داعش يعيد هيكلة تنظيماته على نطاق عالمي ‏


فالح الحمراني
2024 / 8 / 5 - 18:11     



فالح الحمـراني‏

تشير الدلائل الى أن تنظيم داعش مختلف اليوم عما كان عليه قبل خمس سنوات ، ‏وهو الآن أكثر اندماجا كمنظمة في شبكته العالمية مقارنة بتنظيم القاعدة في أي ‏وقت مضى. لقد مرت 10 سنوات منذ أن أعلن تنظيم داعش نفسه دولة الخلافة، ‏وأكثر من خمس سنوات منذ أن فقد آخر بقايا أراضيه في سوريا. ولكن عاد التنظيم ‏الإرهابي إلى نشرات الأخبار بسبب زيادة احتمالات وقوفه وراء تنفيذ عمليات ‏خارجية (الهجمات الإرهابية في إيران وتركيا وروسيا هذا العام، فضلاً عن العديد ‏من الخطط التي تم الكشف عنها في أوروبا)، وثمة عدم فهم أساسي لكيفية تحرك ‏داعش اليوم. ومن نواحٍ عديدة، يُنظر إلى ذلك بشكل غير صحيح من خلال الخبرة ‏بكيفية عمل تنظيم القاعدة (شبكة من الفروع لا مركزية)، أو على تحركها في ‏السابق عندما كانت جزءًا من شبكة القاعدة العالمية، أو بناءً على كيفية عمل تنظيم ‏داعش خلال أوجها. عندما سيطرت على أراضي في العراق وسوريا. وربما يكون ‏هذا هو السبب في أن البعض في الحكومة الأمريكية أساءوا تفسير الإشارات ‏الإذاعية الاستخبارية بأن عبد القادر مؤمن زعيم داعش في الصومال الذي ‏تعرض للهجوم في أواخر مايو، ، أصبح خليفة، أصبح خليفة الجماعة. ‏
وتكتسب هذه التغييرات التي جرت مدى السنوات الخمس الماضية أهمية حاسمة ‏لفهم صانعي القرارات السياسية كيف يظهر تهديد اليوم وكيف نظر صانعي ‏السياسات إلى القضية في العقد الماضي، عندما تمحور التركيز على سيطرة داعش ‏على الأراضي في العراق وسوريا ‏
إن مقر التنظيم الإقليمي هو أهم هيئة لفهم أنشطة داعش اليوم، والذي كان مقره في ‏سوريا سابقا، لكن المعلومات الجديدة تشير إلى أنه، وعلى أعلى مستوى انتقل إلى ‏الصومال، ويمكنه الآن لعب دور مركزي. وعندما يفهم المرء هذا الهيكل، فإن ‏تحركات داعش على نطاق عالمي تكون أكثر منطقية. هذا هو السبب في أننا نرى ‏اليوم تفاعلا وعلاقات بين ولايات (مقاطعات) مختلفة أكثر بكثير مما كانت عليه في ‏الماضي. ومن نواح عديدة، فإن الجوانب الرئيسية التي تميز داعش كمنظمة ‏‏(الحكم، وتعبئة المقاتلين الأجانب والعمليات الخارجية) لم تتغير، فقد انتقل وحسب ‏تمركزهم خارج العراق وسوريا أو السيطرة على مواقعهم إلى الانتشار في جميع ‏أنحاء الشبكة العالمية من المحافظات. وتظل أهدافه كما هي، حتى لو تكيفت ‏المنظمة مع الظروف المتغيرة. ويفسر أيضا سبب اختلاف التحدي الذي يشكله ‏التنظيم اليوم عما كان عليه في الماضي، ولماذا أصبح في بعض النواحي أكثر ‏مرونة من ذي قبل في مواجهة الضغوط‎.‎
وهذا يجعل مواجه تنظيم داعش أكثر صعوبة من الناحية الأمنية مما كان عليه في ‏الماضي، عندما كان يركز جهوده في المقام الأول على العراق وسوريا. إن ‏التركيز اليوم فقط على العراق وسوريا أو أي إقليم أخر، وبغض النظر عن فهم ‏علاقاتها بأجزاء أخرى من الشبكة العالمية للمجموعة، سيؤدي إلى تفويت التفاصيل ‏الأخرى. ورغم أن الولايات المتحدة خصصت جزءاً كبيراً من قوتها البشرية ‏وموارد ميزانيتها لمعالجة تحديات تراها أكثر إلحاحاً وبعيدة المدى مثل الصين ‏وروسيا، فإنه سيكون من الخطأ إهمال تنظيم الدولة الإسلامية باعتباره قوة فاعلة ‏ومشكلة أمنية مستمرة، ولكنها تتطور. وبالتالي، يبقى من المفيد الحفاظ على عدد ‏الأجهزة الحكومية الممولة وزيادتها في مختلف الوكالات والإدارات للتركيز على ‏مراقبة هذا التهديد والاستعداد بشكل أفضل للمفاجأة القادمة. وبخلاف ذلك، كما ‏حدث في الماضي، سيتم ارتكاب أخطاء في التفسير الخاطئ‎.‎
‎ ‎
التاريخ يعيد نفسه؟
ومن دون هذا الفهم، فمن المرجح أن يفسر الساسة ما يفعله تنظيم داعش اليوم عما ‏يحدث بالفعل على خلاف ما يجري في الواقع داخل التنظيم. فقبل عودة ظهور ‏تنظيم داعش في عام 2013، اعتقد العديد من المسؤولين الحكوميين والباحثين أن ‏التنظيم قد هُزم. ولا يزال البعض يطلق عليه اسم تنظيم القاعدة في العراق، على ‏الرغم من أنه تم تغيير اسمه إلى "دولة العراق الإسلامية"! قبل سبع سنوات. وعلى ‏نحو مماثل، في كانون الثاني 2014، عندما تحرك التنظيم نحو فرض سيطرته ‏الإقليمية في العراق وسوريا، أشار الرئيس باراك أوباما إلى تنظيم الدولة الإسلامية ‏باعتباره "قوة مشتركة" على النقيض من تنظيم القاعدة "الجامعي" المفترض‎.‎
وجزئيا، نشأ سوء الفهم الأساسي هذا من سياسات غزو العراق عام 2003 وحرب ‏العراق، وهو فصل من التاريخ أراد المسؤولون وغيرهم إنهاءه. وكان السياق ‏الإضافي هو مقتل أسامة بن لادن في عام 2011، مما أضعف الاهتمام العام ‏بالقتال ضد الحركة الجهادية بشكل عام ودولة العراق الإسلامية بشكل خاص. في ‏ذلك الوقت، ركز خبراء مكافحة الإرهاب اهتمامهم على تنظيم القاعدة في شبه ‏الجزيرة العربية وحركة الشباب المجاهدين المتمركزة في شرق أفريقيا، لأن هذه ‏الجماعات ضمت مقاتلين أجانب من الغرب أو ألهمت متطرفين محليين في الغرب ‏للتخطيط لهجمات إرهابية. في بلدانهم‎.‎
تتعلق إحدى أكبر الفجوات المعرفية من عودة تنظيم داعش بتطور التنظيم مع ‏مرور الوقت. وقد أدى هذا النقص في فهم التاريخ إلى تفسيرات خاطئة واسعة ‏النطاق. لقد تم تصوير الجماعة بشكل خاطئ بطرق مختلفة: كجبهة بعثية انتقامية، ‏وملاذ للعدميين بلا أيديولوجية، وحركة ألفية ليس لها اهتمام بالحكم الحقيقي، ‏وحركة ذات توجه محلي دون خطط لعمليات خارجية‎.‎
والآن، بعد أن خسر تنظيم الدولة الإسلامية الأراضي في العراق وسوريا في عام ‏‏2019، فإن التاريخ يعيد نفسه إلى حد ما. لقد حول الكثيرون في حكومة الولايات ‏المتحدة وخارجها ممن تعاملوا سابقا مع تنظيم الدولة الإسلامية والحركة الجهادية ‏انتباههم إلى قضايا أكثر إلحاحا، مثل صعود اليمين المتطرف في الدول الغربية، ‏والتحركات الروسية في أوكرانيا، والمخاوف بشأن القوة العسكرية المتنامية ‏للصين. والتحريف الجيوسياسي فيما يتعلق بالنظام العالمي الحالي. لا شك أن ‏الاهتمام المتزايد بمثل هذه القضايا له ما يبرره، ولكن لا ينبغي الخلط بين "الهدوء" ‏بين التعبئة الجهادية ووقف القتات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‏ المصدر: وسائل الإعلام الروسية.