الشاعر يسبق الزمن في قصيدة -الليل- منير إبراهيم
رائد الحواري
2024 / 4 / 8 - 03:13
الشاعر يسبق الزمن في قصيدة
"الليل"
منير إبراهيم
"يا ليل كيف ينام صوتك
قم وحدثني عن الألم المحدق
فيّ
كفاك صمتا
حينما أجثو إليك
وتلفني الأحلام
ثم تلقيني عليّ
لمن أشكوك !!
يا ليل المواجع
يا صديق الذاكرة
وهل يفلح القلم الذي بين يدي !
سأخُطُ صمتاً صاخطاً
سطرا إلى كل السطور
رسالة المغدور
والمقهور
لكن لن أعيد لكم
بسط يدي"
ما يمر به شعبنا الفلسطيني من قتل وتشريد وأسر وتدمير مدنه وقراه يجعلنا في حالة ألم مستمرة، حتى إننا لم نعد نقدر على ممارسة حياتنا العادية، ففي كل دقيقة هناك شهداء وجرحى وأسرى، هذا عدا عن تدمير البيوت والأحياء والمخيمات، واقتحام المدن بالجرافات والآليات والدبابات، لم نعد نحتمل، والله لم نعد نقدر تحمل ما نحن فيه.
والآن جاء خبر مفجع لكل فلسطيني ولكل عربي شريف، إلا وهو استشهاد "وليد دقة" الذي أمضى خمسة وثلاثين عاما في الأسر ومات دون أن يرى ابنته "ميلاد" وأنا أقرأ ما يكتبه الأصدقاء وجدت قصيدة "الليل" للشاعر "منير إبراهيم" التي كتبها قبل يومين بالتمام عما نحن فيه.
اللافت في هذه القصيدة أنها يمكن إسقاطها على حالة "وليد دقة" الذي حرمه الاحتلال من مشاهدة ابنته، حتى بعد أن أمضى أكثر من ثلاثة عقود في الأسر، ورغم أصابته بمرض السرطان، إلا أن دولة الاحتلال العنصرية استمرت في أسره، حتى جاءه الموت قبل أن يرى الحرية.
من هنا تأتي أهمية قصيدة "الليل" التي سبقت وقتها بيومين، لكن هذا يكفي لنقول عنها إنها قصيدة عن وليد ولوليد، ولكل أسير، ولكل فلسطيني، يفتتح الشاعر القصيدة بمخاطبة الليل: يا لليل" فبدا وكأن المتحدث هو "وليد دقة" حيث نجد الوجع/الألم في صيغة الخطاب: "يا لليل كيف ينام صوتك، قم وحدثني، كفاك صماتا، لم أشكوك، يا ليل المواجع" فصيغة الخطاب تجعل القصيدة ساخنة، متقدة، بمعنى أنه يمكن إسقاطها على كل موجوع في هذا الكون.
ونلاحظ أن الشاعر/وليد يهتم بالكلام، بالحديث عما يعانيه من صمت، لهذا نجده يستخدم مجموعة ألفاظ ذات علاقة بالكلام: "صوتك، وحدثني، صمتا (مكرر)، أشكوك، ساخط، صاخبا" وهذا يعكس أثر الصمت الرسمي العربي والعالمي على ما يمر به الفلسطيني من أبادة على يد الصهاينة، فكان كلام/تحدث الشاعر/وليد بمثابة قرع جدار الخزان.
ونجده يشير إلى دوره كشاعر/كأديب ـ وليد دقة كاتب وقاص أيضا ـ من خلال تناوله لفعل الكتابة: "القلم، سطرا/السطور، رسالة" ومن خلال تناسق الألفاظ التي استخدمها: "ساخط صمتا صاخبا، المغدور والمقهور" وهذا الترتيب وما فيه من هدوء وجمال يعكس قدرة الشاعر/وليد على (تجاوز/نسيان) الألم والتحدث/التكلم بصوت الشاعر والأديب.
لكننا نجده يتمرد على هذا الهدوء ويختم القصيدة ب: "لكن لن أعيد لك بسط يدي" وهذا يشير إلى أن الشاعر/وليد حسم أمره وأمر شعبه، بحيث لم يعد هناك أي لقاء/هدنة مع الاحتلال الذي يمارس بطشه الوحشي ضد شعبنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا.
من هنا يمكننا القول إن الشاعر/وليد يمارس ثورة ويريدنا أن نماثله في فعله.
وإذا ما توقفنا عن ألفاظ القصيدة سنجدها ألفاظا (عادية/سهلة) ولا تحاج إلى معجم، وهذا يعود إلى أن الظرف/الحال/الوقت يحول دون استخدام ما هو ثقيل ومتعب، فالشاعر/وليد لا يعطيه الظرف مجال للتحدث بلغة عالية، لكن فكرة الألم، وما أراد إيصاله وصل للمتلقي وبصورة كاملة وفاعلة، فصيغة النداء جعلت القصيدة مؤثرة وحامية.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
Muneer Ibrahim