأبي وأهله الكرام».
وَنَشَر المناضل الحُقُوقِي سعيد العمراني (وهو أيضًا مَنْفِيّ، وَابْنُ مِنطقة الرِّيـف في شَمال المَغْرِب) تَدْوِينَةً على صفحته على "الـفَايْسْبُوك"، في يوم 30 يوليوز 2024، جاء فيها : «هل نحن في مَغْرب الْاِسْتِثْنَاء الذي اِسْتَثْنَى أَبْـنَاء [مِنْطَقَة] الرِّيف، وَحَرمهم من الفَرح؟ هل نحن [مِنطقة الرِّيف] مُواطنون من الدَّرجة الثَّانية ؟ ... [من خلال] اِسْتِثْنَاء أبـناء [مِنطقة] الرِّيف مِن الْإِفْرَاج... يَتأكّد لنا بالفعل هَيْمَنة مُعاملة خاصّة مع أبـناء [مِنْطقة] الرِّيف. وهي ليست بالجديدة على كل حال، ويتأكّد لنا مرّةً أُخرى اِخْتِرَاق تِيَّار اِسْتِئْصَالِي في الدَّولة، يَفتعل المَشاكل، وَيَتغذّى عليها، وكأنّه يُشَجِّع [مِنْطَقَة] الرِّيف على الْإِنْـفِصَال [عن المغرب]، لَيَسُود العَبَث.. هل يعني استثناء المعتقلين الرِّيفِيِّين وَالصَّحراويِّين مِن الإفراج، وكأنّ التِيَار الْاِسْتِئْصَالِي يبعث لنا رِسالة واضحة، وهي "أنتم سَوَاسِيَة". كَفَى، كفى، وألف كفى… إنها الحُكْرَة [حُقْرَة، اِزْدِرَاء] بكل ما تَحمل الكَلمة مِن مَعنى».
وأنا في هذا المقال، لا أََنْتَـقِد شَخص المناضل سعيد العمراني، ولا أَتَّهِمُه بِـتَشْجِيع «الْاِنْفِصَالِية»، وإنما أُنَاقِشُ بشكل عامّ، أفكارًا، أو أُطروحات، مَوْجُودة نِسْبِيًّا لَدَى عَدد قَليل من مُواطني مِنْطَقة "الرِّيـف"، وَرُبَّمَا أيضًا في خارجه.
وَيجب على كل مُواطن أنْ يَتَـفَـهَّم غَضَب أهل مِنطقة "الرِّيـف" مِن الأحكام السِجنية الـقاسية جِدًّا (15 عامًا أو أكثر) التي سَبَقَ أنْ صَدَرَت ضِدّ مُعتـقلي حِرَاك مِنْطقة "الرِّيف". كما يجب تَفَهُّم غَضبهم مِن الْاِسْتِثْنَاء المُتَكَرِّر لِمُعتـقلي حِرَاك "الرِّيف" مِن عَمَلِيَّات العَفْو المَلَكِي. لكنّني أَختلـف مع التَّفْسِير، أو التَأْوِيل السياسي، الذي يُفَسِّر هذا «الْاِسْتِثْنَاء» بِصِراع فيما الـقَوْمِيّات، أو الْإِثْنِيَّات، أو المناطق، أو ما شابه ذلك.
والسُّؤَال المَطروح هو التَّالِي : لماذا كانـت مُعظم الأحكام السِجِنِيَة، الصّادرة في حقّ مُعتـقلي حِرَاك "الرِّيف"، قاسية جدًّا (معظمها يتجاوز 10 سنة) ؟ ولماذا لَمْ يَشمل العَفْو المَلَكِي، مِرارًا وَتِكرارًا، مُعتـقلي منطقة "الرِّيف" ؟ وَمَا هو سَبَب الإِقْصَاء المُتَكَرِّر لِمُعتـقلي حِراك "الرِّيف" مِن عَمَلِيَّات إِطْلَاق السَّرَاح، عبر عَفو مَلَكِي ؟
إِنّ سَبَب إِقْدَام النظام السياسي الـقائم في المغرب على اِسْتِثْنَاء مُعتـقلي حِرَاك مِنْطقة "الرِّيف" من عَمَلِيَة إطلاق السَّرَاح، ليس هو كُرْهُ هذا النظام لِسُكّان مِنطقة "الرِّيـف" (مثلما ظَنَّ البعض)، وإنّما السّبب هو أَوَّلًا، أنّ هذا النظام السياسي رَأَى في حِرَاك مِنطقة "الرِّيف" حركة ثورية جَذْرِيَة، وَفَعَّالَة في مَجال تَعْبِئَة وَتَوْحِيد الجماهير، وَتُهَدِّد أَمْنَه الاستراتيجي. وخاف هذا النظام السياسي مِن أَنْ تَنْتَشِر عَدْوَى مَنَاهِج نِضَال حِرَاك مِنطقة "الرِّيف" إلى بَاقـي مَناطق المَغْرِب. وَخَشِيَ النظام السيّاسي أَنْ يُؤَدِّيَ إطلاق سَراح مُعتـقلي حِرَاك "الرِّيف" إلى تَوْفِير حُظُوظ جديدة لِإِعَادَة إِشْعَال هذا الحِرَاك. والسَّبَب الثَّانِي، هو أنّ المُخابرات في السِّجن بَيَّنَت لهذا النظام السياسي أن مُعتـقلي حِرَاك "الرِّيف" مَا زَالوا صَامِدِين في قَنَاعاتهم النِضَالِيَة والثورية.
وفي الحقـيقة، لَا يُمارس النظام السياسي الـقائم تَمْيِيزًا قَمْعِيًّا خَاصًّا ضِدَّ المُعارضين السِيَّاسِيِّين، وذلك حَسب نَوْعِيَة المِنْطَقَة التي يَنْحَدِرُون منها، هَلْ هِيَ مِنْطقة "الرِّيـف"، أَمْ مِنْطقة مُرّاكُش، أَمْ مِنْقَطَة مدينة الدَّار البيضاء، إلى آخره. وَإِنَّمَا يَـقْمَع النظام السياسي كل المُناضلين، وكل المعارضين، وَبِدُون اِسْتِثْنَاء، وَمَهْمَا كانـت مِنْطَقَتُهُم، أو اِثْنِيَّتُهم، أو طِبَاعُهُم، أو خَصَائِصُهُم.
وَعِندما يَتَشَدّد النظام السياسي (الـقائم في المغرب) في قَمْع المُعارضين السياسيِّين المُنْبَثِـقِين مِن مِنطقة "الرِّيـف"، يَدَّعي البَعض أن هذا النظام السياسي له «كَرَاهِيَة خَاصَّة ضِدّ مِنْطقة "الرِّيـف"»، وأن هذه الكَراهية تُبَرِّر تَنْمِيَة نَزْعَة سيّاسيّة «اِنْفِصَالية» عن المغرب. لكن عندما يَفعل هذا النظام السياسي عَكس ذَلك، أَيْ عندما يُرَقِّيَ النظام السياسي المئات، بَل الآلاف من الأشخاص الإنتهازيِّين، المُنحدرين من مَنطقة "الرِّيـف"، والذين اِخْتَاروا خِدْمَة هذا النظام السياسي، والدِّفاع عنه، مُقابل غَنْمِ فُرَص الْاغْتِنَاء الشَّخْصِي السَّرِيع (عَبْر مُؤَسَّـسات الجماعات المَحَلِّية، أو الجِهَات، أو البَرلمان، أو التَوْزِير، أو إدارة هَيْئَات اقتصادية، الخ)، فإنّ أنصار النَّزعة الانـفصالية يَتَصَرَّفُون كأنهم لم يَرَوْا شَيئًا. بَيْنَما هُم يَعرفون المِئَات مِن الأشخاص (مِن مِنْطقة "الرِّيـف")، الذين كانوا مَحْسُوبين على المُعارضة السياسية، ثمّ اِنْتَـقَلُوا إلى الوَلَاء إلى النظام السياسي، وإلى خِدْمَتِه، وَأَصْبحوا مِن بَين الْأَغْنِيَّاء الكِبَار في المَغْرب. ومعنى ذلك أن النظام السياسي لا تَهُمُّه لَا هَوِيَّات، وَلَا قَوْمِيَّات، وَلَا إِثْنِيَّات، وَلَا مَنَاطق، وَلَا أَقَالِيم، الخ، وَإِنَّمَا يَهُمُّه خُدَّامه، وَأَنْصَاره، وَأَتْبَاعه، والمُوَالُون له، الخ، كيـف ما كانـت هَوِيَّاتُهُم.
كما أنّه مِن الخاطئ أن نَدَّعِيَ أن النظام السياسي يُهْمِل مَنْطقة "الرِّيف" أكثر مِن غيرها. على خلاف ذلك، تُوجد في المغرب العديد من المناطق التي تَـفُوق بِكَثِير مَنْطقة "الرِّيف" في مَجالات الـفقر، أو التَهْمِيش، أو الْإِهْمَال، مثلًا في مَناطق جِبَال الْأَطْلَس، وفي شَرق المغرب، إلى آخره.
وَلَا يَمْنَح النظام السياسي أَيَّة اِمْتِيَّازَات خَاصَّة لأيّة مَنْطَقَة، أو طائـفة، أو إِثْنِيَة. [باستـثناء الْاِمْتِيَّازَات الاقتصادية المَمْنُوحة لِسُكّان منطقة الصَّحراء الغربية، وذلك لاعتبارات تَـكْتِيكِيَة مَعْلُومَة، وتخرج عن حُدُود مَوَضوعنا الحالي].
والسَّبَب الأوّل في ذلك هو أنّ الرَّأْسَمَالِيَة تَهْتَمّ أساسًا بِالرِّبْح، وَلَا تَهتم بِهَوِيَّات المُسْـتَـغِـلِّـيـن، وَلَا بِهَوِيَّات المُـسْـتَـغَـلِّـين، وَلَا بِقَوْمِيّاتِهم، وَلَا بِإِثْنِيَاتِهِم، وَلَا بِمُعتـقداتهم، وَلَا بِطِبَاعِهِم، وَلَا بِتَارِيخهم.
والسَّبَب الثَّانِي أيضًا هو أنّ أَفْراد الطَّبَقَة السَّائِدَة في المغرب يَـعْتَنُون بالمَناطق التي يُمْكِنُهُم فيها جَنْي أَرْبَاح مُهِمَّة، أو سَريعة. وَيُهْمِلُون المَناطق التي لَا يَجِدُون فيها فُرَصًا كَافِيَة لِلْإِغْتِنَاء، وذَلِك بِغَضّ النَظَر عن نَوْعِيَّة سُـكَّان هذه المَناطق، وَعَن هَوِيَّتِهِم، أو لُغتهم، أو إِثْنِيَّتِهم، أو تَقَالِيدِهِم، أو تَاريخهم.
وَلَا يُمَارِسُ النظام السياسي الاستبدادي الـقائم في المغرب التَمْيِيزَ العُنْصُري (racist)، أو الْإِثْنِي (Ethnic)، أو الطَّائِـفِي (sectarian)، الخ. بَل هو نظام رَأْسَمَالِي تَبَـعِـي لِلْإِمْبِرْيَالِيَّة وَلِلصَّهْيُونِيَة.
وَلَا يَنْبَنِي هذا النظام السياسي على صِرَاع فيما بين الـقَوْمِيَّات، أو الهَوِيَّات، أو الطَوَائِف، أو الْإِثْنِيَّات، أو الْأَقَالِيم، أو المَنَاطِق. وَالدَّلِيل على ذلك هو أَوّلًا : أنّ الطبقة السَّائِدَة في المغرب تحتوي على أشخاص مَالِكِين كِبَار، أو مُسْتَـغِلِّين كِبَار، يَنْتَمُون إلى مُجمل أَقَالِيم المغرب (بما فيها منطقة الرِّيـف)، وَيَنْتَمُون إلى مُجمل المَجْمُوعات الْإِثْنِية (بما فيها العرب، والـفاسِيِّون، والْأَمَازِيغ، والسُّوسِيُّون، والصَّحْرَاوِيُّون، والشُرَفَاء، والمَنْبُوذُون، الخ). كما أنّ الجَماهير الشَّعبية المُسْتَـغَلَّة، أو المُهَمَّشَة، تَشْمَل مُواطنين من كلّ المَناطق، ومن كل الْإِثْنِيَّات، وَمِن كلّ الهَوِيَّات، وَمِن كلّ المجموعات.
ومن خَصائص هذا النظام السياسي القائم في المغرب، أنّه يَعجز على مُعالجه أيّ مُشكل مُجتمعي. ويُدَبِّر فـقط الْإِغْتِنَاء الخُصُوصي لِلْأشخاص الحَاكِمِين، والسّائدين، وَخُدّامهم، وحلـفائهم الإمبرياليّين، والإسرائيليّين. بينما المشاكل المُجتمعية، لَا تُعالج، وإنما تَتَـكَاثَر، وَتَتـراكم، وَتَـتَـفَاقَم.
والسُؤَال السِّياسي المَطروح هو : ما الذي يُوجد في المغرب؟ هل يُوجد فيه صِرَاع بين المَنَاطِق، أو الطَوَائـف، أَو الهَوِيَّات، أو المَجموعات الْإِثْنِيَة، أو العِرْقِيَة، أو مَا شَابَه ذلك ؟ أم هل يُوجد في المغرب صِرَاع طَبَـقِي، بين طَبَقَات مَالِكَة وطَبَـقَات مُبْعَدَة عن المِلْكِيَّة، أو بين طَبَـقَات مُسْتَـغِلَّة وَطَبَـقَات مُسْتَغَلَّة، أو بين طَبقات مُحْتَكِرَة وَمُهيمنة وَطَبقات مَسُودَة وَمُهَمَّشَة، أو بَيْن طَبَقات وَطَنِيَة وَطَبَقَات عَمِيلَة لِلْاِمْبِرْيَالِيَّات الغَربية وَلِلصَّهْيُونِيَة ؟
لـقد سبق للنظام السياسي الـقائم في المغرب أنْ حَاول إِخْـفَاء الصِراع الطَبَقِي، وَطَمْسِه بِصراعات أُخْرَى مُـفْـتَـعَلة. بَلْ اِسْتَـعْمَل النظام السياسي مثلًا الحركات الإسلامية الأُصُولية (وخاصّة منها "حزب العدالة والتنمية") لِإِخْفَاء الصِرَاع الطَبَقِي، وَلِنَشْر صِرَاع مُصْطَنَع بين المُتَدَيِّنِين وغير المُتَدَيِّنِين. وَبَعْدَ وِلَايَتَيْن لِتَرَأُّس الحُكومة، اِنْـتَهَى ذلك الحزب الْإِسْلَامِي (المَلَكِي، واليَمِينِي، والانتهازي) إلى إِفْلَاس شَامِل. وَشَجّع النظام السياسي في الخَفَاء بعض "الحركات الْأَمَازِيغِية"، التي تَدَّعِي، هي أيضًا، أنّ الصِرَاع الْأَسَاسِي الـقائم في المُجتمع، ليس صِرَاعًا طَّبَقِيًّا، وَإِنّّمَا هو صِرَاع بين الْأَمَازِيغ والعَرب. وَرَفَضَت الجماهير الشعبية الْأَمَازِيغِية المَعْنِيَة بِأَغْلَبِيَّتِهَا هذا المَنْهَج الطَّائِـفِـي، وَلَم تَـقْبَل الْاِنْخِرَاط فيه. خَاصَّةً بعد اِنْفِضَاح التَعاون السِرِّي لِبَعض الجمعيات الأمازيغية مع إسرائيل، أو مع الصّهاينة.
لِنَفْتَرِض الْآن مَجَازًا أنّ تِلك الْأُطْرُوحَة الْأُولى صحيحة. وَلِنَـفْتَرِض أن النظام السياسي يَكْرَه مَنْطَقَة "الرِّيف" وَسُكَّانها. وَلِنَـفتـرض أن النظام السياسي يُمارس ضِدَّ مَنْطقة "الرِّيف"، وسُكّانها، وَمُناضليها، قَمْعًا أَشَدُ مِن الـقَمع الذي يُمارسه ضِدّ المَنَاطق، أو الأَقَالِيم، أو الْإِثْنِيَّات الْأُخْرَى. هَلْ سَيَكُون الحَلّ السَّلِيم، في هذه الحالة، هو أن يُناضل سُكّان منطقة الرِّيـف من أَجل الْاِنْفِصَال عن دولة المغرب ؟ وإن كان سُكّان مَناطق أخرى، يَعتـقدون (هُم أيضًا) أن النظام السياسي يُريد قهرهم أكثر من المناطق الأخرى، هل الحَل الصَّحِيح سَيكون، في هذه الحالة، هو الكفاح من أجل الْاِنْفِصَال عن هذا النظام السياسي ؟ لَا، هذا تَـفْكِير مُنْـفَـعِل، وغير سَليم، وغير فَعَّال، وَلَا يُعَالِج شَيْئًا. وَبُلداننا هي أصلًا كِيَّانَات صَغِيرة، وَقَزَمِيَة، وَهِيَ مِن مُخَلَّفَات التَـقْسِيم المُصطنـع الذي فَرَضَه المُستـعمرون خلال سنوات الاستعمار. وَبَدَلًا مِن تَجْزِيئ المُجَزَّء، نُريد من الثَّورة المُجتمعية الاشتـراكية المُقبلة أن تُوَحِّد كل هذه الدُوَيْلَات الضَّعِيـفة الحَالِيَة في نَوع من الْـفِيدِيرَالِيَة التي تُوَحِّد كل شمال إفريقـيا، مِن مُوريطانيا إلى مَصْر.
خُلَاصة جزئية : النظام السياسي القائم في المغرب هو نظام رَأْسَمَالي تَبَعِي، وليس عُنصريا، وَلَا مُعادِيًّا لأيّ إقليم معيّن، وَلَا ضِدَّ أَيَّة إِثْنِيَة مُعيّنة. وَيُوجد في المغرب فـقط الصِراع الطبقـي (بِمَفهومه الماركسي)، وليس الصراع فيما بين الأقاليم، أو الطوائـف، أو الإثنيّات، أو الـقَوْمِيَّات، أو الهَوِيَّات، الخ. وَعَدم إطلاق سَراح مُناضلي حِرَاك مِنطقة "الرِّيف"، ليس سببه هو كَراهية أهل منطقة "الريف"، وإنما سَببه هو أن النظام السياسي الاستبدادي القائم في المغرب مَرْعُوب من كل ما هو ثوري. وَقَد رَأَى النظام السياسي في مُناضلي حِرَاك مِنطقة "الريف"، وفي مَناهجهم النِضَالِيَة، رَأَى فيهم بُذُور حَركة ثَورية حقيقية، وفَريدة، وَقَوِيَّة، وخطيرة عليه. وَيُمكن للنظام السياسي أن يَتوافق مع كلّ شيء، سِوَى مَع ما هو ثَوري. وَمُناضلو حِراك مِنطقة "الرِّيف" هم مِن ضِمْن "أحرار" المغرب. وَعَدُو الشّعب الْأَكبر، والْأَسَاسِي، هو الرَّأْسَمَالِيَة التَبَـعِيَّة، وليس شيئًا آخَر. وَلَن تَـقبل الجماهير الشَّعبية الثَّورية، ومهما كانـت مَنَاطِقُها، أو إِثْنِيَّاتُها، أو هَوِيَّاتها، أو خَصَائِصُها، لَن تَـقبل أبدًا الْاِنْزِلَاق في نَزْعَة الْاِنْـفِصَال عن هذا النظام السياسي الاستبدادي، ولكنها سَتهزمه، كليا، ونهائيا، وَسَتُعوّضه بِنظام اشتـراكي ثوري، عندما تَنْضُج الشُروط المُجتمعية لذلك.
رحمان. الجمعة 9 غشت 2024.