روسيا ترد


فالح الحمراني
2024 / 5 / 31 - 18:54     

دعت روسيا مراراً وتكراراً نظام كييف إلى وقف الهجمات على أراضيها وعلى البنية التحتية المدنية. ‏وعلى الرغم من ذلك، يواصل فلاديمير زيلينسكي إصدار الأوامر بشن ضربات على المدن الروسية ‏المسالمة. وقد طالت الهجمات الأخيرة شبه جزيرة القرم ومنطقة بيلغورود. وبالنتيجة إسقطت ثمانية ‏صواريخ‎ ‎فوق إقليم كيرتش، ولكن تضررت عبارتان مدنيتان بسبب الحطام. وفي إحدى قرى منطقة ‏بيلغورود، قُتل شخص وأصيب تسعة من السكان المحليين. وجرت خلال الليل أيضا محاولة لمهاجمة إقليم ‏نوفوروسيسك. ولم يمض وقت طويل حتى جاء الرد الروسي، ففي الساعة الخامسة من صباح اليوم، دمرت ‏الهجمات الصاروخية منشآت القوات المسلحة الأوكرانية في كييف، مما أجبر سكان كييف على الاختباء في ‏الملاجئ ‏
وتلقى الرئيس الأوكراني الذي تقول موسكو إن ولايته انتهت، تحذيرات متكررة بعدم استفزاز روسيا، ‏خاصة مع استخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار. ومع ذلك، وعلى الرغم من التحذيرات، تواصل ‏كييف محاولاتها، الأمر الذي يؤدي دائما إلى ضربات انتقامية. لقد أصبحت البنية التحتية للطاقة في ‏أوكرانيا في حالة خراب، وتتعرض المصانع العسكرية للهجمات بانتظام بالصواريخ، وتحولت مراكز ‏القيادة والترسانات ومناطق تجمع القوات والمرتزقة إلى أنقاض‎.‎
وأشار الخبير العسكري ألكسندر إيفانوفسكي إلى أنه لا توجد أماكن في أوكرانيا لا يستطيع الجيش الروسي ‏الوصول إليها. ووفقا له، تم في بداية الأسبوع تدمير العديد من منشآت القوات المسلحة الأوكرانية في ‏منطقتي أوديسا ونيكولاييف. وقد ضربت الهجمات الصاروخية مؤخرًا غرب أوكرانيا، بما في ذلك المخابئ ‏الخرسانية والمطارات العسكرية. واليوم عانت كييف وضواحيها‎.‎
ويستمر تحديث البيانات. وتنطلق صفارات الإنذار من الغارات الجوية في جميع أنحاء أوكرانيا، وتظهر ‏خريطة التحذير من الصواريخ على الإنترنت 16 منطقة باللون الأحمر. وبحسب تقرير لقناة "العامة" على ‏تلغرام، فقد سُمع دوي انفجارات في كييف‎.‎
ووفقا للمعلومات الأولية، اندلع حريق في مبنى غير سكني في منطقة جولوسيفسكي في كييف. وأكدت ‏السلطات الرسمية في كييف هذه البيانات .‏
تشير الدلائل الى أن المواجهة الروسية، مع الغرب دخلت مرحلة عقب جولات المباحثات الثنائية بين ‏روسيا والولايات المتحدة ومع حلف الناتو ومنظمة الأمن الأوربي، وحصول موسكو على الرد الأمريكي / ‏الأطلسي بصيغة مكتوبة على مطالبها بتوفير ضمانات موَثقة لأمنها الوطني، علاوة على ظهور مؤشرات ‏على محاولات توسيع المجابهة " بين روسيا والغرب" بجر مراكز إقليمية جديد بما في ذلك الشرق الأوسط ‏وامريكيا اللاتينية، لها. وثمة مؤشرات على ان المجابهة ستتخذ منحى جديدا يعتمد الدبلوماسية، والمجابهة ‏‏"الساخنة" في القضايا الخلافية الحساسية للأطراف، وستترك تداعياتها على هيكلة النظام الدولي وتوجهاته ‏المستقبلية، وظهور تكتلات دولية على أسس جديدة. ‏
ورد الغرب الجماعي، الذي يمثله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، والأمين العام لحلف الناتو ينس ‏ستولتنبرغ مساء 26 كانون الثاني، على المقترحات التي تقدمت بها روسيا في كانون الأول الماضي بشان ‏بتوفير ضمانات من الغرب لأمنها الوطني. ولم يتم الكشف عن تفاصيل الردود المكتوبة على الكرملين، لكن ‏تم نشر بعض النقاط. والموضوع الرئيسي فيها إن الغرب يرفض وقف عملية توسيع الناتو التي تطالب بها ‏موسكو . وكما كان متوقعا فقد قبلت الولايات المتحدة والناتو فقط بجزء مما ع طالبت به روسيا .‏
وقدم الكرملين تقييمه الأول للرد الأمريكي على تلك المقترحات. فقد أفاد الرئيس فلاديمير بوتين ووزير ‏الخارجية الروسية سيرجي لافروف أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تجاهلا مخاوف روسيا فيما ‏يتعلق بالمواضيع الرئيسية. ومع ذلك، لن تكون موسكو في عجلة من أمرها باتخاذ إجراءات صارمة ‏وفورية. وستتم دراسة ردود الناتو وأمريكا، وعلى هذا، فإن روسيا مستعدة لمواصلة المفاوضات‎.‎
لأول مرة منذ يوم الأربعاء، منذ أن سلم السفير الأمريكي جون سوليفان الوثائق ذات الصلة إلى وزارة ‏الخارجية الروسية، أدلى الرئيس بوتين بتعليقات بشأن رد أمريكا/ الناتو. ففي حديث مع الرئيس الفرنسي ‏إيمانويل ماكرون، قال إن الناتو والولايات المتحدة لم تقبلا بالمقترحات الروسية بشأن عدم جواز توسيع ‏التحالف شرقا، والتوقف عن نشر أنظمة أسلحة ضاربة بالقرب من الحدود الروسية، حسبما أفادت خدمة ‏الكرملين الصحفية. كما لفت بوتين الانتباه إلى حقيقة أن الناتو لا يريد إعادة قدراته العسكرية وبنيته التحتية ‏إلى مواقع عام 1997، أي قبل التوسع نحو الشرق. والأهم من ذلك، تجاهلت الولايات المتحدة القضية ‏الرئيسية: كيف ستتبع واشنطن وحلفاؤها مبدأ عدم قابلية تجزئة الأمن الأوروبي، والذي تم تحديده في كل ن ‏الوثائق المعتمدة على مستوى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفي وثائق مجلس روسيا ـ والناتو‎.‎
من حيث المبدأ، قال لافروف يوم الجمعة في مقابلة مع عدة محطات إذاعية روسية، الشيء نفسه. ولكن لم ‏يقل كل من الرئيس ووزير الخارجية أن الحوار مع الغرب لم ينجح وأن روسيا ستشرع فورا بإتخاد ‏الإجراءات المناسبة، والتي تم الإعلان عنها مرارا وتكرارا. وقالت خدمة الكرملين الصحفية إن "فلاديمير ‏بوتين أشار إلى أن الجانب الروسي سيدرس بعناية الردود المكتوبة التي وردت في 26 كانون الثاني من ‏الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لصياغة اتفاقيات بشأن الضمانات الأمنية، وبعد ذلك سيقرر ما هي ‏إجراءاته الإضافية‎".‎
وأشار لافروف إلى أن الردود الأمريكية تضمن " جانب عقلاني بشأن القضايا الثانوية". لذلك، لم يُعلن ‏انتهاء المفاوضات مع الغرب. ومن بين القضايا التي يمكن إجراء مفاوضات بشأنها، من وجهة نظر روسيا، ‏يدرج لافروف مناورات الناتو وروسيا القريبة بشكل خطير من مواقع بعضهما البعض الآخر، والاتفاق ‏على المسافة بين الطائرات والسفن العسكرية، ومصير معاهدة تصفية الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى‎.‎
ومن حيث المبدأ، فان حلف الناتو مستعد للحديث عن الموضوعات ذاتها. وضمن هذا السياق قال الأمين ‏العام لحلف الناتو ينس قال ستولتنبرغ : من المحتمل ان تُعقد في المستقبل القريب المحادثات بين الغرب ‏وروسيا على مستوى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وتقدمت موسكو بطلب لتوضيح مبدأ عدم قابلية ‏الأمن للتجزئة، المنصوص عليه في ميثاق الأمن الأوروبي وإعلان أستانا. وببساطة، يجب على جميع ‏أعضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الإعلان عن دعمهم العلني، أو عدم دعمهم لتوسع الناتو باتجاه ‏الشرق‎.‎
وسيكون الوضع المتعلق بأوكرانيا والتدابير الغربية المحتملة للضغط على موسكو، الموضوع الساخن ‏الآخر في العلاقات بين روسيا الإتحادية والغرب. ولا يزال مشروع ما يسمى بقانون "عقوبات الجحيم" ، ‏الذي يعني اعلان حرب اقتصادية فعلية ضد روسيا، قيد المناقشة في الكونجرس الأمريكي. وحذر لافروف ‏من أن روسيا الإتحادية يمكن أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا إذا اكتسبت ضغوطات العقوبات ‏طابعا شديدا. ولكن ستولتنبرغ والسفير الأمريكي سوليفان (الذي عقد مؤتمرا صحفيا عبر الإنترنت يوم ‏الجمعة) أنه من الضروري أعادا الأذهان إلى أن العقوبات الجديدة لن تُفرض إلا إذا شنت روسيا هجومًا ‏على الأراضي الأوكرانية‎.‎‏ "المخاوف الروسية" ، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمناورات بالقرب من الحدود ‏الروسية‎.‎‏ وأصدرت الخارجية الروسية يوم الخميس بيانا منفصلاً حول النزاع في أوكرانيا وقالت فيه : يبدو ‏أن المشرفين الأجانب على أوكرانيا مصممون على الالتزام الصارم بالسيناريو الذي اخترعوه، والذي الذي ‏يزعم بان روسيا ستهاجم أوكرانيا حتما. ومن مظاهر التصعيد في الموقف بشكل مصطنع انهم اعطوا الأمر ‏بإجلاء موظفي سفاراتهم من كييف، وزيادة إمدادات الأسلحة، والصراخ بصوت أعلى بشأن التهديد الروسي ‏المزعوم. حتى أنهم حددوا الزمن "لهجوم" روسيا على أوكرانيا: في وقت ما بين الآن ومنتصف شباط. ‏وأكدت روسيا على مختلف المستويات بعدم وجود أي خطط لديها بشن هجوم على أوكرانيا.‏
‏ وقال بلينكين في مؤتمره الصحفي إن واشنطن أرسلت لروسيا الإتحادية "مجموعة من الأفكار" أكثر مما ‏توقعته موسكو: وعلى حد قوله: ردود على المقترحات الروسية بقائمة محددة، ونقطة بنقطة، وتوضيح لماذا ‏لا يمكن قبول عدم قبول تلك او هذه من المقترحات. ووفقًا لوزيرة الخارجية، فإن واشنطن مستعدة لمناقشة ‏نظام الحد من التسلح في أوروبا ، وكذلك سبل استعادة الثقة بين روسيا والغرب في المجال العسكري‎.‎
وخرجت صحيفة نيويورك تايمز باستنتاج منطقي مفادهً أن الرد الأمريكي سيمهد الطريق للمفاوضات بشأن ‏معاهدة تصفية ومرابطة الصواريخ القريبة والمتوسطة المدى، الذي‎ ‎لم يدخل حيز التنفيذ منذ عام 2019. ‏وتؤكد الصحيفة أن الأمريكيين في ردهم لا يمنحون الإتحاد الروسي حق النقض (الفيتو) على نشر أي نوع ‏من الأسلحة في أوروبا‎.‎‏ وكان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أكثر تحديدا من بلينكن، حيث حدد ‏ثلاثة مجالات يعتقد الأمريكيون وحلفاؤهم أن إحراز تقدم في العلاقات مع روسيا أمر ممكن. وهي استعادة ‏الاتصالات بين روسيا والناتو. ودعا ستولتنبرغ إلى إعادة فتح مكاتبكل من روسيا والحلف في بروكسل ‏وموسكو. ولا يشك الدبلوماسيون الغربيون بانه سيتم فتح المكاتب بطريقة أو بأخرى. وبالتالي، فإن تمثيل ‏الاتحاد الأوروبي في موسكو لن يتولى مهام مكتب الناتو كما عليه الأمر، ومثل هذا التكليف أمر منطقي إذا ‏كانت بروكسل تتوقع انقطاعًا طويل الأمد في العلاقات مع روسيا. كما تحدث ستولتنبرغ لصالح استئناف ‏الحوار بين العسكريين ومواصلة الحوار حول مناورات الأطلسي بالقرب من حدود روسيا. ‏
‏ ‏