كيف يخلق الكون نفسه
إلياس شتواني
2024 / 4 / 13 - 03:43
"الفلسفة قد ماتت، الفلسفة لم تلاحق تطورات العلم الحديثة، وخصوصا في مجال الفيزياء" أعلنها ستيفن هوكينج مدوية في كتابه "التصميم العظيم". تتجلى أهمية الفيزياء، بالاضافة الى أنها قابلة للاختبار، في أنها تعتبر أن الكون ذاته ليس له تاريخ واحد، حتى أنه ليس له وجود مستقل. تعتمد الفيزياء الحديثة على مقاربة الواقعية المعتمدة على النموذج (Model-dependent realism). هذه المقاربة تفترض أنه لا وجود لمفهوم "صورة" أو "نظرية" مستقلة عن الواقع، وتعتمد في دراسة المادة على نموذج رياضي مع مجموعة قواعد تربط مكونات هذا النموذج بالملاحظة.
النظرية "إم" تقدم اجابة لمسألة الخلق. طبقا لهذه النظرية، فان الكون الذي نعيش فيه ليس هو الكون الوحيد، بل تؤكد هذه النظرية على أن هناك عددا كبيرا من الأكوان التي وجدت من العدم، ولا يتطلب ايجادها تدخلا من اله أو من طاقة ميتافيزيقية، بل هي خاضعة بشكل طبيعي لقوانين الفيزياء. النموذج الفيزيائي يعود بنا حوالي 13.7 مليار سنة الى الوراء حتى الانفجار الكبير، ويفسر بذلك، معتمدا كذلك على الأدلة التاريخية والجيولوجية، معظم النظريات والملاحظات المتعلقة بالكون ونشأته.
في كتاب "التصميم العظيم" لستيفن هوكينج - ص 67 نقرأ شروط النموذج المقبول:
ان أي نموذج يكون جيدا اذا كان:
1. رائعا.
2. يحتوي على القليل من العناصر الاعتباطية والقابلة للتعديل.
3. يتوافق مع كل الملاحظات الموجودة ويفسرها.
4. يقوم بتنبؤات تفصيلية عن المستقبل، يمكنها دحض أو تكذيب النموذج ان لم تكن مؤيدة له.
النموذج الفيزيائي ردّي (Reductionist)، فهو يردّ الكون الى حالته الأولى والأصلية؛ اذ يعتبر أن القوى الموجودة في الواقع - أي قوى الجاذبية، المغناطيسية، والنووية القوية والضعيفة - تنتقل بواسطة المجالات. في نظريات الفيزياء الكمية يتم تصوير هذه المجالات على أنها مصنوعة من جسيمات أولية تسمى بوزونات (Bosons)، وهي جسيمات تحمل القوة وتحلق، بشكل ارتدادي، جيئة وذهابا بين جسيمات المادة لنقلها. تسمى جسيمات المادة فيرمونات (Fermions)، والالكترونات والكواركات هي أمثلة للفيرمونات. والفوتون؛ أي جسيم الضوء، هو مثال للبوزون.
النموذج الفيزيائي يكشف عن كون مبكر ساخن وصغير الحجم. فاشعاع موجات الخلفية الكونية الميكروويفية هو الاشعاع المتبقي من الكون الابتدائي الكثيف والساخن، والذي وجد بعد الانفجار الكبير بفترة قصيرة. مع تمدد الكون، راح يبرد حتى أصبح الاشعاع مجرد تلك البقايا الخافتة التي تلاحظ الآن في الكون؛ بقايا من عناصر الهيدروجين والهيليوم والليثيوم.
يعتبر هذا النموذج أن الموجات الميكروويفية هي التصميم الأصلي لكل بنية الكون. فتراوحات الكم أدت ولا زالت تؤدي الى خلق أكوان دقيقة من لاشيء. القليل منها يصل الى حجم كبير، ومن ثم يتمدد ويتضخم مكونا مجرات ونجوما، ومكونا في حالة واحدة ونادرة، كوكب الأرض وعليه كائنات مثلنا. يشير انتظام الكون، من منظور هذا النموذج، بأنه محكوم بقوانين ثابتة وقابلة للرصد، وليس بنزوات أو أهواء الآلهة.
طاقة الكون الاجمالية يجب أن تبقى دوما صفرا، ويستلزم الأمر طاقة لتخليق المادة. كيف اذن يتم خلق الكون بأكمله من لا شيء؟ يجيب العلم الحديث: لأن هناك قانونا يسمى الجاذبية، فان الكون يمكنه أن يخلق نفسه من لا شيء، وسيفعل ذلك، اذا توفرت الظروف المناسبة، بشكل مستمر وسلس. الخلق "التلقائي" هو السبب في أن هناك شيئا بدلا من اللاشيء؛ المادة بدلا من اللامادة. ليس من الضروري اقحام الآلهة لتفسير "الخلق" وتنظيم الكون، فالملاحظ يقينا، ان كان هناك إله، فانه فعلا يلعب بالنرد..