التدخل تمييزا بقرار الجنايات بصفتها التمييزية : تمييز كوردستان نموذجا
وليد عبدالحسين جبر
2024 / 4 / 29 - 17:09
في عدد جريدة الزمان (7838 ) بتاريخ ١٦ / ٣ / ٢٠٢٤ وكذلك جريدة البينة الجديدة بالعدد (4313) بتاريخ ١٧ / ٣ / ٢٠٢٤ كتبتُ تعليقا قانونيا في مقال عن قرار محكمة جنايات واسط بصفتها التمييزية الذي رفضت الطعن بحكم صادر عنها عن طريق تصحيح القرار التمييزي لإن قرارات الجنايات بصفتها التمييزية باتة غير قابلة للطعن ، وبينت وجهة نظري القانونية المتواضعة بالضد من اتجاه محكمة جنايات واسط بصفتها التمييزية مع احترامي الكبير لقضاتها الافاضل واحكامها الرصينة الا ان لي قراءة مغايرة لنصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة ١٩٧١ المعدل من ان احكام محكمة الجنايات بصفتها التمييزية غير محصنة من الطعن بها لا سيما استنادا الى المادة (264) الاصولية . وحيث محكمة تمييز كوردستان في قرارها ادناه تتسق ووجهة نظرها وتؤيد ما ذهبنا اليه آثرنا الاشارة اليه والتعليق بشيء مختصر على ما ورد اليه .
فبتاريخ ٤ / ٤ / ٢٠٢٤ طالعتنا محكمة تمييز كوردستان بقرارها بالعدد / ٥٦٢ / الهيئة الجزائية الثانية / ٢٠٢٤ الذي قبلت به طلب طالب التدخل التمييزي / السيد رئيس الادعاء العام في اقليم كوردستان ضد قرار محكمة جنايات اربيل بصفتها التمييزية المرقم ٢٣٠ / ت ج / ٢٠٢٤ في ٢٠٢٤/٢/١٢ بخصوص قرار قاضي محكمة تحقيق اربيل المؤرخ في ( ۲٠٢٤/١/٢ ) والمتضمن رد طلب وكيل المتهمة ( .. ) بغلق الدعوى وقراره المؤرخ في ٢٠٢٤/١/٣ المتضمن رد طلبه بمفاتحة دائرة التسجيل العقاري بجلب الأوليات ، ولعدم قناعة المميز بالقرارين المذكورين اعلاه بادر الى الطعن بهما تمييزا بلائحته التمييزية المؤرخة في (٢٠٢٤/١/٧ ) ثم قررت محكمة جنايات اربيل بقرارها المرقم ( ٢٣٠ / ت ج / ٢٠٢٤ ) في ( ٢٠٢٤/٢/١٢ ) نقض القرارين و تأييد الطعن التمييزي ولعدم قناعة رئيس الادعاء العام بالقرار المذكور فقد طلب التدخل فيه تمييزا و نقضه بموجب طلبه المقدم الى هذه المحكمة . وارسلت رئاسة الادعاء العام اضبارة الدعوى الى هذه المحكمة للنظر في الطلب المقدم، ولدى ورودها سجلت و وضعت قيد التدقيق والمداولة :
(( وجد ان طلب التدخل التمييزي ينصب على قرار محكمة جنايات اربيل / ١ بصفتها التمييزية بالعدد ٢٣٠ / ت ج / ٢٠٢٤ في ٢٠٢٤/٢/١٢ ، رغم ان القرارات التي تصدرها محكمة الجنايات بتلك الصفة باتة بمقتضى البند "د" من المادة ٢٦٥ من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ المعدل ، الا ان لمحكمة التمييز استنادا الى البند ب / من المادة ٢٦٤ من القانون المشار اليه ان تتدخل أي قرار أو حكم صادر من محكمة جزائية أو محكمة تحقيق في أية دعوى وفي اية مرحلة من مراحلها متى ما ثبت لها بأن هذا القرار كان مخالفا للقانون ، وحيث ثبت أن هناك اسبابا تستدعي التدخل في القرار المطلوب التدخل فيه ، لانه يحتوى على خطا قانوني ، حيث ان محكمة الجنايات ناقشت في قرارها كفاءة الادلة أي وجودها وصحتها ومن ثم قررت نقض قراري قاضي تحقيق اربيل المذكورين اعلاه واعادة الدعوى اليها لفرض غلق الدعوى وذلك قبل اكتمال التحقيق في الدعوى الجزائية وقبل تدوين أو سماع اقوال المتهمة فيها وفق احكام المادتين ( ۲۸۹ - ۲۹۸ ) من قانون العقوبات ، وحيث ان محكمة الجنايات بصفتها التمييزية انما تمارس دور محكمة التمييز عند نظرها الطعون على قرارات قاضي التحقيق وفقا لما نصت عليه المادة ٢٦٥ /د من قانون أصول المحاكمات المشار اليه ، فهي حين ممارستها هذا الدور تكون محكمة القانون لا محكمة الموضوع فلا يصح لها ولو كانت هي نفسها محكمة الموضوع لتلك الدعوى بصفتها التمييزية ان تناقش الادلة و تفصل في مدى سلامتها وكفايتها في مرحلة التحقيق و قبل اكتماله ، لان ذلك يعد ممارسة دور محكمة الموضوع حين النظر في الدعوى كمحكمة القانون مما يخلط الأدوار ويتعجل النتاج بشكل لا يمكن التكهن باحتمال صحته ويتجاوز أو يتوسع في دور محكمة الجنايات بصفتها التمييزية ليمده الى ادوار لا يصح لتلك المحكمة ان تمارسها الا بصفتها الأصلية كمحكمة الموضوع من خلال اجراءات محاكمة عادلة - تعقد بناء على اجراءات تحقيق مكتملة - تستمع فيها للأدلة بنفسها ويمكن الاطراف من تقديم دفوعهم واقوالهم ودفاع المتهم نفسه ثم تفصل في الدعوى في ضوء ما يتحقق لديها من قناعة من تلك المحاكمة لكنها لا تملك ممارسة هذا الدور - دون تلك الاجراءات من خلال تدقيق اضبارة الدعوى أثناء الطعن في قرارات قاضي التحقيق قبل اكتمال التحقيق والا كان ذلك تبني المسار في الدعوى الجزائية غير ما يقرره القانون ، ومؤدى ذلك أن محكمة الجنايات حين نظرها الطعون بقرارات قاضي تحقيق تكتفي بفحص قانونية وسلامة القرارات المطعون فيه ، أما مناقشة الادلة و فحصها اثناء النظر في الطعن التمييزي أمر لا تختص به محكمة الجنايات بصفتها التمييزية ولا يجيزه القانون في تلك المرحلة ، وحيث لوحظ بأن محاكم الجنايات بصفتها التمييزية توسعت في ممارسة هذا الدور واتخذته كطريق للفصل في الدعاوى الجزائية حتى قبل أكمال التحقيق و تدوين أو سماع اقوال المتهم في قضايا جنايات خطيرة مما يجعل النتائج التي تتوصل اليها غير محسوبة النتائج ومستعجلة وتشكل خطر محدق بالعدالة الجنائية وحسن تطبيق القانون و تحدى لسيادتها لمساسها و مخالفتها للقانون الاجرائي الحامي للشرعية الاجرائية الجنائية التي تعد الدعامة الاساسية لحسن تطبيق السياسات والمعايير الجنائية لأى دولة أو اقليم تحرص على المساواة بين مواطنيها وحماية حقوقهم ، عليه تأسيسا على ما تقدم قرر التدخل تمييزا في قرار محكمة جنايات اربيل / ١ بالعدد ۲۳۰ / ت ج / ۲۰۲٤ ففي ٢٠٢٤/٢/١٢ ونقضه و تصديق قراري قاضي تحقيق اربيل المؤرخين في ۲۰۲۳/۱۲/۷ و ٢٠٢٤/۱/۳ واعادة الدعوى الى محكمة الجنايات المذكورة أنفا بغية ايداعها لدى محكمة تحقيق اربيل من اجل انجاز التحقيق و اكماله وفق الاصول ، وصدر القرار بالاتفاق)).
ومن خلال الرجوع الى نص المادة ( 264) الاصولية نجدها تشير اشارة واضحة وبشكل مطلق غير مقيد بأية قيود الى صحة هذا الاتجاه القضائي العراقي الكوردستاني حيث جاء فيها :
" ا- اضافة الى الاحكام المتقدمة يجوز لمحكمة التمييز ان تطلب اية دعوى جزائية لتدقيق ما صدر فيها من احكام وقرارات وتدابير واوامر من تلقاء نفسها او بناء على طلب الادعاء العام او اي ذي علاقة ويكون لها في هذه الحالة السلطات التمييزية المنصوص عليها في هذا الفصل" ولا نعرف الى أي سند من القانون تستند بعض محاكم الجنايات بصفتها التمييزية في تحصين احكامها التمييزية من الطعن تاركة النص المشار اليه دون تسبيب قضائي واضح ، على خلاف ما ذهبت اليه محكمة تمييز كوردستان في قبول الطعن واعادة التحقيق في الدعوى الجزائية .
لذا لأهمية هكذا اتجاه قضائي يحقق اكبر قدر ممكن من العدالة ولكونه يتفق وما ذهبنا اليه في مقال سابق عن ذات الموضوع آثرنا ان نقف عليه الان ، املين لقضائنا سواء الاتحادي ام قضاء اقليم كوردستان مزيد من الاتجاهات التي تمثل قراءة دقيقة وبتفسير متطور للقانون يحقق العدالة للمتقاضين و يصيب صحيح القانون.