ثقافة الاستبداد و ثقافة الاحتجاج


قاسم حسين صالح
الحوار المتمدن - العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 11:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     



وكالات:
(استيقظت مدينة الناصرية صباح الأحد ( 2 / 6 / 2024) على موجة احتجاجية جديدة أمام بوابات شركات نفطية حكومية، وأخرى عند دوائر بلدية تعنى بتوزيع قطع الأراضي على شرائح المواطنين. وبدأت التظاهرات بشكل سلمي، إلا أن التوترات تصاعدت بسرعة عندما حاولت القوات الأمنية تفريق المحتجين، لتبدأ صدامات اسفرت عن إصابات متعددة بين الطرفين. وقال ممثل عن المحتجين إن "عدد المحتجين من أصحاب العقود يبلغ ثلاثة آلاف عقد وهم يطالبون بالتثبيت على الملاك الدائم، لبلوغ المدة القانونية لهم).
حدث (الأحد 2 /6 / 2024) يعيد الى الذاكرة حدث ( الثلاثاء،الأول من تشرين أول/اكتوبر 2019 ) يوم انطلقت في المحافظات الوسطى والجنوبية تظاهرات تطالب بتوفير فرص عمل للشباب وحملة الشهادات العليا،وتأمين الخدمات ومكافحة الفساد واستعادة وطن كان حصيلتها اكثر من ستمئة شهيدا واكثر من(24)الف جريحا، اثار غضب واستنكار حتى المرجعية الدينية التي طالبت في خطبة الجمعة (11 تشرين اول 2019) على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي،الحكومة العراقية مسؤولية اراقة الدماء،وامهلتها اسبوعين لكشف الجناة ومحاسبتهم..ليؤكد الحدثان وما سبقهما بدءا من تظاهرات شباط 2011 ان الحاكم المستبد ،اذا انفرد بالسلطة والثروة فانه يعتبر سلوك الأحتجاج ..تمردا يجب القضاء عليه ،وانه اذا تلطخت يداه بدماء ابناء شعبه ،يصبح القتل لديه سهلا وحقا مشروعا.

ثقافة الأستبداد- تحليل سيكوبولتك

الهدف الرئيس لثقافة الاستبداد هو بقاء الحاكم في السلطة، وقد شاعت في العراق بعد (2006)،مع ان المبدأ الاساس للنظام الديقراطي هو تبادل السلطة سلميا.والأغرب انها صارت حاضنة لاعادة انتاج نظام بثقافة استبدادية اخطر،لأن قادة أحزاب السلطة عزفوا على اوتار الطائفية والمحاصصة والقومية،وبها استطاعوا جذب جماهير مغيب وعيها .وكنّا شخصنا اسباب شيوع ثقافة الاستبداد في النظام الديمقراطي! بخمسة اهمها سبب رئيس واحد هو ان الأشخاص الذين كانوا في الخارج زمن النظام الدكتاتوري،واستلموا السلطة بعد(2003)،اعتبروا أنفسهم (ضحية)..ومن سيكولوجيا الضحية هذه نشأ لديهم الشعور بـ(الأحقية) في الأستفراد بالسلطة والثروة،معتبرين ملايين العراقيين في الداخل اما موالين لنظام الطاغية أو خانعين..وأنهم،بنظرهم،لا مشروعية لهم بحقوق المواطنة،حولتهم ، بحتمية الغطرسة السيكولوجية، الى حكّام مستبدين.
والذي مكنهم اكثر ان القوى الأمنية،كانت معبأة بثقافة الأنظمة المستبدة.ومع انه لا يراد منها ان تتضامن مع محتجين مستلبين مطحونين في فعل سلمي يتظاهرون من اجل احقاق حق يخص شعبا ووطنا..فان ما قامت به من تصرفات في (17 و 20 تشرين الثاني 2015) بالاعتداء على المتظاهرين بالضرب والكلام البذيء واعتقال اكثر من 25 منهم ما اساءوا الى احد،والطلب منهم التوقيع على تعهد بعدم المشاركة في التظاهرات،وما تعرض له اھالي قضاء المدينة في محافظة البصرة في اثناء قيامهم بداية تموز (2018) بتظاھرة سلمية مجازة رسميا،وقيام قوات الامن بالتصدي العنيف للمتظاھرين بإطلاق النار بالرصاص الحي بشكل عشوائي نجم عنه استشهاد الشاب (سعدي يعقوب المنصوري)..تؤكد ان الاستبداد سيبقى هو الوسيلة التي يتعامل بها قادة احزاب السلطة مع سلوك الاحتجاج حتى لو كان سلميا.
ثقافة التظاهر.
يعدّ التظاهر سلوكا حضاريا سلميا يمارسه مواطنو البلدان الديمقراطية..يحصل حين تخرج الحكومة او السلطات عن القانون او تتلكأ في تنفيذ فقراته، ليردعها ويجبرها على الالتزام بالقانون والدستور. ذلك ما يراه الخبراء السياسيون فيما يفضل علماء النفس والاجتماع السياسي مصطلح (الاحتجاج الجمعي) ويصنفونه الى نوعين:تمرّد غوغائي لمحرومين(رعاع او حثالة) يقعون في اسفل الهرم الاقتصادي للمجتمع،واحتجاج سياسي لأفراد من طبقات وفئات اجتماعية متنوعة تشعر بالمظلومية وعدم العدالة الاجتماعية.
وحديثا توصل العلماء المعنيون بدراسة سلوك الاحتجاج السياسي في الصين ودول اخرى الى ان السبب الرئيس لقيام الناس بالتظاهر ناجم عن الشعور بالحيف والحرمان والمظلومية وهدر لكرامة الانسان والآحساس باللامعنى والاغتراب،والشعور باليأس من اصلاح حال كانوا قد طالبوا بتغييره نحو الأفضل وما استجابت الجهة المسؤولة لمطالبهم. ونضيف بأن سلوك الاحتجاج بوصفه ناجم عن مظالم اجتماعية وعدم عدالة اقتصادية يؤدي الى قهر وضغوط نفسية تتجاوز حدود القدرة على تحمّلها خمس سنوات..فكيف اذا استمرت عشرين سنة..دون بارقة أمل!
وما حصل ان بين المحتجين..المتظاهرين من لا يمتلك اخلاقيات سلوك الاحتجاج فيدفعه شعوره بالظلم ونفاد صبره الى الاعتداء على موظف ليس صاحب قرار ..ويبدو ان هذا حصل من بعض المحتجين في مدينة الناصرية.
ومع كل ما حصل فان على الحكومة النظر الى ان اي سلوك احتجاج جماهيري هو حق مشروع لهم، وان عليها ان تتحاور مع قيادات المحتجين وتحقيق مطالبهم ..مع ان المعادلة معكوسة في العراق ..ولن تستقيم ما دام حيتان الفساد الذين افقروا 13 مليون عراقي، باعتراف وزارة التخطيط ،هم الدولة العميقة في العراق.
*