ملامح الصورة الجمالية لدى الشاعرة منى سبع
داود السلمان
2024 / 4 / 8 - 10:29
لا غرو من أن المتابع لنصوص منى سبع الشعرية، يشاطرني الرأي، بما أدعي من قول بأن هذه النصوص تفوح بعبق مميز، وبوح جمالي خصب، خصوصًا وأن الشاعرة تكتب القصيدة العمودية (وبإمكانها أن تكتب بلون آخر لقابليات واضحة لديها) وتمتاز بذلك عن قريناتها من الشاعرات، اللواتي نهجنّ نهجًا مخالفًا لنهجها الذي اختارته بنفسها؛ لأنّ الابداع لا يقف عند حدٍّ، والساحة الفنية الابداعية مترامية الأطراف، وتستوعب كل من لديه الشجاعة والإقدام، ليسلّ سيف إبداعه ويطلب المبارزة والنزال، بهدف الفضول، لكون الإنسان كائن فضولي يحب الخوض في كلَ شيء، ويستهويه التمرّد.
هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فإنّ من المعلوم بأن القصيدة العمودية، صعبة التراكيب والمراس، وتحتاج إلى اللغة الرصينة، والخيال الواسع، والثقافة الخاصة بالعروض الشعرية والاوزان، هذا وغيره مما هو معلوم لدى شعراء القصيدة الكلاسيكية؛ وليس هذا وحسب، بل الأمر أكثر من ذلك، كون القصيدة العمودية تحتاج إلى الصبر والمعاناة، والمواظبة، والمراجعة الدؤوبة والتتابع، حتى تنضج ثم تخرج الى النور وهي في حسنها المياس؛ وإلّا فأن ثمة كثير من القصائد العمودية، من لم تضف عليها هالة الحداثة، والتقنيات الفنية، والعبارات المغايرة التي كانت تكتب قبل مئات السنين، وللأسف مازال البعض، يكتبها اليوم بخيال قديم، وأسلوب ضحل، كأنّه لا يمت بصلة لواقعنا الحاضر المعاش.
إنّ القصيدة التي تكتبها شاعرتنا منى السبع، هي مختلفة جدا عمن كانت تُكتب في عهود غابرة، وهو ما استنتجناه من متابعتنا لما كتب الشاعرة السبع، وما يقطع الشك والريبة، هذه القصيدة التي بين أيدينا الآن، وبإمكان القارئ أن يقرأها ويتمعن في مفرداتها ومعانيها، ثم ليحكم هو بنفسه، وهذا ليس أدعاء ندعيه.
إذن، ونزولا عما تفوهنا به، وفلسفناه بدون القفز على مديات الواقع الراهن، نرى بأن الصورة الجمالية التي ترسمها الشاعرة، صورة حية تنبض بإبداع مختلف، استطاعت أن ترسمه شاعرتنا، وتؤطره بخيال فني عميق الغور، لا يخلو من حكمة، ومن المرجّح، بأن الشاعرة متأثرة الى حدٍ ما بالشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري.
وحتى لا يأخذنا العجب، فنشرق يمينا ونغرّب شمالا، لنقرأ معًا نص القصيدة التي كتبها منى السبع، بخيال خصب، وبروح شفافة غارقة بمياه الحس الفني، وطابع الجمال الذوقي.
نص القصيدة
- نزيف الكبرياء -
غادري الصمتَ يا سنيني وبوحي
وأملأي بالسنا دهاليزَ روحي
ذكّري مَنْ سلا بما ضاعَ منّي
ما تخفّى وراءَ ثوبِ القروحِ
قولي اني قد كنتُ للشمسِ صنوا
تستدلُ الدنيا بوجهي الصبوحِ
غالني الدهرُ، غالني يوم اهدى
حُسنَ وجهي وملبسي للقبيحِ
كلَّ يومٍ مسوخهُ في رياضي
عابثات يُفْزعنها بالفحيحِ
طوقتني من كلِّ صوبٍ ذئابٌ
غارسات انيابها عمق روحي
في فؤادي تمورُ امواجُ همٍّ
ويلتاه على فؤادي الجريحِ
صامتٌ فرط خيبةٍ واعتلالٍ
صمتَ مَنْ باتَ نائما في ضريحِ
والليالي خيولهنَّ الرزايا
صاهلات يركضن فوق الجروحِ
أينَ تلكَ الذرى عليها تعالى
بيرقُ النورِ والعطا والطموحِ !!
أينَ؟ يبكي على شفاهي سؤالي
طاولتْ هامتي قصارُ السفوحِ ..