الأجيال وجدل الأفضلية المزمن


محمد وهاب عبود
2024 / 5 / 8 - 22:30     

تحت ضغط العاطفة والتجربة الشخصية تميل غالبية البشر إلى إصدار الأحكام والتقييمات إزاء القضايا الانسانية والأحداث الحياتية المختلفة، وتتجلى تلك الاحكام بإطلاق توصيفات ونعوت بعضها يحمل طابعا ايجابيا والآخر سلبيا، وقلما يتم إعطاء تفسيرات عقلانية ضمن إطار السبب والنتيجة، مع استبعاد فلك السياق المحيط بالظاهرة أو المشكلة الذي قد يكون سببا لتشكلها.
ولا يقتصر هذا السلوك الانفعالي على شعب او أمة بعينها بل سمة يتصف بها معظم الناس، سواء بدافع المحاكاة أو إبان لحظات اليأس والانكسار، وأحيانا بفعل تشابك الأحداث واضطرابها، ومثال على ذلك، العراقيون، وبفعل تقلبات الأحداث السياسية لديهم، تخيم على مجالسهم الثقافية والإعلامية والعائلية نقاشات أشبه بمرافعات المحاكم، طرف الكبار يحكمون على الجيل الحالي بالعجز والقصور واللامبالاة، وطرف شاب يرمي الاجيال السابقة بالتخلف والرجعية، فالأرضية الاجتماعية العامة مزروعة بعبارات مقولبة من قبيل: جيل الطيبين، جيل الأبطال، جيل الخير، وجيل الفقر، وجيل التفاهة وما إلى ذلك من توصيفات يجري تداولها بحالة تكرارية رتيبة في كل محفل وتجمع ومناسبة نقاشية تتناول العلاقة بين الاجيال المتعاقبة.
سوسيولوجيا، الجيل هو أهل زمان معين، يتأثرون بالتغييرات والتحولات التاريخية والاجتماعية والفكرية وبالعوامل التكنولوجية والاقتصادية والسياسية التي تطرأ على حياتهم، وتسهم في تشكيل تجاربهم وقيمهم وثقافتهم واتجاهاتهم، وإثر التفاعلات والحراك بين هذه العناصر لفترة من الزمن، تنشأ ولادة جيل جديد بهيئة مختلفة وهوية أخرى وأمام تحديات مغايرة تفرضها تغيرات البيئة الاجتماعية الجديدة.
إلا أن علماء الاجتماع يؤكدون وبشدة بأن الجيل ليس كتلة/مجموعة بشرية متجانسة تماما، ويحذرون من تعميم التقييمات عليها، وأن الجيل ليس بالضرورة أن يكون بذات الرؤى والخصائص والسمات، وكذلك الإقرار بوجود اختلافات فردية على كل المستويات داخل منظومة الجيل الواحد. وهذا السبب مدعاة لنبذ جدلية التفاضل بين الأجيال، لأن الجيل وجه الزمن ككل أكثر مما هو سمة إنسان.