عندما لا نحب نصفنا الثاني
ناهد بدوي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 16:38
المحور:
الادب والفن
أعتقد أن رياض صطوف حر في أن يكتب ما يشعر به وما خبره في حياته السورية الفرنسية. وكذلك هو حر بأن لا يحب
نصفه السوري، ولكننا أيضا أحرار بأن نعبر عن رأينا فيما يكتب.
كتب رياض صطوف ستة أجزاء من القصة المصورة تحمل عنوان “عرب المستقبل”، تتناول القصة حياته المتوزعة بين
ليبيا وسوريا وفرنسا، فأبوه السوري درس الدكتوراه في فرنسا وتزوج من زميلته الفرنسية، وهكذا جاء رياض صطوف
نصفه سوري ونصفه الثاني فرنسي.
عندما قرأت الجزء الأول حاولت أن لا أغضب فقد كنت حديثة العهد في الغربة وخشيت أن يكون غضبي ناتج عن
حزني من اضطراري لترك بلدي سوريا الذي أعشقه، وكذلك كنت حديثة العهد في فرنسا بلد الكاتب، وبدلا من ذلك
حاولت أن أتفهم هاجس ومشكلة الهوية المختلطة وكتبت مقالا(1) عن الجزء الأول في مواجهة الصورة النمطية عن أي
شعب من الشعوب والتي لا تنطبق على أي فرد منه أبدا، وقد أتعبتنا تلك الصورة النمطية عن السوريين في غربتنا
الحالية، فالكثير من الفرنسيين لم يتعامل معنا كأفراد متنوعين بل ككتلة واحده اسمها: السوريون، وكذلك لم يتعامل الكثير
منا نحن السوريين مع الفرنسيين كأفراد متنوعين، بل ككتلة واحدة اسمها: الفرنسيون. ولغة التعميم كانت هي السائدة عند
الكثيرين من الطرفين.
عندما قرأت الجزء الثاني حاولت أن لا أغضب أيضا، وكتبت عنه(2) وعن رؤية الهجين في فرنسا وسوريا
واعتبرت أن الهجين والدم المختلط سوف يتصدر فكريا عصرنا الراهن المتواصل بكثافة والمتعدد الثقافات، والذي لم يعد
يحتمل فكرة الأعراق أو الأديان أو المعتقدات المتفوقة. عالمنا الراهن هو عالم متعدد الثقافات والأعراق يعيش في البلدان
المتطورة منه كل أعراق وديانات العالم. هو عالم ينتقل الى عصر اللامركزية الثقافية والحضارية والاقتصادية. وتزداد
في عالمنا اليوم العلاقات ووسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المتعدية للحدود القومية والدينية. وكما هي حال المراحل
التاريخية الانتقالية سوف يقاوم العالم القديم العالم الجديد قيد التشكل، سيقاوم الكثير من الجماعات ذات الأصول الواحدة
ممن لا يستطيعون تحمل هذه التغيرات الدراماتيكية التي تجري في عالمنا الحالي. وأعتقد أنه هنا تكمن الجذور الأساسية
لنشأة المحافظين في كل أنحاء العالم، وكذلك جذور التعصب القومي والديني والمذهبي الذي يرفض هذا التعدد ولا يستطيع
استيعابه. والغريب أن من يكره نصفه الثاني يساند هذا التعصب بدلا من أن يستفيد العالم من ثقافته الهجينة ويكون سفير
تفاهم فيه.
أما عندما شاهدت عدة لقاءات لرياض صطوف على التلفزيون الفرنسي، ومن بينهم برنامج مراسل خاص على القناة
الفرنسية “فرانس انفو” الذي كان يستضيفه، قدم المذيع قصته المصورة “عرب المستقبل” بقوله: “صطوف كتب عن
طفولته في سوريا وعن عدم التسامح مع الأجانب فيها، وكانوا ينادونه في المدرسة باليهودي لأنه أجنبي وأشقر”. عندها
استرجعت كل الأجزاء وكل المقابلات التلفزيونية معه، وخرجت برأي مختلف عن ذي قبل عن مجموعته القصصية تلك،
صرت أعتقد أنه فعلا لا يحب نصفه الثاني السوري.
فرياض صطوف في المدرسة السورية لم يكن أجنبيا فهو سوري واسمه سوري، هذا أولا، وثانيا من المعروف عن
السوريين أنهم يحبون الأوربيين ويستقبلونهم بطريقة حميمية جدا لدرجة الإحساس بالدونية تجاههم، وثالثا، لا تحتوي
الذاكرة الشعبية السورية على فكرة أن اليهودي أشقر. فاليهود السوريون كانوا سمرا وشقرا مثل تنوع كل السوريين بكل
أديانهم . صدقا صطوف لا يعرف سوريا، وذكرياته مختلطة مع الصورة النمطية التي كانت سائدة في فرنسا عن العرب.
ومتأثره بمشاعره تجاه نصفه السوري.
يمكننا أن نستنتج هنا بأن هناك أنواع مختلفة من الهجناء، منهم من يجب أن نراهن عليهم كي يتصدروا العصر الجديد وهم
من يتصالحون مع كل مكونات شخصيتهم، ومنهم من يكرس العنصرية ويخدم ردود الفعل المحافظة، لا بل يمكن أن
يكون أسوأ منهم جميعا. وحسب خبرتي القصيرة في العمل في فرنسا فقد عانيت من العنصرية من بعض الفرنسيين، ولكن
عنصرية بعض الأجانب غير الفرنسيين كانت مقيتة ووقحة أكثر، وهذا كان يدهشني، أعتقد لأنهم انحازوا إلى نصفهم
الفرنسي وصاروا يكرهوننا لأننا نذكرهم بنصفهم الأجنبي الذي يحاولون نسيانه. وقد كان يدهشني أيضا وجود أجانب في
الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تكره الأجانب !!! وصرت أعتقد بأن بعض الأجانب ينحازون لليمين المتطرف العنصري
لأنهم انحازوا لنصفهم الفرنسي الذي تشكل بالغربة، ولم يتصالحوا مع نصفهم الذي نشأ في بلد متخلف، وسواء أكان يحب
نصفه الثاني أم يكرهه فهو لن يُمحى منه من جهة، ولا من وجهة نظر المجتمع الفرنسي من جهة ثانية. فهو يستطيع أن
ينقده ويعمل على تنوير الأجيال الجديدة في سورية عن بمعارفه الجديدة، ولكنه لن يتوازن حتى يتصالح معه.
(1) رابط المقال: عربي-المستقبل-قصة-مصورة-ضد-سطوة-الصورة-النمطيةhttps://alarab.co.uk /
(2) رابط المقال: https://www.geiroon.net/author/nahed-badawia/
تصفّح المقالات