موسيقى المسدس
خالد بطراوي
2024 / 4 / 25 - 22:13
أستغرب، أيها الأحبة، أشد الاستغراب من المتباكين على "ديمقراطية" الغرب ومفاهيمه وتطبيقاته لحقوق الانسان، سواء أكانت هذه الحقوق فردية أم جماعية.
تراهم إزاء العدوان على أهلنا في قطاع غزّة والمجازر التي إرتكبت وترتكب الى الان يتسألون عن تشدق الغرب بالديمقراطية وحقوق الانسان والمنظومة الدولية والمعاهدات والاتفاقيات والمقولات الرنانة.
كيف لنا أن نعّول على الغرب وعلى الامبريالية؟ كيف لنا أن نتنكر للمعادلة التي نعرفها منذ نعومة أظفارنا والتي مفادها أن مصالح الدول ( وبخاصة العظمى) هي التي تطغى وتسبق أية حقوق للأفراد والجماعات؟
ذلك أن جوهر الإمبريالية وإحتكاراتها العالمية لدفة الاقتصاد ومونوبوليا السلاح والدواء والمخدرات هو الحاق الأذى والدمار بالانسان والشعوب بغية أن يزداد الطلب على سلعهم التي تدر لهم الأموال الطائلة ( فيما يعرف بدورة رأس المال) وبغية السيطرة على مقدرات البلاد والشعوب.
أما مسائل الديمقراطية وحقوق الانسان بالنسبة للامبريالية فهي مجرد "ديكور للزينة" ومقولات ليس أكثر، ولشديد الأسف فإننا نطرب لها.
يعجبنا حكم أو سيادة القانون على سبيل المثال في الدول الأوروبية وأمريكا، نتغنى ببرلماناتهم وحياتهم الانتخابية بل ويحاول اليعض منا الوصول الى هذه البرلمانات بثمن باهظ للغاية ألا وهو تقديم الولاء وإظهار الدعم اللامحدود لدولة الاحتلال تجنبا للاتهام بمعاداة السامية، ونشعر بالرضا عن نماذج التعليم والضمان الإجتماعي والخدمات الصحية في تلك البلدان ونحن نعلم تمام العلم أن ذلك كله مجرد "مورفين" تخدير للشعوب كي لا يفكر المرء إلا في أموره الشخصية والذاتية، أما إذا حاول التحرك والاحتجاج فسوف يلقى الأمرين فما بالكم إذا ما سعى للتغيير والتأطير؟ ولعلمكم، فإن أعتى قلاع التعذيب والتنكيل والسجون هي في تلك البلدان.
ثمة مسألة أخرى غاية في الأهمية، لا يوجد أخلاقيات حرب، ولم يسجل في التاريخ أنه، في الحروب، لم يقتل طفل صغير ولا شيخ كبير ولا إمرأة ولم تعقر نخلة ولم تقطع شجرة ولم تذبح شاه ولا بقره ولا بعير إلا لمأكله وفقا لوصية الصحابي أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
فكل ذلك يحصل في الحروب، فما بالكم إذا كان عدوانا من طرف واحد لدولة إحتلال تشكل رأس حربة للامبريالية في المنطقة.
وفي أعقاب ذلك كله تحاول الدبلوماسية الامبريالية تجميل ما يحصل أو الدفاع بشراسة وتسخير الأطر القانونية الدولية "لشرعنة" هذه المجازر والعدوان، ومع ذلك، نبقى نصرخ مستهجنين أن تفعل الامبريالية ذلك كله.
لدينا أيها الأحبة وبدرجات متفاوتة قصور في الرؤيا سواء أكانت هذه الرؤيا منطلقة من فكر قومي أو عقائدي ديني مسيس أو فكر أممي، ومرد ذلك كله اننا لا نعيد معادلات الحياة الى صوت الحياة الأول المتعلق بالصراع بين الخير والشر وبين الصالح العام والخاص والى بديهيات الصراع الطبقي.
وأمام قصور الرؤيا هذه تضبط الدوائر الامبريالية تحركاتها وفقا "لموسيقى المسدس" فتشعل الحروب والنزاعات الداخلية المسلحة هنا وهناك، وتبقى الشعوب هي الضحية وتزداد عملية السيطرة على مقدرات هذه البسيطة.
في ظل ذلك كله، حتى الإمبريالية ذاتها وعملا بمقولة "كل شىء يحمل في داخله .... ضده" تتنازع فيما بينها بغية إحكام سيطرة هذا التحالف أو ذاك، وتصل في النهاية الى توازنات دولية واقليمية ومحلية فيما بينها بعد أن تكون قد أشعلت فتيل الحروب والنزاعات ليس على أرضها.
هذه هي معادلة "موسيقى المسدس" في مواجهة معادلة "صوت الحياة الأول"، وعلينا أن نعيد توجيه بوصلتنا إنطلاقا من فن إدارة الصراع الطبقي.
نقطة وع السطر.