صوت المرأة في قصيدة - ترفق بي- رفاه حبيب


رائد الحواري
2024 / 4 / 1 - 01:27     

صوت المرأة في قصيدة
" ترفق بي"
رفاه حبيب
"ترفّق بي
وانثر بذور هواك
عند مفترق الغواية
فأنا ربة الخصب
وداجون قد مرّ من هنا
وهمّ بتوزيع الأدوار
و الحصاد آتٍ لامحالة
أيها الطالع من عمق ذاكرتي
أسطورة أنت
أم محض صدفة
أم غصة تسكن أحلامي
تعتلي قمة وجعي
تتربع على همي
وتنكش دمّلة
كنت قد خبأتها
بين صفحات النسيان
ترفّق بي
أرخِ ستائر الصمت على آخر همس لنا
فقد تعبت من التأويل
أرهقتني احتمالات المعاني
وباتت اللاءات رفيقة الحضور
دثرني بشهقة وجد
أنتظرها منذ وله
أحتمي بها من صقيع المسافات
وأرق الأوهام
احملني على جناحي أمل
وحلّق بي
إلى هناك
حيث الدفء والأحلام"
في الأدب العربي قليلة هي الأعمال الأدبية التي جاءت على لسان المرأة، وهذا يعود إلى التاريخ، والتراث، والعقلية الذكورية التي تعتبر (صوتها) عورة، مما جعله (مكتوما) ويجعلها بلا صوت، وإن وجد هذا الصوت، فهو ليمدح السلطة الذكورية التي تقمعها، مما يجعل علاقة المرأة بالرجل مماثلة لعلاقة المجتمع مع نظام الحاكم، المدح والتعظيم والطاعة.
لهذا يميل القارئ إلى الممنوع/المرأة وإلى صوتها، حيث يجد فيه ما هو جديد (وغير مألوف/مسموح) إذن نحن أمام نص استثنائي يتجاوز ما هو مطروح أدبيا، فالشاعرة "رفاه حبيب" تتحدث عن حاجتها ومشاعرها تجاه رجلها الذي تحب، وهذا الأمر كافي لتكون القصيدة متميزة ومشوقة.
سنحاول التوقف عند ما جاء في القصيدة لتبيان الجمالية التي جاءت في القصيدة، ونبدأ من الألفاظ التي عبرت بها الشاعرة عن طلباتها/حاجتها للحبيب: "ترفق بي وأنثر هوالك، ترفق بي أرخ ستائر الصمت، دثرني بشهقة وجد، أحملني حيث الدفء" نلاحظ أن البادية متعلقة بالمشاعر بالحب/هواك، وجاء الفعل الناعم "أنثر" ليكون قرين الحب/هواك، وهذا ما يجعل حاجتها عاطفية/روحية أكثر منها جسدية.
بينما نجدها في المطلب الثاني تريد التأمل/ أريخ ستائر الصمت، لتتجاوز مرحلة (الصراع) وتحسم أمرها مع الحبيب، وهذا الحسم يعتمد على العقل والعاطفة معا، بمعنى أنها بادرت إلى فعل سبقت به الرجل، التفكير/التأمل، وبهذا تكون الشاعرة قد قدمت صورة جريئة عن المرأة التي تسبق/تتجاوز الرجل بقول الحقيقة وتبوح بما تريده.
وفي المطلب الثالث نجدها تتقدم خطوة إلى الأمام، طالب منه الفعل وليكون رجلها جريئا "دثرني بشهقة وجد" ونلاحظ أن تبعات هذا الفعل ـ رغم أنه حساس ـ جاءت بسيطة "وله" وإذا علمنا أن طريقة إخراج "الشهقة" تجيء بصوت "آه" القريب من ال"وله" نصل إلى أن الشاعرة لا تتحدث عن مشاعرها من خلال حالة الوعي، بل من خلال عقلها الباطن، من خلال مشاعرها وما هو داخلها، لهذا جاءت الألفاظ متناسقة وتخدم الفكرة التي تقدمها.
المطلب الرابع والأخير جاء يحمل معنى ما هو روحي/عاطفي "جناحي أمل" ويحمل معنى ما هو مادي/ الدفء، وهذا الترتيب ـ تقديم العاطفي/الروحي "أمل" على المادي/دفء يعيدنا مرة أخرى من فاتحة القصيدة التي قدمت العاطفة/هواك على الحاجة المادية/الجسدية "دثرني".
ولا تكمن جمالية القصيدة على هذا التناسق بين الفكرة والألفاظ فحسب، بل طال أيضا الشكل الفني الذي قدمت به القصيدة، فالشاعرة تستعين بالأسطورة والملاحم التراثية، وتتحدث بصوت "عشتار": "أنا ربة الخصب" بينما جاء "داجون" منكرا "مر من هنا" دون أن يتحدث أو يصدر منه حتى حرف، وهذا يخدم قوة المرأة "عشتار" وتبعية الرجل "داجون" لها، حيث تستحثه على العمل/القول: "أيها الطالع من عمق ذاكرتي، أسطورة أنت، أم غصة تسكن أحلامي" وهو ساكن بلا حراك، وهذا ما يؤكد قوة وفاعلية وتقدم المرأة/عشتار التي تحمل صفات الحرب والخصب، الخصب الجنسي، وخصب الثمار والطعام، على الرجل/داجون الذي يمثل نوع واحد من الخصب "الحنطة".
القصيدة منشورة على صفحة الشاعرة.